كسر حصار القيادة العامة والإشارة..
(التحام الجيوش).. لقاء فرسان العبور بأبطال الصمود!!
الجيـــــــش أدار المعارك على مراحل بحنكــــــــــة كبيرة..
التحام قوات بحري وأم درمان مع المرابطين بالقيادة.. وفك الحصار
نبيل: لن نهدأ إلّا بتطهير أرض الوطن من الأوباش والمرتزقة
تقرير_ محمد جمال قندول-الكرامة
بعد أكثر من عشرين شهرًا، قدمت القوات المسلحة أمس (الجمعة)، ملحمةً عسكريةً جديدة، ستدرس للأجيال القادمة، وتسطر في كتب التاريخ.


أمس وفي (الجمعة الجامعة والدعوة عند الله سامعة)، قولًا وفعلًا، التحم جيشي الإشارة والجيش القادم بأم درمان في نقطة (القيادة العامة)، في مشهدٍ يحكي كيف صنع أبطال الجيش البطولات.
انتصارات الأمس، فكت حصار القيادة العامة لأول مرةٍ منذ بدء الحرب، ورسمت معالم الانتصار الكامل للخرطوم، الذي بدأ فعليًا خلال الأيام الماضية.
السودانيون داخل وخارج ربوع الوطن ابتهجوا كما لم يفرحوا من قبل، وهم يشاهدون التحام الجيوش الذي كان مهره الدم والدموع.
دحر الميليشيا
وبعد عددٍ من المعارك التي استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، استطاعت القوات المسلحة والقوات المساندة لها من أن تنتصر وتنجح في كسر طوق الحصار على سلاح الإشارة والقيادة العامة للقوات المسلحة.
الجيش أدار هذه المعارك على مراحل بحنكة كبيرة، واستخدم (تعبئةً نوعيةً) نتائجها تدميرٌ شامل لقوة الميليشيا أفرادًا ومعدات، فالطريق للإشارة لم يكن سهلًا، ومعلوم أن الميليشيا كانت تحشد معظم قواتها في بحري خاصةً الطريق الرئيسي الذي يربط بحري شمالًا وجنوبًا (الإنقاذ)، ويتصل بأم درمان عبر كبري الحلفايا، وظلت تكثف هجماتها على سلاح الإشارة والمناطق المحيطة به بصورة مستمرة ولفترة طويلة، واليوم توجت القوات المسلحة صمود أبطال الإشارة والقيادة العامة بهذا النصر الكبير والالتحام الذي سبقه دحر الميليشيا وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
وقالت القوات المسلحة في بيان: إنّهم أكملوا المرحلة الثانية من عملياتهم وذلك بالتحام قوات بحري وأم درمان مع القوات المرابطة بالقيادة العامة.
وقدمت هيئة قيادات القوات المسلحة التهاني للقوات بكل محاور القتال بهذا الانتصار الذي امتزج مع دحر هجوم ميليشيا آل دقلو الإرهابية الغادر صباح اليوم على مدينة الفاشر الصامدة وطردهم من مصفاة الخرطوم للبترول بالجيلي والتصنيع الحربي.
طريق التضحية
وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد ركن نبيل عبد الله لـ(الكرامة): إنّ التحام فرسان العبور بأبطال الصمود جاء وعدًا حقًا مهره العرق والدماء والدموع، تجلله دعوات المخلصين من أبناء وبنات شعبنا الذين قطعنا معهم العهد والوعد في حضرة الوطن، بألا تلين منا قناةٌ ولا يهدأ لنا بالًا إلّا بتطهير كل شبر من أرض الوطن من أوباش آل دقلو ومرتزقتهم، الذين لوثوا أرض وسماء هذا البلد منذ ظهورهم المشؤوم في حياة السودانيين.
ملحمة العبور والالتحام ما هي إلّا خطوات ستمشيها قواتكم المسلحة والقوات المساندة لها في طريق التضحية والفداء نبذلها بكل طيب خاطر في سبيل تخليص هذا البلد الطيب وأهله الكرام.
ويرى خبراء عسكريون أنّ اكتمال تطهير هذه المناطق المهمة وفك الحصار عن سلاح الإشارة والقيادة العامة، له عدة دلالات وأبعاد، حيث إنّه من الزاوية العملياتية وكما أشار بيان الناطق الرسمي للقوات المسلحة، واضح أن هذا الانتصار هو نهاية مرحلة مهمة في مسار العمليات واستكمالًا للتحول الميداني الكبير لصالح الجيش بعد سلسلة انتصاراته في سنار، وسنجة، والجزيرة، وتحرير ود مدني، ويعني إنهاء انتشار الميليشيا وسيطرتها على مدينة بحري وشمال ولاية الخرطوم والمدخل لوسطها بالكامل، لينحصر تواجد الميليشيا في جنوب الخرطوم وشرق النيل فقط، مع فقدانها لحرية الحركة والمناورة (من وإلى الخرطوم، وأم درمان، وبحري).
أما الأبعاد المعنوية، فتتمثل في رمزية القيادة العامة وسلاح الإشارة كمواقع عريقة بعراقة الجيش السوداني، ومثلت حجر عثرة في طريق الميليشيا التي حاولت الاستيلاء عليها، لتصطدم رغبتها هذه بصمود الأبطال جنودًا وقادة.
كذلك القيادة العامة ظلت مقرًا لهيئة الأركان التي تدير المعركة رغم الظروف وتطلع بمهامها، وفك الحصار يعني إضافة بعد جديد لأداء الهيئة.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القیادة العامة القوات المسلحة

إقرأ أيضاً:

هل يحسم فك حصار القيادة العامة معركة الخرطوم؟

الحروب حبلى بالمفاجآت، فكثيرا ما لا تنتهي بما يريده من يشعلون وقودها، ففي الحرب العالمية الثانية انتهى هجوم هتلر الكاسح على الاتحاد السوفياتي، في قلب برلين، ووصلت جحافل الجيش السوفياتي العاصمة الألمانية بعد قتال دموي استمر لسنوات.

أدى الهجوم الألماني إلى هجوم مضاد، فانقلبت الدفة، وأصبحت موسكو المُهددة بالاجتياح الألماني تسيطر على شرق أوروبا بأكمله وصولا لألمانيا الشرقية ذاتها، لنحو نصف قرن، إلى أن انهار جدار برلين ثم تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كوابيس الحاكم الخفي.. هل اقترب ظهور "مملكة الحاخامات" في الضفة؟list 2 of 2"مدمن تعذيب الجزائريين" والسيرة البشعة لجان ماري لوبانend of list

ومن أوروبا إلى أفريقيا، وإن اختلفت الجغرافيا وأعداد المتقاتلين وهوياتهم، فإن المضمون يتشابه، فبعد قرابة عامين من اندلاع القتال في السودان، أعلن الجيش السوداني استعادته السيطرة على مصفاة الجيلي النفطية الواقعة على بعد نحو 70 كيلومترًا شمال الخرطوم، وسيطرته على منطقة التصنيع الحربي شمال مدينة بحري.

كما أعلن وصول قواته إلى سلاح الإشارة وسط بحري، وفك الحصار عن مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، ليواصل زخم هجومه المضاد الذي شمل إحكام السيطرة على ولاية سنار جنوب شرق السودان، ثم مدينة مدني عاصمة ولاية الجزيرة بوسط البلاد، وصولا لأماكن إستراتيجية في الخرطوم، مما يفتح الباب للجائزة الكبرى المتمثلة في استعادة السيطرة على كامل العاصمة مجددا.

التطورات الميدانية الأخيرة تعكس تصاعد النزاع في السودان، مع سيطرة قوات الدعم السريع وانتشار الفوضى والنزوح (الجزيرة)

 

تعكس تلك التطورات الميدانية تغير اتجاه دفة الحرب، والذي بدا سابقا أنه يميل باتجاه قوات الدعم السريع التي سيطرت على أغلب غرب السودان وأجزاء من الوسط وصولا لجنوب شرق البلاد، وتصاعدت آنذاك مخاوف من أن السودان على وشك فوضى عارمة تشبه ما حدث بالصومال في تسعينيات القرن العشرين من انهيار للدولة، حيث تحول البلد إلى إقطاعيات يتصارع عليها أمراء الحرب، وتتنافس القبائل في السيطرة على مقدرات البلد وموارده.

إعلان

وقد لاحت مؤشرات ذلك بالتدمير الواسع الذي طال العاصمة، والذي شمل المطار ومقرات الوزارات والبنوك والمشافي والمدارس، وسط شلل تام لمظاهر الحياة، وحركة نزوح داخلية وإلى دول الجوار طالت نحو ربع الشعب السوداني.

لم تقدم قوات الدعم السريع نموذج حكم جذابًا، وانتشرت عمليات السلب والنهب والاختطاف والقتل في المناطق الشاسعة التي سيطرت عليها، مما أكسبها نفورا واسعا بين عموم المواطنين، فيما سادت مخاوف من انتقال الحرب والفوضى إلى دول الجوار، مما يعني تأثر ليبيا وتشاد ومصر وأثيوبيا وإريتريا فضلا عن المحيط الأوسع في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وجنوب الصحراء وشمال أفريقيا.

من التمدد إلى الانحسار

بمضي الوقت، ظهرت بيد عناصر الدعم السريع أسلحة متطورة لم تكن منتشرة في السودان سابقا، ولم تظهر عند بداية القتال، مثل صواريخ الكورنيت الموجهة المضادة للدبابات، والطائرات المسيرة المزودة بصواريخ، والمسيرات الانتحارية، ومدرعات حديثة ثقيلة، فضلا عن أنظمة مضادة للطائرات المسيرة.

اعتمد الدعم السريع في حصوله على تلك الأسلحة المتطورة على دعم من أطراف إقليمية عبر استخدام مطار أم جرس في تشاد، وهو ما أثار خلافات في الداخل التشادي، فالنخبة الحاكمة التشادية تنتمي لقبيلة الزغاوة، التي يحارب أبناؤها ضد الدعم السريع في دارفور على الحدود السودانية التشادية.

وانتشر الحديث في تقارير الأمم المتحدة والصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز عن الأسلحة والذخائر المنقولة عبر تشاد إلى الدعم السريع، فبدأت محاولات لفتح خط إمداد إضافي عبر الحدود الإثيوبية، فدشن الدعم السريع نهاية عام 2024 هجوما باتجاه ولاية الجزيرة ومنها في منتصف عام 2024 إلى ولاية سنار التي تقع على حدود إثيوبيا.

ورغم نجاح الجيش في طرد قوات الدعم السريع من ولاية سنار ومدينة مدني عاصمة ولاية الجزيرة، فإن فلول الدعم السريع الهاربة تمددت إلى مناطق جديدة مستغلة المساحات الواسعة في السودان للوصول إلى مناطق في ولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق المتاخمتين لدولتي جنوب السودان وإثيوبيا.

إعلان

لقد انعكست تلك التطورات على علاقات الخرطوم مع جوبا، فمع انتشار اتهامات بمشاركة مقاتلين من جنوب السودان مع قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة وأماكن أخرى، حدثت اعتداءات بحق عدد من مواطني جنوب السودان عقب استعادة مدينة مدني، مما أحدث حالة غضب في جنوب السودان، فاندفعت جموع هائجة لمهاجمة محلات ومنازل المواطنين السودانيين المقيمين في العاصمة جوبا في يناير/كانون الثاني الجاري، وسط دعوات من الجيش السوداني وحكومة جنوب السودان للمواطنين بالهدوء وتجنب الانجرار لاعتداءات على أساس الهوية العرقية أو الإثنية.

وأضافت تلك الأحداث أزمة جديدة لدى جنوب السودان المتضرر بشدة من إغلاق خط أنابيب نقل النفط للتصدير من أراضيه عبر موانئ السودان بسبب الحرب. فيما سبق لقائد قوات الدعم السريع حميدتي أن اتهم عناصر من التغراي في إثيوبيا بالقتال مع قوات الجيش السوداني، مما يوضح بعض الأبعاد الإقليمية لما يحدث في السودان، وتداعياتها على دول وارتباطاتها بصراعات أخرى تدور داخل تلك الدول.

استعادة الدفة

حاولت عدة أطراف إقليمية ودولية دفع قيادة الجيش السوداني والدعم السريع للجلوس للتفاوض، ورعت واشنطن مؤتمرا للتفاوض بمدينة جنيف السويسرية في أغسطس/آب 2024، لكن الجيش رفض الحضور، فالواقع الميداني لم يكن في صالحه، والتفاوض آنذاك يعني تكريس المكتسبات الميدانية التي حصل عليها الدعم السريع بشكل سياسي.

وقد برزت عناوين للتفاوض تتضمن معاملة الأطراف المتقاتلة بشكل يتسم بالندية، وعدم الاعتراف بالجيش كممثل للشرعية إنما كطرف في خصومة مع طرف آخر يمثله الدعم السريع، وفي المقابل أصر الجيش على أنه يمثل شرعية الدولة في مواجهة جماعة متمردة.

إن امتناع الجيش عن حضور مفاوضات جنيف لم يمر دون ثمن، فقد أضافت وزارة الخزانة الأميركية قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى قوائم العقوبات في يناير/كانون الثاني 2025 بعد أن أضافت قبله بأيام قائد قوات الدعم السريع حميدتي لذات القائمة، وذلك للضغط عليهما، ودفعهما للجلوس معا.

إعلان

فواشنطن منزعجة من دخول أطراف منافسة على خط الصراع، مثل موسكو التي عدّلت بوصلتها نحو الجيش السوداني بعد أن دعمت شركة فاغنر سابقا قوات الدعم السريع، وصولا لاستخدام روسيا الفيتو ضد مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن الدولي اعتبرته قيادة الجيش السوداني يمس أمن البلاد ويضع الجيش مع الدعم السريع على قدم المساواة، فضلا عن التوجس الأميركي تجاه طلب روسيا من القيادة السودانية الحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان مما سيتيح لها الوجود في البحر الأحمر، وذلك بالإضافة لعودة العلاقات السودانية الإيرانية بعد انقطاعها منذ عام 2016، وإمداد طهران للجيش السوداني بعدد من الطائرات المسيرة.

في مقابل دعوات التفاوض، وبالتحديد مع نهاية موسم الأمطار في عام 2024، أطلق الجيش السوداني بحلول سبتمبر/أيلول 2024 هجوما مضادا واسعا بمشاركة عناصر هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة وكتائب المستنفرين والقوة المشتركة التي تضم أغلب الجماعات الدارفورية المتمردة سابقا. ونجح الجيش في عبور العديد من الجسور الإستراتيجية على نهر النيل لكسر معادلة سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق غرب النيل.

ونجح في بداية هجومه في رفع الحصار عن معسكره في الكدرو بمنطقة بحري، ثم توالت إنجازاته الميدانية، وصولا لنجاحه في فك الحصار عن سلاح المدرعات في منطقة الشجرة العسكرية، مما مهد الطريق أمامه للتمدد في حي جبرة والاستيلاء على منزل حميدتي قائد الدعم السريع وصولا إلى فك الحصار عن مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بقلب الخرطوم.

ويسعى الهجوم المذكور لاستعادة العاصمة مما يتيح للجيش تعزيز شرعيته بإنجازات على الأرض، وأملا في حسم المعركة عسكريا، أو على الأقل تحسين موقف الجيش فيجلس لاحقا للتفاوض من موطن قوة.

لقد نجح الجيش السوداني في التضييق على قوات الدعم السريع بالخرطوم، حيث قصف بواسطة الطائرات بشكل متكرر شحنات الأسلحة على الطريق الرئيسي لإمدادات قوات الدعم السريع، والقادم من تشاد ثم دارفور وصولا إلى أم درمان ومنها إلى العاصمة عبر جسر خزان جبل أولياء جنوب الخرطوم. وبالتالي بدأت قوات الدعم السريع تعاني لتوفير الإمدادات وتحصين خطوطها الدفاعية في مواجهة الجيش.

إعلان رد فعل الدعم السريع

ردا على تقهقرها الميداني، لجأت قوات الدعم السريع لاستخدام سياسة الأرض المحروقة، فدمرت منشآت مصفاة الجيلي النفطية قبل انسحابها منها، كما استخدمت تكتيك مهاجمة محطات توليد الكهرباء في مناطق سيطرة الجيش باستخدام أسراب من الطائرات المسيرة، فدمرت محولات محطة الغزالة مما أغرق مدينة مروي الإستراتيجية بالولاية الشمالية في الظلام، ثم تكرر الأمر بالهجوم على محولات محطة كهرباء الشواك التحويلية بالقضارف مما أدى إلى انقطاع الكهرباء في القضارف وكسلا وسنار شرقي وجنوبي شرق السودان.

كذلك حاولت قوات الدعم السريع حسم معركة السيطرة على كامل إقليم دارفور، فحشدت مقاتليها لمهاجمة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دافور الحصن الأخير المتبقي للجيش في الإقليم. وأعلن الدعم السريع في يناير/كانون الثاني 2025 مهلة 48 ساعة لإخلاء الفاشر قبل اجتياحها، وبالفعل هاجم المدينة من 5 محاور في وقت متزامن، لكن طيران الجيش قصف الأرتال المهاجمة فيما تصدت قوات الجيش والقوة المشتركة للهجوم الذي اعتُبر الأكبر من نوعه من حيث حجم القوات المشاركة فيه.

وفي الخرطوم تحاول قوات الدعم السريع لملمة صفوفها، وتشكيل خطوط دفاعية جديدة توقف زحف الجيش. فمدينة الخرطوم تختلف عن ساحات القتال الأخرى المنبسطة حيث توجد بها عمارات مرتفعة وكتل سكنية متقاربة ومتلاصقة، مما يمنح عناصر الدعم السريع موقفا دفاعيا يتلاءم مع قدراتهم القتالية، التي تناسب حرب المدن، ومن أبرزها مهاراتهم في استخدام الأسلحة النارية الخفيفة والمتوسطة، وامتلاكهم لأسلحة قنص وأسلحة محمولة مضادة للدروع، وقدرتهم على الحركة السريعة باستخدام عربات التاتشر، فضلا عن استخدامهم منازل المواطنين للاختباء وتخزين الذخائر وإعداد الكمائن.

في المقابل، يعتمد الجيش في معركة الخرطوم على الاستخبارات والطيران المسير ووحدات العمل الخاص فضلا عن مقاتلي هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة، باعتبارها الجهة الأكثر خبرة في حرب المدن بالسودان. وتعمل تلك المكونات على تحديد ارتكازات الدعم السريع ومقرات القيادة والسيطرة ومخازن أسلحته وخطوط إمداده وأماكن انتشار القناصة لاستهدافها بالقصف الجوي والكمائن كمقدمة للتقدم بريًا للسيطرة على المناطق المستهدفة، وربط مقرات الجيش المحاصرة داخل الخرطوم مع القوات المتقدمة من محاور القتال المتعددة، وبالأخص من ولاية الجزيرة.

إعلان الوساطة التركية

تقدمت عدة جهات غربية وإقليمية بمحاولات وساطة دون جدوى، لكن في الآونة الأخيرة، وبالتحديد في 13 ديسمبر/كانون الأول 2024، اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وعرض عليه الوساطة بين الجيش السوداني ودولة الإمارات الحليف الأبرز لقوات الدعم السريع، وعقب الاتصال الهاتفي بأيام التقى برهان الدين دوران، نائب وزير الخارجية التركي، مع البرهان في بورتسودان، وأعلن البرهان ترحيبه بالوساطة التركية، لكنه لاحقا صرح بألا مستقبل للدعم السريع في السودان.

لم يرفض البرهان علنا الوساطة التركية، لكن لا يبدو أنه يراهن عليها حاليا كي لا يعرقل التقدم الميداني الذي يحققه الجيش أو يمنح فرصة للدعم السريع بالتقاط أنفاسه وتجميع شتات قواته أو تلقي أسلحة نوعية تغير مسار المعركة، كذلك فإن استعادة العاصمة الخرطوم ستمثل جائزة كبرى تعزز سردية الجيش بأنه يمثل الشرعية فضلا عن أهميتها السياسية والاقتصادية، فيما يشهد الشارع السوداني احتفالات جماهيرية عفوية وتأييدا شعبيا واسعا للقوات المسلحة، وهو ما لا يشاهد في مناطق سيطرة الدعم السريع، بل تشهد باستمرار احتكاكات بين مقاتليه وجموع المواطنين.

لقد سبق تناول دلالات استعادة مدينة مدني، وأنها تمهد الطريق لمعركة الخرطوم، وهو ما يجري حاليا بالفعل، ولذا فإن خيار التفاوض ستزداد فرص نجاحه بعد استعادة السيطرة على الخرطوم، ولكنه آنذاك لن يكون على أرضية النزاع بين كيانين متماثلين أو تقاسم السلطة أو إعادة هيكلة الجيش بشكل يلائم مطالب الدعم السريع، إنما سيكون على أرضية التفاوض بين سلطات دولة تسيطر على العاصمة وعلى معظم ولايات البلاد في مقابل كيان متمرد يسيطر على أجزاء من إقليم دارفور، وربما يؤدي نقل الجهد الرئيسي للقتال إلى دارفور إلى مزيد من الضغط على الدعم السريع، فيقبل قادته بشروط الجيش.

إعلان

ومع تبلور الملامح الجديدة لخريطة الصراع في الخرطوم، يترجح أن احتمال انهيار الدولة يتراجع، وأن السودان اجتاز خطر الصوملة، لتعود الأمور إلى الوضع الذي عاش السودان عليه لعقود بوجود تمردات في أطرافه، وهو وضع يظل خطيرا دون شك، فقد سبق أن أسفر عن انفصال جنوب السودان في عام 2011.

ولكن الفارق الآن أن الدعم السريع لا يحظى بإجماع شعبي في إقليم دارفور، حيث توجد خلافات عميقة داخل الإقليم بين المكونات القبلية ذات الأصول العربية والأفريقية، وهو ما يتجلى في القتال بين القوة المشتركة الممثلة لحركات دارفورية والدعم السريع، كما توجد خلافات حتى داخل المكونات العربية والحاضنة الاجتماعية للدعم السريع، فالقائد الشهير موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد يدعم الجيش السوداني في مواجهة الدعم السريع رغم أنه تجمعه بحميدتي صلة قرابة، وسبق أن عمل الأخير تحت قيادة هلال قبل أن يبزغ نجمه، وبالتالي فإن خيار الانفصال كما حدث في الجنوب فرصه ضئيلة.

وختاما، فإن الإدارة الأميركية الجديدة التي يقودها ترامب غير معنية باستمرار حروب مثل تلك التي تحدث في السودان، وربما تضغط من طرفها على بعض الجهات الخارجية المساندة للدعم السريع، فيما توجد جهات أخرى إقليمية منزعجة من استمرار الصراع، وفي مقدمتها مصر، وكذلك المملكة العربية السعودية. وبإمكان واشنطن وعواصم أخرى بالمنطقة تحجيم التدخلات التي تنفخ النار في الخلافات داخل السودان، وتقدم الإمدادات التي تتيح للدعم السريع مواصلة القتال وخوض معارك فقدت أهدافها السياسية التي دارت بمخيلة قادته عند بدء الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023، فسيطرتهم على الحكم أصبحت أقرب للأماني والأحلام منها للواقع.

مقالات مشابهة

  • قائد الجيش السوداني يزور مقر القيادة العامة في الخرطوم بعد تحريره
  • مسيرة بالعباسية تقلي احتفالا بتحرير القيادة العامة والمصفاة
  • هل يحسم فك حصار القيادة العامة معركة الخرطوم؟
  • رئيس الهيئة الشعبية السودانية لإسناد القوات المسلحة وبناء السودان يشيد بإلتقاء الجيوش الذي يمثل نهاية المليشيا
  • عاجل. رئيس هيئة أركان الجيش السوداني يعلن عن نصر استراتيجي من مقر القيادة العامة...كشف عن نقطة تحول حاسمة للشعب السوداني
  • الجيش السوداني يعلن فك الحصار عن مقر القيادة العامة
  • عاجل .. بيان من الجيش السوداني.. التحام القوات المسلحة من بحري وام درمان مع القيادة العامة وتحرير مصفاة الجيلي والبرهان في خطوط المعارك
  • القوات المسلحة السودانية تعلن رسمياً فك الحصار عن القيادة العامة
  • التحام طلائع جيش أم درمان والكدرو مع قوات سلاح الإشارة بالخرطوم بحري وفك حصار القيادة العامة