الثورة  / محمد الروحاني

ليس الإرهاب بمنظور الأمريكيين ما يمارسه كيان الاحتلال الإسرائيلي من جرائم إبادة جماعية وممارسات قمعية، وتهجير، بحق الفلسطينيين، ولكن الإرهاب هو أن يقف الشعب الفلسطيني بوجه الكيان الإسرائيلي ويدافع عن حقوقه وأرضه .

الإرهاب بنظر الأمريكيين هو مناهضة سياسيات أمريكا الاستعمارية الرامية إلى تدمير الشعوب العربية والإسلامية من أجل خدمة الكيان الإسرائيلي التي تقف أمريكا وراءه بكل ما أوتيت من قوة .

ولأن الشعب اليمني وقف مناهضاً لسياسات أمريكا ورفض كل الإغراءات التي قدمتها واشنطن مقابل التخلي عن غزة، واصطف إلى جانب الشعب الفلسطيني في معركة طوفان الأقصى وواجه الكيان الإسرائيلي وأمريكا، وانتصر عليها، قررت واشنطن معاقبته عن طريق إعادة إدراج أنصار الله إلى قوائم الإرهاب الأمريكية وهي ورقة طالما أشهرتها واشنطن في وجه الشعب اليمني منذ بداية العدوان عليه في العام 2015م .

ولا يستهدف هذا التصنيف أنصار الله كمكون يمني أصيل ملتزم بأداء واجباته الوطنية والقومية والإسلامية بقدر ما يشكل استهدافاً للشعب اليمني، ويأتي في إطار الانتقام من اليمن على مواقفه الثابتة والتزامه الديني والأخلاقي في إسناد ودعم القضية الفلسطينية وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر وحرب إبادة جماعية منذ أكثر من 15 شهراً.

ويعكس التصنيف انحياز الإدارات الأمريكية المتعاقبة الداعمة والمساندة لكيان العدو الإسرائيلي المحتل وشراكته في كل الجرائم والمجازر التي ارتكبها ويرتكبها بحق الأشقاء في فلسطين ولبنان والعراق وبحق الشعب اليمني .

وليس أنصار الله أول المدرجين على قوائم الإرهاب الأمريكية، فواشنطن لها باع طويل في هذا المضمار، فهي قد أدرجت قبله جميع حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله، والعديد من الحركات المقاومة في المنطقة إلى قوائم الإرهاب الخاصة بها .

فصائل المقاومة الفلسطينية

لقد كانت فصائل المقاومة الفلسطينية أول المستهدفين من واشنطن، ففي العام 1997م، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية حركة المقاومة الفلسطينية حماس إلى قوائم الإرهاب، وفي نفس العام أدرجت الخارجية الأمريكية حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى قوائم الإرهاب الخاصة بها .

ولم تكتف واشنطن بتصنيف حركات المقاومة الفلسطينية منظمات إرهابية، بل عملت على الضغط على العديد من الدول التي تدور في فلكها لاتخاذ إجراءات مماثلة، ففي العام 2003م، وافق الاتحاد الأوروبي على تصنيف حركة المقاومة حماس منظمة إرهابية بضغط من واشنطن، ولكن محكمة الاتحاد الأوروبي قررت إزالة حركة حماس من هذه القائمة في العام 2014م .

وبناءً على التوجيهات الأمريكية أدرجت كلا من نيوزلندا، وكندا، واليابان، ومصر، والأردن، والسعودية، حركة حماس ضمن قوائم الإرهاب خلال الأعوام من 2003 إلى 2014م.

حزب الله اللبناني

وعلى غرار ما فعلته واشنطن مع حركات المقاومة الفلسطينية صنفت الخارجية الأمريكية في العام 1997م، حزب اللبناني إلى قوائمها الخاصة بالإرهاب .

كما عملت على الضغط على الدول العربية بإدراج حزب الله إلى قائمة الإرهاب حيث صنفت السعودية، ومصر حزب الله إلى قوائم الإرهاب استجابة للتوجيهات الأمريكية .

رعاية الإرهاب في اليمن

وعلى عكس اتهاماتها للآخرين بالإرهاب تعتبر واشنطن هي راعية الإرهاب الأول في العالم حيث أكدت العديد من التقارير علاقتها الكبيرة بإنشاء التنظيمات الإرهابية ورعايتها ، وتمويلها لتنفيذ أجندتها في كل بقاع الأرض ومنها اليمن حيث وقفت التنظيمات الإرهابية ومرتزقة العدوان منذ بداية العدوان في خندق واحد ومعركة واحدة باعتراف التنظيمات الإرهابية، التي أقرت صراحة بمشاركة عناصرها لمرتزقة العدوان في عدة جبهات في اليمن، وهو الاعتراف الذي وضع حداً لنفي تحالف العدوان المستمر مشاركة التنظيمات الإرهابية في معاركه التي يديرها في اليمن وأزاح الستار عن حقيقة الدور الذي يقوم به تحالف العدوان برعاية أمريكية في تمويل وتسليح الإرهاب على الأراضي اليمنية .

صفقات واتفاقات

منذ إعلان تحالف العدوان حربه على اليمن في مارس 2015م، عمد تحالف العدوان وبرعاية أمريكية إلى إبرام صفقات مع التنظيمات الإرهابية للانخراط في صفوف قواته التي تقاتل في اليمن وهو ما أكدته تقارير الصحف والوكالات الغربية، حيث كشفت وكالة ” أسيوشيتد برس ” في اغسطس 2018م، في تقرير مطول عن إبرام تحالف العدوان برعاية أمريكية لاتفاقات سرية مع تنظيم القاعدة تضمن للتنظيم الحصول على مواقع جديدة يقيم عليها معسكراته مقابل انخراطه في المعركة التي يديرها في اليمن .

وحسب التقرير، فقد انسحبت القاعدة في 2016م، من مدينة المكلا الساحلية الجنوبية وسبع مناطق في محافظة أبين المجاورة، بموجب صفقات تم التوصل إليها مع تحالف العدوان برعاية أمريكية .

وأوضح التقرير الذي قال إنه يستند إلى شهادات ومقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً، بينهم ضباط أمن يمنيون وقادة جماعات ووسطاء قبليون وأربعة أعضاء في القاعدة، أن تلك الصفقات تضمنت ضم 10 آلاف من رجال القبائل المحليين، بما في ذلك 250 من مقاتلي القاعدة إلى الحزام الأمني، القوة اليمنية المدعومة إماراتياً في المنطقة .

انخراط مباشر

شاركت “القاعدة” منذ انطلاق العدوان على اليمن في الكثير من المعارك جنباً إلى جنب مع مرتزقة العدوان، حيث أكدت ” أسوشيتد برس ” في تقريرها انها أجرت مقابلة من خلال صحفي محلي مع خالد باطرفي قبل أن يصبح الأخير أميراً لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، والتي اعلن خلالها باطرفي، “أن مقاتلي القاعدة يتواجدون على جميع خطوط المواجهة الرئيسية التي تقاتل المتمردين الحوثيين”، حسب تعبيره.

ووفق التقرير فإن مقاتلي القاعدة، انضموا إلى المعارك بشكل مستقل في بعض الأماكن، لكن في العديد من الحالات يقوم قادة المليشيات من الطائفة السلفية المتشددة وجماعة الإخوان المسلمين بإحضارهم مباشرة إلى صفوفهم حيث يستفيدون من تمويل تحالف العدوان .

رعاية أمريكية

تقرير ” أسوشييتد برس”، أكد أن الصفقات بين تحالف العدوان والتنظيمات الإرهابية كانت تجري بتنسيق ورعاية أمريكية وهو ما اعترف به مشاركون بارزون في تلك الاتفاقيات، حيث قالوا إن الولايات المتحدة كانت على علم بالترتيبات وعلقت أي هجمات بطائرات بدون طيار.

كما أورد التقرير تعقيباً لـ “مايكل هورتون” في مؤسسة “جيمستاون”، وهي مؤسسة تحليلات أمريكية تتعقب الإرهاب قال فيه: إن عناصر الجيش الأمريكي يدركون بوضوح أن الكثير مما تفعله الولايات المتحدة في اليمن هو مساعدة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

لم تكن الأسوشييتد برس وحدها من كشفت عن قتال التنظيمات الإرهابية إلى جانب تحالف العدوان في اليمن، بل تعدى الأمر إلى اعتراف وسائل إعلام أمريكية بذلك ومنها قناة الـ CNN التي كشفت في فبراير 2019م عن وصول أسلحة أمريكية زوّدت بها واشنطن التحالف السعودي الإماراتي في اليمن إلى مقاتلين مرتبطين بتنظيم “القاعدة”.

دعم أمريكي مباشر

الدعم الأمريكي المباشر للتنظيمات الإرهابية أكدته الصور التي نشرها الإعلام الحربي لجيشنا اليمني واللجان الشعبية في يوليو 2021م والتي أظهرت أسلحة عليها شعار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في عملية “النصر المبين” بمرحلتها الثانية والّتي أدّت إلى تحرير مديريتي نعمان وناطع من عناصر جماعات ” داعش والقاعدة ” بمحافظة البيضاء .

إلى جانب الدعم المباشر، كان الأمريكيون يقدمون دعماً غير مباشر لهذه التنظيمات عن طريق عملائهم، حيث أظهرت الصور والوثائق- التي نُشرت في أغسطس 2020م بعد تطهير قوات الجيش واللجان الشعبية منطقة يكلا بالبيضاء من عناصر “القاعدة وداعش”- الدعم السعودي الذي كان يقدم لهذه العناصر ومنها منح حج مجانية من مركز الملك سلمان مقدمة لعناصر التنظيمات الإرهابية للعام 1439هـ ـ 2018م، بالإضافة إلى صور أخرى عن أموال سعودية وأجهزة تصوير واتصالات حديثة وجدت في مواقع عناصر “القاعدة وداعش”، إلى جانب مواد غذائية مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة التنظیمات الإرهابیة الکیان الإسرائیلی إلى قوائم الإرهاب تحالف العدوان حزب الله فی الیمن إلى جانب فی العام

إقرأ أيضاً:

الاستعمار لاستيطاني الإسرائيلي ومفارقة الإرهاب

عقب هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي نفذته حركة حماس على فرقة غزة ومستوطنات غلاف غزة، زعمت إسرائيل وجميع الحكومات الغربية أن إسرائيل وقعت ضحية "هجوم إرهابي" من قبل حماس، ولذلك فإن الدولة الصهيونية تتمتع بالحق الكامل في الدفاع عن نفسها ضد عدوها، وبما أن الجماعات المسلحة الفلسطينية تسببت في هذا "الهجوم غير المبرر" حسب ادعائهم، فعلى الفلسطينيين مواجهة حرب إبادة والتعرض للموت والدمار والتنكيل والتجويع والتهجير الذي تشنه عليهم إسرائيل باعتبار ذلك عملا من أعمال الدفاع عن النفس.

وقد صنفت دولة الاستعمار الاستيطاني التي قامت على "الإرهاب" كافة أشكال مقاومة مشروعها العسكرية والمدنية بالإرهاب، حيث بات "الإرهاب" صناعة صهيونية تبنته الدول الغربية، وشكل العقيدة الأمريكية الإمبريالية مع نهاية الحرب الباردة وحلول عصر الأحادية القطبية، وأصبح مصطلح "الإرهاب" يكافئ "الإسلام" وهوية الإرهابي تقتصر على العرب والمسلمين والفلسطينيين.

فمنذ اللحظات الأولى لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصبحت مفردة "الإرهاب" الأكثر تداولا على ألسنة قادة كيان الاحتلال الصهيوني وداعميهم الغربيين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وسرعان ما ترددت كلمة "الإرهاب" على ألسنة رعاة المستعمرة الصهيونية من الإمبرياليين الغربيين وفي طليعتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأصبحت مقولة "حماس هي داعش" سلعة رائجة، لكن الحقيقة التي بدت واضحة لكافة الأحرار في العالم أن "حماس" حركة تحرر وطني تناهض كيان استعماري استيطاني صهيوني قام على الإبادة والتطهير العرقي والإرهاب، وهو لم يتوقف عن استخدام الإرهاب في قمع مقاومة الشعب الفلسطيني.

الحالة الفلسطينية ووضعية غزة تشير إلى أمر مختلف تماما، ففد احتلت إسرائيل غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، رفضت إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق
إن الإصرار الغربي والإسرائيلي على وصف هجوم حماس بالإرهابي يتجاهل حقيقة التاريخ وطبيعة الاحتلال الإسرائيلي، وهو مغالطة تستند إلى الغطرسة والتفوقية العرقية، إذ يعتبر الهجوم إرهابيا يقابَل بحق الدفاع عن النفس من الناحية المنطقية في حالات الحياة الطبيعية بين دولتين مستقلتين حسب ميثاق الأمم المتحدة (1945) الذي صمم لاستبعاد العدوان العسكري، والذي يميل إلى التسبب في خرق السلم والأمن الدوليين، لكن الحالة الفلسطينية ووضعية غزة تشير إلى أمر مختلف تماما، ففد احتلت إسرائيل غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، رفضت إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق.

وفي حالة غزة على وجه التحديد، واصلت إسرائيل ممارسة السيطرة الفعلية على غزة، مع أنها أعلنت رسميا عن انسحاب قواتها وإخلاء أربع مستوطنات يهودية غير شرعية في عام 2005، ويرجع ذلك إلى أن "خطة فك الارتباط" نصت صراحة على أن إسرائيل ستواصل السيطرة على غزة جوا وبحرا وبرا، بينما ستحتفظ بسيطرتها على المعابر الحدودية وكذلك المرافق والخدمات العامة، مثل إمدادات المياه والكهرباء. ومن ثم استمرت غزة في المعاناة من العدوان الإسرائيلي في شكل احتلال بحكم الأمر الواقع كما اعترفت به الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان الدولية أو الإنسانية، مثل منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي، وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين على التوالي في عامي 1970 و1974 بعدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة.

عندما صرح الأمين العام للأمم المتحدة أن هجوم السابع من أكتوبر لم يأت من فراغ، فإنه كان يشير بطريقة دبلوماسية إلى تفسير مختلف، فالهجوم العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية يقيادة حماس ضد إسرائيل لا يشكل هجوما إرهابيا مسلحا أو عملا من أعمال العدوان العسكري كما هو محدد في القانون الدولي، وذلك لأن الدولة الخاضعة للاحتلال العسكري تتمتع بحق الدفاع عن النفس كما هو مذكور في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تمنح "الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس فرديا أو جماعيا إذا وقع هجوم مسلح" ضد دولة. وقد تم الاعتراف بعدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة حتى قبل الحرب العالمية الثانية، وفلسطين دولة رغم أنها تقع تحت الاحتلال العسكري، ومنذ إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، اعترفت بها حوالي 140 دولة، وهي "دولة مراقبة" في الأمم المتحدة منذ عام 2012.

إن حق المقاومة لأي شعب يقع تحت الاحتلال العسكري مشروع من الناحية القانونية وهو حق ثابت للشعب الفلسطيني، وقد تقرر أن حق الشعب في تحرير وطنه من خلال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي هو حق طبيعي كحق الإنسان في الحياة. وعلى النقيض من ذلك، لا تتمتع القوة المحتلة بحق الدفاع عن النفس ضد أولئك الذين هم تحت الاحتلال العسكري، ولذلك فإن ادعاء إسرائيل ممارسة حق الدفاع عن النفس ضد الهجوم العسكري للفصائل الفلسطينية المسلحة في جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يُعدّ الاحتلال العسكري وأعمال العدوان العامة من أبشع الجرائم في القانون الدولي. وفي حالة غزة فإن إسرائيل هي التي ترتكب عدوانا مسلحا على غزة وشعبها، بالإضافة إلى ارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فجوهر المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيةيُعدّ تحريفا صارخا لقواعد ومبادئ القانون الدولي المتعلقة باستخدام القوة، والاحتلال العسكري، وتقرير المصير، وإقامة الدولة، إذ يُعدّ الاحتلال العسكري وأعمال العدوان العامة من أبشع الجرائم في القانون الدولي. وفي حالة غزة فإن إسرائيل هي التي ترتكب عدوانا مسلحا على غزة وشعبها، بالإضافة إلى ارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فجوهر المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

تتجاوز إسرائيل وداعموها الغربيون حقيقة الكيان الاستعماري الصهيوني كقوة محتلة تقوم على الإرهاب في غزة منذ عام 1967، وكان عليها الالنزام القانوني بالامتثال لاتفاقيات لاهاي (1907) واتفاقية جنيف الرابعة (1949) وكذلك للقانون الدولي الخاص بقوانين النزاع المسلح والاحتلال العسكري. فبموجب القواعد ذات الصلة من القانون الدولي، يُحظر على الدولة المحتلة تغيير الوضع الراهن داخل الأراضي المحتلة، وبالتالي يجب عليها تجنب توسيع نطاق قوانينها وأنظمتها لتشمل المنطقة المحتلة، وهي ملزمة بعدم اتخاذ تدابير قانونية وإدارية تضر بسلامة ورفاهية السكان الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، فالقرارات والممارسات التي تهدف إلى حرمان السكان من سبل عيشهم الأساسية محظورة تماما بموجب القواعد القانونية الدولية.

ورغم ذلك تستمر إسرائيل وبدعم غربي في انتهاكٍ التزاماتها القانونية الدولية، بحيث تحوّل هجوم إسرائيل على غزة إلى حالة قتلٍ وإبادة متعمدٍ للفلسطينيين في غزة. وثمة أدلة دامغة على أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحقّ الغزيين خلال هجومها الوحشي على غزة جوا وبحرا وبرا، سعيا منها إلى إبادة أكبر عددٍ ممكنٍ من الفلسطينيين. كما أن قطعَ أساسيات الحياة في غزة، وهي الماء والغذاء والدواء والكهرباء، كان مُدبَّرا للتسبب في أكبر عددٍ ممكنٍ من الوفيات. كما خدمت هاتان الاستراتيجيتان الإباديتان هدفَ إسرائيل المتمثل في التطهير العرقي من خلال الترحيل القسري للسكان الفلسطينيين من غزة.

إحدى المفارقات الصارخة أن دولة استعمار استيطاني قامت على الإرهاب، تصف المقاومة لاحتلالها بالإرهاب، فالإرهاب الصهيوني موثق بصورة جلية دون لبس، فقد مارس الكيان الصهيوني الإرهاب على أساس يومي تقريبا منذ العام 1937، في الوقت نفسه الذي كان فيه البلطجية النازيون يرهبون اليهود الأوروبيين، حيث نفذت العصابات الصهيونية المشكّلة من الغرباء اليهود "حملات محسوبة من الإرهاب" ضد الفلسطينيين الأصليين، وفي هذه الحملة، قد تعرض الفلسطينيون للذبح والتشويه والترويع بلا رحمة جراء التفجيرات المتكررة أو الهجمات بالبنادق الرشاشة والقنابل اليدوية على المقاهي الفلسطينية وعلى "المارة العرضيين"، وعلى السيارات والحافلات الفلسطينية وقطارات الركاب ودور الأيتام والمدارس والمتاجر والأسواق والأحياء العربية. وأغارت العصابات اليهودية على القرى العربية، وزرعت الألغام الأرضية، وأعدمت بدم بارد على غرار النازية القرويين المحاصرين، وضاعفت عصابة الإرغون العسكرية القومية الإرهاب من خلال التهديد بـقطع الأيدي العربية التي ترتفع ضد القضية اليهودية.

لقد استُخدم مصطلح "الإرهاب اليهودي"، أو "الإرهاب الصهيوني"، قبل سنة 1948، للإشارة إلى الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها عصابات صهيونية مسلحة، واستهدفت السكان العرب الفلسطينيين، كما استهدفت سلطات الانتداب البريطاني. فمنذ الثورة الفلسطينية الكبرى في سنوات 1936-1939 وحتى تأسيس دولة إسرائيل، استُخدم الإرهاب الصهيوني بصفته استراتيجية عسكرية لتسريع إنشاء دولة يهودية مستقلة، وتم شن هجمات كثيرة على الفلسطينيين، بهدف ترويعهم ودفعهم إلى الانتقال والهجرة خارج البلاد، وعلى مراكز الجيش والشرطة البريطانيين، كما نُظمت عمليات اغتيال وتفجيرات لأسواق وسفن وفنادق. وقد وقف على رأس هذه العصابات الصهيونية زعماء أصبحوا، في السنوات اللاحقة، رؤساء لحكومات إسرائيل، مثل دافيد بن غوريون ومناحم بيغن وإسحاق شامير.

تكشف المسألة الفلسطينية وحالة حماس عن ذاتية مصطلح "الإرهاب" وغير موضوعيه، إذ يشكل مصطلح "الإرهاب" دالا مبنيا سياسيا، لا تجمعه بالضرورة علاقة تناسب طبيعية بالمدلول، ويرتبط بإرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، وهو خطاب أدائي للسلطة السيادية في علاقات القوة، يرتبط بالمصالح الجيوسياسية كتوظيف سياسي، إذ تستخدم الولايات المتحدة مصطلح "الدولة الراعية للإرهاب"، ضد الكيانات السياسية المعارضة للتوجهات الأمريكية، وهوية الإرهابي رهن التسمية وليس الفعل في سياق خطابي تحدده المصالح القومية، وفي الوقت الذي يصعب من الناحية النقدية وصف حماس بالإرهابية، يمكن بسهولة وصف إسرائيل دولة إرهابية. وكانت بوليفيا قد أدرجت فعلا الكيان الإسرائيلي على قائمتها للدول الإرهابية.

الإرهاب" تسمية مفروضة وغير مفترضة واستراتيجية القوى الغاشمة للهيمنة والسيطرة وترتبط بهوية الفاعل وليس الفعل، وتنفرد الحالة الفلسطينية بالإجماع والتوافق الأمريكي حول هوية "الإرهابيين". فلطالما اتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الفلسطينيين هم مرتكبو الأعمال الإرهابية، وليسوا أبدا ضحاياها، فيما اعتبروا أن الإسرائيليين هم دائما ضحايا الإرهاب
فـ"الإرهاب" تسمية مفروضة وغير مفترضة واستراتيجية القوى الغاشمة للهيمنة والسيطرة وترتبط بهوية الفاعل وليس الفعل، وتنفرد الحالة الفلسطينية بالإجماع والتوافق الأمريكي حول هوية "الإرهابيين". فلطالما اتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الفلسطينيين هم مرتكبو الأعمال الإرهابية، وليسوا أبدا ضحاياها، فيما اعتبروا أن الإسرائيليين هم دائما ضحايا الإرهاب. وقد تحول "الإرهاب" الذي اخترعه الغرب الإمبريالي والاستعمار الصهيوني إلى "مصطلح متداول يطلقه كل فاعل على أعدائه، إلى اتهام متبادل"، استفاد من الخلط والفوضى اللذين واكبا نشأة وتطور استخدام المفهوم ومعلوم أن "من يطلق الأسماء على الأشياء فهو يمتلكها"

إن الإصرار الأمريكي والأوروبي والصهيوني على تصنيف حركة "حماس" منظمة إرهابية يهدف إلى نزع الصفة السياسية عن عملها، ونزع الحصانة الإنسانية عن أعضائها، فوصف مقاومي حماس بالإرهابيين يضع جنود حماس في قائمة "محاربون لا شرعيّون"، بل إن حشر الفلسطيني في هوية جوهرانية إرهابية هي الأصل. ففي الصّحافة الإسرائيليّة والغربية كلّما تعرّض الجيش الإسرائيليّ لمقاومة غير منتظرة من الفلسطينيّين، اعتبرتها الصّحافة دليلا على عملهم الإرهابيّ، فحسب الرؤية الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية لا يحقّ للإرهابيّ أن يقاوم، وهذه المفارقة تقع صميم الفكرة الّتي ينهض عليها برنامج "الحرب ضدّ الإرهاب"، هذه الحرب الغريبة الّتي يضحي فيها العدوّ مجرما بسبب دفاعه عن نفسه أو مقاومته.

خلاصة القول أن إسرائيل ليست دولة إرهابية عدوانية وتوسعية فحسب، بل هي أيضا دولة استعمارية استيطانية، تقوم على محو الشعب لفلسطيني، وجعل فلسطين "موطنا" للمهاجرين اليهود من جميع أنحاء العالم، فلم تقتصر الاستراتيجيات التي تنتهجها الدولة الصهيونية على المضايقات اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة احتلال عسكري وحشي. فقد انخرطت الدولة الصهيونية بشكل روتيني في التطهير العرقي بدم بارد وارتكبت المجازر والقتل العشوائي للفلسطينيين، ومارست انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.

ولا تقتصر إسرائيل على استهداف الفلسطينيين فحسب، بل إن استراتيجياتها في التوسع الإقليمي والهيمنة وممارسة أقصى درجات العنف تستهدف أيضا العالمين العربي والإسلامي. فإسرائيل دولة شاذة تمارس الاستعمار الاستيطاني وتعتمد استراتيجيات الهيمنة والإرهاب والترهيب تجاه أي جهةٍ تعتبرها "معادية"، وهي تمارس إرهاب الخطف، والتهديد، والعمليات السرية ضد أهدافٍ داخل حدودها وخارجها، كما أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المتبقية في العالم التي تمارس نظام الفصل العنصري.

ومن الغريب أن حدود إسرائيل الإقليمية مجهولة، وهي دولة توسعية لم تكفّ عن انتهاج سياساتٍ عدوانية تجاه جيرانها العرب، رغم أنهم لم يعودوا يُشكلون أي تهديدٍ أو إزعاج لأمنها، وهو ما يكشف عن حقيقة الكيان الاستعماري الصهيوني وطبيعة علاقته كمتراس متقدم للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • إيران تحذر أمريكا من رد بسرعة وحزم على أي عمل عدواني أو هجوم إسرائيلي
  • الكيان لمستوطنيه: الملاجئ خيارنا الوحيد أمام صواريخ اليمن (فيديو)
  • النيجر تسحب قواتها من تحالف مكافحة الإرهاب بمنطقة بحيرة تشاد
  • الإعلام العبري: هجماتُ أمريكا لا تؤثّر فيما صواريخ اليمن تدخلنا بالملايين إلى الملاجئ في آخر الليل أَو ساعات الذروة
  • الأحزاب المصرية تشيد بالموقف الشعبي الداعم للقيادة السياسية والرافض لتهجير الفلسطينيين
  • الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي ومفارقة الإرهاب
  • الاستعمار لاستيطاني الإسرائيلي ومفارقة الإرهاب
  • عراقجي: لا تستطيع أمريكا الادعاء بإعادة الاستقرار للمنطقة بالهجوم على اليمن
  • إيران تكشف عن القاعدة العسكرية التي ستضربها في حال تعرضها لهجوم أميركي
  • استهداف مطار بن غوريون.. ويحي سريع: أمريكا فشلت في عدوانها على اليمن