ذاكرة الأرض معرض فني بالدوحة يوثق التراث الفلسطيني
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
الدوحة- ما بين لوحة فنية تجسد امرأة فلسطينية تطحن الحب على الرحى في منزلها، وأخرى تصور موسم حصاد الرمان والزيتون، وثالثة تمثل طائر الشمس رمز السيادة الوطني الفلسطيني، حاول فنانون من 12 دولة عربية التعبير عن التراث الفلسطيني والحفاظ عليه ونقل تفاصيله للأجيال الحالية والقادمة من خلال معرض ذاكرة الأرض.
وقبل يومين انطلق المعرض في بيت بن جلمود، متاحف مشيرب، الذي يقام بالتعاون مع جاليري المرخية وقطر الخيرية في مبادرة جماعية تهدف إلى صون وإحياء التراث الثقافي الفلسطيني ودعم القضايا الإنسانية، حيث يتم تخصيص ريع المعرض للأعمال الإنسانية في فلسطين.
ويجمع المعرض الذي يستمر حتى نهاية فبراير/شباط المقبل أعمالا فنية متنوعة يمثل كل منها مشهدا من حياة وعادات الشعب الفلسطيني في سردية بصرية تستعرض مشاهد من الحياة الفلسطينية التقليدية وعبر تفسيرات فنية متنوعة من الأهازيج الشعبية والتطريز إلى مشاهد الأسواق النابضة بالحياة والعمارة التراثية.
وفى حديث للجزيرة، قال المدير العام لمتاحف مشيرب عبد الله النعمة إن المعرض يضم أعمال 12 فنانا عربيا وهو ينقسم إلى قسمين، قسم للوحات الفنية والتي يصل عددها إلى 42 عملا فنيا، وقسم آخر يضم رزنامة أو تقويما سنويا لشهور العام يمثل كل شهر منها جانبا معينا من الحياة اليومية والتراث الفلسطيني الذي نهدف إلى توثيقة كتراث إنساني.
وقال إنه سيتم تخصيص عائدات بيع اللوحات والرزنامة لدعم الأنشطة الإنسانية في غزة وفلسطين بشكل عام، موضحا أن الفكرة تركز على دور الفن في توثيق التراث حيث إن أغلب المعارض السابقة ركزت على المأساة التي حدثت في غزة ولكن في مثل هذه الفترات الصعبة يجب ألا نغفل التركيز على حفظ التراث والهوية وهو ما نحرص عليه من خلال الرؤى الفنية المختلفة التي تعبر عنها اللوحات المعروضة.
وأضاف أن كل عمل فني له قصة مختلفة وبعضها مرتبط بشهر معين في السنة، وعلى سبيل المثال نجد لوحة الرمان ترتبط بشهر سبتمبر/أيلول وهو موسم حصاد الرمان والزيتون، لافتا إلى أن كل لوحة لها قصة مستوحاة من التراث والتاريخ والعادات والتقاليد الفلسطينية موضحا أن فكرة المتاحف هي التركيز على القصص التي لم ترو بعد ولا أعتقد أن هناك قصة أهم من قصة القضية الفلسطينية التي توجد في وجدان كل عربي.
إعلانوكشف أنه تم بيع 40% من اللوحات المشاركة في المعرض حتى الآن لافتا إلى أنه سيتم تسليم اللوحات للمشترين في نهاية المعرض، مشيدا بالوعي الكبير للجمهور الذي يحرص على الحضور واقتناء اللوحات الفنية وفى الوقت نفسه مساعدة إخواننا في فلسطين.
وفى تصريحات للجزيرة نت قال القيم على المعرض بشير محمد إن "ذاكرة الأرض" ليس مجرد معرض فني ولكنه مشروع ثقافي وإنساني يعبر عن الهوية الفلسطينية وتراثها العريق، موضحا أنه تم استلهام فكرة المعرض من الرزنامة السنوية (التقويم) التي تحتفي بتراث الشعوب، وفي هذا الإطار تم تقديم 12 عملا فنيا رقميا يمثل كل منها شهرا من السنة، إذ يرتبط كل شهر بعادة أو تقليد أو رمز فلسطيني يعبر عن الحياة اليومية لهذا الشعب الذي يتمسك بجذوره رغم التحديات.
وقال إنه على سبيل المثال نجد من بين المعروضات لوحة فنية تحمل شهر يونيو/حزيران والتي تعبر عن عصفور الشمس، وهو رمز الوطنية الفلسطينية والتي حاولت إسرائيل الاستيلاء عليها ونسبتها لها ولكنها فشلت في ذلك ومن ثم يأتي مثل هذه المعرض لعرض قصة أو تاريخ حدث معين ينسب للشعب الفلسطيني ويسرد تراثا أو تاريخا خاصا به فقط.
وسيلة حديثة للتوثيقوأكد أنه من خلال هذا المعرض أردنا أن نبرز التراث الفلسطيني باستخدام الفن الرقمي كوسيلة حديثة للتوثيق، فكل عمل فني في المعرض مستوحى من تفاصيل دقيقة ترتبط بالهوية الفلسطينية، ومن بين الصور المعروضة أيضا، نجد مشهدا لموسم حصاد الرمان والزيتون، وهما رمزان أساسيان في الثقافة الزراعية الفلسطينية، حيث يعبران عن العطاء والاستمرارية.
وشدد على أن الهدف الأساسي من "ذاكرة الأرض" هو توثيق التراث الفلسطيني والحفاظ عليه كإرث إنساني موضحا أن هذا التراث لا يخص الفلسطينيين وحدهم، بل هو جزء من الذاكرة الإنسانية المشتركة وأننا أردنا من خلال هذا المشروع أن نقول إن الثقافة الفلسطينية ليست مجرد تاريخ مكتوب، بل هي حاضر حي ومستقبل يجب أن يُحافظ عليه.
وأشار إلى أن "ذاكرة الأرض" يجمع بين الجمال الفني والرسالة الثقافية، ويُبرز أهمية الفن كأداة توثيق تحفظ التراث وتنقل التاريخ للأجيال القادمة، فهو دعوة للعالم للتأمل في عراقة التراث الفلسطيني ودعوة للشعوب الأخرى لاحترام التنوع الثقافي كجزء من الهوية الإنسانية.
إعلانوختم بالقول إن المعرض هو وسيلة لتسليط الضوء على تفاصيل حياة الفلسطينيين، تلك التفاصيل التي قد تبدو بسيطة لكنها تعبر عن عمق الروح الفلسطينية من خلال الفن الرقمي، حيث نعيد إحياء العادات والتقاليد ونوصل رسالة مفادها أن التراث هو السلاح الأهم في مواجهة محاولات الطمس والتهميش.
لوحات فينة رقميةقالت الفنانة التونسية نهى الحبيب، في حديث للجزيرة نت، إنها تشارك في المعرض بـ4 أعمال فنية أحدها في الرزنامة والثلاثة الأخرى لوحات فينة رقمية في المعرض، موضحة أن فكرة الرزنامة كانت هي الأساسية في هذا الحدث ومن ثم جاءت فكرة المعرض بشكل عام أيضا.
وتابعت أن مشاركتها في الرزنامة كانت من خلال تجسيد شهر أغسطس/آب وذلك من خلال تصوير الدبكة الفلسطينية التي تعبر عن العرس الفلسطيني والذي يكثر في هذا الشهر بالصيف بشكل أساسي، مشيرة إلى أن مثل هذه الفنون والأعمال الفنية تعتبر تجسيدا لعادات وتقاليد الشعوب ومن ثم فإنها بمنزلة الحافظ والناقل لهذا التراث من جيل إلى آخر.
وأوضحت أن الرزنامة هي عبارة عن 12 عملا فنيا تمثل 12 شهرا هي شهور السنة، وكل فنان من الفنانين المشاركين قدم لوحة فنية تحمل اسم شهر محدد تكثر فيه عادات وتقاليد وفعاليات تراثية معينة خاصة بالشعب الفلسطيني موضحة أنه من المستهدف أن يتم طرح 500 رزنامة خلال فترة المعرض، مشيدة بالإقبال على اقتنائها خلال الأيام الأولى من المعرض وهو ما يدل عن مدى الوعي بقضية الشعب الفلسطيني التي هي قضية العرب الأولى.
وأكدت أن مشاركتها في المعرض تأتي كجزء من التزامها الفني والثقافي بتسليط الضوء على قضايا الشعوب العربية عبر أعمالها حيث يعتبر معرض "ذاكرة الأرض" منصة هامة تجمع بين فنانين من مختلف الخلفيات ليعرضوا رؤاهم الفنية التي تربط بين الماضي والحاضر وتجسد عادات وتقاليد شعب له معزة خاصة في قلوب الجميع.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات التراث الفلسطینی الشعب الفلسطینی عملا فنیا فی المعرض موضحا أن تعبر عن من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
ملحمة الشعب الفلسطيني: أنشودة الأرض، الدم، والتراث
فبراير 24, 2025آخر تحديث: فبراير 24, 2025
د. أروى محمد الشاعر
أهذا الشعب الفلسطيني بشرٌ مثلنا، أم جاؤوا من عالم آخر؟
من أين يستمدون كل هذا الصبر، كل هذا الكفاح، كل هذا العشق للمقاومة؟ أهناك روحٌ إلهية تعانقهم، تمنحهم القوة كلما اشتدّ الحصار؟
إنه شعبٌ كتب ملحمته بمداد من الصبر والدم، نقشها في حدائق الجنات، وسقاها من ينابيع الجراح والأمل، لكن فلسطين ليست فقط دماءً وتضحيات، إنها إرثٌ خالد، وتراثٌ يقاوم النسيان كما يقاوم المحتل.
على مرّ التاريخ، جسّد الفلسطينيون قيم الكرم والتسامح، ففتحوا أبوابهم للأرمن واليهود الذين أجبروا على الرحيل من أوروبا، بما في ذلك أرمينيا. لم يكن استقبالهم مجرد إيواء، بل كان احتضانًا إنسانيًا حقيقيًا، حيث وفّروا لهم المنازل والأمان، ليعيدوا بناء حياتهم وسط بيئة يسودها التآخي والتعايش.
منذ أن وُلد الفلسطينيون، والأرض تسكن في أعماق روحهم، يحملونها
في كفوفهم المثقلة بالألم. في كل بيت فلسطيني، يولد طفلٌ وتولد معه وصية: لا تفرّط، لا تتنازل، لا تنحنِ، فالأرض ليست ملكًا لك وحدك، بل هي أمانة الأجداد، وحلم الأجيال القادمة. يشقّ الأطفال طريقهم بين الرصاص، ويصنعون من حجارتهم أجنحةً تعانق الحرية. في العيون حكايا جيلٍ طاردته النكبات، لكنه لم يرضَ بأن يكون إلا فاتحًا للأمل، راوياً للغد.
يقف طفل أمام الدبابة، يُشهر حجارتَه في وجه الطغيان، ويؤمن بأن الحق، مهما طال الظلم، هو المنتصر في النهاية، يحمل حقيبته الممزقة ويمضي إلى مدرسته، يقرأ في كتابه عن العالم، كيف ينعم الأطفال في مدن الرخاء بطفولة هانئة؛ يحملون حقائبهم المدرسية الجديدة، يذهبون إلى مدارس مجهزة بأحدث التقنيات، لكن قلبه لا يعرف إلا لغة واحدة:
لغة الأرض. على الجدار المهدم، يرسم شمسًا لا تغيب، وشجرة زيتونٍ لا تُقلع، وحمامةً تحلق بعيدًا، هذا الطفل، رغم كل المعاناة والصعاب، يحمل في قلبه أملًا لا ينطفئ، وحلمًا بوطن حر يعيش فيه بسلام.
الأرض هنا تنجب الرجال، رويت بدمهم الذي اختلط بالتراب والأحجار، تودعهم وهم يرحلون شهداء، لكنها تعرف أنهم سيعودون في كل غصن زيتون، في كل زهر لوزٍ يورق عند أبواب البيوت المهجورة. كم مرةٍ ظنّ المحتل أن الذاكرة تُمحى، فإذا بها تشتعلُ أكثر، تزهرُ من جديد، تتحدّى الموت في كل مرة، وكم مرة اقتلع جذور الزيتون، فإذا بها تمتد أعمق.
في صباحٍ تكلله رائحة الزعتر، تودّع أمٌ ابنها الشهيد. لا تبكي، بل تزغرد، لأن دماءه لم تذهب هباءً، بل تنبت قمحًا في السهول، وزهرًا في الروح. على كتفها كوفية، وفي قلبها وجع، لكن في عينيها نورٌ لا يخبو. لقد أدركت أن الفجر، وإن تأخر، قادمٌ لا محالة.
“سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياةٌ تسرّ الصديق
وإما مماتٌ يغيظ العِدى”
هكذا قال عبد الرحيم محمود قبل أن يسقط شهيدًا، وكأن صوته لم يخبُ، بل صار نشيدًا يتردد في أناشيد الصغار وزنازين الأسرى.
وكما تحفظ الأرض دماء الشهداء، فإنها تحفظ التراث في كل تفاصيلها.
فالفلاح الفلسطيني، وهو ينثر بذور القمح، لا يزرع الأرض فقط، بل يزرع ذاكرةً وأملًا، يردد المواويل القديمة التي حملها الأجداد كرايةٍ لا تسقط:
“يا أرضنا الغالية يا ريحة الجدود، فيك الصبر مزروع والزرع ممدود، مهما جرفوكِ ومهما صاروا حسود، تبقي الأبية وما يطولك الغاصب، زرعنا الأرض ورد وسقيناه بدموع، كبرت السنابل والشمس إلها شموع، لو هدّوا الدار وسرقوا المفتاح، نبنيها من أول وما نرجع للرجوع”
إن الثوب الفلسطيني هو هوية تنبض بالحكايات، مغزول بخيوط الصبر، ومطرّز بأنفاس المقاومة. كل شكل هندسي وكل غرزة تروي فصلاً من تاريخ فلسطين، وفي زخارفه سيرة وطنٍ لا يشيخ، يحاك بأصابع الأمهات كما يُحاك المجد، المدن العتيقة تسكن تفاصيله، والألوان تحكي قصص الأجداد، يتوشّح بروعة الأرجوان الكنعاني، ذاك اللون الذي استخرجه أجدادنا الكنعانيون من أصداف الموركس، لون الملوك والكهنة والنبلاء، رمز العظمة التي لا تهزمها العصور. لم تكن الأمهات تُطرّزنه للزخرفة، بل كنّ يحيكن في نسيجه ملامح الأرض، وذاكرةً تتحدى النسيان، ويطرّزن ألف عامٍ من الصمود، حتى في الشتات، حين تمزّقت الأثواب، ظلّت النساء يطرزن، يحيكن حلم العودة في كل ثوب، وكأن الخيوط تتحوّل إلى درب يعيد اللاجئين إلى مدنهم وقراهم المهجورة، قالت فدوى طوقان:
“إنني جُذِرْتُ في أرضي كرمحِ اللوزِ في الغيمِ…
وما زالت عيونُ الفجر في عينيَّ مشدودة
كفكف دموعك ليس ينفعك البكاء ولا العويل
وانهض ولا تشكُ الزمان فما شكا إلا الكسول”.
حين يدبك الشباب الفلسطيني، يُعلن أن الأرض له. خطواتهم تضرب الأرض، كأنها توقيعٌ جديد على ملكيّتها. حتى في أعراسهم، يُغنّون لفلسطين، تُرفع الكوفية، وتعلو الزغاريد، فلا الفرح ينسيهم قضيتهم، ولا الحزن يُسقط من أيديهم راية المقاومة.
كما قال إبراهيم طوقان:
“موطني…..موطني
الجلال والجمال والسناءُ والبهاء في رباك في رباك”
في فلسطين تُورّث زيتونة الجدّ وتظل قائمة مئات السنين، لا تخيفها الجرافات، شاهدةٌ على حروبٍ، مجازر إنتفاضات وصلوات. المحتلّ يقتلع الشجرة، لكن الجذور تظلّ حيّة، تنتظر العائدين كي تولد من جديد، هناك التين والرمان والليمون في القرى العتيقة، نوافذ البيوت والأبنية المصنوعة من الحجر الكنعاني، كلها شواهد على أن فلسطين متجذرة في التاريخ، لا تُمحى مهما تبدّل الغزاة والمحتلون، هي الزيت والزيتون، هي رائحة الطابون في الصباح مع الأم التي تعجن الخبز، هي حكايات الجدات التي لا تزال تسري في دماء الأحفاد. في أزقتها، تعلو الأهازيج القديمة، وفي سمائها، لا تغيب أحلام الذين رحلوا وهم يحلمون بالعودةً، إنها الأرض التي تنبت الأحرار حتى لو حاصرها الطغيان، تظل تنتظر أبناءها ، كما تنتظر الأم ابنها الأسير، وكما تنتظر السنابل المطر لتزهر من جديد.
في المخيمات حلمٌ لا يموت: في كل بيتٍ لاجئ، مفتاحٌ قديمٌ يُعلّق على الحائط، ليس لأنهم يأملون فقط، بل لأنهم يعرفون أنهم سيعودون وأن الأوطان لا تضيع ما دامت منقوشة في أعماق ذاكرتهم وما دام القلب ينبض بها، تعلّم الأطفال أسماء مدنهم وقراهم التي لم يروها، حفظوها كما يحفظون أسماءهم. تسأل طفلًا أينما يعيش خارج فلسطين عن وطنه، فيجيبك: أنا من عكا، من يافا، من حيفا، من اللد، من بيسان. كيف تُمحى الأوطان من القلوب، وهي محفورةٌ فيها كالنقش على الصخر .يرددون ما قاله الشاعر أبو سلمى:
“سنرجعُ يومًا إلى حيّنا ونغرق في دافئات المنى سنرجع مهما
يمرّ الزمان. وتنأى المسافات ما بيننا”
لا يُكتب التاريخ إلا بمن رفض أن يكون في طيّات النسيان. في الزنازين، ينقش الأسرى حريتهم على الجدران، كأنها عهدٌ بأن الروح لا تُسجن، وأن الإرادة أقوى من القضبان. رغم العزل والقيود، يكتبون تاريخ الصبر، يرسمون مفاتيح العودة، ويتحدّون الحديد بأملٍ لا ينطفئ ، ومع كل فجرٍ جديد يبتسمون رغم الألم، لأنهم يؤمنون أن القيود ستنكسر، وأن الحرية قادمة لا محالة، يحفظون الشعرالذي كتبه شاعر الأرض المحتلة توفيق زياد:
“هنا على صدوركم، باقون كالجدار
وفى حلوقكم كقطعة الزجاج ، كالصبار
وفى عيونكم زوبعة من نار
نجوع ، نعرى، نتحدى، ننشد الأشعار
ونملأ السجون كبرياء
إنا هنا باقون، فلتشربوا البحرا
إذا عطشنا نعصر الصخرا
ونأكل التراب إن جعنا، ولا نرحل
وبالدم الزكى لا نبخل
هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل
يا جذرنا الحى تشبث
واضربى فى القاع يا أصول”
فرغم الدمار، رغم القتل والحصار، رغم ليل الاحتلال الطويل، تظل فلسطين شعراً وأنشودةً لا تموت. في شوارع القدس، بين قبابها الذهبية، في مساجدها وكنائسها، في صوت الأذان وتراتيل الأجراس، هناك وطنٌ يقاوم. حلم العودة لا ينتهي، سينبت الورد في الساحات التي روتها دموع الأمهات ودماء الشهداء وعذاب الزنازين، وسيعود اللاجئون إلى بيوتهم، وستُفتح الأبواب بمفاتيح العودة، وسيتردد في الأفق صدى صوت فيروز :
“لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي
لأجلك يا بهية المساكن، يا زهرة المدائن يا قدس
عيوننا إليك ترحل كل يوم تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد
يا ليلة الإسراءً يا درب من مروا إلى السماء
عيوننا إليك ترحل كل يوم وإنني أصلي.