شمسان بوست:
2025-01-26@05:37:26 GMT

إصلاح التعليم في مسار العدالة الانتقالية

تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT

مقال / د . ضياء محيرز

يقاس تقدم المجتمعات بالتطور المضطرد للتعليم، واليوم يشهد عالمنا تحولا ثوريا وتحديات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتتسابق الدول الكبرى إلى الاستثمار في تدريب المعلمين والتلاميذ على الاستخدام المدروس لهذه التكنولوجيا في التعليم، في حين أن نظام التعليم الحالي في اليمن يعيش واقعا مأساويا؛ نتيجة إخفاقات متراكمة للسياسات التعليمية المتبناة سابقا، بالإضافة إلى تداعيات الحرب التي اندلعت منذ 2015م.

فالحرب سببت أزمة تعليم تفوق في حدتها وأثرها الأزمة السياسية والعسكرية، كون الأخيرة يمكن انهائها على طاولة المفاوضات وحين التوصل إلى اتفاق سلام بين أطراف النزاع، بينما أزمة التعليم ستستمر تداعياتها إلى أمد غير معلوم. حيث تشهد المنظومة التعليمية تدهور خطير في البنية التحتية، وشحة الموارد، وانقطاع عدد كبير من الطلاب عن الدراسة، وبحسب تقديرات منظمة اليونيسف في عام 2024م، يوجد 4.5 مليون طفل يمني خارج المدرسة. والمؤسف أن هذه النسب في تصاعد؛ مما ينبأ بكارثة مستقبلية لليمن تتمثل في جيل قادم من الأميين، وسيؤثر ذلك حتما على التعافي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنمية الشاملة المرتقبة للمجتمع في فترة ما بعد الحرب.

إن مستقبل اليمن يتطلب ثورة تغير مفاهيم كثيرة ترسخت في المجتمع عبر السنين، ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق “التربية والتعليم” باعتباره أحد المحاور الاجتماعية المهمة التي يجب العمل عليها لإحداث التغيير المرغوب به، فالحروب تولد أولا في عقول البشر، وفي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام. وتأسيسا على ذلك من الضروري بمكان التهيئة للمرحلة القادمة، ودعم تطبيق آليات العدالة الانتقالية من خلال التعليم – المدرسة والجامعة، فنحن نحتاج إلى تدريس تاريخنا في إطار تحليلي نقدي، يشجع الطلاب على معرفة جذور الخلافات المجتمعية التي أدت إلى هذا الصراع، وكيفية ظهور السلوكيات المعززة له، والدروس المستخلصة، والطرق والأساليب لمعالجة أرث الماضي وبناء ذاكرة جماعية لما بعد النزاع، وحل النزاعات بصورة سلمية، وخلق الظروف المواتية لتحقيق السلام المستدام ومنع تكرار ما جرى من انتهاكات جسيمة باعتباره هدفا جوهريا للعدالة الانتقالية.
وعلى جانب آخر فأن التعليم باعتباره حقاً إنسانياً وضروريا وفقا للقوانين الوطنية والدولية؛ فإنه يجب ضمانه بالقدر الكافي والمناسب لكل أبناء الوطن، وعلى الدولة أن تتحمل المسئولية في بني سياسات معدَّة لتقديم تعليما يليق بالعصر، ويتسم بالجودة، ويشجع على التفكير النقدي والمستقل، ويساعد على الإبداع والابتكار، والبحث والاستكشاف والتنقيب العلمي والمعرفي، وبما يسمح بوجود هامش عالي من الوعي بالحقوق والحريات المختلفة، مع مراعاة الاحتياجات الثقافية والاجتماعية للمجتمع اليمني. كما يجب التركيز على تغيير المضامين التدريسية بحيث تكون كتب التدريس خالية من التعبير عن أي سياسات خاصة ومنحازة لطرف معين، من حيث الرموز، والمعلومات التاريخية، والسرد أو فيها إلغاء لطرف، ويجب ربطها بالسلوكيات المرتبطة بالديمقراطية، وغرس قيم التسامح والمصالحة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وقبول الآخر، وتعزيز سيادة القانون، ومحاربة العنف والتطرف لمنع تكرار الانتهاكات من جديد. كما يجب إيلاء اهتمام بتدريب الطواقم التدريسية وتجهيزهم وتأهيلهم تربوياً ليعكسوا وجهة نظر الدولة المدنية الحديثة في ظل المرحلة الانتقالية.
وعلى صعيد آخر يجب وضع برامج ومشاريع تتعلق ببناء المدارس وتجهيزها بالموارد التعليمية اللازمة وتحسين جودة التعليم، وضمان حق الأطفال في حصولهم على تعليم آمن ونوعي في جميع الأوقات، بغض النظر عن الظروف القائمة. والحرص تبني نهج تشاركي بين كافة الفئات المجتمعية من الأطفال والشباب من الجنسين والفئات المهمشة والمتضررة من النزاع لسد الفجوة فيما بينها، واستعادة نسيج المجتمع المحلي الاجتماعي الذي مزقته الحرب. ونشدد في هذا الصدد على ضرورة ادراج مادة تعليم حقوق الإنسان والمواطنة في المناهج الدراسية بحيث توظف فيها كل مضامين العدالة الانتقالية ليصبح التعليم قوة من أجل السلام والتلاحم الاجتماعي والكرامة الإنسانية. 
وفي هذا السياق ينبغي على الحكومة أن تضع إعادة بناء التعليم في قائمة أولوياتها، وتبادر إلى إعداد خطة طوارئ تكون واقعية، ومحددة، وسهلة التنفيذ، وتراعي التوقيت، والتسلسل، والفرص، والجدوى، وتستخدم الموارد المتاحة بفعالية، بمعنى أن تكون خطة يمكن تنفيذها سياسيا وماديا، ومن ثم يمكن التوسع في نطاقها لاحقا عندما يكون ذلك ممكنا. وبطبيعة الحال يجب أن يسبق ذلك تقييم النظام التعليمي الحالي، ومن ثم اتخاذ خطوات لمعالجة وإزالة العناصر الأكثر ضررا في النظام قبل سن سياسات جديدة، فتصبح المقاربات والآليات القانونية والحقوقية مواكبة ومكملة لها. ويمكن أن يتم ذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية لتقديم دعم مالي وفني وتقني للقطاع التعليمي.
وفي الواقع وإن لم يكن لدينا تصور واضح لمعالم العدالة الانتقالية القادمة في اليمن، فعلينا على الأقل ضمان بدء الإصلاحات التربوية التي ستلعب دورًا هامًا في البحث عن حلول لتحديات جمة يعاني منها المجتمع. ويبقى مهما استلهام تجارب الدول الأخرى التي نجحت في التحول الديمقراطي بعد النزاع، والدور المحوري الذي لعبه التعليم في دعم وترسيخ هذا التحول. وبالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للتعليم نؤكد على ضرورة تعزيز حق المواطن وقدرته على الوصول إلى التعليم بكل مستوياته، وخاصة الأطفال، ولا يجب بأي حال من الأحوال أن ندع أطفالنا ينتظرون كثيرا تحقيق حلمهم بالحصول على شنطة ومقعد ودراسي. فإذا كان الأطفال، والتعليم بخير، إذا، فالأمة بخير، والباقي مجرد تفاصيل” تشرشل”.

المصدر: شمسان بوست

كلمات دلالية: العدالة الانتقالیة

إقرأ أيضاً:

سوريا: الحكومة الانتقالية تدرب الشرطة وفق الشريعة الإسلامية وسط جدل داخلي وتحفظات دولية

بدأت السلطات في الحكومة السورية الانتقالية استخدام تعاليم الشريعة الإسلامية لتدريب قوة شرطة جديدة، في خطوة تهدف إلى تعزيز الأخلاق وفقًا لما ذكره الضباط المسؤولون، في ظل مساعيهم لملء الفراغ الأمني الذي نتج عن تفكيك الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس المخلوع بشار الأسد، المعروفة بفسادها وقمعها.

اعلان

وتم استقدام ضباط من منطقة إدلب التي كانت تحت سيطرة المعارضة، وبدأوا بتدريب المجندين الجدد في دمشق من خلال دورات قصيرة تركز على الشريعة الإسلامية.

وأفاد خمسة ضباط كبار أن مستندات طلبات الانضمام تتضمن أسئلة تتعلق بالمعتقدات الشخصية، وفقًا لما ذكرته وكالة رويترز.

مجندون في قوات الشرطة التابعة للحكومة السورية الانتقالية يحملون السلاح خلال دورة تدريبية وتخرج في كلية الشرطة في دمشق، سوريا، الثلاثاء 14 يناير/كانون الثاني 2025Omar Albam/APالمخاطر السياسية والتحديات الاجتماعية

ويرى محللون أن اعتماد الشريعة الإسلامية في تدريب الشرطة يهدد بتعميق الانقسامات في بلد يعاني من تنوع طائفي وانتشار السلاح بعد 13 عامًا من الحرب. كما يُثير ذلك قلق حكومات أجنبية تسعى السلطات السورية إلى كسب دعمها.

وقال آرون لوند، الباحث في مركز (Century International)، إن "الكثير من السوريين، بما في ذلك الأقليات مثل المسيحيين والعلويين والدروز، وحتى عدد كبير من المسلمين السنة في دمشق وحلب، سيشعرون بالقلق إزاء هذه الخطوة، خاصة في المجتمعات ذات الطابع العلماني".

فيما تحدث دبلوماسي غربي، رفض الكشف عن هويته، أشار إلى أن هذه الخطوة قد تؤثر على مساعي الإصلاح الدستوري في سوريا وتُثير التساؤلات حول مدى تأثير الإسلام على القوانين الجديدة.

مجندون في قوات الشرطة التابعة للحكومة السورية الانتقالية يحملون السلاح خلال دورة تدريبية وتخرج في كلية الشرطة في دمشق، سوريا، الثلاثاء 14 يناير/كانون الثاني 2025APRelatedسبقت هيئة تحرير الشام إلى دمشق وزعيمها يفوق الشرع طموحًا.. ما مصير الفصائل الجنوبية في سوريا؟حصري: الاتحاد الأوروبي يدرس رفع العقوبات عن سوريا في قطاعات النفط والمصارف والنقلمن دافوس.. وزير الخارجية السوري يدعو لرفع العقوبات ويؤكد طموح سوريا لأن تصبح نموذجاً للسلام والتنميةقوات سوريا الديمقراطية ترفض تسليم إدارة السجون لحكام دمشق الجدد والسبب.. عناصر داعش تطمينات من القيادة الجديدة

بعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر، شهدت مراكز الشرطة في دمشق أعمال نهب واسعة، حيث دُمرت المعدات وسُرقت السجلات. وأُعيد فتح حوالي 10 مراكز من أصل 20، لكنها تعمل بعدد قليل من الضباط الذين تم جلبهم من إدلب.

وقال هشام هلال، الذي يدير تدريبات للمجندين في أكاديمية الشرطة بدمشق، إن أكثر من 200,000 شخص تقدموا بطلبات للانضمام إلى القوة الجديدة. ويُسمح للمنشقين عن شرطة الأسد بالتقديم، بينما يُطلب من الآخرين الخضوع لعملية "مصالحة" تشمل توقيع وثيقة تعترف بالنظام الجديد وتسليم أسلحتهم.

في وقت سابق، أكد أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، أن جماعته تخلت عن ارتباطاتها السابقة بتنظيم القاعدة وتسعى لحكم سوريا بأسلوب معتدل، مشددًا على حماية الأقليات. ولدى هيئة تحرير الشام سجل براغماتي، حيث تراجعت عن فرض بعض التفسيرات الصارمة للشريعة في مناطقها السابقة.

مجندون في قوات الشرطة التابعة للحكومة السورية الانتقالية خلال دورة تدريبية وتخرج في كلية الشرطة في دمشق، سوريا، الثلاثاء 14 يناير/كانون الثاني 2025.Omar Albam/APتحديات داخلية وآراء معارضة

ورغم جهود التوظيف، تظل الشريعة الإسلامية مصدر قلق للبعض. وقال ضابط مسيحي سابق إن تركيز الشرطة الجديدة على الشريعة يجعله مترددًا في التقديم، خوفًا من التمييز.

وفي ديسمبر، خرج مئات من سكان دمشق في مظاهرة تطالب بحكم علماني ومساواة بين الجنسين. وقال علي العقرباني، أحد المشاركين في الاحتجاجات: "لسنا ضد الإسلام، ولكننا ضد حكم ديني يعتمد على نصوص محددة وأحاديث".

تدريب سريع وظروف قاسية

تلقى المجندون الجدد 10 أيام فقط من التدريب، تضمنت دروسًا في التعامل مع الأسلحة وقواعد السلوك الإسلامي. وقال أحمد لطوف، رئيس أكاديمية الشرطة في إدلب سابقًا، إن الهدف هو تمديد فترة التدريب إلى تسعة أشهر عندما يتحسن الوضع الأمني.

مجندون في قوات الشرطة التابعة للحكومة السورية الانتقالية يقفون في تشكيل خلال دورة تدريبية وتخرج في كلية الشرطة في دمشق، سوريا، الثلاثاء 14 يناير/كانون الثاني 2025AP

ومع ذلك، لا يزال هناك قلق بشأن نظرة السوريين للحكومة الانتقالية. وأوضح أيمن أبو طالب، رئيس مركز شرطة المارجة في دمشق، أن الإسلام هو "الدين الذي يحترم حقوق الإنسان"، مؤكدًا أنه لا يرى مشكلة في الاعتماد عليه.

بينما تستمر السلطات في محاولة إصلاح النظام الأمني، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع القوة الجديدة تحقيق التوازن بين الاستقرار واحترام التنوع الطائفي والديني في سوريا؟

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية غزة في الواجهة وسوريا في الظل.. إسرائيل تزعم مصادرة آلاف الأسلحة التابعة للنظام السوري السابق تاجاني في دمشق لتعزيز دور إيطاليا كوسيط بين سوريا والاتحاد الأوروبي سوريا بعد الأسد: فرصة للأردن أم تهديد لوجودها؟ تدريب ـ تمرينشرطةالشريعة الاسلاميةسوريامحمد البشير أبو محمد الجولاني اعلاناخترنا لكيعرض الآنNextمباشر. قتلى في جنين ونزوح للمئات من سكانه وقطع الكهرباء وحزب الله يهدد إسرائيل إن لم تنسحب كليا الأحد يعرض الآنNext ترامب وعشقه للمال السعودي: بن سلمان يتصل مهنئا ويبعث بهدية قيمة بلغت 600 مليار دولار للاستثمار يعرض الآنNext الجنود الأوكرانيون في دونيتسك يطالبون بأسلحة إضافية لمواجهة الهجمات الروسية المستمرة يعرض الآنNext الحكم بالسجن 50 عاماً على شاب قتل 3 فتيات في درس رقص على طريقة تايلور سويفت في إنجلترا يعرض الآنNext أولمبياد باريس 2024 في مرمى الانتقادات مجدداً.. شكاوى من تلف الميداليات اعلانالاكثر قراءة تركيا: حصيلة ضحايا حريق منتجع التزلج ترتفع إلى 76 قتيلاً وأردوغان يتوعد بمحاسبة من كان السبب الحرائق تكتسح شمال سان دييغو.. إجلاء طارئ للمنطقة بسبب النيران المدمرة من دافوس.. وزير الخارجية السوري يدعو لرفع العقوبات ويؤكد طموح سوريا لأن تصبح نموذجاً للسلام والتنمية ترامب: لا أسعى لإيذاء روسيا وأحب الشعب الروسي وعلى بوتين إيقاف "الحرب السخيفة" فيه شفاء للناس ويقوم مقام الفياغرا أو هكذا قال مروّجوه.. فرنسا تشن حربا على "عسل الانتصاب" اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبروسياحركة حماسالحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فولوديمير زيلينسكيمحكمةأزمة إنسانيةفلاديمير بوتينجو بايدنإسرائيلأوكرانياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • التعليم في غزة أقرب للمستحيل.. الاحتلال دمر 88% من المدارس في القطاع.. و660 ألف طفل محرومون من العلم.. مؤسسات دولية: استشهاد أكثر من 14500 طالب.. وإصابة أكثر من 50 ألف.. و175 مركزا تعليميا مؤقتا
  • يونيسف: 30 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مقدّمتها السودان وقطاع غزة محرومون من التعليم
  • العدالة الانتقالية وجبر الضرر.. الآليات والتحديات والتجارب المُلهمة
  • اليونيسيف: نؤكد التزامنا بحق كلّ طفل في التعليم من أجل لبنان أفضل
  • محمد القرقاوي يلتقي وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية بدافوس
  • سوريا: الحكومة الانتقالية تدرب الشرطة وفق الشريعة الإسلامية وسط جدل داخلي وتحفظات دولية
  • وزارة التعليم بقطاع غزة: مقتل وفقد 15 ألف طفل بسن التعليم
  • عبدالله: العقد التي تواجه مسار التأليف متعددة
  • غزة: الإبادة الإسرائيلية تسببت بمقتل وفقدان 15 ألف طفل بسن التعليم