إصلاح التعليم في مسار العدالة الانتقالية
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
مقال / د . ضياء محيرز
يقاس تقدم المجتمعات بالتطور المضطرد للتعليم، واليوم يشهد عالمنا تحولا ثوريا وتحديات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتتسابق الدول الكبرى إلى الاستثمار في تدريب المعلمين والتلاميذ على الاستخدام المدروس لهذه التكنولوجيا في التعليم، في حين أن نظام التعليم الحالي في اليمن يعيش واقعا مأساويا؛ نتيجة إخفاقات متراكمة للسياسات التعليمية المتبناة سابقا، بالإضافة إلى تداعيات الحرب التي اندلعت منذ 2015م.
إن مستقبل اليمن يتطلب ثورة تغير مفاهيم كثيرة ترسخت في المجتمع عبر السنين، ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق “التربية والتعليم” باعتباره أحد المحاور الاجتماعية المهمة التي يجب العمل عليها لإحداث التغيير المرغوب به، فالحروب تولد أولا في عقول البشر، وفي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام. وتأسيسا على ذلك من الضروري بمكان التهيئة للمرحلة القادمة، ودعم تطبيق آليات العدالة الانتقالية من خلال التعليم – المدرسة والجامعة، فنحن نحتاج إلى تدريس تاريخنا في إطار تحليلي نقدي، يشجع الطلاب على معرفة جذور الخلافات المجتمعية التي أدت إلى هذا الصراع، وكيفية ظهور السلوكيات المعززة له، والدروس المستخلصة، والطرق والأساليب لمعالجة أرث الماضي وبناء ذاكرة جماعية لما بعد النزاع، وحل النزاعات بصورة سلمية، وخلق الظروف المواتية لتحقيق السلام المستدام ومنع تكرار ما جرى من انتهاكات جسيمة باعتباره هدفا جوهريا للعدالة الانتقالية.
وعلى جانب آخر فأن التعليم باعتباره حقاً إنسانياً وضروريا وفقا للقوانين الوطنية والدولية؛ فإنه يجب ضمانه بالقدر الكافي والمناسب لكل أبناء الوطن، وعلى الدولة أن تتحمل المسئولية في بني سياسات معدَّة لتقديم تعليما يليق بالعصر، ويتسم بالجودة، ويشجع على التفكير النقدي والمستقل، ويساعد على الإبداع والابتكار، والبحث والاستكشاف والتنقيب العلمي والمعرفي، وبما يسمح بوجود هامش عالي من الوعي بالحقوق والحريات المختلفة، مع مراعاة الاحتياجات الثقافية والاجتماعية للمجتمع اليمني. كما يجب التركيز على تغيير المضامين التدريسية بحيث تكون كتب التدريس خالية من التعبير عن أي سياسات خاصة ومنحازة لطرف معين، من حيث الرموز، والمعلومات التاريخية، والسرد أو فيها إلغاء لطرف، ويجب ربطها بالسلوكيات المرتبطة بالديمقراطية، وغرس قيم التسامح والمصالحة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وقبول الآخر، وتعزيز سيادة القانون، ومحاربة العنف والتطرف لمنع تكرار الانتهاكات من جديد. كما يجب إيلاء اهتمام بتدريب الطواقم التدريسية وتجهيزهم وتأهيلهم تربوياً ليعكسوا وجهة نظر الدولة المدنية الحديثة في ظل المرحلة الانتقالية.
وعلى صعيد آخر يجب وضع برامج ومشاريع تتعلق ببناء المدارس وتجهيزها بالموارد التعليمية اللازمة وتحسين جودة التعليم، وضمان حق الأطفال في حصولهم على تعليم آمن ونوعي في جميع الأوقات، بغض النظر عن الظروف القائمة. والحرص تبني نهج تشاركي بين كافة الفئات المجتمعية من الأطفال والشباب من الجنسين والفئات المهمشة والمتضررة من النزاع لسد الفجوة فيما بينها، واستعادة نسيج المجتمع المحلي الاجتماعي الذي مزقته الحرب. ونشدد في هذا الصدد على ضرورة ادراج مادة تعليم حقوق الإنسان والمواطنة في المناهج الدراسية بحيث توظف فيها كل مضامين العدالة الانتقالية ليصبح التعليم قوة من أجل السلام والتلاحم الاجتماعي والكرامة الإنسانية.
وفي هذا السياق ينبغي على الحكومة أن تضع إعادة بناء التعليم في قائمة أولوياتها، وتبادر إلى إعداد خطة طوارئ تكون واقعية، ومحددة، وسهلة التنفيذ، وتراعي التوقيت، والتسلسل، والفرص، والجدوى، وتستخدم الموارد المتاحة بفعالية، بمعنى أن تكون خطة يمكن تنفيذها سياسيا وماديا، ومن ثم يمكن التوسع في نطاقها لاحقا عندما يكون ذلك ممكنا. وبطبيعة الحال يجب أن يسبق ذلك تقييم النظام التعليمي الحالي، ومن ثم اتخاذ خطوات لمعالجة وإزالة العناصر الأكثر ضررا في النظام قبل سن سياسات جديدة، فتصبح المقاربات والآليات القانونية والحقوقية مواكبة ومكملة لها. ويمكن أن يتم ذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية لتقديم دعم مالي وفني وتقني للقطاع التعليمي.
وفي الواقع وإن لم يكن لدينا تصور واضح لمعالم العدالة الانتقالية القادمة في اليمن، فعلينا على الأقل ضمان بدء الإصلاحات التربوية التي ستلعب دورًا هامًا في البحث عن حلول لتحديات جمة يعاني منها المجتمع. ويبقى مهما استلهام تجارب الدول الأخرى التي نجحت في التحول الديمقراطي بعد النزاع، والدور المحوري الذي لعبه التعليم في دعم وترسيخ هذا التحول. وبالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للتعليم نؤكد على ضرورة تعزيز حق المواطن وقدرته على الوصول إلى التعليم بكل مستوياته، وخاصة الأطفال، ولا يجب بأي حال من الأحوال أن ندع أطفالنا ينتظرون كثيرا تحقيق حلمهم بالحصول على شنطة ومقعد ودراسي. فإذا كان الأطفال، والتعليم بخير، إذا، فالأمة بخير، والباقي مجرد تفاصيل” تشرشل”.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: العدالة الانتقالیة
إقرأ أيضاً:
أسرار المرحلة الانتقالية في سوريا: الشرع يكشف "الملفات الثلاثة الأخطر" وجنسية للمقاتلين الأجانب؟
الرئيس السوري أحمد الشرع (وكالات)
في تصريحات نادرة ومثيرة، كشف الرئيس السوري أحمد الشرع عن أخطر ثلاث قضايا تشكّل أعمدة المرحلة الانتقالية في البلاد، في حوار مع صحيفة "نيويورك تايمز"، واضعاً النقاط على حروف حساسة تتعلق بالوجود الأجنبي، العقوبات الغربية، والمقاتلين الذين حاربوا في صفوف الثورة.
وأكد الشرع أن حكومته دخلت في مفاوضات مع كل من روسيا وتركيا بخصوص وجودهما العسكري في سوريا، مشيراً إلى أن البلدين قد يقدمان دعماً جديداً لحكومته.
اقرأ أيضاً انهيار غير مسبوق.. الريال اليمني يقترب من القاع في عدن خلال تعاملات اليوم 23 أبريل، 2025 فضيحة مدوية تهز "الشرعية": تسريب يكشف تلقي قيادات بارزة أموالاً من طهران 22 أبريل، 2025وأشار إلى أن لروسيا "تاريخ طويل من التسليح والدعم الفني" لسوريا، خصوصاً في مجال الطاقة، وهو ما يجب أخذه في الاعتبار عند رسم مستقبل العلاقات.
أما تركيا، فيبدو أنها تراهن على نفوذ أوسع في الجنوب، وخفض الوجود الكردي شمالاً، مع تقليص الدور الإيراني في المنطقة.
الشرع أطلق نداءً واضحاً إلى واشنطن: ارفعوا العقوبات.
وقال إن تلك العقوبات التي فُرضت على النظام السابق، لا تزال تضرب الاقتصاد السوري اليوم، وتمنع حكومته من إعادة الإعمار. واعتبر أن تخفيف العقوبات بات ضرورة لا تحتمل التأجيل.
مقاتلون أجانب.. من ساحة القتال إلى هويات سورية؟:
في مفاجأة مثيرة، ألمح الشرع إلى إمكانية منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين قضوا سنوات في سوريا و"وقفوا مع الثورة"، بحسب تعبيره.
وشدّد على أن حكومته لن تسمح بأن تُستخدم أراضي البلاد كمنصة لتهديد أي دولة أخرى.
لكن مصير هؤلاء المقاتلين ما يزال يشكّل عقبة رئيسية أمام أي محاولة دولية لرفع العقوبات أو تطبيع العلاقات.