"إسرائيل على بُعد خطوة واحدة من ضم الضفة الغربية"

وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش

في أعقاب فوز دونالد ترامب برئاسة أميركا لولاية ثانية، وحتى قبل تنصيبه رسميا، تعالت الأصوات في إسرائيل داعية إلى عدم تفويت تلك الفرصة لضم الضفة الغربية إلى "السيادة الإسرائيلية". على رأس تلك الأصوات صوت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي عبَّر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن عزمه إدراج ملف ضم الأراضي المحتلة في الضفة إلى أجندة أعمال حكومته في العام الجديد، معتبرا تسلُّم ترامب مهام وظيفته في يناير/كانون الثاني الجاري هو لحظة البدء في مخطط الضم.

وبالتزامن مع تصريحات نتنياهو، أفصح بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، ووزير الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع المسؤولة عن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، عن النيّات ذاتها ولكن بصورة أكثر وضوحا وتبجُّحا. وخلال اجتماع لحزبه "الصهيونية الدينية" في شهر نوفمبر/تشرين الثاني نفسه، زعم سموتريتش أن خلال ولاية ترامب السابقة "كانت إسرائيل على بُعد خطوة واحدة من فرض سيادتها على المستوطنات في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، والآن حان وقت القيام بذلك"، قبل أن يعود للتغريد حول الموضوع ذاته على حسابه الرسمي بمنصة "إكس"، مؤكدا أن عام 2025 سيكون عام السيادة الإسرائيلية على الضفة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الضفة الغربية في الرواية "التوراتية" الإسرائيليةlist 2 of 2درس غزة القاسي.. إسرائيل انهزمت إستراتيجيا رغم فداحة التدميرend of list إعلان

لم يكن حديث سموتريتش مجرد كلمات فارغة، لكنه كان تتويجا لخطوات واسعة ومتسارعة قادها الوزير اليميني المتطرف، الذي يجعله موقعه السياسي بمنزلة "حاكم غير معلن للضفة الغربية" منذ انضمامه إلى حكومة نتنياهو الأخيرة المشكَّلة في ديسمبر/كانون الأول عام 2022. تنوعت تلك الخطوات بين تشريعات واتفاقيات وتصاريح موسعة وسياسات أمر واقع تسعى لتحقيق هدف واحد رئيسي هو ترسيخ وتوسيع الاستيطان في الضفة المحتلة، وتحويل المستوطنات الإسرائيلية فيها إلى حقيقة لا يمكن تغييرها تمهيدا لضمّها في نهاية المطاف.

خلال كل تلك الخطوات، حظي سموتريتش بالدعم الكامل من نتنياهو وحكومته، قولا عبر تأكيد الأهداف نفسها والصمت على تحركات سموتريتش الاستيطانية البيِّنة، وفعلا من خلال تضييق الخناق على الاقتصاد الفلسطيني في الضفة بهدف خلق واقع معيشي قاسٍ يُجبر أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل.

ونتيجة لذلك، تقع الضفة اليوم بين مطرقة قوانين الاستيطان الجديدة وسندان الحرب الاقتصادية، دون وجود أية طريقة للهروب من هذا الواقع المرير إلا المقاومة ضد عمليات الابتلاع الإسرائيلية، وهو ما يتجلى حاليا في جنين، أبرز بؤر المقاومة ضد الاحتلال في الضفة، التي قررت إسرائيل توجيه النصيب الأكبر من بطشها نحوها بعد توقف الحرب في قطاع غزة والجنوب اللبناني.

وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (يمين) ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش (وكالات) الانقلاب الصامت

بدأ الاستيطان الإسرائيلي في الضفة منذ احتلالها عام 1967، حيث عدَّلت دولة الاحتلال آنذاك الأُطر التشريعية الحاكمة، وأقرَّت توليفة من الأوامر العسكرية غير القانونية التي تُشرِّع مصادرة أراضي الفلسطينيين العامة والخاصة، بغرض استخدامها لبناء المستوطنات والخدمات الخاصة بها، وسائر الأغراض الاستيطانية.

أقرَّت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة بناء المستوطنات وتوسيعها، بداية من حكومة حزب العمل بقيادة ليفي أشكول، التي تبنَّت ضمنيا ما تُعرف بـ"خطة آلون" التي دعت لاستيطان أجزاء كبيرة من الضفة. وتوسعت حركة الاستيطان بشدة منذ الانحراف اليميني للسياسة الإسرائيلية الذي بدأ مع عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 2009، لدرجة أن مع نهاية عام 2022 كانت هناك نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية في الضفة، شكَّلت ما نسبته 42% من أراضيها، ويقطنها أكثر من 720 ألف مستوطن.

إعلان

غير أن مسألة الاستيطان اتخذت منحى أكثر خطورة منذ مطلع عام 2023، بالتزامن مع تشكيل حكومة نتنياهو الائتلافية الأخيرة، التي وُصفت بأنها "الأكثر تطرفا" في تاريخ إسرائيل. ضم الائتلاف الحاكم مجموعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة بشقَّيْها العلماني والديني، من بينها حزب "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش، وحزب "العظمة اليهودية" برئاسة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، هذا إلى جانب حزب الليكود الحاكم بزعامة نتنياهو وبعض الأحزاب الحريدية، وكلها أحزاب معروفة بأجندتها الأيديولوجية الداعية لترسيخ القومية الإسرائيلية ويهودية الدولة، كما يُعرف عنها أيضا العداء الشديد للفلسطينيين.

سرعان ما ظهرت بصمات الائتلاف الجديد، ورصدها بصورة مفصلة التقرير الذي أعدَّته ونشرته مجموعة من المنظمات الإسرائيلية في أغسطس/آب 2024، وهي جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، ومنظمة "كسر الصمت"، والمركز الإسرائيلي للشؤون العامة، وترجمه المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، تحت عنوان "الانقلاب الصامت: تحويل نظام الحكم في الضفة الغربية". تناول التقرير ممارسات حكومة نتنياهو في الضفة، والقوانين التي أقرَّتها والاتفاقيات التي وقَّعتها وعُدَّت مجتمعةً بمنزلة خطة عمل تفصيلية تهدف إلى ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، عبر مجموعة من التدابير البيروقراطية.

وفقا للتقرير، منذ تولي الحكومة الجديدة السلطة تحوَّل مسار الحكم في الضفة الغربية من احتلال عسكري تُقيِّده مجموعة من القوانين الدولية الخاصة بتنظيم العلاقة بين سلطة الاحتلال والشعب المُحتل إلى مجموعة من المؤسسات المدنية الإدارية التي لا تتقيد بالقوانين الدولية قيد أنملة، وتتعامل مع أراضي الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية باعتبارها أراضي إسرائيلية خالصة.

أما عن الطريقة التي حدث بها هذا التحوُّل، فكانت عبر مجموعة من التغييرات التشريعية والقضائية الواسعة، ترقى إلى مستوى "الضم الفعلي"، ولا ينقصها سوى الاعتراف الرسمي بذلك، وكان بتسلئيل سموتريتش هو الجندي المجهول الذي يقف وراء كل هذه التغيرات بحكم منصبه الذي سعى إليه بنفسه بوصفه مسؤولا عن الإدارة المدنية في الضفة الغربية، وهي سلطة كانت تتبع تقليديا وزير الدفاع أو الجيش.

إعلان

 

في البداية، وقَّع سموتريتش اتفاقا مع وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، انتقلت بمقتضاه العديد من الصلاحيات العسكرية في الضفة الغربية إلى سموتريتش وإدارته، وعلى رأسها الموافقات على تصاريح البناء داخل المستوطنات والخدمات مثل الطاقة والمياه والنقل وحتى الآثار. وبحلول يونيو/حزيران 2023، وافقت الحكومة الإسرائيلية على منح سموتريتش صلاحية المصادقة الأولية على إجراءات التخطيط والبناء في المستوطنات، على خلاف البروتوكولات التي كانت مُتَّبعة لأكثر من ربع قرن، وكانت تستلزم الحصول على موافقة سياسية من رئيس الحكومة ووزير الدفاع في كل مرحلة من مراحل البناء.

على إثر ذلك، دشَّن سموتريتش سلسلة من التغييرات القانونية، واختلق وظائف وإدارات جديدة، صنعت مجتمعةً نظامَ حكم موازيا بالأراضي المحتلة منفصلا عن الإدارة العسكرية. من بين تلك التغييرات تأسيس "إدارة المستوطنات" -تحت قيادة يهودا إلياهو شريك سموتريتش المقرب الذي أسس معه منظمة ريغافيم الداعمة للاستيطان- ومنحها صلاحيات واسعة، منها مثلا الموافقة على إخلاء وهدم المباني التي يقيمها المستوطنون اليهود.

وبسبب تلك الإدارة انخفضت وتيرة هدم المباني غير القانونية للمستوطنين من نحو 25 مبنى شهريا عام 2022 إلى أقل من مبنيين شهريا في النصف الأول من عام 2023، ما يعني إطلاق يد المستوطنين بلا رادع.

كما استحدث سموتريتش منصب نائب رئيس الإدارة المدنية، إضافة إلى قيامه بنقل وظيفة المشورة القانونية إلى الإدارة المدنية، وهما إجراءان قلَّصا بشكل كبير من سلطة الجيش. وبانتقال صلاحيات المشورة القانونية تحديدا، استطاعت حكومة دولة الاحتلال التهرب من القيود التي يفرضها القانون الدولي على الأراضي المحتلة وتضمن حماية "نظرية" لحقوق السكان الفلسطينيين، بحسب ما أشارت إليه رونيت ليفن شنور، أستاذة القانون في "مركز هرتسليا متعدد التخصصات".

إعلان عوائق شكلية

تشير شنور إلى أن الفكرة السائدة عن عملية الضم التي تنطوي حتما على بعض المظاهر الشكلية، مثل رفع الأعلام الإسرائيلية والتصريحات الرسمية وإطلاق الأبواق، هي فكرة خاطئة، لأن الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية تطبق الضم على قدم وساق في الضفة الغربية المحتلة عبر القوانين والبنى البيروقراطية. وهو ما أكده المحامي والناشط السياسي مايكل سفارد، قائلا إن سياسات سموتريتش على أرض الواقع تُعد بكل المقاييس "عملية ضم شاملة" للضفة الغربية، وتصبّ في النهاية في مصلحة نظام الفصل العنصري الذي يتمدد ويسعى لفرض سيطرته على أراضي فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وهو ذاته ما أشارت إليه صحيفة "الغارديان" البريطانية منوهة بأن سموتريتش "يفرض واقعا على الفلسطينيين في الضفة الغربية، يصعب معه وضع ضوابط قانونية للتحكم في مسألة توسُّع المستوطنات".

وبخلاف تيسير ضم المزيد من الأراضي، يشجع الدعم والغطاء السياسي الذي يمنحه سموتريتش ونتنياهو على زيادة عنف المستوطنين الصهاينة ضد الفلسطينيين. ووفقا لأرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في النصف الأول من عام 2023، سُجِّلت 591 حادثة عنف ضد الأشخاص أو الممتلكات الفلسطينية بمعدل 98 حادثة من هذا القبيل شهريا، ارتفاعا من المتوسط البالغ 81 حادثة شهريا عام 2022.

وتُعزى هذه الزيادة في معدلات العنف الاستيطاني أيضا إلى تآكل الآليات الهشة والمتحيزة بطبعها في مواجهة الاستيطان. ففي شهر يونيو/حزيران 2023، وبعد أن أضرم المستوطنون النار في ممتلكات فلسطينية في قرية أم صفا، أمر الجيش الإسرائيلي بإقامة حاجز تفتيش مؤقت عند مدخل مستوطنة عطيرت المجاورة، لتفتيش المركبات ورصد الجناة، وهي خطوة لاقت إدانة واسعة من سموتريتش وبن غفير، وأدت إلى تناقص تلك الإجراءات الشكلية في حوادث العنف اللاحقة.

إعلان

أبعد من ذلك، يُعتقد أن "الإصلاحات القضائية" المثيرة للجدل، التي حاولت حكومة نتنياهو تمريرها وتسببت في اضطرابات سياسية كبيرة على مدار أشهر، كانت تهدف في جوهرها إلى تيسير خطة الضم من خلال تقليص القيود "اليسيرة" التي تفرضها المحكمة العليا الإسرائيلية على الاستيطان. لا عجب إذن أن حركة ريغافيم، التي أسسها سموتريتش، كانت من أشد المناصرين لتلك "الإصلاحات" لدرجة أنها روَّجت لمنشورات تنال من المحكمة العليا وتُبرز بعض الأحكام التي تُبرِّر تقليص سلطتها من وجهة نظر المنظمة.

وكما هو متوقع، كان معظم تلك الأحكام متعلقا بالضفة الغربية، ومنها على سبيل المثال حظر "إجراء الإنذار المبكر" الذي يكرس الانتهاكات عند اعتقال "المطلوبين"، وإلغاء إخطارات هدم منازل عائلات "الإرهابيين" المزعومين، وإخلاء البؤر الاستيطانية الواقعة على أراضٍ مملوكة للقطاع الخاص. والأهم قيامها في عام 2020 بإبطال قانون نزع الملكية الهادف إلى تمكين الدولة من مصادرة الأراضي الفلسطينية المملوكة للقطاع الخاص لإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية.

ولتبديد أي أوهام محتملة، دعونا نؤكد أن المحكمة العليا، أو أي هيئة إسرائيلية أخرى، لم تُمثِّل أبدا عائقا حقيقيا أمام الجهود الاستيطانية، لكن الإجراءات التي تسمح بها لا ترتقي إلى طموحات المستوطنين المتزايدة باستمرار. في الحقيقة، هناك قائمة طويلة لقرارات المحكمة التي خدمت حركة الاستيطان، ومنها عدم قبول الحظر الذي فرضته اتفاقيات جنيف على نقل السكان إلى الأراضي المحتلة، وسماح المحكمة بإنشاء مستوطنات على الأراضي التي استُولي عليها لاحتياجات عسكرية، ما دام قد ثبت أن المستوطنات تؤدي وظيفة أمنية، ما مَكَّنها من إقرار بناء الجدار العازل.

على كل حال، أخمدت عملية "طوفان الأقصى" وحرب الإبادة الإسرائيلية الطويلة ضد قطاع غزة الجدل حول "الإصلاحات القضائية"، لكنها لم توقف مسيرة الاستيطان. على سبيل المثال، صادق المجلس الأعلى للتخطيط والبناء في مارس/آذار على خطط لبناء 18515 وحدة سكنية في الضفة الغربية، منها 3500 وحدة سكنية إضافية داخل مستوطنات "معاليه أدوميم" و"إفرات" و"كيدار"، وذلك بعد عام واحد على نقل السلطات المدنية في الضفة الغربية إلى سموتريتش.

إعلان

وقد أشارت صحيفة "إسرائيل اليوم" حينذاك إلى أن ذلك يُعد أكبر عدد من الوحدات السكنية تجري الموافقة عليه خلال عام واحد. لكن الأمور لم تقف عند هذا الحد، ففي ميزانية عام 2024، خصَّص سموتريتش نحو 4.9 مليارات شيكل (نحو 1.3 مليار دولار) لتطوير البنية التحتية للمستوطنات، وبناء الوحدات الاستيطانية الجديدة، وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية وإمدادها بخدمات المياه والكهرباء، هذا بالإضافة إلى شق الطرق في الضفة وتمويل المدارس الدينية المتطرفة.

بالإضافة إلى ذلك، تعهَّد سموتريتش برفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى مليون نسمة في العقدين المقبلين. فيما يظل الهدف الأكبر والنهائي لكل هذه الجهود هو محو الخط الأخضر الذي يقسم أرض فلسطين التاريخية بحسب القرارات الدولية، إذ يفصل هذا الخط بين الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948 وتلك التي احتلتها بعد حرب 1967. ويُعد محو هذا الخط عمليا بمنزلة شهادة وفاة لـ"حل الدولتين" الذي يعارضه سموتريتش، بحكم خلفيته الدينية التي ترى الضفة الغربية والقدس الشرقية جزءا من الحدود التوراتية لدولة إسرائيل الكبرى.

الحرب الاقتصادية

لم تكن خطة سموتريتش الساعية لفرض السيطرة الكاملة على الضفة الغربية لتكتمل عبر تشجيع الاستيطان فقط، بل كانت تحتاج إلى شقها الآخر المتمثل في فرض واقع معيشي قاسٍ على الفلسطينيين بهدف كسر مقاومتهم. حدث ذلك، بشكل أساسي، عبر تكبيل الاقتصاد الفلسطيني بقيود حديدية، من خلال استغلال تبعيّته الحتمية مع اقتصاد إسرائيل.

فخلال العام الأخير وحده، انكمش الناتج المحلي الفلسطيني بنسبة 28%، وتقلَّصت القدرة الإنتاجية بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وقدَّرت وزارة الاقتصاد الفلسطينية في رام الله حجم خسائر الضفة الغربية وحدها بنحو 30% من طاقتها الإنتاجية، في حين خسر الاقتصاد الفلسطيني كله نحو 80% من طاقته الإنتاجية. أما عن الخسائر اليومية نتيجة الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، فقد تجاوزت 20 مليون دولار وفقا لتقديرات الوزارة.

إعلان

في الوقت ذاته، قدَّر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حجم انكماش الناتج المحلي بنحو 32%، فيما بلغت نسبة تراجع الاقتصاد في الضفة الغربية وحدها قرابة 22%، وتقلَّص نصيب الفرد من الناتج المحلي فيها بنسبة 24%. فيما تراجعت أرباح 7 بنوك فلسطينية مدرجة في بورصة فلسطين بنسبة 89% في النصف الأول من 2024.

لم تقتصر الخسائر الاقتصادية على الأرباح والناتج المحلي فقط، بل طالت في جزء منها الممتلكات الفلسطينية بالضفة الغربية، وذلك بحسب تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، حيث هدمت قوات الاحتلال 1725 منشأة فلسطينية في مناطق مختلفة من الضفة، وألحقت أضرارا بـ1900 وحدة خلال الفترة من السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 23 سبتمبر/أيلول 2024.

حدث ذلك كله تحت مظلة بنية تحتية قانونية مستحدثة، شملت سلسلة من القوانين والتشريعات الإسرائيلية الجديدة التي استهدفت عمدا الاقتصاد الفلسطيني، من بينها قانون حظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الذي كانت له آثار بالغة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية.

يُعد هذا القانون جزءا من الإجراءات العقابية التي اتبعتها الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، وتهدف إلى تجريد الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية المُلِحّة. فوكالة الأونروا كانت تُقدِّم خدماتها الطبية في المستشفيات لما يقرب من أربعة ملايين فلسطيني، كما يستفيد أكثر من 340 ألف طالب من مدارسها وخدماتها التعليمية. ناهيك بأن هذا الحظر قد تسبب في فقدان ما يقرب من 30 ألف موظف لوظائفهم، أغلبهم من الفلسطينيين.

شملت هذه التشريعات أيضا تدابير تتعلق بالضرائب والعمالة والمعونات الاجتماعية، فنجد أن الحكومة الإسرائيلية ألغت المخصصات الاجتماعية للأسر الفلسطينية التي شارك أحد أفرادها في أفعال تقع تحت تصنيف "الإرهاب" وفقا للقوانين الإسرائيلية، كما أوقفت الخصم الضريبي الذي كان يتمتع به العمال الفلسطينيون والأجانب العاملون في الأراضي المحتلة، وذلك في قانون الترتيبات الاقتصادية الخاص بموازنة عام 2025.

إعلان

هذا بالإضافة إلى إغلاق السوق الإسرائيلي أمام العمالة الفلسطينية، الأمر الذي ترتب عليه حرمان أكثر من 200 ألف عامل فلسطيني من وظائفهم داخل الخط الأخضر، حيث تقلص عدد هؤلاء العمال في الربع الثاني من عام 2024 إلى 27 ألف عامل فقط، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وبسبب ذلك، خسر الاقتصاد الفلسطيني نحو 306 ألف فرصة عمل، وارتفعت جراء ذلك نسب البطالة في الضفة الغربية بنحو 35% خلال النصف الأول من عام 2024، مقارنة بأقل من 13% في عام 2022.

 

أضف إلى ذلك القرارات التي أصدرها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش مطلع عام 2024، وبموجبها احتُجزت 3.1 ملايين شيكل (أكثر من 800 ألف دولار) من أموال المقاصة التي تُمثِّل 65% من إجمالي الإيرادات المالية للحكومة الفلسطينية، التي تدفع منها رواتب موظفيها العموميين. وقد جرى تخصيص هذه الأموال المحتجزة لصالح "حملة تعويضات لضحايا الإرهاب" من الأسر الإسرائيلية. بعدها بعدة أشهر، اقتطع سموتريتش قرابة 35 مليون دولار من العائدات الضريبية الفلسطينية المستحقة شهريا للسلطة الفلسطينية، وحوَّلها إلى 28 عائلة لقتلى إسرائيليين خلال عمليات نفَّذها مسلحون فلسطينيون في الأعوام الماضية.

كانت تلك الأموال جزءا من رؤية سموتريتش الكبرى المتمثلة في جعل الفلسطينيين يدفعون ثمنا باهظا بسبب مقاومتهم. وعلى تلك الشاكلة، استغلَّت حكومة الاحتلال كل أداة ممكنة لإحكام الخناق على الفلسطينيين. وتضيف هذه التشريعات الاقتصادية التي تسعى إلى إفقار الضفة الغربية، إلى جانب القوانين الساعية لتوسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة، جملة من التعقيدات إلى الواقع الفلسطيني المعقد في حد ذاته.

ويتمثَّل هدفها النهائي في دفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لاختيار "الهجرة الطوعية" (ولا ندري أي منطق في تسميتها "طوعية" بهذا الشكل)، التي تُعد ركيزة أساسية لخطة ضم الضفة التي يكرس لها سموتريتش كل جهوده، بدعم مطلق من نتنياهو، وسط صمت إقليمي مطبق وتواطؤ عالمي معتاد.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد الاقتصاد الفلسطینی الضفة الغربیة إلى فی الضفة الغربیة الإدارة المدنیة الأراضی المحتلة الإسرائیلیة فی النصف الأول من حکومة نتنیاهو غیر القانونیة وزیر المالیة مجموعة من ضم الضفة أکثر من ت حکومة التی ت عام 2022 من عام کانت ت

إقرأ أيضاً:

تحويل الضفة الغربية إلى غزة.. أزمة متفاقمة في الأراضي الفلسطينية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق نيويورك تايمز: الوضع فى الضفة الغربية سابقة خطيرة للمستقبل ويُقوّض أسس آمال الفلسطينيين والإسرائيليين فى السلام  الاحتلال يشرد العائلاتٍ وينشر القتل والدمار ويخلف أطفالًا مُحطّمى المستقبل وشعورًا مُتصاعدًا باليأس

 

الكاتب نيكولاس كريستوف

 

 

يُسلّط الكاتب نيكولاس كريستوف من طولكرم الضوء على واقع العمليات العسكرية الإسرائيلية فى قلب الضفة الغربية، حيث اكتسب مخيم طولكرم للاجئين لقب "غزة الصغيرة" وتعكس هذه المنطقة التى مزقتها المعارك دمار غزة، بمبانيها المهدمة وطرقها الممزقة ونزوحها الواسع.

ويصف كريستوف كيف أن استخدام إسرائيل المتزايد للتكتيكات العسكرية - كالغارات الجوية والدبابات والتدمير الشامل - بدأ يُحوّل الضفة الغربية إلى "غزة"، مُشرّدًا نحو ٤٠ ألف فلسطينى منذ يناير/كانون الثاني. ووفقًا لمنظمات حقوق الإنسان مثل بتسيلم، فقد أدت هذه الاستراتيجية إلى ما يُطلق عليه الكثيرون "غزة" الضفة الغربية، مُخلّفةً عائلاتٍ مُشرّدة، وأطفالًا مُحطّمى المستقبل، وشعورًا مُتصاعدًا باليأس. والعنصر الأكثر مأساوية فى هذا التصعيد هو عدد الضحايا المدنيين. ومن بين هؤلاء الضحايا سندس شلبي، وهى امرأة حامل تبلغ من العمر ٢٣ عامًا، قُتلت على يد القوات الإسرائيلية أثناء حملها بطفلها الأول. يُعدّ موتها واحدًا من بين العديد من الوفيات التى تُبرز تكلفة التكتيكات العسكرية الإسرائيلية فى المنطقة. فرغم أن هذه الإجراءات ربما تكون قد خفّفت مؤقتًا من النشاط العسكري، إلا أن التكلفة فى الأرواح والنسيج الاجتماعى لا تُحصى.

كما أصبح أطفالٌ مثل محمد عبد الجليل، البالغ من العمر ١٢ عامًا، رموزًا مأساوية لهذا الصراع المستمر حيث هدمت القوات الإسرائيلية منزل محمد، وأُغلقت مدرسته بسبب استمرار احتلاله المخيم. وتحدث محمد بجرأةٍ مُقلقة عن رغبته فى أن يكبر ليصبح مقاتلًا فى صفوف حماس، موضحًا أنه يتمنى "الاستشهاد". يُعد رده مؤشرًا مؤلمًا على البراءة المفقودة والأحلام المحطمة التى تُخلفها الحرب.

من جانبه لخّص فيصل سلامة، المسئول المحلى فى السلطة الفلسطينية، حلقة العنف المأساوية قائلًا: "لماذا لا يُحب هؤلاء الأطفال الحياة؟ لأنهم طُردوا من منازلهم ومدارسهم وفقدوا كل حياة طبيعية". بالنسبة لهؤلاء الأطفال، قد يبدو الاستشهاد هو الخلاص الوحيد من حياةٍ مليئةٍ بالمعاناة.

مسار تدميري 

مع إحكام الجيش الإسرائيلى قبضته على مخيمات اللاجئين، يُبرر أفعاله بزعم الحاجة إلى القضاء على الإرهاب. وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الهجمات العسكرية بأنها ضرورية لتطهير المنطقة من "الإرهابيين". ومع ذلك، وكما يشير كريستوف، فإن التكلفة البشرية لهذه الاستراتيجية باهظة. فالمدنيون الأبرياء، بمن فيهم النساء والأطفال، يقعون فى مرمى النيران. فتوحد سهى معين، وهى أم فى منتصف العمر، فقدت منزلها على يد القوات الإسرائيلية، وهى الآن تنام مع أطفالها فى مقبرة. بالنسبة للكثيرين، هذا هو واقعهم اليومى - يُجبرون على ترك منازلهم دون مأوى.

أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إلى أن الجيش سيبقى فى هذه المخيمات للاجئين طوال العام، مانعًا السكان من العودة فى محاولة لقمع ما يعتبره إرهابًا متزايدًا. لكن هذه الاستراتيجية، وفقًا لكريستوف، قد تُعمّق دائرة العنف، وتزيد من الاستياء والغضب بين السكان الفلسطينيين.

دور حماس والسلطة الفلسطينية

يزداد الوضع فى الضفة الغربية تعقيدًا بسبب دور السلطة الفلسطينية، التى شنّت حملتها الخاصة على المسلحين فى هذه المخيمات. ومع ذلك، ينظر كثير من الفلسطينيين إلى السلطة الفلسطينية على أنها عاجزة وفاسدة، مما يزيد الوضع تقلبًا. ورغم جهود السلطة الفلسطينية للظهور كشريك موثوق لإسرائيل والولايات المتحدة، فإن تزايد فقدان شعبية السلطة بين الفلسطينيين لا يزيد الوضع إلا تأجيجًا. وقد أدى ذلك إلى تحول فى المشاعر: إذ تشير استطلاعات الرأى إلى أن حماس، وهى جماعة مسلحة، تحظى الآن بشعبية أكبر فى الضفة الغربية، لا سيما وأنها ترمز إلى مقاومة إسرائيل.

وبدلًا من القضاء على حماس، قد تُغذى العمليات العسكرية الإسرائيلية، عن غير قصد، الظروف التى تُغذى نموها. ويؤكد كريستوف أن الهجوم العسكرى على الضفة الغربية قد يُعزز عزيمة جماعات مثل حماس، التى تزدهر على مقاومة العدوان الإسرائيلي.

الضم

هناك سؤالٌ مُلحّ حول ما إذا كانت إسرائيل ستمضى قدمًا فى ضم الضفة الغربية، وهى خطوةٌ يدعمها بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة. فنجد ان رئيس الوزراء السابق إيهود باراك حذر من أن الضم الكامل ستكون له عواقب وخيمة على هوية إسرائيل كدولة يهودية. فإذا تم دمج الفلسطينيين بالكامل دون منحهم حقوق التصويت أو ملكية الأراضي، فلن يعود بإمكان إسرائيل ادعاء أنها دولة ديمقراطية. وحذّر باراك من أن هذا من شأنه إما أن يُحوّل إسرائيل إلى دولة غير يهودية أو أن يُقوّض أسسها الديمقراطية.

وتشير استطلاعات الرأى إلى أن العديد من الفلسطينيين فى الضفة الغربية يشعرون وكأنهم يعيشون بالفعل فى ظل شكل من أشكال الضم الفعلي. قد يكونون أقل قلقًا بشأن التسمية الرسمية للضم وأكثر تركيزًا على بقائهم اليومى فى بيئةٍ معاديةٍ بشكل متزايد.

المنظورات الدولية ودور الولايات المتحدة

يُسلّط كريستوف الضوء على البعد الدولى للقضية، مُشيرًا إلى دور الولايات المتحدة فى تمكين الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية. فى ظل إدارة ترامب، أضعفت الولايات المتحدة موقفها من المستوطنات وغيرها من الإجراءات التى تُفاقم التوترات بين إسرائيل وفلسطين. وبينما كانت الإدارات الأمريكية السابقة بمثابة كبح لليمين الإسرائيلي، كانت الحكومة الأمريكية الحالية أقل ميلًا للتدخل، مما زاد من جرأة الإجراءات الإسرائيلية فى الضفة الغربية.

وقد أدى هذا الدعم إلى استمرار حلقة القمع فى الضفة الغربية، مع بروز أمل ضئيل فى تحقيق السلام. وكما يحذر كريستوف، فإن هذا الوضع قد يكون مدمرًا لإسرائيل كما هو الحال للفلسطينيين، مما يهدد المبادئ التى قامت عليها دولة إسرائيل.

سابقة خطيرة للمستقبل

وعلى الرغم من أن العنف فى الضفة الغربية يحظى باهتمام دولى أقل من الصراع فى غزة، إلا أنه يُمثل أزمة متنامية قد تكون لها آثار دائمة على المنطقة. ويجادل كريستوف بأن استراتيجية إسرائيل الحالية المتمثلة فى الهجمات العسكرية والتهجير لن تحقق سلامًا دائمًا، بل ستواصل تأجيج العنف وعدم الاستقرار. يُهدد التدمير المستمر لمنازل الفلسطينيين ومجتمعاتهم فى الضفة الغربية بتقويض آفاق حل الدولتين، وقد يؤدى إلى مزيد من التطرف بين الشباب الفلسطيني.

وكما يُشير كريستوف، يُمثل الوضع فى الضفة الغربية سابقةً خطيرةً للمستقبل، قد تُقوّض أسس آمال الفلسطينيين والإسرائيليين فى السلام. 

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تُطوّق الفلسطينيين بـالسور الحديدي في الضفة الغربية
  • بالتزامن مع حرب غزة.. عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في الضفة الغربية
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفّذ عمليات هدم في الضفة الغربية
  • عمرو خليل: إسرائيل تشعل الأوضاع في الضفة الغربية لإرضاء اليمين المتطرف
  • استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية.. وحماس تدعو لـ هبًـة شعبية في الضفة
  • الخارجية الفلسطينية: تصعيد الاحتلال لهدم المنازل في الضفة الغربية امتداد لجرائم الإبادة والتهجير
  • عاجل| مصابون في عملية طعن بالقدس الغربية
  • 23 عملاً مقاوماً في الضفة الغربية خلال 24 ساعة
  • الاحتلال يقتحم محافظة طوباس بـ الضفة الغربية من محاور عدة ويفرض حظر تجول
  • تحويل الضفة الغربية إلى غزة.. أزمة متفاقمة في الأراضي الفلسطينية