"لقد نجونا من القتل”. تلك هي الجملة المضمرة التي تمر على ألسنة أهل غزة من غير أن يوليها الإعلام العربي اهتماما خشية أن يُتهم بمحاباة إسرائيل ومجرمها بنيامين نتانياهو. غير أنها فلتت من ذلك الإهمال المبتذل غير مرة.
يوم الأحد الماضي وما أن أُعلن عن وقف إطلاق النار خرج مسلحو حماس من الأنفاق إلى الشوارع ليحتفلوا بنصرهم.لا أحد من أهل غزة سيكلف نفسه مشقة سؤالهم “أين كنتم؟ وعلى مَن انتصرتم؟” لا لأنه يعرف الجواب، بل وأيضا لأنه يعرف أن بقاءه حيا لا يعني لهم شيئا. كان من المناسب أن يحتفل أهل غزة بالنصر الذي هو في حقيقته نصر الآخرين عليهم. انتصر الطرفان المتحاربان عليهم.
من المؤكد أن حماس لم تنتصر على إسرائيل التي تشير كل الوقائع على الأرض إلى أن نبيها الجديد نفّذ لها كل ما ترغب فيه من صور الهلاك والفتك بأعدائها. في المقابل فإن حماس لم تُهزَم والدليل على ذلك أن الإعلام العربي سلط الضوء على عدد من الأسيرات المحررات وتناسى أن الثمن كان 50 ألف قتيل و100 ألف جريح ومعاق و10 آلاف مفقود تحت الأنقاض ومدن مهدمة تبلغ كلفة إعمارها أموالا طائلة لن يصل منها إلى غزة إلا الأقل الشحيح.
من داخل ثقافة الهزيمة العربية يمكن أن نلتقط شخصين كانا ماهرين في صناعة الهزيمة غير أن ردود أفعالهما كانت مختلفة. يقف جمال عبدالناصر على ضفة، فيما يقف صدام حسين على ضفة أخرى. حين انكسرت مصر عام 1967 خرج عبدالناصر على المصريين والعرب ليعترف بمسؤوليته عن الهزيمة، أما حين انكسر العراق في حرب تحرير الكويت عام 1991 فإن صدام حسين خرج على العراقيين والعرب وهو يردد: “يا محلا النصر بعون الله”. أطلق العراق رسمياً على تلك الحرب اسم “أم المعارك”. حتى تسمية “حرب الخليج الثانية” كان ممنوعا تداولها بين العراقيين. يُحسب لعبدالناصر أنه لم يعتبر بقاءه حياً واستمرار نظامه نصراً في حين اعتبر صدام أن بقاءه حياً بعد أن تسبب في مقتل أكثر من ربع مليون جندي عراقي على ما سُمّي بطريق الموت نصراً. لو كان حسن نصرالله حياً اليوم لما تمكن اللبنانيون من تجاوز عقبته منتصراً على الرغم من كل الخراب المادي والخسائر البشرية التي دفعها لبنان.
واقعياً دفع الشعب العراقي ولا يزال يدفع ثمن هزيمة رجل هُزم غير أنه انتصر عليه وبإرادة دولية. وبسبب تلك الفكاهة السوداء لا يزال العراق يعيش واقعا مهشما ومهمشا. لا هو دولة مواطنة وليس لدى أبنائه قناعة بأنه سيستمر موجودا. السؤال نفسه يمكن أن يحيط بأهل غزة الذين انقطعت صلتهم بفلسطين منذ حوالي عقدين وجاءت مغامرة حماس لتكرس هزيمتهم الروحية. فهم أحياء، ولكن لا قيمة لحياتهم إلا بما يكرّس انتصارا لحماس التي لا يملك أفرادها سوى السلاح الفردي لغة لعلاقتهم بالمجتمع الذي فرت أرواح عشرات الألوف منهم إلى السماء. لا يتوقع من حماس أن تنتبه إلى أن هناك مجتمعا منكوبا. كان انتظار وقف إطلاق النار موعدا مع النصر. ذلك ما كان نتانياهو يخشاه وهو يفكر بصبيانية لا تختلف عن النزق غير المسؤول الذي يحيط بسلوك الطرف المقابل.
كل حديث مجاني عن نصر في غزة، إنما هو محاولة للتغطية على جريمة إسرائيل. ذلك ما لا يمكن القبول به. لقد مارست إسرائيل عمليات إبادة منظمة في غزة لذلك لا يمكن القبول بالمشهد الذي يظهر أهلها منتصرين. لم ينتصر القتلى ولا المعاقون ولا الجرحى ولا المفقودون الذين تم دفنهم تحت أنقاض بيوتهم. قتلوا وهم على يقين من أن قاتلهم يعرف جيدا أن لا علاقة لهم بالحرب. ينبغي عدم تطريز جريمة إسرائيل بهلاهل النصر الوهمي. أما الأحياء من أهل غزة فلطالما تمنوا الموت بسبب ما عاشوه من ذل وهوان وجوع وهلع وتشريد.
أما صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل فلا ينبغي النظر إليها باعتبارها مكافأة للطرف الذي تسبب بقيام الحرب كما لو أنه حقق هدفه منها. ليس من الإنصاف أن تتعرض غزة لعدوان إسرائيلي مدمر استمر لمدة سنة وثلاثة أشهر و14 يوماً، من أجل أن يُطلق سراح بضعة مئات من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. لو خُير الأسرى بين استمرارهم في السجن وتدمير غزة وسحق سبل الحياة فيها لاختاروا السجن. هناك اليوم محاولة بائسة لتسويق فكرة الانتصار من خلال توجيه الأنظار إلى الأسيرات الفلسطينيات المحررات وحكاياتهن لا لشيء إلا رغبة في الانتهاء من الحكاية الأصلية التي تنطوي على ضرورة مساءلة المسؤول عما جرى وتقديمه إلى المحاكمة إن كانت هناك محاكم فلسطينية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية اتفاق غزة أهل غزة غیر أن
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تزعم: حماس تمتنع عن القتال في الأنفاق وتُركز على هذا الأمر
تقدر أجهزة الأمن الإسرائيلية، أن حركة حماس تمتنع عن إرسال مقاتليها إلى الأنفاق، لأن بعضها يقع حاليا تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وبدلاً من ذلك، تركّز على تصنيع عبوات ناسفة يمكن استخدامها داخل المباني وفي الشوارع.
ووفقا للتقديرات الأمنية الإسرائيلية التي أوردتها صحيفة "هآرتس"، اليوم الخميس 10 أبريل 2025، فإن حماس نجحت في تحريك عمليات إنتاج الأسلحة وإنشاء مرافق إنتاج بسيطة، وأن الحركة قادرة بشكل محدود على إنتاج المزيد من القذائف الصاروخية.
وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن حماس نجحت في تعبئة صفوف جناحها العسكري، وهي تضم حاليًا نحو 40 ألف مقاتل. ويُقدّر أن حوالي 700 ألف من سكان قطاع غزة يدعمون حماس، و600 ألف يدعمون حركة فتح، في حين أن نحو 650 ألفًا لا ينتمون لأي فصيل.
وتشير الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى أن هناك ضغوطًا، لا سيما من جانب العشائر الكبيرة لإزاحة حماس عن السلطة، إلا أن التقييم الأمني الإسرائيلي يرى أن هذه الضغوط لا تزال غير كافية لإحداث تغيير حقيقي في قيادة القطاع.
ويرصد الجانب الإسرائيلي، بحسب التقرير، أن حماس تحاول تجنّب إطلاق النار من المناطق السكنية الكثيفة لتفادي ردود فعل إسرائيلية قوية، في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية و"الصعوبات السياسية" التي تواجهها الحركة.
من الناحية العملياتية، أضاف الجيش الإسرائيلي شريطًا جديدًا إلى ما يسميه "المنطقة العازلة" شمال قطاع غزة بعرض كيلومترين، مشيرًا إلى أن هذه المنطقة أصبحت شبه خالية من السكان بعد أن نُقل معظمهم إلى منطقة "المواصي" جنوب غرب القطاع.
وتشير التقديرات إلى أن الجيش الإسرائيلي دمّر حتى الآن نحو 25% فقط من شبكة الأنفاق في قطاع غزة. ومنذ استئناف الحرب في منتصف آذار/ مارس، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي 1000 غارة جوية على غزة، واستُهدف 12 قياديًا في حماس، بينهم خمسة قادة كتائب ونوابهم.
في الوقت ذاته، يواصل الجيش الإسرائيلي نشاطه في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، بينما تعمل قوات من الفرقة 36 في "محور موراغ" جنوبي القطاع. وبحسب مصادر عسكرية، لم يُسجّل حتى يوم أمس (الأربعاء) أي اشتباك مباشر مع مقاتلي حماس في هذه المحاور.
المصدر : وكالة سوا - عرب 48 اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية طيارون إسرائيليون: استمرار الحرب خطر على الجنود والمدنيين والأسرى وكاتس يعلق الشرطة الإسرائيلية تفرق تظاهرة طالبت بوقف حرب غزة صورة: كاتس من محور موراج : خطة تهجير سكان غزة مستمرة الأكثر قراءة مصر تُعقّب على استهداف الاحتلال عيادة تابعة للأونروا في غزة صيدم: فصل رفح عن خانيونس هدفه فرض "التهجير القسري" ملك الأردن: يجب وقف الحرب الإسرائيلية على غزة فورا معبر الكرامة يعمل السبت المقبل بشكل "استثنائي" عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025