استضافت القاعة الرئيسية في اليوم الثالث من معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، ندوة فكرية بعنوان "العرب والغرب: رؤى متبادلة"، وذلك ضمن محور "مع الفكر"، وشارك في الندوة المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز، والكاتب المغربي محمد المعزوز، وأدارها الباحث الدكتور نبيل عبد الفتاح.

واستهل الدكتور نبيل عبد الفتاح الندوة بالحديث عن التحولات الكبرى التي شهدها الفكر العربي منذ صدمة الحداثة مع الحملة الفرنسية على الشرق، ثم مشاريع النهضة في عهد محمد علي وإبراهيم باشا، وصولًا إلى دور المغرب العربي الآن الذي يظهر كمصدر قوة ثقافية وفكرية في العالم العربي.

نهضة ثورية 


من جانبه تناول عبد الإله بلقزيز الطريقة التي تعامل بها العرب مع الغرب منذ القرن التاسع عشر، مشيرًا إلى الانقسام الذي حدث بين النخب العربية بعد حملة نابليون، فقد انقسمت هذه النخب إلى تيارين: التيار الأصولي: الذي تمسك بالمرجعيات التقليدية واعتبر الغرب تهديدًا يجب مقاومته، والتيار العصري (الليبرالي): الذي رأى في الغرب نموذجًا يجب الاحتذاء به لبناء الحداثة، وانقسم بدوره إلى:     الإصلاحية الإسلامية: ممثلة في محمد عبده، جمال الدين الأفغاني، ورفاعة الطهطاوي، والنهضويون: مثل بطرس البستاني، أديب إسحاق، جورج زيدان، وطه حسين.
وأشار "بلقزيز" إلى أن كل تيار تبنى رؤية أحادية للغرب، إما باعتباره "شرًا مطلقًا" أو "خيرًا مطلقًا"، في حين أن الغرب كيان متنوع يضم الهيمنة والعنصرية والصهيونية، لكنه في الوقت نفسه يمثل النهضة والثورة التعليمية والعلمانية، وبالتالي فإن الإشكالية ليست في الغرب ذاته، بل في النظرة العربية المغلقة تجاهه.


من جانبه، شكر محمد المعزوز الهيئة المصرية العامة للكتاب على تنظيم تلك الندوة، ثم انتقل إلى الحديث عن القضية الفلسطينية وتأثير الفكر الغربي في تشكيل علاقتنا بها، وأكد أن الفكر الغربي، رغم أهميته، لم يساعد العرب على إنتاج فكر مستقل، بل أدى إلى انفصالهم عن تراثهم الفلسفي، مثل إسهامات ابن سينا وابن رشد، والاندماج في الثقافة الغربية دون إنتاج فكري حقيقي.
وضرب مثالًا بالفيلسوف توما الأكويني، الذي وصلته أفكار ابن رشد مشوهة عبر الترجمات العبرية، ما أدى إلى تحريف رؤيته للفلسفة العربية، كما أشار إلى التشويه المتعمد لصورة الفلاسفة العرب في الفنون، حيث تم تصوير ابن سينا وابن رشد على أنهم توابع للملوك الأوروبيين، وهو ما يعكس التأثير السلبي للفكر الغربي على صورة التراث العربي.
واختتم "المعزوز" حديثه بالإشارة إلى مواقف بعض المفكرين الغربيين، مثل إرنست رينان، الذي وصف العرب بأنهم "همج" والإسلام بأنه "غير عقلاني"، مما دفع جمال الدين الأفغاني للرد عليه مؤكدًا أن "الدين والفلسفة يلتقيان".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: معرض القاهرة الدولي للكتاب نبيل عبد الفتاح العرب والغرب المزيد

إقرأ أيضاً:

الناقدة العراقية موج يوسف: معرض الكتاب حدث عالمي ضخم.. ويفتح نافذة جديدة للتواصل الثقافي بين العرب

من شواطئ دجلة، حيث تشرب الفكر العراقي من مياهه العميقة، إلى ضفاف النيل، حيث يكتسب الحرف المصري طعماً يلامس روح التاريخ، جاءت الدكتورة موج يوسف، الناقدة المبدعة، لتطل علينا برؤاها النقدية، وتغرد بأصوات إبداعية عميقة، تحمل في طياتها التأملات الكبرى، بين ضفتي النهرين، تلتقي الفكرة بالجمال، وتتناغم الكتابة مع الروح الإنسانية، لتبدع من خلال كلماتها، رسالة ثقافية، تخرج من قلب أرض الأهرامات نحو أفق الأدب العربي.

تحدثت الناقدة العراقية، في حوار خاص مع «الوطن»، على هامش مشاركتها في معرض القاهرة الدولي للكتاب، لتأخذ منبراً تفتح به نافذة جديدة على فكرها النقدي، وفهمها العميق للثقافة الأدبية العربية.

بين سطور هذا الحوار، تكشف عن رؤاها الثاقبة، وتربط بين صخب المعرض وأصداء تاريخ الأدب العربي، وفيما يلي تفاصيل الحوار.

موج يوسف: القاهرة مدينة عريقة تاريخيا وثقافيا

بعد مشاركتك بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، كيف يمكن تقييم تأثير المعرض محلياً وعربياً وعالمياً؟

- هذه المشاركة الأولى لي في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وشعرت بالفخر لزيارة هذه المدينة النابضة بالحياة، التي لا تنام وتتفاعل مع كل جديد، وأثناء تجولي في المعرض لاحظت تفاعلاً إيجابياً كبيراً مع القراءة، خاصة بين فئة الشباب، هذا الأمر أسعدني كثيراً، إذ يضمن لنا مستقبلاً واعداً لأوطاننا، فالشباب الذين يقرأون بهذا الشغف هم شباب واعٍ ومثقف.

ولم يقتصر الأمر على الحضور الكبير للشباب، بل لاحظت أيضاً اهتمامهم الكبير باختيار الكتب، حيث جاء كل منهم بقائمة مسبقة لما يرغب في اقتنائه، وهذا يدل على أن القراءة لدى الشباب المصري ليست مجرد هواية عابرة، بل هي شغف حقيقي، ومن اللافت للنظر أن معرض القاهرة الدولي للكتاب ليس مجرد حدث محلي، بل هو احتفال عالمي كبير، فقد التقيت بالعديد من القراء العرب والأجانب من مختلف الدول، الذين جاءوا خصيصاً للمشاركة فى هذا الحدث الثقافى الضخم، وأعتقد أن معرض القاهرة الدولى للكتاب يستحق أن يحظى بتغطية إعلامية أوسع على مستوى الوطن العربى، فصوره وأجواؤه تستحق أن تصل إلى كل محب للقراءة، كما أن القاهرة ليست مجرد مدينة عريقة بتاريخها وحضارتها، بل هى أيضاً مدينة حاضرة بقوة فى المشهد الثقافى العربى، حيث القراءة جزء لا يتجزأ من حياة أهلها.

ما الدافع وراء اختيارك لشعر أمل دنقل لدراسته فى سياق الأنساق الثقافية؟.. وما الذى يميزه عن غيره من الشعراء؟

- دراستى لأمل دنقل كانت أطروحة الماجستير الخاصة بى، وكنت أرغب فى دراسة شاعر بطريقة مختلفة، خاصة أن دراسة الأنساق الثقافية فى تلك الفترة كانت جديدة ومغامرة، ولعل «أمل»، الذى وُصف بـ«أمير شعراء الرفض» وهو ثورى فى الأساس، أردت أن أفكك خطابه الشعرى، وما يضمره من خلال الأنساق الدينية والسياسية والاجتماعية، لذا كان عنوان الرسالة «الذات والمجتمع.. دراسة فى شعر أمل دنقل»، وكانت هذه المغامرة الأولى لشاعر أستطيع وصفه بـ«المجنون»، لأنه عرفنى إلى خطر كبير، كنت رافضة إلى حد كبير، ولذلك كانت أطروحتى عرضة للرفض، لكن بعد إتمام الماجستير، اكتشفت أننى ناقدة، وهذا الشاعر هو من دلنى على النقد، من خلال أمل دنقل استطعت أن أتعرف على المجتمع المصرى بكل طبقاته، لا سيما الطبقات الفقيرة والمنسية، فهو مادة ثرية وقابلة للتأويل، وعندما أعود الآن لقراءة قصائده، أكتشف أشياء جديدة أتمنى أن أكتب عنها مرة أخرى.

ما تأثير ذلك على المتلقى؟

الأنساق الثقافية فى شعر أمل دنقل كثيرة، وتتطلب أن يكون المتلقى غنياً ثقافياً، ليتمكن من فهمها، عندما كنت طالبة ماجستير، اعترفت أن مرجعياتى الثقافية كانت محدودة مقارنةً بحجم شعره، كان أمل دنقل قارئاً للتوراة والإنجيل والتاريخ والأساطير اليونانية والمشرقية، واستطاع أن يوظف هذه الثروة من المرجعيات داخل القصيدة، وبالتالى كل بيت شعر تحتاج إلى كتاب كامل لفهمه، وقد تأخرت كثيراً فى فهم هذه الأمور، لكنه علمنى الكثير عن الأساطير والشخصيات التى لم أتعرّف عليها من قبل، كما عدت لقراءة التاريخ بشكل تجريدى، على سبيل المثال، فى قصيدته «الحديث مع أبى موسى الأشعرى» حول قضية التحكيم بين بنى أمية، تتجلى التوترات التاريخية فى نصه.

كيف تعكس هذه الرؤية التفاعل بين النص الأدبى والسياق الاجتماعى؟

- لا قيمة لأى نص أدبى إذا لم يلامس المجتمع، النقد الثقافى يجب أن يقف فى صف المحتجين، لا فى صف السلطة، لأن السلطة قد تجعل الكتابة تقتصر على الأطر التقليدية، ولا تحفز على التفكير، النقد الثقافى يعزز الوعى الاجتماعى للأدب، من خلال تسليط الضوء على تأثير النصوص على المجتمع والفرد، الأدب الروسى على سبيل المثال، الذى كُتب فى الأزقة القديمة فى ظل الفقر والبرد، لا يزال حياً، لارتباطه الوثيق بالواقع الاجتماعى.

هل هناك اختلاف فى البحث والتحقيق فى الأعمال الأدبية المختلفة من وجهة نظرك؟

- عندما بدأت فى النقد الثقافى، كانت القراءة النقدية للنصوص هى التى جعلتنى أختار المادة للبحث والتحقيق، النقد الثقافى يختلف عن القراءة التقليدية، فهو ينظر إلى النصوص من زاوية أعمق تتعلق بالثقافة والمجتمع، الشعر عادةً ما يُخفى الأنساق الثقافية وراء البلاغة الجميلة، لكن فى السرد يكون من السهل كشفها، فالنقد الثقافى يساعد على إضاءة هذه الأنساق، والتعرف على ما يخفيه الشاعر عن المتلقى.

هل يمكن للنقد الثقافى أن يعيد تشكيل وعى القارئ بالنص الأدبى؟

- نعم، النقد الثقافى يعيد تشكيل وعى القارئ، هو يساعد القارئ على فهم النص الأدبى الذى قد يكون مكتوباً فى اللاوعى، النقد الثقافى ينبه القارئ إلى الأنساق الثقافية التى قد تكون تسربت إلى النص عبر العصور.

«ألف ليلة وليلة» نص عربي أصيل رغم التنوع الثقافي

إلى أى مدى تؤثر البيئة الثقافية والاجتماعية على تطور الأساليب النقدية فى العالم العربى؟

- البيئة الثقافية والاجتماعية تؤثر بشكل كبير على النقد فى العالم العربى، الناقد فى العديد من الأحيان يضطر للتملق لكتابة النقد، لأنه يواجه ضغوطاً من الشعراء وأصحاب المنابر الثقافية، هذه البيئة تحد من تطور النقد الثقافى الأصيل.

كيف تتعاملين مع النصوص التى تحمل تناقضات ثقافية، أو تعكس صراعات الهوية فى المجتمعات العربية؟

- النقد الثقافى يعرض هذه التناقضات ويحللها، من خلال منهجية فكرية اجتماعية، والنصوص التى تحمل تناقضات ثقافية تعكس صراعات الهوية فى المجتمعات العربية، النقد الثقافى يساعد فى كشف هذه التناقضات من خلال تحليل النصوص، وربطها بالسياق الاجتماعى والثقافى.

الدراسة النقدية

النقد الثقافى مرتبط بالشعر الانقلابى، أمل دنقل كتب الشعر فى مرحلة معينة، وارتبط بحادثة تاريخية معينة، عندما نعيد قراءة قصيدته نجد أنها تعكس الواقع الحالى، النقد الثقافى يتعامل مع النصوص من منظور النقد الثورى، الذى يحاول أن يعكس تجارب شخصية اجتماعية وتاريخية. النقد، فى رأيى، هو تمرد على النصوص التى قد تكون غير واضحة أو مشوهة، وأمل دنقل حمل هذا الفكر الانقلابى فى شعره، وفى نفس الوقت كان يطرح أسئلة نقدية تثير حواراً مع المتلقى.

مقالات مشابهة

  • الناقدة العراقية موج يوسف: معرض الكتاب حدث عالمي ضخم.. ويفتح نافذة جديدة للتواصل الثقافي بين العرب
  • معرض الكتاب يناقش "المختار من المنتسب والمغترب في لغة العرب"
  • معرض الكتاب يناقش «الفكر الصهيوني لإقامة الدولة اليهودية».. صور
  • "كن متصلاً".. أولى فعاليات القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب
  • "كن متصلاً".. أولى فعاليات القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة للكتاب
  • ندوة بـ معرض الكتاب تناقش أثر اللغة العربية على الثقافة الأفريقية (صور)
  • القاعة الرئيسية بمعرض الكتاب تناقش دور الذكاء الاصطناعي في استشراف المستقبل
  • الأمين العام لاتحاد أدباء وكتاب العرب يشيد بجناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمعرض الكتاب
  • إسهامات العرب في الكيمياء بين أهم إصدارات دار الكتب والوثائق في معرض الكتاب