«دبلوماسية الذئب المحارب» الأمريكية الجديدة
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
ترجمة - قاسم مكي -
على مدى عقدين تقريبا تمسكت الصين بمفهوم «الصعود السلمي» الذي طوره مستشار الدولة والمفكر تشنج بيجيان. أكد هذا المفهوم رغبةَ الصين في تنمية نفوذها وازدهارها بالتكامل مع النظام العالمي ودون أن تشكل تهديدا للبلدان الأخرى.
نجحت هذه الاستراتيجية. ففي الفترة من تسعينيات القرن الماضي وحتى منتصف العشرية الثانية قَوِي نفوذُ الصين على نحو مذهل.
في عام 2023 تراجع شي. لكن هذا الدفع العدائي إلى الأمام بمصالح الصين أساء لسمعتها في العالم وأوجد شكوكا دائمة وأقنع العديدين من شركاء الصين بالتحوط من خلال تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة.
والآن يتبني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجوقتُه الفَرِحة من عمالقة التقنية نسختهم الخاصة بهم من «دبلوماسية الغرب المتوحش» والمُضخَّمة بجرعة من خُيلاَء وادي السيلكون. سِماتُها المميزة هي الثقة الفائقة بالذات وتجاهل القواعد من أي نوع كان والاستعداد لعقد صفقات مع أي أحد في أي مكان طالما تخدم هذه الصفقات المصلحة الذاتية الآنية.
ترامب نفسه يعيش في عالم من الصفات الفائقة التي ينسبها إلى نفسه ويرددها على الفور أصدقاؤه الجدد من كالفورنيا.
يفترض العديد من الرجال الذين حققوا نفوذا وثراء لا يمكن تخيله بفضل الابتكار التقني أن التفوق الأمريكي على البلدان الأخرى يمثل وضوح تفوق القطاع التقني على باقي اقتصاد الولايات المتحدة. فهو يمثل المستقبل وهم يسيطرون عليه.
مثل هذه المواقف توجد على وجه اليقين كما يبدو تيارا منتظما من الأحداث والأزمات الصغيرة مع البلدان الأخرى. مع ذلك وارتكازا على التجربة الصينية لن تكون المسألة هذا التصرف المثير للسخط أو ذاك. بل التراكم المطرد للتصريحات والتصرفات (الأمريكية) هو الذي سيتغلغل تدريجيا في السياسة الداخلية للبلدان الأخرى ويغيِّر التحالفات بطرائق تنطوي على عواقب.
وكما اكتشف شي جينبينج فقد عزز تشدد بكين في التمسك الصريح والواضح بما تعتبره استحقاقاتها نفوذَ المتشددين ضد الصين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبذر بذور الشك وسط أنصار الصين السابقين.
الضرر طويل الأمد الذي لحق بالعلاقة بين واشنطن وبكين لم يقتصر فقط على كونه نتيجة لتصرفات ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى ولكنه كان أيضا تحولا عميقا في نظرات مسؤولي إدارة أوباما السابقين الذين التحقوا بإدارة بايدن وبنوا على العديد من سياسات ترامب المعادية للصين.
الدفاع عن التفوق التقني للولايات المتحدة خصوصا سيعزز عزيمة أولئك الذين يسعون في البلدان الأخرى لتحدي قبضة شركات التقنية الأمريكية الكبرى. فقد ظل الاتحاد الأوروبي يتصدى لنفوذ وسطوة تلك الشركات لأكثر من عقد. وإدارة ترامب الجديدة بعد رفض شركة «ميتا» استخدام تقنيتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي في بلدان الاتحاد الأوروبي ستثير في الغالب مواجهات تحفز على إيجاد أسواق دفاع وتقنية أوروبية متكاملة.
وفي بلدان كالمكسيك والهند والبرازيل وتركيا وجنوب إفريقيا وكينيا وإثيوبيا وإندونيسيا حتى تلك التي ستكون لدى قادتها الحاليين علاقة ودية مع ترامب سيؤدي ضغط واشنطن المستمر لفتح الأسواق وتحسين شروط التبادل التجاري لمصلحة الشركات الأمريكية إلى تنفير رواد الأعمال والمصدرين.
سيُنظر إلى الولايات المتحدة باطراد مثلما كانت هي الحال مع الصين في سنوات دبلوماسية الذئب المحارب كدولة منتهكة للقواعد المحلية والدولية وتسعى إلى الالتفاف حولها. ويمكن أن تبدو مطالبة كل بلد آخر بدفع «مقابل» للحماية العسكرية الأمريكية أشبه بمخطط ابتزاز دولي.
القوى المتوسطة الصاعدة والقادرة الآن على لعب دور أكثر استقلالا على المسرح السياسي مقارنة بوضعها في القرن العشرين ليست راغبة في أن تكون بيادق في المنافسة الأمريكية الصينية. فهي ستصر بدلا عن ذلك على تأكيد مصالحها الوطنية الخاصة بها بنفس الطريقة التي يرغب بها ترامب تطبيق شعار «أمريكا أولا».
تحاشت إدارة جورج دبليو بوش التقيد بالقواعد والطرائق الدولية مفضلة عليها «تحالفات الراغبين». ومنذ ذلك التاريخ ظل الديمقراطيون أنصار التعددية يتبعون خطى الجمهوريين أنصار الأحادية بعدما قضوا سنوات في إصلاح الضرر الذي أصاب العلاقات الدولية للولايات المتحدة وإيجاد تحالفات وائتلافات غير رسمية جديدة. (التعدّديون يدعون إلى التعاون مع البلدان الأخرى والمنظمات الدولية والأحاديون يسعون إلى العمل المنفرد وعدم التقيد بالتحالفات والاتفاقيات الدولية في خدمة المصلحة الوطنية - المترجم).
لكن هذه الدورة (من الأحادية إلى التعددية ومرة أخرى إلى الأحادية في السياسة الخارجية الأمريكية - المترجم)، قادت إلى تآكل الثقة في موثوقية الولايات المتحدة والاطمئنان إلى إمكانية الاعتماد عليها كشريك وحليف. وإذا أضفنا إلى ذلك جرعة قوية من الصلَف والإساءات فيمكن أن يكون الضرر الذي ستسببه الحقبة القادمة لدبلوماسية الذئب المحارب الأمريكية مستديما.
آن ماري سلوتر الرئيسة التنفيذية لمركز الأبحاث «أمريكا الجديدة» ومحررة مساهمة في الفاينانشال تايمز.
الترجمة خاصة لـ«عمان»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة البلدان الأخرى
إقرأ أيضاً:
ترامب يلوح بخطوة عقابية تجاه الصين بسبب "المخدرات"
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه لا يفضل الاضطرار إلى فرض رسوم جمركية على الصين، وذلك في تصريح حمل تهديدا مبطنا وفرصة للتودد في آن واحد بشأن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في الوقت الذي يواصل فيه التهديد باتخاذ إجراءات شاملة.
وقال ترامب في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" التي بُثت أمس الخميس في الولايات المتحدة: "لدينا سلطة واسعة للغاية على الصين تتمثل في الرسوم الجمركية، وهم لا يريدونها.. وأفضل ألا أضطر للجوء إليها. ولكنها قوة هائلة على الصين"، بحسب ما نقلته بلومبرغ.
ويستخدم ترامب الرسوم كتهديد متكرر ضد الأصدقاء والخصوم، وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن العائدات الإضافية المنتظرة من فرض هذه الرسوم ستساعد في تمويل الأولويات المحلية.
وهدد الرئيس الأميركي في يومه الثاني بالبيت الأبيض بفرض رسوم بنسبة 10% على الصين في الأول من فبراير على خلفية "تدفق" الفنتانيل إلى أميركا.
ونقلت تقارير إعلامية عن إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة أن معظم كميات الفنتانيل التي تدخل البلاد تأتي من مكونات مصنوعة في الصين ويتم تهريبها من المكسيك عبر عصابات المخدرات.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، إن هناك "مصالح هائلة مشتركة" بين الولايات المتحدة والصين، وذلك في إحاطة صحفية منتظمة في بكين اليوم الجمعة، مضيفة أنه "يجب على الجانبين تنظيم الحوار والمشاورات".