لجريدة عمان:
2025-04-27@23:10:49 GMT

وزير الإبادة الجماعية

تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT

لم تمضِ الأيام الأخيرة لأنتوني بلينكن في البيت الأبيض كما أرادها دون منغصات، فقد تمنى الرجل الأمريكي اليهودي الأبيض (والصفات مهمة هنا) أن يودع منصبه وزيرًا للخارجية الأمريكية، مع المودعين في إدارة جو بايدن، بشكل أحسن قليلًا مما سارت عليه الأمور في مؤتمريه الصحفيين الأخيرين.

فقد حضر كبير الدبلوماسيين الأمريكيين إلى المجلس الأطلسي ليلقي كلمة عن مستقبل الشرق الأوسط، ولكنه لم يكد البدء في تبرير الإبادة واجترار الرواية الصهيونية حول ما جرى يوم السابع من أكتوبر 2023، كعادته المملة، حتى قاطعته امرأة بالقول: بلينكن! إرثك سيكون الإبادة الجماعية.

.. الجميع سوف يتذكرونك بـ«بلينكن الدموي» و«وزير الإبادة الجماعية»! وما هي إلا لحظات حاول فيها استئناف خطابه حتى قاطعته امرأة أخرى وصفته بالقاتل! فهل يشعر الرجل الأبيض البارد الدم بشيء؟ هل للرجل الأبيض دم كي يشعر؟ كنت أتساءل متأملًا في خلجاته وتعابير وجهه الجامدة وهو يُصفع على الملأ بأبشع الأوصاف والاتهامات، فأشك في كونه يشعر بشيء.

بعد يومين، وفي مشهد آخر خلال مؤتمر الوداع بوزارة الخارجية، قاطعه صحفيان نعتاه مجددًا بالقاتل المتورط مع زمرته في إبادة الفلسطينيين على مدى 15 شهرًا، قتل خلالها زملاؤهما الصحفيون، ونجح في التهرب من عدالة «لاهاي» حيث كان ينبغي له أن يذهب، كما صرخ به الصحفي الأمريكي ذو الأصول الفلسطينية، سام حسيني، والذي وثّقت لنا العدسات محاولته للتشبث بيديه على الطاولة وهو يتفوه بعباراته الأخيرة، بينما يحاول 3 من رجال الأمن اقتلاعه بكل قوة.

وتلك -لعمري- جرأة نادرة تحسب لصحفي مثله، وشجاعة قد تثير غيرة من لا يتقنون الشجاعة من الصحفيين في بلادنا، أو ممن لا يملكون في الأساس «حق» إبداء الجرأة والشجاعة في هكذا مواقف وأمام هذا النوع من الشخصيات السياسية، كي نكون منصفين.

بالعودة إلى بلينكن، فإن مشهد مقاطعته بتلك الصورة قد أصبح مألوفًا إلى حد ما في يوميات السياسة الأمريكية خلال حرب الإبادة، خاصة بعد أن تكرر الأمر في مناسبات عدة هتف فيها صحفيون ومحتجون باتهامات قوية في وجوه أبرز المسؤولين الأمريكيين، حيث كان الرئيس الأمريكي نفسه، طيلة الأشهر الماضية، عُرضة لمقاطعات وإحراجات مشابهة تذكره بغزة، غير أن ما يثير الانتباه في مشهد بلينكن الأخير هو الاتهام الموجه إلى شخصه مباشرة، ليس لكونه صهيونيًا معترِفًا بذلك، متواطئًا مع السياسات الإسرائيلية فحسب، بل لأنه -شخصيًا هذه المرة- قاتل بالمعنى الحرفي.

صهيونية بلينكن (والتي كثيرًا ما تذكرنا، بالمناسبة، بصهيونية كسينجر في الخارجية الأمريكية) كانت معلنة بوضوح منذ خامس أيام الحرب، حينما حط وزير الخارجية إلى جوار نتنياهو في إحدى القواعد العسكرية بتل أبيب، مُبديًا بتذلل أسفه لما جرى في ذلك اليوم اليهودي الحزين، ومعلنًا للإسرائيليين: «إنني لا أتحدث إليكم بصفتي وزيرًا لخارجية الولايات المتحدة فحسب، بل وأيضًا بصفتي يهوديًا، وأنا أعي شخصيًا الأصداء المروعة التي تحملها مجازر حماس بالنسبة لليهود والإسرائيليين في كل مكان».

لن تنقصنا البراهين الدامغة لننصب بلينكن وزيرًا للإبادة الجماعية، يكفينا علمًا بأن الشخص الذي ظل في واجهة الأحداث محسوبًا على الدبلوماسية ووسيطًا في عملية التفاوض، كان في الواقع الخفي «منغمسًا في الشؤون العسكرية أثناء اجتماعه بمجلس الحرب الإسرائيلي» كما تقول مقالة لمايكل كرولي وإدوَرد وونج، المراسلين بنيويورك تايمز، اللذين اعتنيا بتتبع مسيرته السياسية كوزير للخارجية الأمريكية خلال السنوات الأربع الماضية، وتحديدا من زاوية تناقضه الحاد بين الحرب الروسية على أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة.

ومن الطريف إشارة المقال إلى حالة الابتزاز التي تعرض لها بلينكن بين ضبَّاط الجيش الإسرائيلي كلما طلب منهم محاولة ضبط الرد العسكري، بحيث يكون مدروسًا لتجنب وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين، الطلب الذي يقابله الضبَّاط بتذكيره بأن «أمريكا كانت على استعداد ذات يوم لإبادة هيروشيما وناجازكاي بالقنابل الذرية»، يعني ببساطة: حلال عليكم، حرام علينا؟!

في ظهوره الأخير بوزارة الخارجية سعى بلينكن كي يختتم عهده بتقديم نفسه منقذًا أخيرًا، ومبشرًا بالسلام، وحلّالًا لمشكلات العالم، وأن يرفع ورقة الصفقة مع حماس على رؤوس الأشهاد ليقول للعالم إن الساعات الطويلة التي قضاها على متن الطائرة، طائرًا من أجل السلام بين عاصمة وأخرى، ها قد أثمرت أخيرًا عن اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، يضمن عودة الأسرى الإسرائيليين إلى عائلاتهم وإدخال المساعدات إلى القطاع، ويفتح كتاب التاريخ على شرق أوسط جديد، بيد أن المقاطعات الساخطة التي تعرض لها كانت قد خرَّبت مشهده الأخير برمته، وشيّعته إلى خارج البيت البيض وزيرًا للإبادة الجماعية بنظر كثير من الأمريكيين، لكن السخرية السوداء لا تتوقف عند هذا الحد، فوحده الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ضرب على صدره وتكفل بتعويض بلينكن عاطفيًا، وذلك حين استقباله استقبالًا احتفاليًا في قصر الإليزيه فمنحه وسام جوقة الشرف، أرفع الأوسمة الفرنسية، واصفًا بلينكن بأنه «خادم بارز للسلام»!

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وزیر ا

إقرأ أيضاً:

الخارجية تندد بالجريمة الإرهابية التي ارتكبتها مليشيا الجنجويد ضد مركز إيواء المقرن بعطبرة ومحطة الكهرباء

نددت وزارة الخارجية بالجريمة الإرهابية النكراء التي ارتكبتها مليشيا الجنجويد يوم أمس باستهدافها لمركز إيواء المقرن بعطبرة، وقتل 11 من النازحين من بينهم 4 شهداء من أسرة واحدة، وكذلك قصفها محطة كهرباء عطبرة التحويلية.
وابانت الخارجية في تعميم صحفي لها أمس أن المليشيا الإرهابية استخدمت في هجومها علي المدنيين العزل في عطبرة مسيرات حديثة وفرتها لها راعيتها الإقليمية، مثلما زودتها بالمدفعية الثقيلة بعيدة المدى التي تقتل بها النازحين وتدمر بها المستشفيات والأسواق ومستودعات الغذاء في الفاشر وحولها وأن .
المليشيا الإرهابية لجأت لمثل هذه الأساليب الإرهابية الجبانة، بعد الهزائم المتتالية التي منيت بها في الأشهر الأخيرة في كل مسارح العمليات حيث ظلت تهاجم محطات الطاقة في مختلف أنحاء البلاد، امتدادا لمخطط الإبادة الجماعية الذي تنفذه، لأن استهداف محطات الطاقة، يعني تعطيل محطات المياه والمستشفيات وكل الخدمات الأساسية.
وقالت الخارجية يأتي تصعيد المليشيا لجرائمها ضد المدنيين، بعد أيام بعد تجديد مجلس الأمن بالأمم المتحدة مطالبته لها بوقف هجماتها على النازحين ورفع الحصار عن الفاشر، في تحد للشرعية الدولية واستخفاف باستنكار العالم بأسره لجرائمها ضد الإنسانية وما لم يتخذ المجتمع الدولي ٱجراءات ملموسة لإنهاء إفلات المليشيا الارهابية وراعيتها الاقليمية من العقاب، فإن مجرد المطالبات و الإدانات لن تجدي مع هذه العصابة المتوحشة.

سونا

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كيف يستخدم الاحتلال الإسرائيلي المحرقة لارتكاب الإبادة الجماعية في غزة؟
  • الإبادة الجماعية مستمرة.. 53 ألف شهيد و118 ألف جريح في غزة
  • ارتفاع عدد ضحايا الإبادة الجماعية في غزة
  • وزير الخارجية: الغارات الأمريكية تؤكد فشل ترامب وتعمده استهداف الأعيان الاقتصادية
  • “الخارجية”: المملكة ترحب بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية
  • وزير الخارجية العماني: الجولة الرابعة من المباحثات الأمريكية الإيرانية السبت المقبل
  • وقفة بألمانيا للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية في غزة
  • الخارجية تندد بالجريمة الإرهابية التي ارتكبتها مليشيا الجنجويد ضد مركز إيواء المقرن بعطبرة ومحطة الكهرباء
  • هيئة: وقفات بعدد من المدن المغربية تضامنا مع غزة وتنديدا بالإبادة الجماعية
  • مبادرة نوبل للمرأة تطالب بوقف الإبادة الجماعية في غزة وتتضامن مع فلسطين