الآن هو وقت نضال النساء في لبنان !
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
وسط الأزمات المتشابكة التي تعصف بلبنان على مختلف المستويات، تبرز قضية ضعف تمثيل النساء في مواقع صنع القرار. فعلى الرغم من المطالب المتزايدة والدعوات المتكررة لتحقيق المساواة الجندرية بين المرأة والرجل، لا يزال تمثيل المرأة اللبنانية في الحياة السياسية والإدارية محدودًا بشكل كبير.
هذا الواقع دفع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى توجيه رسالة واضحة للمجتمعين اللبناني والدولي خلال حوار نظمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة، يوم الأحد الماضي، حيث أكد أن: “الآن هو الوقت للنضال.
تصريحات غوتيريش تأتي في لحظة مفصلية، تفتح الباب أمام تساؤلات عدة، منها: لماذا لا تزال المرأة اللبنانية تواجه تحديات تحول دون تمثيلها في مواقع صنع القرار؟ وكيف يمكن تجاوز هذه العقبات لتحقيق مجتمع أكثر عدالة ومساواة؟
كشفت الإحصائيات التي عرضت خلال الحوار الذي نظمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن ضعف تمثيل النساء في مراكز صنع القرار في لبنان. فقد بلغت نسبة النساء في البرلمان 6% فقط، وفي المجالس البلدية 5%، وهي أرقام بعيدة عن الحد الأدنى المرجعي العالمي الذي يقضي بتمثيل النساء بنسبة 30% في هياكل الحوكمة.
ولإبراز أهمية دور المرأة في الحياة السياسية اللبنانية وتحقيق تمثيل نسائي بنسبة 50% في الحكومة اللبنانية التي يجري العمل على تشكيلها، أطلقت منظمة “فيفتي فيفتي”، كما توضح رئيستها جويل أبو فرحات، حملة تتضمن “إبراز أسماء عينة من النساء المؤهلات لتولي مناصب وزارية”، مشيرة إلى وجود العديد من النساء الجاهزات للقيام بأدوار قيادية في السلطة التنفيذية.
وتقول أبو فرحات لموقع “الحرة”: “عملنا في المنظمة على تقديم نبذة عن شخصيات نسائية تتمتع بالكفاءة والخبرة لتعيينهن كوزيرات، حيث نركّز على التذكير بأهمية الكفاءات النسائية اللبنانية وقدرتهن على المشاركة الفاعلة في صناعة القرار، في خطوة تهدف لتعزيز التوازن بين الجنسين في المواقع الحكومية”.
نضال المرأة اللبنانية لتحقيق دورها الفاعل في المجتمع وصناعة القرار ليس وليد اليوم، بل يمتد لسنوات طويلة، كما تؤكد أبو فرحات.
وتقول ردًا على تصريح غوتيريش: “نضالنا كمنظمة بدأ منذ 12 عامًا، وقبله كانت هناك لبنانيات يكافحن لتحقيق التغيير. التحدي الأساسي كان دائمًا يتمثل في رفض المنظومة الحاكمة لأي دعم أو تعزيز لدور المرأة”.
وترى أن غياب قانون الكوتا النسائية والعقلية الذكورية السائدة يمثلان أبرز العوائق أمام وصول النساء إلى مواقع القرار.
كذلك، تعتبر مديرة “المعهد العربي للمرأة” في الجامعة اللبنانية الأميركية، ميريام صفير، أن المجتمع اللبناني لا يزال محكومًا ببنية أبوية تعيق تقدم النساء، رغم امتلاكهن حق الترشح والانتخاب منذ عام 1953.
وتقول لموقع “الحرة”: “القوانين الانتخابية في لبنان تفتقر إلى الكوتا النسائية، التي أثبتت فعاليتها في تعزيز التمثيل النسائي في دول أخرى. لا بل حتى داخل البرلمان اللبناني، يتم التعامل مع النساء بشكل دوني بدلًا من مناقشة مواقفهن السياسية، كما رأينا في الهجوم الشخصي على النائبة بولا يعقوبيان خلال جلسة انتخاب رئيس الجمهورية”.
وتضيف صفير: “المحاصصة الطائفية تعزز هيمنة الرجال على المناصب السياسية”، متسائلة عن جدية الأحزاب السياسية في طرح أسماء نساء لتولي مناصب وزارية في الحكومة الجديدة.
وتقول: “غالبية الأسماء المطروحة حتى الآن من الرجال”.
غياب النساء عن مراكز صنع القرار يضعف فعالية السياسات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في بلد يواجه أزمات مالية واجتماعية حادة.
النساء، بما يملكنه من خبرات وتجارب متنوعة، قادرات، كما تقول الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، على تقديم رؤى شاملة ومتعددة الأبعاد تضمن معالجة القضايا من زوايا مختلفة تلبي احتياجات الجميع.
وتشير قصقص إلى أن غياب النساء عن مراكز صنع القرار يؤدي إلى قرارات أحادية لا تعكس احتياجات المجتمع ككل.
وتوضح: “عندما يغيب تمثيل المرأة عن البيئة السياسية، تصبح السياسات متحيزة وغير شاملة، ما يعوق تحقيق المساواة والتنمية المستدامة. كما أن غياب السياسات الاجتماعية والصحية والتعليمية التي تراعي قضايا النساء يؤدي إلى تهميشهن بشكل أكبر”.
يتطلب تحقيق مجتمع أكثر عدالة وتقدّمًا، كما ترى قصقص، جهودًا متكاملة بين المجتمع المحلي والدولي لضمان مشاركة المرأة في صنع القرار.
وتقول: “تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا بارزًا في تعزيز دور المرأة اللبنانية، من خلال حملات المناصرة وبرامج التدريب والتمكين الاقتصادي. ومع ذلك، يتطلب الأمر دعمًا دوليًا لضمان تحقيق التغيير”.
وتوضح: “في جمعية مفتاح الحياة، نقدم برامج تدريبية لتمكين النساء من الانخراط في سوق العمل، وتطوير مهارات القيادة، وتمويل مشاريع صغيرة، كما ننظم حملات مناصرة لتطبيق السياسات التي تدعم حقوق المرأة وتوقف العنف ضدها، مع التركيز على نشر ثقافة المساواة وحماية النساء”.
وتشير أبو فرحات إلى دور منظمة “فيفتي فيفتي” في دعم المرأة اللبنانية عبر حملات التوعية وبرامج التدريب والتمكين، إضافة إلى مواكبة النساء المرشحات للانتخابات في البلديات والنيابة.
وتوضح: “لدينا شبكة تضم أكثر من 3000 امرأة، تعمل على تبادل الأفكار والدعم. خلق هذه البيئة الحاضنة يعزز قدرة النساء على خوض غمار العمل السياسي”.
وتشدد أبو فرحات على أهمية دعم المجتمع الدولي للمنظمات الجادة في لبنان، مع الضغط على صانعي القرار لضمان تمثيل النساء في مواقع القرار، ليس فقط في الانتخابات، بل أيضًا في التعيينات المرتقبة في المناصب القضائية، العسكرية، والإدارية. وتقول: “إشراك النساء في هذه المناصب يعكس صورة متطورة وصحية للدولة اللبنانية”.
كذلك تشير صفير إلى وجود مبادرات جادة من قبل المنظمات غير الحكومية لتعزيز المساواة الجندرية، مشيدة بهذه الجهود.
وشددت على ضرورة التركيز على معالجة جذور المشكلات من خلال إصلاح القوانين المجحفة.
وتقول: “لا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار بمعزل عن بناء مجتمع قائم على العدالة والمساواة الجندرية. فكيف يمكن تحقيق ذلك في ظل قوانين تحرم المرأة من حق منح الجنسية لأبنائها، وتكرّس التمييز في قوانين الأحوال الشخصية بين النساء في حضانة أولادهن بناءً على طوائفهن، وتبرر جرائم قتل النساء بدواعي الشرف وغسل العار؟”.
ضمان تمثيل النساء في مواقع صنع القرار يتطلب خطوات أساسية تبدأ، كما تقول قصقص، “من المساواة بين الجنسين في التعليم، وتمكين الفتيات للوصول إلى فرص مهنية تعزز مهارات القيادة واتخاذ القرار”.
وتوضح: “يجب أن تعكس المناهج التربوية لغة مساواة، كما يجب تعديل القوانين التي تميز ضد المرأة، خصوصاً قوانين العمل والمشاركة السياسية، مع اعتماد كوتا نسائية لضمان تمثيل المرأة في المؤسسات العامة ومراكز صنع القرار”.
وتضيف قصقص أن تعزيز استقلال المرأة الاقتصادي والمالي، عبر دعم مشاريع صغيرة ومتوسطة، وتقديم برامج تدريبية ومهارات قيادية، يساهم في تغيير الصورة النمطية عن دور المرأة وفي دمجها بشكل أفضل في الحياة السياسية والاقتصادية.
كما تشدد على دور الإعلام في تسليط الضوء على حملات المناصرة وأهمية مشاركة المرأة في مشاريع إعادة الإعمار، قائلة: “يجب أن تكون النساء جزءاً أساسياً من التخطيط والتنفيذ لتلك المشاريع”.
أما أبو فرحات، فتعتبر أن تطبيق الكوتا في الانتخابات البلدية والنيابية خطوة أولى لتحقيق قفزة نوعية.
وتقول: “الكوتا تم تطبيقها في 94 بلداً حول العالم وكانت مدخلاً أساسياً لتمكين المرأة في مواقع القرار. في لبنان، ما زلنا نفتقر إلى الإرادة السياسية لتطبيق مثل هذه التدابير، إلا أننا نأمل في أن يحمل العهد الجديد في لبنان رؤية جديدة تدعم دور المرأة، عبر تطبيق الكوتا النسائية وتوسيع مشاركتها في مواقع القرار، سواء في السلطة التنفيذية أو الأحزاب السياسية”.
من جانبها، تؤكد صفير أن “المنصة النسوية في لبنان”، وهو تحالف يضم أكثر من 45 جمعية، يعمل على تعزيز الحقوق الجندرية والمساواة ومناهضة جميع أشكال التمييز. هذه المنصة قدّمت مطالب واضحة إلى المسؤولين في لبنان بهدف دعم حقوق النساء والفئات المهمشة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وتوضح صفير أن ورقة المطالب ركزت على أهمية التزام رئيس الجمهورية بدعم قضايا النساء وإدماج أولوياتهن في خطة العمل الرئاسية. كما دعت إلى تولي مناصب عليا، بما في ذلك الحقائب الوزارية.
كما طالبت الورقة بإلغاء القوانين المجحفة بحق المرأة، وإقرار تشريعات تدعم مشاركتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على قدم المساواة، وحمايتها من جميع أشكال العنف، تطبيقاً للدستور والاتفاقيات الدولية التي أبرمها لبنان.
وشددت المطالب على ضرورة زيادة تمثيل النساء في الحكومة الجديدة بنسبة لا تقل عن 50% من الحقائب الوزارية، وضمان أن تضم كافة التعيينات الحكومية نسبة متساوية من النساء، خاصة في مراكز القرار داخل الإدارات ومجالس الهيئات العامة ورئاسة البعثات الدبلوماسية.
وتضمنت المطالب أيضاً إقرار نظام الكوتا لضمان تخصيص نصف المقاعد على الأقل للنساء.
كما دعت إلى توسيع الحماية القانونية لتشمل العنف السياسي، بما في ذلك العنف الإلكتروني، وتأمين بيئة انتخابية آمنة تدعم مشاركة النساء، مع تفعيل آليات لحماية المرشحات من التنمر والعنف بجميع أشكاله.
وتختتم صفير بالتأكيد على أن “التغيير المطلوب لتحقيق مجتمع قائم على المساواة الجندرية بين المرأة والرجل لن يتحقق إلا عبر إرادة سياسية صادقة تلتزم بتغيير واقع النساء في لبنان”.
أسرار شبارو – الحرة
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: المرأة اللبنانیة مراکز صنع القرار تمثیل النساء فی مواقع القرار دور المرأة المرأة فی أبو فرحات فی مواقع فی لبنان
إقرأ أيضاً:
ما هي الرسائل السياسية التي تحملها زيارة الرئيس اللبناني إلى السعودية اليوم؟
يزور رئيس الجمهورية جوزف عون اليوم المملكة العربية السعودية في أول زيارة خارجية له، لذلك تحمل معاني الزيارة رمزية محددة حيث تنطلق صفحة جديدة من العلاقات اللبنانية-السعودية، منهية مرحلة من الجفاء السعودي تجاه لبنان لأسباب باتت معروفة.
واستبق الرئيس عون الزيارة بتصريحات لافتة حيث أعلن عن ضرورة توطيد العلاقات العربية الداخلية وعدم إيذاء أية دولة لأي من أشقائها العرب.
والأكثر من ذلك أن الرئيس عون عبّر بلغة لبنان الجديد والذي تريد الدول العربية ودول العالم سماع اللغة الجديدة للمسؤولين اللبنانيين ليس فقط تجاههم. بل أيضاً في ما خص الوضع اللبناني الداخلي وسيادة لبنان الفعلية على كامل الأراضي وبسط سلطة الدولة وتنفيذ القرارات الدولية والقيام بالإصلاحات اللازمة ومحاربة الفساد. مشيراً إلى أن قرار السلم والحرب هو في يد الدولة.
ثم في عدم استعداد لبنان لأن يتحمل النزاعات الخارجية على أرضه. كما أن اللغة الجديدة تتحدث عن دور الجيش اللبناني في حماية لبنان واللبنانيين، وفي وضع حد للسلاح غير الشرعي، تحت عنوان حصرية السلاح في يد الدولة وحدها.
المملكة والدول العربية، والمجتمع الدولي يريدون تنفيذاً فعلياً للمقومات التي يبنى عليها لبنان الجديد بعد انتخاب الرئيس في التاسع من كانون الثاني الماضي.
وتؤكد مصادر قصر بعبدا ل”صوت بيروت انترناشونال”، أن الرئيس عون سيعبر عن شكره للمملكة للدور الذي قامت به في لبنان ولمساعدته على انجاز استحقاقاته الدستورية وتقديره لوقوف السعودية الدائم إلى جانب لبنان والشعب اللبناني.
وأشارت المصادر، أن الزيارة ستبلور صفحة جديدة من عودة لبنان إلى أشقائه العرب، لا سيما إلى السعودية، وعودته إلى الحضن العربي، على أن تستكمل تفاصيل متعلقة بالاتفاقيات الثنائية وتوقيعها بعد شهر رمضان المبارك. وبالتالي، لن يكون هناك وفداً وزارياً يرافق الرئيس في الزيارة لتوقيع اتفاقيات. إنما الزيارة تحمل في طياتها رسالة شكر وتقدير واستعادة لهذه العلاقات التاريخية، وإعادة فتح القنوات على كافة المستويات.
إذاً، اللغة الجديدة للمسؤولين اللبنانيين لم تكن لتحصل لولا التغييرات الزلزالية التي أدت إلى انهيار المنظومة الإيرانية-السورية. وفي ظل ذلك شاركت دول الخليج الولايات المتحدة وفرنسا في صياغة الوضع اللبناني والذي يؤمل حسب المصادر باستكماله بتطبيق القرارات الدولية، وإصلاح الدولة والقضاء على الفساد. كلها على سبيل الشروط لمساعدة لبنان. مع أن إسرائيل حالياً باستمرارها بالخروقات تلعب دوراً سلبياً بالنسبة إلى انطلاقة العهد. وهناك انتظار لردة الفعل السعودية على الزيارة، وللمواقف التي ستطلقها خلالها.
وينتقل الرئيس عون إلى القاهرة للمشاركة في القمة العربية الاستثنائية لمناقشة الوضع الفلسطيني. وسيعبر عن الثوابت اللبنانية وعن الإجماع العربي حول ذلك.
موقف لبنان ملتزم مع العرب ومع جامعة الدول العربية، أي حل القضية الفلسطينية وفق مبدأ الدولتين، وعلى أساس المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت العربية في العام 2002.
وأوضحت المصادر، أن اتصالات عربية رفيعة المستوى تجرى لحصول موقف موحد يخرج عن القمة