المنطقة العربية بين النفوذ العثماني الجديد والصفوي المتجدد
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
آخر تحديث: 25 يناير 2025 - 9:39 صبقلم:أدهم إبراهيم لطالما كان الشرق الأوسط منطقة ذات تعقيد وتقلب جيوسياسي، لموقعه المتميز ووفرة مصادره الطبيعية، إضافة إلى أهميته التاريخية والدينية حيث تتنافس القوى المختلفة على النفوذ والسيطرة. ومنذ قرون امتد الصراع بين الدولتين العثمانية والصفوية لسنوات طوال لبسط نفوذهما وسيطرتهما على المواقع الحيوية في المنطقة العربية، وقد اتخذ بعدًا دينيًا ومذهبيًا لتبرير صراعهما السياسي الاستعماري.
وفي السنوات الأخيرة، برز هذا التنافس مجددًا بين إيران وتركيا كجهات فاعلة بارزة، يتبع كل منهما أجندات توسعية طموحة في إحياء أمجادهما التاريخية العثمانية من جهة والصفوية من جهة أخرى. وكانت لذلك آثار كبيرة على الاستقرار والديناميكيات المستقبلية في المنطقة. وقد أحدث الربيع العربي انقلابًا في موازين القوى، حيث لم يقتصر على مجرد الإطاحة ببعض الأنظمة العربية، إلا أنه أخذ أبعادًا أيديولوجية بمحتوى إسلامي.ومن “الخمينية” إلى “الأردوغانية” ظهرت تطلعات كبيرة للسيطرة على المنطقة العربية، تتخذ من الدين واجهة لها لكسب التعاطف والتأييد.مستقبل المنطقة العربية يمر بمنعطف حرج، حيث تستمر المشاريع التوسعية الإيرانية والتركية في تشكيل الديناميكيات الإقليمية. إن ميزان القوى، واستقرار الدول القومية، والأمن العام للمنطقة كلها على المحك وكانت الرؤية الإيرانية للنفوذ والسيطرة من خلال أيديولوجيتها الدينية الداعية إلى تصدير الثورة الإسلامية بشكلها القومي الفارسي. وقد أنشأت ودعمت الجماعات الوكيلة لإبراز قوتها وتعزيز مصالحها وبسط نفوذها تحت قيادة الحرس الثوري مستغلة العاطفة الدينية للشعوب العربية. فقامت ببناء شبكة من الميليشيات والجماعات الولائية في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن، ومختلف الميليشيات الموالية للولي الفقيه في العراق وسوريا. وتعزز هذه الجماعات نفوذها الذي امتد من العراق إلى البحر المتوسط. وتعمل الأذرع الإيرانية كرادع ضد الخصوم المحليين والإقليميين والعالميين أيضًا. وتتلخص أولوية إيران في تحقيق الهيمنة الإقليمية، وبطبيعة الحال، التهرب من العقوبات التي يفرضها الغرب والتي تقوض الاقتصاد الإيراني. فخلال العقود الأربعة الماضية، أنفقت طهران المليارات من الدولارات على بناء شبكة من الوكلاء المتشددين في مختلف أنحاء المنطقة. وتستخدم إيران الروايات التاريخية والمقدسات الدينية، لجذب فئات من السكان لتنفيذ مآربها وطموحاتها في المنطقة. كما استغلت التعاطف مع القضية الفلسطينية لترويج مشاريعها التوسعية. وقد لعب برنامج إيران النووي، سواء كان سلميًا أو مسلحًا، دورًا مهمًا في سياستها التوسعية وابتزاز الغرب وعزز نفوذها في السياسة الإقليمية والعالمية. وأصبحت إمكانيات القدرة على امتلاك الأسلحة النووية مصدر قلق وتهديد للدول العربية. إن تورط إيران في الحرب الأهلية السورية، ودعمها لحزب الله في لبنان، ودعمها للحوثيين في اليمن قد ساهم في زيادة الشعور بالتوتر وعدم الاستقرار الإقليميين. ومن خلال هذه العلاقات بالوكالة، تمكنت إيران من تحدي هياكل السلطة التقليدية في الشرق الأوسط، مما شكل تهديدًا كبيرًا للدول العربية. وبالتزامن مع أنشطة إيران التوسعية، كانت تركيا تعمل بشكل متزايد لبسط نفوذها، مدفوعة بالأجندة التوسعية القومية والإسلامية لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان. حيث انخرطت في الصراعات الإقليمية، مثل الحرب الأهلية في سوريا وليبيا والسودان بعد ما سمّي بالربيع العربي، مما أكد المخاوف بشأن طموحاتها في أن تصبح قوة إقليمية مهيمنة. وقد ساهمت التدخلات العسكرية التركية، ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وجهودها لإبراز قوتها في شرق البحر المتوسط في الشعور المتزايد بعدم الارتياح بين جيرانها الإقليميين. وقد أدت التوترات بين تركيا ودول مثل اليونان وقبرص ومصر حول الحدود البحرية وموارد الطاقة إلى تفاقم ديناميكيات القوة الإقليمية من “الخمينية” إلى “الأردوغانية” ظهرت تطلعات كبيرة للسيطرة على المنطقة العربية، تتخذ من الدين واجهة لها لكسب التعاطف والتأييد وبالإضافة إلى ما تقدم نجد صراعها مع الكرد، الذي يعد من العوامل المهمة لتدخلاتها في المنطقة، حيث يوجه النظام التركي أصابع الاتهام إلى العراق وسوريا باحتضان حزب العمال الكردستاني. وقد عززت نفوذها من خلال القواعد العسكرية في بعض الدول العربية مثل قطر والصومال والتواجد العسكري شبه الدائم في العراق وسوريا. وكان تعثر جهودها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سببًا آخر للتركيز على المنطقة العربية. وعلى العكس من تركيا، تمر إيران الآن بواحدة من أضعف فتراتها، بعد انهيار حزب الله في لبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا. فأصبحت في موقف دفاعي بعد انكسار طموحاتها التوسعية، نتيجة الضربات المتلاحقة فضلاً عن تنصلها ممّا يُعرف بـ”محور المقاومة والممانعة”، الذي تقوده في المنطقة العربية. ورغم ذلك فهي ما زالت تطمح إلى إعادة تموضعها، وهي تنشط الآن لتحقيق اختراق لتعيد ما خسرته مؤخرًا. وهي ما زالت تتنافس على الزعامة الإقليمية أو حتى على الهيمنة، وبما أنها رأت أن محصلة لعبتها سالبة، فهي تحاول إضعاف منافسيها في المنطقة. إن التدخلات التركية الإيرانية يستدعيها ويغذيها الفراغ العربي نتيجة الخيارات المحدودة مقارنة بنفوذ هاتين الدولتين. علاوة على ذلك، فإن مشاركة القوى الخارجية، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، في شؤون المنطقة تزيد من تعقيد المشهد السياسي.لقد عانت الدول العربية ضغوطًا كبيرة نتيجة التدخلات الخارجية، خصوصًا في ظل تعثر عملية التسوية السياسية للصراع العربي ــ الإسرائيلي. ولكن هناك فرصة لدور عربي محوري في ظل متغيرات محلية وإقليمية ودولية مشجعة. من المهم أن تلعب الدول العربية الفاعلة الآن دورًا مركزيًا في استقرار الشرق الأوسط، وبشكل أساسي من خلال الاستفادة من مواقعها الإستراتيجية وقوتها العسكرية ونفوذها الدبلوماسي.إن مستقبل المنطقة العربية يمر بمنعطف حرج، حيث تستمر المشاريع التوسعية الإيرانية والتركية في تشكيل الديناميكيات الإقليمية. إن ميزان القوى، واستقرار الدول القومية، والأمن العام للمنطقة كلها على المحك. وبينما يتنقل صانعو السياسات والجهات الفاعلة العربية في هذا المشهد المعقد، يجب عليهم إعطاء الأولوية لحل النزاعات والمشاركة الدبلوماسية وتعزيز التعاون العربي لمعالجة التوترات الأساسية وتعزيز السلام والازدهار الدائمين في المنطقة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: المنطقة العربیة فی المنطقة من خلال
إقرأ أيضاً:
وصول قاذفات نووية شبحية بعيدة المدى الى قواعد أمريكية بالقرب من إيران ووكلائها في المنطقة ... مشهد الحرب القادم
ضجت الصحافة العسكرية هذا الأسبوع بأخبار مفادها أن أربع قاذفات نووية شبحية بعيدة المدى من طراز بي-2 سبيريت، من بين التسع عشرة قاذفة العاملة في الولايات المتحدة، يتم نقلها إلى دييغو غارسيا، أكبر جزيرة داخل أرخبيل تشاغوس المملوك لبريطانيا (حتى الآن) جنوب الهند، حيث تدير الولايات المتحدة وبريطانيا قاعدة بحرية مشتركة.
واعتبرت مجلة ناشيونال انترست الأمريكية نشر هذه القاذفات المتطورة قرب إيران ووكلائها في المنطقة تحذيرا للحوثيين وإيران. وقالت في تقرير لها إنه "إذا لم يُثنِ وجودُ حاملة طائراتٍ واحدةٍ، بل اثنتين، في البحر الأحمر الحوثيين عن التصعيد، فإنّ قاذفات "سبيريت" الشبحية كفيلٌة بذلك".
مع ذلك ذهبت المجلة إلى القول إن تعزيزات قاذفات بي-2 في دييغو غارسيا تتجاوز مجرد دحر التهديد الحوثي. فمن المرجح أن واشنطن تستعد لضربة عميقة وقوية ضد أهداف إيرانية.
وأضاف التقرير:"لا يسع المرء إلا أن يتساءل عن سبب حاجة الولايات المتحدة لهذا العدد الكبير من طائرات بي-2 في مكان واحد. ومع ذلك، تُصرّ مصادر لم تُكشف هويتها على أن الحشد العسكري هناك أكبر مما يُفترض أن يحتاجه المرء للقضاء على التهديد الحوثي في اليمن. فهل من الممكن وجود هدف آخر قريب؟"
أحداث مثيرة للاهتمام في دييغو غارسيا
ووفقا للمجلة، تأتي هذه التحركات من جانب إدارة ترامب في أعقاب العديد من التصريحات، بعضها متعمد، وبعضها الآخر مسرب من قبل كبار المسؤولين في إدارة ترامب، بما في ذلك الرئيس نفسه.
فقبل بضعة أسابيع، وأثناء توقيعه أوامر تنفيذية في المكتب البيضاوي، تساءل ترامب عن "قرب اللحظات الأخيرة" من تعامله مع إيران. بعد ذلك بوقت قصير، أصدر ترامب إنذارًا نهائيًا لملالي إيران، مُصرًا على عودتهم إلى طاولة المفاوضات خلال شهرين، ومشيرًا إلى أنه سيُنهي نظامهم إذا امتلكوا أسلحة نووية.
ولتأكيد هذا التصريح، أرسل ترامب مذكرة شخصية إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، والتي رفضها الزعيم الإسلامي السبعيني رفضا قاطعا ، مدعيا أن نبرة رسالة ترامب كانت عدائية.
في الآونة الأخيرة، وقعت لحظة محرجة عندما نسّق فريق الأمن القومي التابع لترامب، على ما يبدو، حملة قصف ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن عبر تطبيق سيجنال للرسائل النصية، وشارك محرر مجلة أتلانتيك، جيفري غولدبرغ، في المحادثة عن طريق الخطأ.
وقد طغت فضيحة "سيجنال جيت" المزعومة على الهدف الحقيقي لضربات ترامب في اليمن، والذي أُلمّح إليه في الرسائل النصية التي كشفها غولدبرغ للعالم. في الواقع، يبدو أن إدارة ترامب تعمل على خطة واسعة النطاق لإعادة ترتيب الشرق الأوسط غير المستقر جذريًا.
وقال التقرير: "لا شك أن الأمر لا يتعلق على الأرجح بتدمير جماعة إرهابية مزعجة. ما نشهده، سواءً كان العدد التاريخي لحاملات الطائرات الأمريكية المنتشرة في المنطقة أو تعزيزات قاذفات بي-2 في دييغو غارسيا، يتجاوز مجرد دحر التهديد الحوثي بل على العكس".
وأضاف أنه، من المرجح أن واشنطن تستعد لضربة قوية وعميقة ضد أهداف إيرانية. وقد يحدث هذا بالتزامن مع ضربة جوية إسرائيلية على أهداف في إيران، مثل منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم.
فلننظر فقط إلى نوع القوة النارية التي تجلبها الولايات المتحدة إلى المنطقة من خلال قاذفات الشبح الأربع من طراز B-2 Spirit.
ما الذي نعرفه عن قاذفات الشبح B-2؟
صممت شركة نورثروب غرومان طائرة بي-2 لصالح القوات الجوية الأمريكية. طارت لأول مرة عام ١٩٨٩، ودُشِّنت رسميًا عام ١٩٩٧. كانت طائرة بي-٢ من نتاج حقبة الحرب الباردة، وكان الهدف منها اختراق الدفاعات الجوية الكثيفة (دون أن تُكتشف بالطبع) من النوع الذي يُحيط بالأهداف الاستراتيجية الرئيسية في إيران.
خلال الأشهر القليلة الماضية، انتشرت شائعاتٌ كثيرة تُفيد بأن الإيرانيين يُسارعون إلى شراء أنظمة دفاع جوي، وحصلوا على العديد منها من روسيا.
طائرة بي-2 مطلية بمواد ماصة للرادار، ومحركاتها الأربعة من طراز جنرال إلكتريك F118-GE-100 مدفونة داخل تصميمها المميز ذي الجناح الطائر لتقليل البصمات الحرارية.
تنتج محركات F118-GE-100 قوة دفع تبلغ 17,300 رطل لكل منها، مما يمنح هذه الوحوش الخفية مدىً يقارب 6,000 ميل بحري (6,904 أميال). تبلغ سرعتها الإبحارية أقل من سرعة الصوت، حوالي 560 ميلاً في الساعة، وتحلق على ارتفاع يصل إلى 50,000 قدم.
يبلغ أقصى وزن إقلاع لطائرات بي-2 سبيريت حوالي 336,500 رطل. ويمكن لطائرة بي-2 سبيريت واحدة حمل ما يصل إلى 40,000 رطل من الذخائر، بما في ذلك الذخائر الموجهة بدقة، مثل ذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAMs)، أو قنبلة اختراق الذخائر الضخمة GBU-57A/B التي تزن 30,000 رطل، أو حتى 16 قنبلة نووية تُطلق بواسطة دوار.
يعمل طاقم مكون من طيار وقائد من قمرة قيادة متطورة، مزودة بأنظمة إلكترونية متطورة للملاحة والاستهداف والتدابير الإلكترونية المضادة.
تتمركز هذه الطائرات في قاعدة وايتمان الجوية بولاية ميزوري، ولها تاريخ قتالي حافل يمتد من كوسوفو إلى العراق وأفغانستان وليبيا، وقد اعتُبرت العديد منها مهمات طويلة الأمد، حيث استمر بعضها لأكثر من 30 ساعة.
لذا، فإن استخدام دفعة طائرات بي-2 لتدمير أهداف إيرانية مُحصّنة يُمثل احتمالًا واقعيًا لإعادة تمركز هذه الطائرات - وجميع طائرات الدعم التابعة لها - في دييغو غارسيا.
لا تقلل من شأن قدرات التخفي الأمريكية
من المثير للاهتمام أن القوات الجوية كانت ترغب في البداية في الحصول على عدد أكبر بكثير من طائرات بي-2 مما حصلت عليه. في البداية، طلبت القوات الجوية 132 وحدة من هذه الطائرات لتحل محل 72 قاذفة بعيدة المدى من طراز بي-52 ستراتوفورتريس. للأسف، تم إلغاء هذه الخطة بسبب التكلفة الباهظة لقاذفات بي-2 سبيريت الأكثر تعقيدًا.
تم بناء 21 وحدة فقط من طائرات B-2. للأسف، دُمرت إحدى طائرات B-2 Spirit في حادث تحطم عام 2008، بينما تضررت أخرى في حادث تحطم عام 2022 ، وأُخرجت من الخدمة بسبب تكاليف الإصلاح الباهظة.
يخطط سلاح الجو الآن لاستخدام طائرة بي-21 رايدر بدلاً من بي-2 سبيريت. وكما هو الحال مع بي-2 سبيريت، فإن التكلفة الباهظة لطائرة بي-21 الجديدة تعني على الأرجح أن عدد وحداتها سيكون أقل من عدد وحدات بي-2، حتى لو خرجت الطائرة من لوحة التصميم.
ولكن القاذفة B-2 لا تزال قادرة على إحداث ضرر بالغ ــ وإرسال أكثر من خمس أسطول الولايات المتحدة من طائرات B-2 سبيريت إلى دييجو جارسيا مرة واحدة، حيث ستبقى هناك رسميا حتى الأول من مايو/أيار على الأقل، يشير إلى أن هناك عملية ضخمة مخطط لها في المنطقة قبل وقت أطول كثيرا مما يعتقد معظم الناس