الإسراء والمعراج .. دار الإفتاء تحسم الجدل حول حدوثها بالروح أم بالجسد
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
أكدت دار الإفتاء المصرية، أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان بالروح والجسد معًا، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم.
وذكرت دار الإفتاء أن جمهور أهل العلم استندوا إلى قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1]؛ إذ لو كان منامًا لقال الله تعالى: سبحان الذي أسرى بروحِ عبده، ولم يقل: بِعَبْدِهِ.
وأوضحت دار الإفتاء أن القائلون بأن الإسراء كان بالروح فقط استدلوا بقول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: 60]، منوهة أن هذا القول مردودٌ بأن هذه الآية نزلت عام الحديبية؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى في هذا العام أنه هو وأصحابه دخلوا مكة، فلما صدَّهم المشركون عن الدخول وتم صُلح الحديبية فُتن بعضهم، وردَّ عليهم القرآن بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 27].
وقيل: إن الآية نزلت في قصة بدر؛ لقوله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ﴾ [الأنفال: 43]؛ وبذلك لا يكون للاستدلال بالآية حجةٌ صحيحةٌ لهم.
ومما احتجُّوا به أيضًا ما حكي عن السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما فقدتُ جسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، وفي رواية: ما فُقِد جسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" ببناء الفعل للمجهول، وهذا الحديث قد ضعف بما في متنه من العلة القادحة، وبأن في سنده محمد بن إسحاق، وقد ضعفه مالكٌ وغيره، وبأن الأحاديث الأخرى الواردة في الإسراء أَثْبَتُ من هذا الحديث.
كما احتجوا أيضًا بحديث الإسراء المروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والذي بدأه بقوله: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ» إلى آخر ما جاء به البخاري في "صحيحه"، ورُدَّ عليهم بأن المراد منه: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما جاءه الملك كان نائمًا فأيقظه.
آراء العلماء في رحلة الإسراء والمعراجوأشارت دار الإفتاء إلى أن رحلة الإسراء كانت من أبرز الخوارق التي أكرم الله تعالى بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم، ونظرًا لغرابة الحادث وخروجه عن المألوف المعتاد اختلف موقف الناس منه قديمًا وحديثًا.
وذهب جمهور المسلمين إلى أن الإسراء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان بجسده وفي اليقظة.
وذهبت طائفة إلى أنه كان بالروح ولم يفارق شخصه مضجعه؛ لأنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق، ورؤيا الأنبياء حق، ونقل هذا عن معاوية وعائشة والحسن وابن إسحاق رضوان الله عليهم.
وقالت طائفة أخرى: إن الإسراء كان يقظةً بالجسم إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رحلة الإسراء والمعراج الإسراء والمعراج ليلة الإسراء والمعراج المزيد صلى الله علیه وآله وسلم دار الإفتاء
إقرأ أيضاً:
الإنحراف عن مقاصد التدين
#الإنحراف عن #مقاصد_التدين
مقال الإثنين: 24 / 2 / 2025
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
اكتشف الإنسان مبكرا أنه مدني بطبعه، ولا يمكنه العيش إلا ضمن مجتمعات، فبدأ البحث عن ضوابط صلاح المجتمع، واجتهد الفلاسفة فوجدوا أن الإنسان مفطور على قيم الخير، لكن فطرة حب البقاء وحفظ النوع أنشأت الأنانية والطمع، فتولدت جراء ذلك النزاعات للإستئثار بمقومات المعيشة.
ولما تبين أن المصالح المتناقضة للأفراد داخل المجتمع، ولا تلك بين المجتمعات المختلفة، أقوى من قيم الخير الكامنة في النفس، وجدوا أنه لا بد من الرادع، فاخترعوا الدولة، لكن المشكلة تفاقمت باستثارة شهوة الحكم والتملك والنفوذ.
عندها، فهم الإنسان الدواعي الفطرية في نفسه التي تدفعه للبحث عن الإله، لأنه ما من حل إلا بالرضوخ لسلطة قاهرة تفصل في نزاعات الأفراد، ويمتثل لها الحاكم والمحكوم، وهذه السلطة يجب أن تكون جبارة لا قبل لقوة بشرية بالخروج عليها.
ولما عجز العقل عن اكتشافها، أنزل الله الدين على البشر: “قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” [البقرة:34]، هاديا لمعرفته، ومنظما لما عجزوا عن ضبطه.
ولما كان مما قضى به الله في سابق علمه، أن يُعطى الإنسان الخيار في اتباع هذا الهدى (الدين) أو رفضه، حتى تسقط الذريعة لمن عصى الرسل واتبع هواه ورفض الإلتزام بالمنهج القويم، فيصبح التباين بين المؤمن والكافر بيّناً، والحجة دامغة، وعندما تنتهي فترة فرز الصالح من الطالح في الدنيا، ويحل أوان الحساب، يتم فرز من استحق نعيم الله الأبدي.
هذه ببساطة هي فلسفة الحياة البشرية، التي يترك فيها العنان للإنسان ليفعل ما يحلو له، إما متحللا من الضوابط التي جاء بها الدين، أو ليحتكم الى عقله وفطرته فيتّبع الدين .. وعندها يعتبر المرء متدينا.
من هنا نستنتج مقاصد الدين، وهي باختصار: الصلاح والإستقامة، وجاء هذا في قوله تعالى: “فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” [الكهف:110]، وفي قوله تعالى: “فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” [هود:112].
لقد اشتط البعض في تفسير مقاصد الدين وتحميلها فوق ما وجدت له، ومن أشهر أوجه الإنحراف:
1 – إكراه البشر على التدين: عندما خلق الله الإنسان منحه العقل مميزا عن سائر المخلوقات، ليعرف الله به وليس بحواسه، وذلك معنى الإيمان، والذي هو تحدٍّ عقلي، ولولا وجود الكفر لما كان تمييز المؤمن ممكنا، لذلك كانت الحتمية الوجودية البشرية بوجود هذه التضادية، وعليه فليس ممكنا أن يؤمن كل البشر: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” [يونس:99].
2 – التكفير: وهو أمر عانت منه البشرية على مر العصور، وهو الحكم على الشخص أو الجماعة أو المنطقة بالكفر، وبالطبع لا يمكن القطع بذلك من الأفعال الظاهرة، لأن الإيمان قناعة في سريرة الشخص لا يعلمها غير الله.
وفي العصر الحاضر يماثله الإتهام بالإرهاب، وأغلب من يلجأ إلى ذلك المتنفذون والحكام، وهي التهمة الأسهل في حق المعارض أو المعيق لمكاسبهم، وبالرغم من أن الله عز وجل لم يكلف أحدا بالتقصي والتحقق من كون المرء مؤمنا أو كافرا، كما أنه لم ينزل نصا شرعيا بقتل المرتد، إلا أن الحكام وأتباعهم استندوا الى هذه التهمة في التخلص من الكثيرين بقتلهم.
3 – الإكتفاء بالعبادات السهلة وترك المكلفة: فالصلاة والصيام والذكر والقيام وسائر العبادات الفردية سهلة على النفس قليلة الكلفة، أما العبادات المجتمعية فهي تحتاج كلفاُ ثقيلة في المال والنفس، بدءاً بالزكاة، ثم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالجهاد دفاعا عن حق المؤمنين في الحياة الكريمة، وعن حقهم في اتباع الدين.
4 – التدين الشكلي: أي الاكتفاء بأداء العبادات من غير تمثل معانيها في الصلاح والطيب من الأخلاق، فيستغرق الفرد في الشعائر انطلاقا من حسابات تجارية محضة، فهو يواصل الأعمال السيئة معتقدا أن عباداته تكدس له من الحسنات ما يزيد عن السيئات.
الدين أنزله الله تعالى لنفع الناس في حياتهم الدنيوية: نفع الذات بالصلاح والإستقامة، ونفع الغير بأعمال الخير.
وجعل جزاء ذلك ثوابا في الدنيا والآخرة.