كاميرون هدسون: ترامب وحده القادر على صنع السلام في السودان
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية مقالا يزعم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الوحيد القادر على إنهاء الحرب في السودان لنفوذه الكبير والواسع على الخرطوم والقوى الإقليمية.
ويقول كاتب المقال كاميرون هدسون الباحث الأول في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إن أفريقيا لا تحتل عادة مرتبة عالية في قائمة أولويات السياسة الخارجية لترامب.
ويوضح أنه على عكس معظم البلدان في أفريقيا، فإن ترامب له تاريخ مع السودان، إذ بدأت إدارته الأولى عملية معقدة لإزالة السودان من قائمة الدول الراعية "للإرهاب" في محاولة لوضع البلاد على مسار تخفيف الديون والانتعاش الاقتصادي، وأصبحت إزالته رسمية في ديسمبر/كانون الأول 2020. وتضمن الجهد الحصول على شهادة من مجتمع الاستخبارات، والتفاوض على اتفاقية استرداد بقيمة 335 مليون دولار لضحايا الهجمات "الإرهابية" الأميركية، والحصول على دعم الكونغرس. كما وعدت بتطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم مع أول تبادل للسفراء منذ 25 عاما.
إعلان
اتفاقيات أبراهام
وأشار هدسون إلى دفع ترامب الحكومة السودانية إلى التوقيع على اتفاقيات أبراهام رغم رفض القادة العسكريين والمدنيين في السودان، حيث جادل الجانبان بأن الطبيعة الانتقالية لحكومتهما وعدم وجود برلمان قائم لم يمنح أيا من الجانبين التفويض للانخراط في التزامات تعاهدية جديدة.
وفي نهاية المطاف، لم يكن للسودان أي نفوذ للمقاومة واضطر إلى الإذعان نظرا إلى حاجته الماسة لتخليص نفسه من العقوبات الأميركية المتبقية. وبعد أن وافق السودان على شروط وزارة العدل الأميركية لإزالته من قائمة "الإرهاب"، أعلن ترامب منتصرا، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، تطبيع السودان للعلاقات مع إسرائيل كواحدة من 3 دول عربية فقط وقعت على اتفاقيات أبراهام.
ملف السودان مختلف حالياومضى هدسون يقول إنه ومع عودة ترامب إلى منصبه، يرث ملفا سودانيا مختلفا إلى حد كبير عن الملف الذي سلمه إلى الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قبل 4 سنوات. فقد دمرت الحرب التي دامت قرابة عامين البلاد التي أصبحت الآن أكبر أزمة إنسانية.
واستدرك الكاتب بأن الحجة الأخلاقية للاستجابة للمعاناة الجماعية للسودان قد لا تجدي مع إدارة مكرسة لخدمة مصالح بلادها أولا. لكن واشنطن لديها مصالح إستراتيجية ونفوذ غير مستغل في السودان يتجاوز بكثير الخسائر البشرية الناجمة عن الصراع مما يجعل ترامب في وضع فريد يمكنه من تقديم حلول لإنهاء الحرب.
وقال إن الواضح تماما هو أن إدارة ترامب لا يمكنها إحياء اتفاقيات أبراهام في الوقت نفسه مع ملاحظة انهيار وتفكك أحد الموقعين الخمسة عليها، ذلك لأن الصراع في السودان هو أكثر من مجرد حرب بين جنرالين متنافسين يتقاتلان على البلاد. إنه يشعل معركة أعمق بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من أجل السلطة والهيبة والثروة والنفوذ عبر البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وأن تكلفة تلك المنافسة هي التي يتحملها شعب السودان.
إعلان
هناك فرصة للسودان ولترامب
وضمن هذا المزيج من الطموحات الإقليمية والمنافسة المدمرة، هناك فرصة لإبرام صفقة النخبة التي تسكت بنادق السودان، وتتجنب أسوأ سيناريو إنساني، وتضع الأساس للعودة في نهاية المطاف إلى الحكم المدني. في الواقع، يرى القادة العسكريون في السودان أن عودة ترامب إلى منصبه، من خلال علاقاته الشخصية، والاحترام المشترك للقوى الإقليمية، وميله إلى عقد الصفقات، هي فرصة للتوصل إلى اتفاق يحقق الاستقرار للسودان والسلام الأوسع في الشرق الأوسط.
وأخيرا، يقول هدسون، إن إنهاء حرب السودان وانتهاء حاجته إلى الأسلحة من شأنه أن يحرم اثنين من أكبر خصوم واشنطن من الانفتاح الذي استخدماه للحصول على موطئ قدم إستراتيجي في المنطقة. وقد استفادت روسيا وإيران أكثر من أي دولة أخرى في استخدام حرب السودان لإحياء أهميتهما الدبلوماسية، والربح من مبيعات الأسلحة وصادرات الذهب، وإحياء آمالهما في إقامة وجود بحري على ساحل البحر الأحمر السوداني. لكن وفقا لمسؤولين سودانيين كبار، فإن ارتباطهم مع طهران وموسكو ينبع أكثر من رفضهم من قبل المسؤولين الغربيين، الذين أعلنوا صراحة عن وجهة نظرهم للجيش السوداني باعتباره سلطة دولة غير شرعية.
وختم الكاتب مقاله بالقول إن الشعب السوداني على شفا المجاعة، والدولة نفسها على شفا الانهيار. وإذا لم يجبر الأول إدارة ترامب على التصرف، فإن الأخير يجب أن يفعل ذلك بالتأكيد. لحسن الحظ، فإن ترامب في وضع يسمح له بالظهور كصانع سلام يبحث عنه السودانيون. إن الاستيلاء على هذا الدور لن يخدم المصالح الإستراتيجية الأميركية في أفريقيا فحسب، بل إنه ضروري لتعزيز مصالح ترامب السياسية في الشرق الأوسط.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات اتفاقیات أبراهام فی السودان
إقرأ أيضاً:
جنوب السودان على حافة حرب أهلية.. كيف تطورت الأزمة بين سلفاكير ومشار؟
تطورت الأزمة بين شريكي السلطة في جنوب السودان بشكل متسارع خلال الأيام الأخيرة، لتجعل البلد الأفريقي على حافة العودة للحرب الأهلية من جديد.
وأعلنت حكومة جنوب السودان رسميا أن، رياك مشار النائب الأول للرئيس وضع "قيد الإقامة الجبرية" بعد اعتقاله على أيدي القوات الموالية للرئيس سلفاكير ميارديت قبل أيام.
وقال الناطق الرسمي باسم حكومة جنوب السودان، مايكل ماكوي لويث، إن الرئيس سلفاكير أمر بوضع رياك مشار قيد الإقامة الجبرية، معتبرا أن ذلك يدخل في صميم صلاحياته.
وأضاف المتحدث باسم الحكومة في بيان أن "مشار وزملاءه المناهضين الذين تم اعتقالهم سيجري التحقيق معهم وتقديمهم للعدالة وفقا لذلك" متهما مشار بالسعي إلى شن تمرد على الحكومة "بهدف تعطيل السلام وحتى لا تجرى الانتخابات ويعود جنوب السودان إلى الحرب". بحسب تعبيره.
ومع تأكيد حكومة جنوب السودان، رسميا وضع رياك مشار، قيد الإقامة الجبرية، دعت سفارات غربية رعاياها لمغادرة جنوب السودان، فيما تصاعد الدعوات للهدوء وسط مخاوف من شبح حرب أهلية مدمرة.
"إلغاء اتفاق السلام"
وفي أول تعليق منه قال حزب مشار (الحركة الشعبية) إن اعتقاله يلغي فعليا اتفاق السلام لعام 2018 الذي أنهى حربا أهلية استمرت خمس سنوات بين قوات الدينكا التابعة لكير ومقاتلي النوير الموالين لمشار، وراح ضحيتها أكثر من 400 ألف قتيل، وتسببت في نزوح وتشريد ما لا يقل عن مليون شخص.
وتم إبرام الاتفاق عام 2018 برعاية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيغاد" وكان يفترض - وفق الاتفاق- أن يتم توحيد الجيش، ويكتب دستور جديد للبلاد، وتنظم انتخابات ويتم نزع السلاح، لكن بنود الاتفاق، لم يتم تنفيذها، ومع ذلك استمرت الهدنة والشراكة بين الطرفين.
واندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان سنة 2013 بعد خلافات بين سلفاكير ومشار، حيث قام الأخير بالتمرد وحمل السلاح ضد الجيش النظامي احتجاجا على إقالته من منصب نائب الرئيس، قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاق سلام في 2018.
كيف تطورت الأزمة الحالية؟
تبادل الطرفان على مدى الأسابيع الماضية الاتهامات بشأن أسباب التوتر الحالي، بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه الأول رياك مشار، لكن قبل نحو أسبوعين اندلعت مواجهات مسلحة في ولاية أعالي النيل في الشمال وبالتحديد في منطقة الناصر، بين القوات الحكومية وقوات محسوبة على الحركة الشعبية التي يقودها مشار.
وتتحدث منظمات دولية أن الاقتتال اندلع بسبب شائعات تقول إن النظام كان يسعى لنزع السلاح من الجماعات المحلية.
وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش، أن جيش دولة جنوب السودان هاجم مواقع لجماعات الشباب المسلح، الأمر الذي أدى إلى مواجهات راح ضحيتها ما لا يقل عن 5 قتلى من المدنيين.
لكن تقارير إعلامية تقول إن الأزمة انفجرت قبل أشهر بعدما طالبت القوات الحكومية في الناصر، بتبديلها عقب مكوثها هناك لأكثر من 12 عاماً، فقررت لجنة مراقبة وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية في اتفاقية السلام، التقصي، ووجهت بتبديل القوات، لكن الحكومة حاولت إرسال قوات أخرى غير القوات التي يفترض أن يتم نشرها بحسب اتفاقية السلام، ما تسبب في مهاجمة مليشيا "الجيش الأبيض" المحسوبة على مشار للقوات الحكومية بقيادة الجيش في الناصر.
وحسب ذات المصادر الإعلامية فقد تمت خلال الهجوم محاصرة قائد الجيش في المنطقة اللواء مجور داك وعدد من الجنود، قبل أن تتدخل بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، لإجلاء المحاصرين، عقب حصولها على موافقة وضمانات من الطرفين، لكن العملية فشلت بعد هجوم المسلحين على عملية الإجلاء ومقتل قائد الجيش مجور داك وعدد من جنوده، ثم بدأت بعدها السلطات حملة اعتقالات طالت مسؤولين في الحركة الشعبية التي يقودها مشار.
يذكر أنه في الآونة الأخيرة، سيطرت قوة ميليشيا "الجيش الأبيض"، والتي تتكون في معظمها من قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار، على مدينة ناصر في ولاية أعالي النيل الشمالية في البلاد.
مغادرة الرعايا الغربيين
وعلى إثر هذا التصعيد دعت دول غربية راعياها إلى مغادرة جنوب السودان، حيث دعت بريطانيا رعاياها إلى مغادرة جنوب السودان، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تقليص عدد موظفيها هناك، ونصحت رعاياها بالمغادرة.
كما حثت كندا رعاياها على المغادرة فورا، وأعلنت سفارة النرويج إغلاقها أبوابها لأسباب وصفتها بالأمنية، فيما طالبت ألمانيا من رعاياها عدم السفر إلى جنوب السودان.
"عاصفة من الأزمات"
في غضون ذلك حذرت الأمم المتحدة من احتمال تجدد الحرب الأهلية في جنوب السودان بسبب تصاعد خطاب الكراهية، داعية إلى جميع الأطراف إلى ضبط النفس.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن جنوب السودان، تواجه "عاصفة كاملة" من الأزمات المتفاقمة التي تهدد بانزلاقها مجددا إلى حرب أهلية ودعا قادة البلاد إلى "الحوار وخفض التصعيد".
وقال الأمين العام للأمم المتحدة الجمعة، إن الوضع "مأساوي وخطير"، مبينا أن البلاد تشهد "حالة طوارئ أمنية" تتضمن تصاعد الاشتباكات، وقصفا جويا للمدنيين.
وأضاف غوتيريش أن "الاضطرابات السياسية" بلغت ذروتها مؤخرا باعتقال النائب الأول للرئيس، ريك مشار، مما أدى إلى وضع اتفاق السلام "في مهب الريح".
وتابع أن جنوب السودان يعيش "كابوسا إنسانيا" حيث يحتاج نحو ثلاثة من كل أربعة مواطنين إلى المساعدة، ويعاني نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع تفشي وباء الكوليرا.
كما أشار إلى "أزمة نزوح" تعصف بالبلاد حيث عبر أكثر من مليون شخص الحدود من السودان منذ بدء القتال هناك، وإلى الانهيار الاقتصادي مع تراجع عائدات النفط وارتفاع التضخم بمعدل 300%.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، إن البلاد تعاني أيضا من "أزمة تمويل" حيث تنخفض معظم المساعدات الإنسانية والتنموية المحدودة أصلا. وحذر من أن "الاستهداف القبلي والسياسي من قبل قوات الأمن"، بالإضافة إلى انتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، يشعل فتيل أزمة أسوأ.
ودعا غوتيريش، قادة جنوب السودان إلى "إنهاء سياسة المواجهة" والإفراج عن المسؤولين العسكريين والمدنيين المحتجزين، واستعادة حكومة الوحدة الوطنية بشكل كامل.
كما حثهم على "التنفيذ الكامل للوعود التي قطعوها من خلال التزاماتهم باتفاق السلام"، الذي وصفه بأنه "الإطار القانوني الوحيد لإجراء انتخابات سلمية وحرة ونزيهة في ديسمبر 2026".
ودعا المجتمع الإقليمي والدولي، بوصفهما ضامنين لاتفاق السلام، إلى "التحدث بصوت واحد لدعم عملية السلام ومناهضة أي محاولات لتقويضها".
وتابع: "ما نراه يذكرنا بشكل قاتم بالحربين الأهليتين في 2013 و2016، اللتين أودتا بحياة 400 ألف شخص".
جهود أفريقية لاحتواء الأزمة
وفي محاولة منها لاحتواء الأزمة أعلنت كينيا، أنها سترسل رئيس وزرائها السابق رايلا أودينجا بصفته مبعوثا خاصا إلى جنوب السودان لاحتواء الازمة.
وقال الرئيس الكيني وليام روتو، الذي يرأس مجموعة شرق أفريقيا، إنه تحدث مع كير بشأن اعتقال مشار، وإنه سيرسل مبعوثا خاصا للمساعدة في تهدئة الوضع وإبلاغه بالتطورات.
كما أعلن الاتحاد الأفريقي أنه سيرسل "لجنة حكماء" تتضمن عدة للمساعدة في تهدئة الوضع.
وحصلت جمهورية جنوب السودان التي تعتبر أحدث دولة في العالم، على استقلالها عن السودان في استفتاء أجري عام 2011.
وانزلقت البلاد إلى حرب أهلية سنة 2013 بعد أن اتهم الرئيس سلفا كير ميارديت نائبه رياك مشار، بأنه كان يخطط لـ"محاولة انقلاب".
ورغم توقيع اتفاق سلام في 2018، فإن التوتر ظل حاضرا بين الطرفين، حيث يتم رصد أعمال عنف بين الحين والآخر بين القبائل والمجموعات المختلفة.