تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

على مدى أكثر من قرن من الزمان يظل سور الأزبكية للكتاب أشهر رصيف ثقافي في مصر والعالم العربي ويبقى مقصدًا لكل المثقفين والمفكرين والأدباء والباحثين عن الكتب النادرة وزهيدة الثمن في نفس الوقت؛ ويحمل السور عبق الماضي ووهج الحاضر. فهو ليس مجرد مكان لبيع الكتب، بل هو معجم حيّ للقراءة حيث يتردد عليه عشاق الكتب من مختلف الأعمار والخلفيات منذ نشأته ليصبح شاهدًا على حكايات ثقافية لا تنتهي.

يتميز سور الأزبكية بجوه الخاص الذي يجمع بين الأصالة والبساطة، إذ تعمل به نخبة من كبار الوراقين والأساتذة الذين يمتلكون شغفاً عميقاً بالكتب ولديهم القدرة على تقييم قيمة الكتاب بمجرد نظرة واحدة، وهم مستعدون دائماً لمساعدة الزوار على اكتشاف الكنوز المخفية بين صفحات الكتب القديمة بجانب أحدث الإصدارات مما يخلق توازناً فريداً يعكس تطور الثقافة وتاريخها. كما أنه ليس فقط سوقاً لبيع الكتب بل فضاءً مفتوحاً للحوار الثقافي والتبادل الفكري.

ركيزة معرفية

في جولة ل«البوابة» التقت الحاج علي الشاعر أحد كبار شيوخ المهنة بسور الأزبكية، والذي عبر عن حكايته مع القراءة بكل صدق؛ ليروي لنا حكاية العمر مع الكتب وسور الأزبكية. قال علي الشاعر: «لأنني شاعر أكتب الشعر وأعشق الكلمة منذ الصغر؛ وأبلغ من العمر ٧٥ عامًا، وأمارس مهنة بيع الكتب منذ أكثر من نصف قرن وبدأت رحلتي مع الكلمة في الكتاب، حيث تعلمت وحفظت قصص الأنبياء ومن هناك دخلت المدرسة واكتشفت حب القراءة. وكان منزلنا مليئًا بكتب والدي خاصة إصدارات دار الهلال القديمة مما فتح لي عالماً من المعرفة والثقافة. ومارست مهنتي على مدار ٥٥ عامًا في قلب سور الأزبكية هذا الصرح الثقافي العريق الذي تأسس بين عامي ١٩٠٦ و١٩٠٧ في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني».

حيث مر السور بأحداث وتغيرات كبرى وكان قد شهد عهود السلاطين والخديوية وملوك ورؤساء مثل محمد نجيب، جمال عبد الناصر، السادات، حسني مبارك، وعدلي منصور، وصولًا إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ورغم هذه التحولات بقي السور صامدًا وإن كان ينتقل أحيانًا بسبب تجديد محطة المترو. واليوم نستعد لانتقال جديد خلال الأشهر المقبلة.

وأضاف سور الأزبكية هو ذاكرة حية تضم آلاف الكتب التي تمثل مختلف العصور والتيارات الفكرية تجد فيه كتبًا نادرة تتجاوز أعمارها مئة عام مثل إصدارات أنيس منصور، يوسف السباعي، ونجيب محفوظ، إضافة إلى كتب التراث وأمهات الكتب الدينية التي شهدت نهضة كبيرة في القراءة بعد نكسة ١٩٦٧.

واستكمل الحاج علي؛ هنا يتردد علينا الجميع من الأطفال والطلاب إلى الباحثين الأدباء وحتى الرؤساء فالرئيس السادات نفسه زار السور في الثلاثينيات والأربعينيات عندما كان معتقلًا، كما كان يأتينا عظماء مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ.

وعما يميز سور الأزبكية عن معرض القاهرة الدولي للكتاب يقول على هو استمراريته؛ فبينما يُقام المعرض لفترة محدودة فإن السور متاح على مدار العام؛ وهنا تجد الكتب النادرة التي لا تتوافر في المكتبات الأخرى إلى جانب إصدارات جديدة تُلبّي شغف القراء. كما يمكن أن تجد العدد الأول من صحيفة الأهرام، أو طابعات نادرة مثل هارمن كيدين وموبيل ديك وأيضًا كتب دينية بطبعات قديمة يصعب العثور عليها في أي مكان آخر. بعض الأجانب يشترون الكتب ليس فقط لمحتواها، بل لجمال جلودها القديمة.

وتابع على : سور الأزبكية هو الهرم الرابع كما أحب أن أسميه لما يحمله من تاريخ وثقافة. إنه مكان يستطيع أي مثقف أن يزوره بدلًا من الأهرامات ليجد فيه ثروة معرفية لا تُقدَّر بثمن. وعن رسالته للشباب قال: اقرأوا.. فالقراءة تمنحكم قيمة ومعرفة وتفتح أمامكم عوالم جديدة.

معقل الثقافة

من جهته قال الدكتور أحمد الركابي؛ صاحب إحدى المكتبات بسور الأزبكية: نشأت بين أرفف الكتب وأزقتها في سور الأزبكية، حيث كان والدي جزءًا من هذا العالم وأنا معه منذ طفولتي.وعشت أجواء السور منذ سبعينيات القرن الماضي ورأيت كيف كان وما زال مركزًا ثقافيًا يجذب الزوار من كل مكان. لم يكن السور مجرد مكان لبيع الكتب بل كان ملتقى لرواد الثقافة من العرب والأجانب من سفراء وملحقين ثقافيين إلى الباحثين والصحفيين الكبار أمثال صبري أبو علام حتى الملحق الثقافي الفرنسي كان من بين زواره. وأضاف رغم أن سور الأزبكية تعرض للإزالة ثلاث مرات، إلا أنه صمد كرمز ثقافي خالد وشاهد على تطور الحراك الثقافي في مصر.

كما يقع السور في موقع استراتيجي محاط بالمسرح القومي ودار الأوبرا؛ مما يجعله جزءًا من مثلث ثقافي متكامل، وتخيل أن الروايات التي تعرض في المسرح أو الأوبرا، يمكن أن تجدها مكتوبة بين أيدي الباعة في السور.

وتابع؛ البائعون هنا ليسوا مجرد تجار بل شركاء في البحث والتثقيف يساعدون الباحثين والمثقفين على الوصول إلى كنوز فكرية لا تقدر بثمن. الهيئة العامة للكتاب مشكورة على توفير مساحة للسور في معارضها رغم أننا لسنا جزءًا رسميًا منها. فاهتمامهم بالسور يعكس تقديرهم لما يحمله من تاريخ وثقافةخاصة أن السور يستقبل زوارًا ومفكرين من دول مثل المغرب، الجزائر، تونس، السعودية، وحتى إندونيسيا. كما أن السور ليس مجرد مصدر دخل فحسب بل هو مصدر للإلهام الثقافي. لذا، لدي اقتراح للمسئولين: إذا أردتم تحسين حديقة الأزبكية، اجعلوا الكتب جزءًا منها تخيلوا حديقة الأزبكية وقد أُضيف إليها سور ثقافي ممتد من الكتب، حيث يمكن للزوار التجول بين صفحات المعرفة. بدلًا من الأشجار المفقودة، دعونا نبني جدارية ثقافيًة تعكس صورة مشرفة لمصر أمام العالم. تصوروا حديقة الأزبكية وقد تحولت إلى منتدى ثقافي واسع المدى حيث الثقافة تعرض بطريقة بصرية وجذابة من خلال الكتب. سيكون ذلك مشروعًا رائدًا يعكس قوة مصر الثقافية، ويعيد إحياء الحديقة كمكان نابض بالمعرفة والحياة.

وعن رسالته للأجيال القادمة قال الكتاب ليس مجرد أداة للتسلية بل هو مفتاح لتوسيع آفاقكم وبناء مستقبل مليء بالوعي والمعرفة. سور الأزبكية كان وما زال شاهدًا على أهمية الكتاب فاجعلوا منه بداية لرحلتكم نحو عالم الثقافة والمعرفة.

بدوره قال أدهم عرفة؛ البالغ من العمر ٥٤ عامًا، ويعيش شغفًا خاصًا مع الكتب منذ أكثر من ٢٥ عامًا. خلال سنوات عملي الطويلة، تعاملت مع جميع الفئات العمرية، من الأطفال إلى الكبار، وكل منهم يبحث عن كتاب يحمل قصة جديدة أو معلومة مفيدة.

المثير في تجربة أدهم هو علاقته الوطيدة مع القراء من مختلف الخلفيات، حيث يجد نفسه دائمًا حلقة وصل بين الكلمة المكتوبة وقلوب الناس. والأمر لا يقتصر على القراء العاديين فقط بل امتدت شهرته لتصل إلى العديد من المشاهير الذين وجدوا في كتبه ضالتهم. ومع كل عملية بيع أو توصية بكتاب، يشعر أدهم بسعادة غامرة، وكأن كل كتاب جديد يروي حكاية جديدة له أيضًا.

ويصف أدهم هذا المجال بأنه أكثر من مجرد تجارة؛ إنه وسيلة لنشر المعرفة وحكاية عشق مع الكتب لا تنتهي.

IMG-20250125-WA0009 Screenshot_٢٠٢٥٠١٢٥-١٠١٨٠٧_WhatsApp IMG-20250121-WA0048 ٢٠٢٥٠١٢٠_١١٢٥٤٥ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١٢٥٤٣ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١٢٥٢٨ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١١٠٤٧ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١١٠٤٤ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١١٠٤١ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١١٠٣٠ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١١٠٢٥ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١١٠٢٢ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١١٠٢٠ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١١٠١٣ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١١٠١٠ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١٠٩٤١ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١٠٩٣٣ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١٠٣٠٤ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١٠٢٥١ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١٠٢٤٦ ٢٠٢٥٠١٢٠_١١٠٢٤٣

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: سور الازبكية العالم التاريخ سور الأزبکیة أکثر من

إقرأ أيضاً:

لمحة مبكرة عن فجر الكون من مجرّة بعيدة

يبدو أن مجرة اكتُشفت عند أطراف الزمن الكوني تمثل أقدم دليل معروف على إعادة تأيّن الكون، وهي المرحلة التي أُضيئت فيها أرجاء الكون للمرة الأولى بعد عتمة الانفجار العظيم.

فعقب الانفجار العظيم مباشرة، امتلأ الكون المبكر بغاز الهيدروجين والهيليوم الساخن، وهو ما تسبب في تبعثر الفوتونات وجعل الكون شبه معتم. لكن ومع مرور مئات الملايين من السنين، بدأت النجوم الأولى في التشكل وبثّ الضوء، مما أدى إلى تأيّن هذه الغازات، أي تفكيك ذراتها إلى مكوناتها الأساسية، فأتاح ذلك للفوتونات أن تتدفق بحرية، وبدأ الكون يصبح شفافًا شيئًا فشيئًا. إلا أن التوقيت الدقيق لهذه العملية لا يزال موضعًا للدراسة والنقاش.

وفي هذا السياق، استخدم الباحث يوريس ويتستوك من جامعة كوبنهاجن في الدنمارك، وزملاؤه، تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) لدراسة مجرّة تُعرف باسم JADES-GS-z13-1-LA، تُرصد كما كانت قبل 330 مليون سنة من الانفجار العظيم، مما يجعلها واحدة من أقدم المجرات المعروفة حتى الآن.

تشير بيانات الضوء فوق البنفسجي المنبعث من هذه المجرة إلى أنها كانت محاطة بفقاعة كونية يبلغ قطرها نحو 200 ألف سنة ضوئية، ويُعتقد أن هذه الفقاعة تشكلت نتيجة تفاعل ضوء النجوم في المجرة مع الهيدروجين المحيط بها في الكون المبكر (كما ورد في دورية «نيتشر» - doi.org/g89w79). ويقول ويتستوك معلقًا: «رؤية هذا النوع من الدلائل في وقت مبكر جدًا من عمر الكون يتجاوز أكثر توقعاتنا تفاؤلًا».

وقد علّق الباحث ميشيل ترينتي من جامعة ملبورن على هذه النتائج قائلًا: إن الملاحظات تتوافق مع المراحل الأولى من عملية إعادة التأيّن الكوني، وأضاف: «إنه أمر مدهش ومثير للحماسة. لم أكن أتوقع أن يتمكن الضوء فوق البنفسجي الصادر عن هذه المجرة من الوصول إلى تلسكوب جيمس ويب، فقد كنا نتوقع أن الغاز الهيدروجيني البارد والمتعادل الذي يحيط بها سيحجب الفوتونات. لكننا الآن نشهد بداية عملية إعادة التأيّن».

أما طبيعة هذه المجرة الصغيرة نفسها فلا تزال غير مفهومة تمامًا؛ فقد يكون توهجها الساطع ناتجًا عن وجود عدد كبير من النجوم الضخمة، الساخنة، والشابة، أو ربما لوجود ثقب أسود مركزي بالغ القوة. ويعلق ترينتي على ذلك بالقول: «إن صح هذا الاحتمال، فسيكون هذا أول دليل معروف على وجود ثقب أسود فائق الكتلة في مركز مجرة بهذا القِدم».

أول فقاعة.. وأول دليل

ورغم أن الفلكيين قد رصدوا في السابق مجرات لاحقة في عمر الكون تمتلك فقاعات مشابهة، إلا أن JADES-GS-z13-1-LA تظل حتى اللحظة أقدم مثال معروف لمثل هذه الحالة.

وفي هذا الشأن، يقول ريتشارد إيليس من جامعة كوليدج لندن: «هذه المجرة تُعد معيارًا مرجعيًا. وجود هذه الفقاعة يشير إلى أن المجرة كانت نشطة منذ فترة طويلة، ويمنحنا لمحة أعمق عن اللحظة التي بدأت فيها المجرات بالخروج من ظلام الكون المبكر».

وقد استغرق تلسكوب جيمس ويب قرابة 19 ساعة من الرصد المتواصل لاكتشاف أسرار هذه المجرة، وهو وقت طويل نسبيًا يعكس صعوبة التحدي.

ويأمل ويتستوك أن تقود هذه النتائج إلى اكتشاف دلائل إضافية على فجر إعادة التأيّن الكوني، قائلا: «لدينا عدد من الأهداف الأخرى قيد الدراسة. قد نجد دلائل أقدم، أو ربما نكون قد بلغنا أقصى حدود هذا النوع من الاكتشافات».

جوناثان أوكالاهان

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»

مقالات مشابهة

  • القطبية الواحدة تنكمش والعالم يتهيأ لحقبة جديدة بلا أمريكا
  • اجتماع ثالث للكردينالات قبيل الكونكلاف.. انطلاق الحوار حول «الكنيسة والعالم»
  • عنقاء الحداثة
  • كنوز نادرة من تراث الشرق الأوسط في معرض أبوظبي للكتاب 2025
  • معارض الكتب.. الكلمة التي تبني وطنا
  • زيارة البابا فرانسيس لمصر عام 2017.. رسالة سلام وإرث ثقافي
  • بالصور.. دار الكتب والوثائق تحتفل بذكرى تحرير سيناء
  • اكتشاف أقدم طريقة نقل استخدمها الإنسان
  • دار الكتب بطنطا تُحيي ذكرى تحرير سيناء بندوات تثقيفية
  • لمحة مبكرة عن فجر الكون من مجرّة بعيدة