لجريدة عمان:
2025-01-26@21:08:31 GMT

قراءة في حالة الترابط الاجتماعي للعمانيين

تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT

قبل أشهر نشر المركز الوطني للإحصاء والمعلومات استطلاعًا مهمًا في (موضوعه)، حاول من خلاله بناء مؤشر للترابط الاجتماعي بين العُمانيين، ولعل النتائج في عمومها تشير إلى حالة من ترابط المجتمع في مختلف مستوياته، سواء كان على مستوى الأسرة، أو الأقارب، أو أفراد المجتمع ككل. حيث تشير أهم النتائج إلى أن 81% من العمانيين يرون أن هناك ترابطا اجتماعيا في المجتمع العُماني عام 2023، وأن 87.

4% من العُمانيين يشعرون بالترابط الأسري داخل المنزل، وأن 79.4% نسبة العُمانيين الذين يلجأون إلى فرد من أفراد الأسرة عند مواجهة مشكلة ما. الاستطلاع كـ (مؤشر أولي) يعتبر إطارًا جيدًا لفهم حالة تحرك الفرد والروابط التي يخلقها في حركته الاجتماعية في سياق الأسرة (المنزل الواحد)، وفي سياق الأقارب (المنزل الأوسع)، وفي سياق المجتمع عمومًا. وكما أشرنا أنه كنتائج (كمية) يمكن القول إن الفرد في المجتمع العُماني يتحرك ضمن منظومة مترابطة إلى حد بعيد، يعتمد عليها ويتبادل معها (رأس المال الاجتماعي)، وتوفر له في المقابل الحماية المجتمعية والمعنوية التي يحتاج إليها ضمن إطار حركته الاجتماعية.

وإن كان الأمر يقتضي مزيدًا من الدراسة (الكيفية)، والفهم للتفاوتات عبر آليات منهجية متعددة، فإن النتائج المتاحة حاليًا توفر نقطة جيدة للبدء، حيث ركز الاستطلاع على وضع أسئلة (غير مباشرة) لقياس مستويات الترابط، وهذا مهم على المستوى المنهجي، فقد سأل عن موضوعات من قبيل لجوء الفرد إلى الأسرة والجيران في حالة مواجهته مشكلة ما، ومن قبيل مستوى انخراط الفرد في الأعمال الخيرية والتطوعية في مجتمعه، ومن قبيل مدى مشاركته في العناية بالأفراد الذين يحتاجون عناية خاصة داخل الأسرة ككبار السن، وكلها تعطي دلالات لحالة الترابط الاجتماعي المنشودة، يبقى دور البحث الأكاديمي والتنقيب المعرفي في التوسع بفهم حالة الترابط الاجتماعي عبر 3 أولويات في تقديرنا:

- علاقة مستويات الترابط الاجتماعي بعوامل التحضر (مكان السكن و«مستويات التعليم» والحالة المهنية) وهل تؤثر مثل هذه العوامل على قدرة الفرد والأسرة والمجتمع عمومًا على الترابط الاجتماعي. قد ينشأ عن البحث في مثل هذه الأولوية نتائج مهمة، فهل على سبيل المثال انتقال الأسرة من منطقة ريفية إلى منطقة حضرية يقلل مستويات ترابطها الاجتماعي؟ وهل مستويات التعليم العالية تدفع الفرد إلى مستويات أضعف من الترابط في محيطه الاجتماعي؟ هذه أسئلة مهمة لتطوير الموانع الاجتماعية لاحقًا، وهي المحكات والآليات والمبادرات التي يمكن أن تقودها الدولة والمجتمع لاستدامة حالة الترابط الاجتماعي المنشودة.

- الأولوية الأخرى هي في دراسة المؤثرات التي تهدد الترابط الاجتماعي، سواء كانت هذا المؤثرات طارئة عرضية على المجتمع، أو أنها ناشئة بحكم تطور الحالة الاجتماعية والتغير الاجتماعي، فهل انتشار الجريمة في محيط اجتماعي ما يؤثر على حالة الترابط الاجتماعي؟ وهل انخراط الأفراد في شبكة واسعة من العلاقات الافتراضية يقلل لجوءهم لأسر ومحيطهم الاجتماعي عمومًا، وبالتالي يؤثر على حالة الترابط الاجتماعي لديهم؟

- الأولوية الثالثة في تقديرنا هي في توسيع فهم ومفهوم الترابط الاجتماعي ليشمل علاقة الأفراد بالمؤسسات الاجتماعية، ونقصد بها تلك المؤسسات التي تنخرط في أداء شكل من أشكال التنشئة أو التكوين أو إشباع الاحتياجات الاجتماعية، كعلاقة الأفراد بالمسجد كمؤسسة اجتماعية أكثر من كونها مكان عبادة، وعلاقتهم بالمجلس العام أو الشعبي، وعلاقتهم بالأندية الاجتماعية باختلافها سواء أندية رياضية أو ثقافية أو مجتمعية. تشكل المؤسسات الاجتماعية بمضمونها وأعمالها وممارساتها وسيلة مباشرة وغير مباشرة لزيادة مستويات الترابط الاجتماعي في أي مجتمع، ومتى ما كانت هناك سياسات وبرامج داعمة لاستدامة هذه المؤسسات وتقوية حضورها متى ما أسهمت في تعميق علاقة الأفراد بمختلف مكونات مجتمعاتهم.

على الجانب الآخر هناك بعض الأفكار والرؤى التي من شأنها تعزيز حالة الترابط الاجتماعي، ونعتقد أن حوكمة منظومة العمل الأهلي (الجمعيات الأهلية و«الأندية الرياضية» وأنشطة التطوع و«اللجان الشبابية» والمبادرات الأهلية) وقيادتها عبر الحوكمة الصحيحة إلى أفق يتسق مع متغيرات المجتمع والمستقبل، وتحديد الأدوار والممارسات وربطها بمؤشرات أداء، وتعزيز أنماط الاستدامة، والتوسع في بناء قدرات الممارسين للعمل الأهلي من قادة وتنفيذيين يعتبر أولوية قصوى اليوم، وذلك للدور المشهود الذي يلعبه العمل الأهلي في تمكين اندماج الفرد بالحالة القصوى في مجتمع، وفي انسجامه مع حركة المجتمع، في حالة الازدهار، أو في مواجهة الصعاب، في حالات الرخاء، أو في مواجهة الشدائد. كما أن التوسع في بناء المجالس العامة وربطها بمكاتب المحافظين بمجموعة من الأنشطة المجتمعية والثقافية (الدورية) والمجدولة وفق ثيمات محددة، وموضوعات مثرية يمكن أن يسهم بتطوير حالة الترابط المجتمعي في مستوياته . كما أن توفير الحوافز الحكومية للأسر التي تسهم في رعاية الأفراد من ذوي الاحتياجات القصوى ككبار السن، وحالات الإعاقة، وتشجيعها وتحفيز التنافس لديها لتقديم أفضل رعاية منزلية ممكنة وصديقة لهم يشكل ضرورة مرحلية، أولها لتعزيز حالة الترابط الاجتماعي من ناحية، وثانيها للتوافق مع متغيرات السياسات التي تؤكد أن أنماط الرعاية داخل الأسرة لمثل هذه الحالات تعتبر في كثير من الأحيان ممارسات فضلى على ما سواها من سياسات. اشتغلت الكثير من المحافظات في السنوات الأخيرة على توفير مساحات اجتماعية وترفيهية في القرى والمدن، ونشطت هذه الجهود الحالة الاجتماعية فأصبحنا نشاهد مبادرات مجتمعية لتصميم مسارات للمشي والتنزه، ومبادرات للماراثون، ومبادرات لتطوير الحالة السياحية في بعض القرى، وتشجيع هذه الجهود والتركيز عليها كمحدد وإطار ضمن سياسات تنمية الإدارة المحلية في تقديرنا يعتبر كذلك عنصرًا مهمًا في ترقية حالة الترابط الاجتماعي في بعدها الرمزي والممارس. إن الترابط الاجتماعي رافعة مهمة للعمل التنموي أيما كان، ومتى ما كانت السياسات العامة بما فيها السياسات الاجتماعية تضع في محوريتها دعم حالة الترابط المجتمعي متى ما قد سعى ذلك المجتمع لمزيد من الاستقرار والتماسك الداعم للتنمية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

جرائم متصاعدة في إب.. حرائق حوثية تلتهم سيارة مغترب وأحد الشقق التي يسكنها نساء وأطفال

 

تعيش محافظة إب الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثيين المصنفة إرهابيا موجة متزايدة من الجرائم اليومية سواء تلك التي ترتكبها المليشيات وعناصرها أو الجرائم التي ينفذها مجهولون في ظل حالة الفوضى والانفلات الأمني المستمر بالمحافظة.  

 

وأفادت مصادر محلية لـ"مأرب برس" بأن مجهولين أقدموا صباح اليوم على إحراق سيارة من نوع "هيلوكس" بالقرب من جامع الفردوس في منطقة "ويخان" وسط مدينة إب.  

 

وأوضحت المصادر بأن الحريق تسبب في إنتقال النيران إلى إحدى الشقق المجاورة التي تقطنها نساء وأطفال مما أدى إلى حالة من الذعر والفزع بين السكان وسط غياب تام لأي تدخل أمني لاحتواء الحادثة.  

 

وبحسب المصادر فإن ملكية السيارة والشقة المتضررة تعود إلى المغترب "نشوان عبدالله علي" أحد أبناء عزلة "الجعافرة" بمديرية حبيش والذي يعمل في المملكة العربية السعودية.  

 

ويعكس هذا الحادث تصاعد حالة الانفلات الأمني في المحافظة حيث بات السكان يعيشون تحت تهديد دائم للجرائم التي تحدث دون رادع مما يزيد من معاناتهم في ظل سيطرة مليشيات الحوثيين المصنفة إرهابيا وغياب سلطة قانونية تحفظ الأمن والاستقرار في المحافظة.

مقالات مشابهة

  • منبر وعي : استمرار خطاب الكراهية في السودان يهدد الوحدة الوطنية ويمزق النسيج الاجتماعي
  • جرائم متصاعدة في إب.. حرائق حوثية تلتهم سيارة مغترب وأحد الشقق التي يسكنها نساء وأطفال
  • التسويق الاجتماعي .. حملات غير ربحية تعزز السلوك الإيجابي وتسهم في التغيير
  • وزيرة التضامن: المجتمع يقوم على التكافل الاجتماعي وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية
  • “المنافذ الجمركية” تسجل أكثر من 950 حالة ضبط خلال أسبوع
  • إحباط تهريب 954 مواد ممنوعة ومحظورة خلال أسبوع عبر المنافذ الجمركية بجميع أنحاء المملكة
  • المصور العُماني سعود البحري: الصورة الضوئية تعكس الفلسفات والرؤى التي يحملها الفرد ومرآة لكل ما هو إنساني
  • وزيرة التضامن الاجتماعي: مصر تحقق تقدمًا نوعيًا في التنمية المستدامة والحماية الاجتماعية
  • إعلام عبري: حالة انتظار عصيبة في إسرائيل لقوائم الأسرى التي ستعلنها “حماس”