معضلة الجيش والسياسة في السودان و أثمان الحرب الإنسانية والسياسية
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
يمثل المشهد السوداني اليوم لوحة معقدة تتشابك فيها قضايا السياسة والأمن والإنسانية، حيث تبرز معضلة العلاقة بين الجيش والسياسة كعامل مركزي في تأجيج الصراعات وإطالة أمد الأزمات. ومنذ استقلال السودان، ظل الجيش لاعبًا رئيسيًا في الحياة السياسية، متأرجحًا بين أدوار التحرير والبناء الوطني من جهة، والانقلاب والتسلط من جهة أخرى.
شهد السودان أكثر من 16 انقلابًا عسكريًا منذ الاستقلال عام 1956، مما جعله واحدًا من أكثر دول العالم التي تأثرت بتدخل الجيش في السياسة. وفي كل مرة، كانت المؤسسة العسكرية تسوق مبررات تتعلق بحماية الأمن القومي، أو إنقاذ البلاد من الفوضى السياسية، لكن هذه التدخلات غالبًا ما قادت إلى مزيد من التدهور السياسي والاقتصادي. تحولت المؤسسة العسكرية إلى أداة لتحقيق مصالح فئوية وشخصية، حيث أدى التداخل بين الجيش والسياسة إلى إضعاف كفاءة الجيش في أداء مهامه الأمنية. وبمرور الوقت، أصبح الجيش طرفًا في الصراعات بدلاً من أن يكون وسيطًا محايدًا. ساهمت الخلافات بين القوى المدنية وعدم قدرتها على بناء جبهة موحدة في تعقيد المشهد. هذا التشرذم أتاح للجيش فرصة لاستغلال الفراغ السياسي، ما أدى إلى تعطيل مشاريع التحول الديمقراطي.
اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع أدى إلى موجات نزوح واسعة، حيث تقدر الأمم المتحدة عدد النازحين داخليًا بأكثر من 4 ملايين شخص، بالإضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين الذين عبروا الحدود إلى دول الجوار. تدهور الأوضاع الإنسانية انعكس في نقص حاد في الغذاء والدواء، وانهيار شبه كامل للخدمات الصحية. أصبحت المدن الكبرى مثل الخرطوم ودارفور ساحات حرب مفتوحة، مع استهداف مباشر وغير مباشر للمدنيين. جرائم القتل الجماعي، والاغتصاب، والاختطاف باتت واقعًا يوميًا، ما يشير إلى تدهور خطير في القيم الإنسانية. الحرب ليست مجرد صراع لحظي؛ بل تُنتج آثارًا ممتدة على الأجيال القادمة، سواء من حيث التعليم الذي توقف في معظم أنحاء البلاد، أو من حيث انتشار ثقافة العنف التي تهدد النسيج الاجتماعي.
أدت الحرب إلى تقويض مؤسسات الدولة، حيث انهارت البنية التحتية، وتعطلت أجهزة الحكم المدني. تحول السودان إلى "دولة فاشلة" في عيون المجتمع الدولي، ما يهدد بفقدان السيادة الوطنية لصالح التدخلات الخارجية. شهدت العلاقة بين الجيش والشعب تدهورًا غير مسبوق نتيجة الأدوار التي لعبتها المؤسسة العسكرية في الصراعات. كثير من السودانيين يرون الآن في الجيش عقبة أمام تحقيق السلام والاستقرار. الحرب الحالية أعادت إلى الواجهة أسئلة حول مستقبل القوى المدنية ودورها في السودان. تزايد تهميش هذه القوى يعكس هيمنة الخطاب العسكري على حساب الحوار السياسي.
لا يمكن تحقيق استقرار سياسي في السودان دون فصل واضح بين الجيش والسياسة. يتطلب ذلك إعادة هيكلة الجيش ليكون مؤسسة وطنية غير مسيسة، ملتزمة بحماية السيادة دون التدخل في الشأن المدني. على القوى المدنية تجاوز خلافاتها التاريخية، والعمل على بناء جبهة موحدة قادرة على طرح رؤية متكاملة لمستقبل السودان. الوحدة ليست خيارًا بل ضرورة لتغيير موازين القوى. لا يمكن للسودان الخروج من أزمته بمعزل عن الدعم الإقليمي والدولي. يحتاج المجتمع الدولي إلى لعب دور أكثر فاعلية في تسهيل الحوار بين الأطراف المتصارعة، وتقديم الدعم الإنساني العاجل.
إن معضلة الجيش والسياسة في السودان ليست مجرد أزمة محلية؛ بل هي انعكاس لصراعات أعمق تتعلق بالهوية الوطنية، وبناء الدولة، وآليات توزيع السلطة. ورغم التحديات الهائلة، يظل الأمل في أن تُشكل هذه الأزمة فرصة لإعادة صياغة علاقة الجيش بالسياسة، وبناء نظام حكم يعبر عن تطلعات السودانيين للسلام والعدالة والتنمية. ومع ذلك، قد يلجأ الجيش إلى مثقفين تنويريين لوضع فلسفة حكم تسعى لاحتواء القوى المدنية كشركاء بلا تأثير فعلي، في محاولة لشرعنة الهيمنة العسكرية وإبقاء السلطة بيد المؤسسة العسكرية. مثل هذا السيناريو يهدد بتعميق الأزمة السياسية ويضع القوى المدنية أمام معضلة جديدة تتعلق بإعادة بناء دورها وتأثيرها في المشهد الوطني
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤسسة العسکریة القوى المدنیة فی السودان بین الجیش
إقرأ أيضاً:
كاميرون هدسون: ترامب وحده قادر على صنع السلام في السودان
نجح دونالد ترامب في ولايته الأولى بضمِّ السودان إلى اتفاقيات أبراهام، وأزاله من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبفضل نفوذه على القوى الإقليمية، يمكنه إنهاء الحرب المُستعرة فيه
*كاميرون هدسون*
_زميل بارز في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية_
------------------
_نجح دونالد ترامب في ولايته الأولى بضمِّ السودان إلى اتفاقيات أبراهام، وأزاله من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وبفضل نفوذه على القوى الإقليمية، يمكنه إنهاء الحرب المُستعرة فيه.
------------------
عادةً لا تحتلُّ أفريقيا مرتبةً عالية في قائمةِ أولويّات السياسة الخارجية لرئيسٍ أميركيٍّ جديد. لكن في تحوُّلٍ نادر، يَبرُزُ السودان الآن كدولةٍ حيث تُشكّلُ مشاركة الولايات المتحدة حاجة مُلحّة وعالية، وحيث يُمكنُ أن يكونَ نفوذُ واشنطن في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب العنصرَ المفقود الحاسم لإنهاء الحرب الأهلية المُشتعلة حاليًا في ذلك البلد.
على عَكسِ معظم البلدان الإفريقية، فإنَّ ترامب لديه تاريخٌ مع السودان. في العام 2019، اندلعت الثورة الشعبية التي أدّت إلى إطاحة الديكتاتور السوداني عمر البشير وأسفرت عن فترةِ حُكمٍ مَدَنية واعدة، وإن كانت قصيرة، في عهده. في ذلك الوقت، كان دعمُ الولايات المتحدة للقوى المؤيّدة للديموقراطية متواضعًا، وذلك بسبب شبكةٍ مُعقَّدة من العقوبات والقيود القديمة التي قَيّدت الدعمَ الأميركي. كان من بين أهم هذه العقبات استمرارُ تصنيفِ السودان كدولةٍ راعية للإرهاب – وهو تمييزٌ سيِّئ السمعة احتفظت به البلاد منذ الأيام التي استضافت فيها أسامة بن لادن في منتصف التسعينيات الفائتة.
بدأت إدارة ترامب الأولى عملية مُعقّدة ومُستَهلِكة للوقت لإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في محاولةٍ لوضع البلاد على مسارٍ نحو تخفيف الديون والتعافي الاقتصادي؛ أصبحت إزالتها رسميًا نافذة في كانون الأول (ديسمبر) 2020. وشملَ الجهدُ الحصول على شهادةٍ من مجتمع الاستخبارات، والتفاوض على اتفاقية تعويض بقيمة 335 مليون دولار لضحايا الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة، والحصول على دعم الكونغرس، كما الوعد بتطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم بأوّل تبادل للسفراء منذ 25 عامًا.
ثم، في خطوةٍ لم تكن مفاجئة في الماضي، قام وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو بزيارةٍ إلى الخرطوم في اللحظة الأخيرة ليقترح أن صنعَ السلام مع إسرائيل، من خلال التوقيع على اتفاقيات أبراهام التي أُعلن عنها أخيرًا، سيكون ضروريًا أيضًا للمساعدة في تأمين إزالة السودان من قائمة الإرهاب. في تلك اللحظة، رفض القادة العسكريون والمدنيون في السودان، حيث جادل الجانبان بأنَّ الطبيعة الانتقالية لحكومتهما وعدم وجود برلمان قائم لا يمنح أيًا من الجانبين التفويض بالانخراط في التزامات معاهدة جديدة.
في النهاية، لم يكن لدى السودان أي نفوذ للمقاومة واضطر إلى الرضوخ لكي لا يفقد أملَ التخلُّص من العقوبات الأميركية المُتبقّية. بعد موافقة السودان على شروط وزارة العدل الأميركية لإزالتها من قائمة الإرهاب، أعلن ترامب مُنتصرًا، في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، تطبيع السودان للعلاقات مع إسرائيل كواحدة من ثلاث دول عربية فقط وقّعت في حينه على اتفاقيات أبراهام.
لقد كانت صفقة. وكانت ذات بصيرة “نبوية”.
مع عودة ترامب إلى منصبه، فإنّه يرث ملفًا سودانيًا مختلفًا بشكلٍ كبير عن الملفِّ الذي سلّمه إلى جو بايدن قبل أربع سنوات. إنَّ التفاؤل الذي تُبديه الحكومة المدنية الانتقالية والانتفاضة الشعبية في السودان اليوم مدفونٌ تحت الأنقاضِ المشتعلة لبلدٍ مزّقته الحرب منذ ما يقرب من عامين. أصبح السودان الآن أكبر أزمة إنسانية ونزوح في العالم؛ في بداية العام 2025، يحتاج أكثر من 30 مليون شخص في السودان إلى مساعدات إنسانية، بينما نزح أكثر من 12 مليون شخص من ديارهم منذ بدء الحرب الحالية في نيسان (أبريل) 2023.
إنَّ الحجّة الأخلاقية للاستجابة للمُعاناة الجماعية في السودان قد لا تلقى الصدى المطلوب لدى إدارةٍ مُكرَّسة لتعزيز سياسة خارجية عنوانها “أميركا أوّلًا”. لكن واشنطن لديها مصالح استراتيجية ونفوذٌ غير مُستَغَل في السودان يتجاوز بكثير الخسائر البشرية التي خلّفها الصراع والتي تجعل ترامب في وضعٍ فريد لدفع الحلول لإنهاء الحرب.
لقد ربطت إدارة ترامب الأولى نفسها عن غير قصد بمصير السودان عندما أعلن بومبيو عن رحلته الأولى التاريخية من تل أبيب إلى الخرطوم في العام 2020، بهدفٍ وحيد يتمثّل في تعزيز السلام مع إسرائيل. واليوم، يبدو أنَّ فريقَ ترامب يلتقط من حيث توقّف، ويُوضّح خططه لإحياء وتوسيع اتفاق التطبيع التاريخي؛ على سبيل المثال، أعلن مستشار الأمن القومي مايك والتز الشهر الماضي، “إنَّ مصالحنا الأساسية هي محاربة “داعش” ودعم إسرائيل وحلفائنا في الخليج العربي”. لكن ما هو واضح تمامًا هو أنَّ الإدارة لا تستطيع إحياء اتفاقيات أبراهام في الوقت نفسه الذي تراقب انهيار وتفكك أحد المُوَقِّعين الخمسة عليها.
والسبب في ذلك أنَّ الصراعَ في السودان لا يقتصرُ على مجرّد حربٍ بين جنرالين متنافسين يتقاتلان على السلطة في البلاد. بل إنه يُحرّكُ معركةً أعمق بين حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي من أجل السلطة والهيبة والثروة والنفوذ في مختلف أنحاء البحر الأحمر والقرن الأفريقي. والواقع أن تكاليف هذه المنافسة يتحمّلها شعب السودان.
تشمل هذه المنافسة الإقليمية دولًا مجاورة مثل مصر، التي يظل مصيرها وتاريخها مُرتَبطَين بالسودان، حيث تتقاسم الدولتان موارد مياه نهر النيل والبحر الأحمر الوجودية. كما تشمل المملكة العربية السعودية، التي سعت منذ فترة طويلة إلى إقامةِ نظامٍ مُطيع في الخرطوم لضمان العلاقات الودية والوصول السريع إلى أنواع الصادرات الزراعية والحيوانية التي تحتاجها البلاد. وقطر هي أيضًا لاعب؛ حيث تعمل استضافة الدوحة السابقة لمحادثات السلام في دارفور ودعمها الهادئ للجيش السوداني على تلميع سمعتها كشريك موثوق وصانع سلام محتمل.
لكن الطرف الأجنبي الرئيس في حرب السودان هو الدولة التي أسست اتفاقيات أبراهام: الإمارات العربية المتحدة. وباعتبارها الداعم العسكري والسياسي الرئيس لميليشيا “قوات الدعم السريع”، التي أعلنت إدارة جو بايدن أنها تُنفّذ إبادة جماعية في جميع أنحاء السودان، فقد وضعت الإمارات نفسها كأكبر مُمَكِّن خارجي للحرب.
منذ العام 2015، عندما استعانت أبو ظبي لأول مرة بخدمات “قوات الدعم السريع” وزعيمها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، لتكون بمثابة قوة قتالية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن ودعم “الجيش الوطني الليبي” بقيادة خليفة حفتر، برزت هذه الميليشيا السودانية كرأس حربة إماراتية تم نشرها من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، ما أعطى قوةً نارية كبيرة لبلدٍ يفتقرُ إلى جيشٍ كبير.
لكن على الرُغم من الفظائع التي ارتُكِبت والتغطية الإخبارية لدعمها العسكري الواضح ل”قوات الدعم السريع”، تواصل أبو ظبي إنكارَ أيّ مسؤولية عن الكارثة التي حلّت بالسودان. وهذا لا يلقى استحسان الكثيرين من أعضاء الكونغرس، الذين دعوا إلى تعليق مبيعات الأسلحة الأميركية إلى دولة الإمارات واتخاذ إجراءات صارمة ضد تجارة الذهب غير المشروعة بين أبو ظبي و”قوات الدعم السريع”. حتى وزير الخارجية الأميركي الجديد ماركو روبيو، في جلسة تأكيده الأسبوع الماضي، أشار إلى دولة الإمارات، عندما قال أنه “كجُزءٍ من مشاركتنا، نحتاج أيضًا إلى إثارة حقيقة أنها تدعم علنًا كيانًا يرتكب إبادة جماعية”.
في ظلِّ هذا المزيج اللاذع من الطموحات الإقليمية والمنافسة المُدمّرة، هناك فرصةٌ لإبرامِ صفقةٍ نخبوية تُسكِت بنادق ومدافع السودان، وتتجنّب أسوأ سيناريو إنساني، وتضع الأساس للعودة في نهاية المطاف إلى الحكم المدني. في الواقع، يرى القادة العسكريون السودانيون أنَّ عودة ترامب إلى منصبه، بعلاقاته الشخصية واحترامه المشترك من قبل زعماء المنطقة وميله إلى عقد الصفقات، هي فرصة للتوصّل إلى اتفاقٍ يؤدّي إلى استقرار السودان والسلام الأوسع في الشرق الأوسط.
وبعيدًا من الفوز السياسي المتمثّل في تلميع أوراق اعتماد ترامب كصانع سلام، هناكَ أسبابٌ استراتيجية أخرى تدفع الإدارة إلى تكريس الاهتمام للسودان. فقد عمل فريق ترامب بجدٍّ في ولايته الأولى لقطع علاقات السودان بماضيها الإرهابي؛ وسيكون من المُحرِج أن يضطرَّ ترامب في ولايته الثانية إلى التفكير في إعادة إضافة السودان إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب. وهذا هو بالضبط ما قد تضطر الإدارة إلى القيام به إذا استمرّت حرب السودان من دون رادع.
يزعمُ الجيش السوداني أنَّ أكثرَ من 200 ألف مرتزق أجنبي تم تجنيدهم بالفعل في صفوف “قوات الدعم السريع”، ما يُهدّدُ بانتشار العنف الجهادي الذي يجتاح مالي وبوركينا فاسو والنيجر حاليًا، إلى تشاد والسودان المجاورَين. ونظرًا لضعف مؤسسات الدولة، والحدود المسامية، والجيوش المفرطة التوسع في جميع أنحاء المنطقة، فإنَّ هذا السيناريو معقولٌ تمامًا إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لمنع هذه الصراعات الخبيثة من التقارب في قوسٍ من عدم الاستقرار يمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر.
تواجه إدارة ترامب انتكاسة مُحرِجة أخرى تتمثل في عودة النظام الإسلامي المتشدد السابق في السودان، والذي كان كثيرون يأملون أن يختفي إلى الأبد. لكن مع استمرار الحرب الأهلية، يعمل الإسلاميون المتشددون السودانيون ــالذين لَجَؤوا إلى تركيا ومصر وقطرــ بجهد كبير لإعادة تنشيط شبكاتهم السياسية والمالية والأمنية، على أمل أن يجعلوا أنفسهم لا غنى عنهم للجيش السوداني المعزول والمفرط في التوسع مع تجنّب المساءلة عن جرائمهم الماضية بالعودة إلى السلطة. ويتعيّن على ترامب أن يعلم أنَّ الحزب الإسلامي المعاد تنشيطه سيكون بمثابة وباء على البلاد وعائق أمام أجندته الإقليمية.
الواقع أنَّ مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات قد تتفق على شيء واحد، وهو أن عودة الإسلام السياسي إلى السودان من شأنها أن تُشكّلَ تهديدًا لجميع مصالحها الاستراتيجية. وتجنُّبُ هذه النتيجة من خلال لعب دور صانع السلام وحرمان الإسلاميين من القدرة على العودة من شأنه أن يتجنَّب انتكاسة سياسية مُحرِجة لترامب في السودان ويضمن قدرًا أعظم من حسن النية من الشركاء الإقليميين الذين يعتمد عليهم لتحقيق أهدافه الأعظم في المنطقة.
وأخيرًا، فإنَّ إنهاءَ الحرب في السودان وحاجته إلى الأسلحة من شأنه أن يحرمَ اثنين من أعظم أعداء واشنطن من الثغرة التي استخدماها للحصول على موطئ قدم استراتيجي في المنطقة. لقد استفادت روسيا وإيران أكثر من أيِّ دولة أخرى من استخدام حرب السودان لإحياء أهميتهما الديبلوماسية، والاستفادة من مبيعات الأسلحة وصادرات الذهب، وإحياء آمالهما في إقامة وجودٍ بحري على ساحل البحر الأحمر السوداني. لكن وفقًا لكبار المسؤولين السودانيين، فإن انخراطهم مع طهران وموسكو ينبع أكثر من رفض المسؤولين الغربيين لهم، الذين أعلنوا علنًا وجهة نظرهم في جيش السودان باعتباره سلطة دولة غير شرعية.
إنَّ الشعبَ السوداني على وشك المجاعة، والدولة نفسها على وشك الانهيار. إذا لم تُجبر الأولى إدارة ترامب على التحرّك، فإن الثاني يجب أن يفعل ذلك بالتأكيد. ومن حسن الحظ أنَّ ترامب في وضعٍ يسمحُ له بالظهور كصانع السلام الذي كان السودانيون يبحثون عنه. إنَّ القيام بهذا الدور لن يخدمَ المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في أفريقيا فحسب، بل إنه ضروري لتعزيز المصالح السياسية لترامب في الشرق الأوسط.
-------------------
المصدر : مجلة فورن بوليسي الأميركية