جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-26@23:08:08 GMT

نرجسية ترامب والعودة للاستعمار

تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT

نرجسية ترامب والعودة للاستعمار

 

حاتم الطائي

 

قرارات ترامب تتوافق مع طبيعته النرجسية والشعبوية

"نهج الصفقات" يُهيمن على سياسات ساكن البيت الأبيض

النزعة الاستعمارية لترامب تتجلى في قضية قناة بنما وكندا

 

لم تكن القرارات التي اتِّخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الدقائق الأولى من تولي منصبه في العشرين من يناير، مُفاجئة لنا كمُراقبين ومُحللين للسياسات الأمريكية، ولم نستبعد ذلك الخطاب المليء بالشعبوية وتعمُّد توجيه سهام النقد اللاذع- وربما غير الملائم- لكل من يُخالفه الرأي وخصوصًا الحزب الديمقراطي، وتلميحاته المُباشرة إلى فشل إدارة سلفه جو بايدن أثناء حضوره، كل ذلك كان مُتوقعًا.

ورغم أنَّ الكثير من المُحللين يُصنِّفون ترامب على أنَّه "غير مُتوَقَّع"، إلّا أنه في المقابل مُتوَقَّع تمامًا، ترامب مُتوَقَّع منه أن يُمارس شعبويته التي باتت تُعرف بـ"الترامبية" في كل حديث وكل كلمة، ولا يُخفي ذلك أبدًا؛ بل يتباهى به ويتفاخر. ولا شك أنَّ مثل هذه الصفة تعكس نرجسيةً حادةً في شخصيته الغريبة والبعيدة كُل البُعد عن أي نهج سياسي أمريكي عُرف من قبل. نعم الشعبوية- كخطاب سياسي- ليست جديدة على الساحة السياسة في أمريكا أو العالم، لكنها لم تصل لهذه الدرجة من الفجاجة والوضوح على لسان وتصرفات الرجل الأول في أمريكا، وزعيم أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم! ترامب النرجسي يتملكه شعور عميق بالفوقية على كثير من الفئات، ويعكس هذه النرجسية ويرغب في "نقلها" إلى أتباعه، ليزيد لديهم الشعور بالتفوُّق العرقي. نرجسية ترامب تدفعه دائمًا إلى تنفيذ رغباته المُلحة في الاستحواذ على كل شيء، على الأموال والاستثمارات، والتكنولوجيا والصناعة، والتجارة، وغيرها، الرجل من شدة نرجسيته يُريد كل شيء حرفيًا، حتى إنه يُريد أن "يسترد"- كما يزعم- قناة بنما، فقط لأنَّها تفرض رسومًا مرتفعة على السفن الأمريكية، ويسعى كذلك لـ"ضم" جرينلاند، وجعل كندا الولاية رقم 51. وفي جانب التجارة، يُريد ترامب النرجسي فرض رسوم كبيرة على الواردات من دول مثل الصين والمكسيك وكندا، ليس لزيادة الإيرادات الجمركية وحسب، بل لمُعاقبة هذه الدول على أمور يراها فقط بعينه! أضف إلى ذلك، أنه يشترط لعمل تطبيق "تيك توك" الصيني، أن تؤول ملكية 50% من أسهمه إلى مستثمرين أمريكيين، وبالطبع هو يقصد حليفه أغنى رجل في العالم الملياردير إيلون ماسك.

هذا التفكير النرجسي الاستعماري، يؤكد أنَّ "ترامب 2" نسخة أشد وأعنف من "ترامب 1"، الذي حكم بين عامي 2016 و2020، وتعرض للهزيمة أمام غريمه بايدن، ثم عاد فيما يبدو لكي يُعوِّض ما فاته خلال الفترة التي لم يكن يجلس فيها في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض. عاد ترامب إلى السُلطة بعد "الثأر" من بايدن، وإجباره على الانسحاب من السباق الرئاسي، وإلحاق هزيمة نكراء بالديمقراطيين، الذين لم يجدوا سوى كامالا هاريس نائبة الرئيس، لتخوض المنافسة أمام مرشح شرس، عُرف عنه تبني أسلوب فظ في التَّعامل مع منافسيه؛ بل وربما توجيه الكلمات الجارحة والخادشة للحياء.

كل ما سبق يُؤكد أنَّ ترامب لا يكترث بالتداعيات الخطيرة التي قد تحدث نتيجة لأيٍ من سياساته وتوجهاته؛ حيث يمضي مثل قائد مركبة بلا مكابح، يعتمد نهج "الصفقات" المُربحة له فقط، وليس بالضرورة أن تكون مربحة لكافة الأطراف. وتجلى ذلك في "اتفاق غزة"؛ حيث مارس تهديدات غير مسبوقة على الأطراف كلها، بما فيها إسرائيل، التي ظلت تحت حماية ودعم أمريكا في تنفيذ أبشع جريمة إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة. لكن ترامب ومن باب ضرورة وقف نزيف الدعم الأمريكي لإسرائيل أمر نتنياهو بالتوقيع على الاتفاق، خاصة وأنه يعتقد أن غزة "مليئة بالأمور الرائعة التي يُمكن تنفيذها"، وهو ما يُعيد إلى الأذهان "صفقة القرن" المزعومة التي بشر بها ترامب في ولايته الأولى، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا، خصوصًا بعد "طوفان الأقصى".

الواضح لدينا أنَّ سياسات ترامب الداخلية والخارجية، لا تنفصل عن شخصيته النرجسية الاستعمارية، ففي الداخل أصدر في اليوم الأول من حكمه قرارات شعبوية تُظهره وكأنَّه يملك سلطات شبه مُطلقة، منها ما يُخالف الدستور الأمريكي نفسه (مثل إلغاء حق الجنسية بالولادة)، ومنها ما يُؤجج مشاعر غضب الأقليات العرقية، مثل قرار إعفائه عن شرطيين أُدينا بقتل شاب أسود. إلى جانب قرارات مُخالفة للأعراف والتقاليد الدبلوماسية الأمريكية مثل الانسحاب من المُنظمات الدولية وإعلان رغبته في احتلال الدول وانتزاع ملكيات دولية مثل قناة بنما وجرينلاند، وكذلك تعاليه على دول أوروبا والشرق الأوسط وطلبه أن يدفعوا له المزيد من الأموال في مُقابل ما يقول إنها حماية أمريكية لهم، بل وصل الأمر إلى مطالبة أعضاء حلف "الناتو" بزيادة إسهاماتهم المالية في الحلف العسكري.

ترامب يريد أن يُحوِّل قيادته لأمريكا مثلما يقود شركة العقارات خاصته، فكما أن هناك "منظمة ترامب" (المجموعة الاستثمارية الأمريكية العملاقة) يبدو أننا سنرى "منظمة أمريكا"، في صورة إبرام اتفاقيات وصفقات تحت سيف التهديد والوعيد، صفقات تخدم طرفًا واحدًا فقط، وهو ترامب الطرف الذي يُظهر قوة؛ بل قوة مفرطة؛ سواء في الحديث أو الفعل أو التفكير. ولذلك نجد ترامب يروج لنفسه على أنَّه شخص "مُلهَم" أو "صاحب رؤية"؛ حتى إنه يزعم أنَّ الله أرسله لهذا العالم لكي يُنقذ البشرية، وأنَّ الله نجاه من الموت أكثر من مرة من أجل أن يحمي أمريكا!

ويبقى القول.. إن العالم اليوم أمام رئيس أمريكي نرجسي، يتعالى على قادة وزعماء العالم، ويتعمد إحراجهم وتوبيخهم على الملأ.. رئيس لا تعنيه المشكلات العالمية، بقدر ما تعنيه انعكاساتها على الداخل الأمريكي، الذي يمثل الأولوية له في كل شيء، ويُريد أن يصنع من نفسه بطلًا قوميًا عظيمًا مثل جورج واشنطن وإبراهام لينكون، وغيرهما، ويسعى لنيل جائزة نوبل في السلام، وربما طباعة صورته على الدولار الأمريكي، وقد استبق ذلك بإصدار عملة رقمية باسمه تحمل صورته وقصة شعره الشهيرة... والحقيقة الآن أنَّ المستقبل كفيل بالكشف عمّا سيواجه العالم خلال السنوات الأربع المُقبلة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عقوبات أمريكا متناقضةٌ مع قضاء الأرض وعدالة السماء!!

يحيى صالح الحَمامي

عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية وتصنيفاتها متناقضة مع قضاء الأرض وحُكم وعدالة السماء، ولكن لا تزال سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في سفاهة من أمرها مع تعاملها السياسي والدبلوماسي في إصدار قرارات العقوبات التي تكيلها بمكيال الظلم والإجرام في حق الكثير من الشعوب، بالذات التي تسعى لتحقيق حريتها واستقلالها السيادي والسياسي، ومن الموقف اليمني المساند لأبناء غزة جراء ما تلقاه من الحرب والحصار والقتل والإبادات الجماعية بحق الأبرياء المواطنين أسرفت “إسرائيل” في قتل النساء والأطفال ولو نتساءل مع القانون الدولي ومن إنشاء منظمة المتحدة والتي أنشئت لحماية الحقوق والحريات وهذا من بعد ما تم استهداف أمريكا هيروشيما بالقنبلة النووية والتي دمّـرت ما يقارب 26 ألف منزل ومئات الألف من المدنيين الأبرياء مما تم إنشاء الأمم المتحدة لحماية العالم وتم تدوين مواثيقها التي ترتكز على حماية الحقوق والحريات ونتذكر أحد بنودها والذي ينص على واجب العالم التحَرّك دبلوماسيَّا والتفاوض مع أية دولة تشن الحرب وتفرض الحصار على دولة ولأجل رفع الحصار على تلك الدولة يتم التحَرّك عسكريَّا لكسر الحصار أين هذا البند من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تساعد وتدعم “إسرائيل” لاستمرار الحرب والحصار، وقد تم اعتراض أمريكا على وقف الحرب ورفع الحصار على أبناء غزة، ولكن اليمن شعبًا وجيشًا وقيادة هم من وقفوا في وجه الطغيان والإجرام من البحر وتم مساومة الكيان الصهيوني الحصار بالحصار، وكانت عمليات اليمن مؤثرة على جميع سفن الكيان الصهيوني، نحن نرى من عملية القوات البحرية الأمريكية في حارس الازدهار التي أتت لوقف عمليات اليمن ولن تستطيع إيقاف عمليات اليمن مما تحَرّك سلاح الجو التابع لـ”إسرائيل” وأمريكا وبريطانيا وقد تم استهداف اليمن، ومن حق اليمن أن تدافع عن نفسها لذلك فشل الجيش الإسرائيلي في غزة تزامن معه فشل وعجز قوات البحرية الأمريكية لإيقاف عمليات اليمن مما تحولت أمريكا إلى راعية الأمن والسلام الدولي خلعت ثوب مسرح الجريمة وحمام الدم بحق أبناء فلسطين وارتدت ثوب الطهارة والتقى والتقوى لا نعلم من أين تأتي ثقة الغرب في تبرير وتزكية نفسها ونسمع القرار بتصنيف الحوثيين بجماعة إرهابية، ألم يكن تحَرّك اليمن تنفيذًا لإحدى قوانين وبنود ومواثيق الأمم المتحدة؟ ما لأمريكا كيف تحكم، قال تعالى: “لَا يَرقُبُونَ فِي مُؤمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّة وَأُولئك هُمُ المُعتَدُونَ”{10}[سورة التوبة].

اليمنيين في وجه عاصفة الحزم لتسع سنوات، هل هذا الصمود يأتي من مليشيات أَو من جماعة إرهابية، نحن نعلم أن فترة زمن المعارك التي تحتاجها حرب الجيوش النظامية مع المليشيات أَو التنظيمات الإرهابية فالزمن من أسبوع إلى أسبوعين فقط؛ فكيف بتحالف دولي يضم سبعَ عشرة دولة ذات قوة عسكرية ومالية ودعم لوجستي أمريكي وخبراء حرب عسكريين من ضباط حروب أتوا من أمريكا و”إسرائيل” وبريطانيا، فمن هم المليشيات؟

نحن نعلم عن تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية التي وجدت على الكثير من الدماء ملايين من البشر قتلوا على يد جيشها أَو بسلاحها، حقيقة أمريكا قرد يحدث البقية عن الجمال، لص يحث الآخرين على حماية الحقوق والحريات، الولايات المتحدة الأمريكية هي خطر على أمن وسلام العالم وبقاء “إسرائيل” في الوطن العربي هو بقاء الهيمنة على العالم ليس على العرب فقط، العالم بحاجة إلى وحدة الصف لمواجهتها وملاحقتها ومطاردة جيوشها أين ما وجدت، ملعونين أينما ثقفوا.

مقالات مشابهة

  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (1)
  • عقوبات أمريكا متناقضةٌ مع قضاء الأرض وعدالة السماء!!
  • ترامب.. والعودة إلى سدة الحكم
  • اليوم التالي في غزة بين نرجسية الاحتلال وداعميه وقوة الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة!
  • الفلم الأمريكي ( السديم The Mist )
  • العملات المشفرة، مفاجئة أمريكا لابتلاع التضخم
  • قلب الكون..كيف غيّرت قناة بنما التي يرغب دونالد ترامب بالإستيلاء عليها العالم؟
  • عاجل: حدث ليلا.. كوارث جديدة تهدد أمريكا: ثوران البركان الأكثر نشاطًا في العالم وتحذير من تهديد مباشر للحياة في كاليفورنيا وعواصف ثلجية تضرب فلوريدا
  • ثقوب الذاكرة.. هنا تقيم أمريكا..!