مقديشو- لم يكن توقيع اتفاقية الشركة الإستراتيجية بين مصر والصومال أمرا مفاجئا في الوقت الحالي، بل كان تتويجا لتقارب البلدين القائم على التعاون لمواجهة التحديات المشتركة في ظل تحولات كبرى تشهدها منقطة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

الاتفاقية التي وقع عليها في القاهرة الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود تغطي مجالات متعددة تشمل السياسية والتعاون العسكري والأمني والتعليم والثقافة وبناء القدرات والتعاون القضائي والاقتصادي إلى جانب التعاون في مجال إدارة الانتخابات.

وتوقيع هذه الاتفاقية يرتقي بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية في ظل تقارب حذر بين الصومال وإثيوبيا اتسم بخفض التصعيد السياسي، كما يأتي وفقا لمخرجات المصالحة التي ترعاها تركيا، لكن هذا التقارب يثير تساؤلات عن قراءة أبعاد هذه الشراكة والموقف الإثيوبي منها.

الرئيس السيسي (يمين) ونظيره الصومالي في القاهرة (الرئاسة المصرية)  شراكة إستراتيجية

يقول محمد شيخ الصحفي والمحلل في مركز الصومال للدراسات، للجزيرة نت، إن ترفيع مستوى العلاقات إلى شراكة إستراتيجية يعكس مدى رغبة البلدين في تعزيز فرص التعاون في المجالات كافة، بما يسهم في خلق نوع من التنسيق الكامل لتحقيق المصالح المشتركة.

وأضاف المحلل أن هذه الشراكة تستند إلى بناء تكتل ثنائي عربي يضمن رفع مستوى التعاون لمواجهة التحديات المشتركة التي يواجهها البلدان في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

ومن أهم الأبعاد التي تغطي الشراكة الإستراتيجية بين مصر والصومال، وفق محمد شيخ، البعد السياسي والعسكري والاقتصادي:

إعلان في ما يخص البعد السياسي، يرى المحلل أن هذه الشراكة تضيف زخما جديدا بشأن التعاون السياسي في المحافل الدولية والأفريقية، كما تسهم في توحيد المواقف السياسية في القضايا الشائكة في المنطقة والعالم، تفاديا لتكرار الموقف المفاجئ كما حدث في منتصف عام 2020 عندما دعم الصومال موقف إثيوبيا ضد مصر في اجتماع لجامعة الدول العربية بشأن أزمة سد النهضة. ويرى المتحدث أيضا أن الصومال يهدف لتعزيز الدعم العربي والدولي في استحقاق الانتخابات المباشرة المقبلة المقرر عقدها في منتصف 2026. أما البعد العسكري، فيقول محمد شيخ إن الشراكة تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات التدريب العسكري، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ودعم القدرات العسكرية للصومال في مواجهة التحديات الأمنية، مثل مكافحة الإرهاب والقرصنة. واقتصاديا، وفق المحلل نفسه، يسعى البلدان إلى رفع حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة والاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة لكلا البلدين، إذ ارتفع التبادل التجاري بين البلدين إلى 65.2 مليون دولار في العام الماضي مقابل 28.2 مليون دولار في عام 2023، وفقا لآخر الإحصائيات المتعلقة بالمجال. عودة مصر

وتشكل الشراكة الإستراتيجية خطوة مهمة نحو إعادة التوزان في منطقة القرن الأفريقي لمصلحة مصر، وذلك في ظل التنافس الدولي والإقليمي الذي تشهده المنطقة، وفق المحلل محمد أبتدون.

ويرى أبتدون، في حديث للجزيرة نت، أن القاهرة تسعى من خلال الشراكة الإستراتيجية مع الصومال إلى تحقيق وجود سياسي فعال في المنطقة، حيث يعدّ الصومال نقطة محورية في التفاعلات السياسية والأمنية في المنطقة وخاصة من خلال مساهمتها في البعثة الأفريقية لدعم الاستقرار في الصومال "أوصوم".

كذلك تهدف مصر، حسب المتحدث نفسه، إلى لعب دور قيادي في التأثير على صنع القرارات المتعلقة بالمنطقة.

إعلان

ومن منظور أكثر اتساعا، يرى محمد أبتدون أن توقيع اتفاقية الشراكة يأتي في ظل استشعار مصر للمخاطر الجيوسياسية التي تحدق بأمنها القومي من نهر النيل إلى البحر الأحمر.

هذا الاستشعار دفع إلى تحول علاقاتها مع الصومال إلى شراكة إستراتيجية لرفع مستوى التنسيق لمواجهة التحديات المشتركة وعلى وجه الخصوص لوقف التمدد الإثيوبي في مياه البحر الأحمر، وفق تحليل المتحدث.

وتابع أبتدون أن تحقيق وجود سياسي وعسكري مصري في الصومال قد يسهم في إعادة التوازن في الإقليم ويظهر مصر كحليف يمكن الاعتماد عليه، وأن هذا التوجه قد يضعف الدور الذي لعبته إثيوبيا طوال عقود كشرطي في المنطقة.

توازن ورسائل

من جانبه، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مقديشو عبد الولي سيد، للجزيرة نت، إن توقيع مقديشو الشراكة الإستراتيجية مع القاهرة يأتي ضمن الجهود الصومالية للبحث عن تحالفات إستراتيجية في الإقليم، وذلك بعد التهديد الذي شكلته إثيوبيا لوحدة أراضيها عبر اتفاقية مذكرة التفاهم التي وقعتها مع إقليم صومالي لاند المحلي في مطلع يناير/كانون الثاني 2024.

وأضاف عبد الولي أن الصومال خلال سنوات طويلة كانت مسرحا لتدخلات خارجية من دول المنطقة هددت وحدة أراضيها، فاضطرت إلى تشكيل تحالفات إقليمية من بينها الشراكة مع مصر بهدف إيجاد قوة إقليمية مؤثرة تسهم في إعادة توازن القوى بالمنطقة.

ووفق تحليل الأكاديمي ذاته، سيحقق الصومال من خلال هذه الشراكة تعزيز المناورة السياسية مع الدول المتحالفة معها بهدف إيجاد دعم سياسي متعدد الأطراف لمواجهة التهديدات المحتملة من أطراف المنطقة، كما تهدف إلى ضمان الدعم العسكري استعدادا لما بعد انتهاء مهمة البعثة الأفريقية "أوصوم" وذلك من خلال تدريب الجيش الصومالي وتسليحه.

وبهذه الشراكة بعث البلدان رسائل مزدوجة للأطراف الإقليمية، بحسب عبد الوالي، مفادها أن إعادة الدور المصري إلى المنطقة لا مفر منه، وأن استقرار الصومال جزء لا يتجزأ عن الأمن القومي المصري:

إعلان  القاهرة أرسلت رسالة واضحة بعزمها على تعزيز وجودها في المنطقة عبر القوة الصلبة أو الناعمة، معتبرا أن إخفاق مصر في ملف سد النهضة وسعي إثيوبيا للحصول على منفذ في البحر الأحمر دفعا صانع القرار المصري إلى وضع محددات جديدة في التعامل مع تلك التحديات التي تهدد اقتصاد مصر وأمنها. أما الصومال فأراد بهذه الشراكة تأكيد استقلالية نهجه الدبلوماسي في تحقيق مصالحه الوطنية، وإظهار قدرته على الموازنة بين تحالفاته رغم تضارب المصالح بين بعض القوى الإقليمية.

وأوضح سيد أن البلدين استغلا المؤتمر الصحفي المشترك لتوجيه رسائل طمأنة لدول المنطقة، مؤكدين أن الشراكة الإستراتيجية لا تشكل تهديدا لأي دولة وإنما تخدم تحقيق مصالح البلدين.

موقف إثيوبيا

في المقابل، قال المحلل السياسي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد، للجزيرة نت، إن إثيوبيا ليست قلقة بشأن اتفاق الشراكة بين الصومال ومصر، ما دام الاتفاق يخدم مصلحة البلدين ولا يمس الأمن القومي الإثيوبي.

وأضاف المحلل أن إثيوبيا قد أعربت سابقا عن عدم ممانعتها لتعاون البلدين إذا كان ذلك يعزز استقرارهما ويسهم في استقرار المنطقة بشكل عام.

وأشار المحلل إلى أن دول القرن الأفريقي ومصر في أمسّ الحاجة للتعاون والعمل المشترك لحماية مصالحهما الإقليمية، والتغلب على التحديات والخلافات عبر الحوار والعمل الدبلوماسي المشترك، كما شدد على أهمية إبعاد الصراعات في الإقليم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الشراکة الإستراتیجیة شراکة إستراتیجیة القرن الأفریقی هذه الشراکة للجزیرة نت فی المنطقة من خلال

إقرأ أيضاً:

الإمارات..26 شراكة مع الاقتصادات الأكثر حيوية عالمياً

شهد برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة منذ إطلاقه في سبتمبر (أيلول) 2021 وحتى نهاية الربع الأول من 2025، إبرام دولة الإمارات 26 اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع دول وتكتلات دولية ذات أهمية اقتصادية استراتيجية إقليمياً وعالمياً على خريطة التجارة الدولية.

ووقعت دولة الإمارات منذ بداية العام الجاري 5 اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع ماليزيا، ونيوزيلاندا، وكينيا، وأوكرانيا، وإفريقيا الوسطى، ما يمثل توسعاً كبيراً في شبكة التجارة الخارجية للدولة ويوفر المزيد من الفرص للقطاع الخاص ومجتمع الأعمال الإماراتي في مجموعة من الاقتصادات الأكثر حيوية في العالم.

ودخلت 6 اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة حيز التنفيذ فعلياً، فيما وقعت رسمياً على 14 اتفاقية جميعها تخضع حالياً للإجراءات الفنية والتصديق تمهيداً لدخولها حيز التنفيذ قريباً، في حين أنجزت مفاوضات 6 اتفاقيات أخرى، والتوصل إلى البنود النهائية استعداداً لتوقيعها لاحقًا.

ويواصل برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة في 2025 مسيرته التي بدأها من خلال توسيع شبكة الشركاء التجاريين والاستثماريين لدولة الإمارات حول العالم، بما يعزز موقع الدولة وحضورها على صعيد التجارة المفتوحة ومتعددة الأطراف على مستوى العالم.

مفاوضات

وتعمل دولة الإمارات حالياً على استكمال مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع عدد من دول العالم ذات التأثير الاقتصادي الكبير لاسيما مع اليابان، التي ستُستكمل المفاوضات معها قبل نهاية العام الجاري، ما يعكس حرص البلدين الصديقين على تعزيز التعاون الاقتصادي وفتح آفاق جديدة للشراكة التنموية بما يسهم في دعم الازدهار الاقتصادي وتهيئة مزيد من الفرص لمجتمعي الأعمال في البلدين.

نمو التجارة غير النفطية

وأظهرت نتائج أهم 4 اتفاقيات دخلت حيز التنفيذ نمواً إيجابياً في حجم التجارة غير النفطية، حيث نمت التجارة بين الإمارات والهند بـ 20.5 % فيما زادت نسبة الصادرات الإماراتية للهند بـ 75% في نهاية 2024.

وشهدت التجارة مع تركيا نمواً بأكثر من 11%، وأندونيسيا بنمو أكثر من 15%، وجورجيا بما يزيد على 56% ما يعكس الأثر الإيجابي لاتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة ونتائجها المهمة التي ظهرت على أرض الواقع وتترجمها أرقام التجارة الخارجية والتي عادة ما تظهر نتائجها بعد 5 أعوام أو أكثر من دخولها حيز التنفيذ.

وتنعكس اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة بشكل إيجابي على بيانات التجارة الخارجية للدولة التي تشهد نمواً مستمراً إذ ساهم برنامج اتفاقيات الشراكة في تسريع هذا المسار التصاعدي نحو تحقيق مستهدفات التجارة الخارجية ضمن رؤية "نحن الإمارات 2031" التي تهدف للوصول بقيمة التجارة الخارجية غير النفطية من السلع للدولة إلى 4 تريليونات درهم وترسم مسار زيادة الصادرات الإماراتية من السلع غير النفطية إلى 800 مليار درهم بحلول 2031.

وانعكس الأثر الإيجابي لاتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة على مختلف القطاعات لاسيما التجارة الخارجية غير النفطية للدولة، إلى جانب خدمات إعادة التصدير، وقطاعات الخدمات اللوجستية، والطاقة النظيفة والمتجددة، ومنتجات وحلول وتطبيقات التكنولوجيا المتقدمة، والخدمات المالية، والصناعات الخضراء، والمواد المتقدمة، والزراعة، والنظم الغذائية المستدامة.

وتعكس الاتفاقيات القائمة على القواعد، تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والتنمية الشاملة كما أن تنوّعها وقدرتها على توقيع شراكات نوعية مع اقتصادات حيوية، يضاعف الفرص، ويفتح مجالات أوسع حول العالم وفي أسواقه للقطاعات الاقتصادية الوطنية.

مقالات مشابهة

  • بن سلمان وسلام يبحثان العلاقات الثنائية.. السعودية: رسالة دعم وتمتين للعلاقات
  • محلل إسرائيلي: الافتقار للاستخبارات والتنظيم وراء فشل 7 أكتوبر
  • تونس.. الإعلان عن إستراتيجية جديدة لتحقيق طفرة سياحية في 2025
  • هكذا غيَّر ترامب إستراتيجية أمريكا العسكرية ضدّ الحوثيين
  • لبنان والسعودية يناقشان رفع الحظر عن الصادرات وتعزيز الشراكة الاقتصادية
  • استراتيجية تفاوضية.. باحثة في الشأن الافريقي تستبعد اندلاع حرب بين إثيوبيا وإريتريا
  • الإمارات..26 شراكة مع الاقتصادات الأكثر حيوية عالمياً
  • هكذا غيَّر ترامب إستراتيجية واشنطن العسكرية ضد الحوثيين
  • وزير المالية: إستراتيجية جديدة لتطوير المنظومة الجمركية
  • بعد حرب مروّعة .. إثيوبيا: ارتفاع حاد في معدلات الإيدز