شمسان بوست:
2025-02-26@22:13:19 GMT

إصلاح التعليم في مسار العدالة الانتقالية

تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT

مقال / د . ضياء محيرز

يقاس تقدم المجتمعات بالتطور المضطرد للتعليم، واليوم يشهد عالمنا تحولا ثوريا وتحديات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتتسابق الدول الكبرى إلى الاستثمار في تدريب المعلمين والتلاميذ على الاستخدام المدروس لهذه التكنولوجيا في التعليم، في حين أن نظام التعليم الحالي في اليمن يعيش واقعا مأساويا؛ نتيجة إخفاقات متراكمة للسياسات التعليمية المتبناة سابقا، بالإضافة إلى تداعيات الحرب التي اندلعت منذ 2015م.

فالحرب سببت أزمة تعليم تفوق في حدتها وأثرها الأزمة السياسية والعسكرية، كون الأخيرة يمكن انهائها على طاولة المفاوضات وحين التوصل إلى اتفاق سلام بين أطراف النزاع، بينما أزمة التعليم ستستمر تداعياتها إلى أمد غير معلوم. حيث تشهد المنظومة التعليمية تدهور خطير في البنية التحتية، وشحة الموارد، وانقطاع عدد كبير من الطلاب عن الدراسة، وبحسب تقديرات منظمة اليونيسف في عام 2024م، يوجد 4.5 مليون طفل يمني خارج المدرسة. والمؤسف أن هذه النسب في تصاعد؛ مما ينبأ بكارثة مستقبلية لليمن تتمثل في جيل قادم من الأميين، وسيؤثر ذلك حتما على التعافي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنمية الشاملة المرتقبة للمجتمع في فترة ما بعد الحرب.

إن مستقبل اليمن يتطلب ثورة تغير مفاهيم كثيرة ترسخت في المجتمع عبر السنين، ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق “التربية والتعليم” باعتباره أحد المحاور الاجتماعية المهمة التي يجب العمل عليها لإحداث التغيير المرغوب به، فالحروب تولد أولا في عقول البشر، وفي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام. وتأسيسا على ذلك من الضروري بمكان التهيئة للمرحلة القادمة، ودعم تطبيق آليات العدالة الانتقالية من خلال التعليم – المدرسة والجامعة، فنحن نحتاج إلى تدريس تاريخنا في إطار تحليلي نقدي، يشجع الطلاب على معرفة جذور الخلافات المجتمعية التي أدت إلى هذا الصراع، وكيفية ظهور السلوكيات المعززة له، والدروس المستخلصة، والطرق والأساليب لمعالجة أرث الماضي وبناء ذاكرة جماعية لما بعد النزاع، وحل النزاعات بصورة سلمية، وخلق الظروف المواتية لتحقيق السلام المستدام ومنع تكرار ما جرى من انتهاكات جسيمة باعتباره هدفا جوهريا للعدالة الانتقالية.
وعلى جانب آخر فأن التعليم باعتباره حقاً إنسانياً وضروريا وفقا للقوانين الوطنية والدولية؛ فإنه يجب ضمانه بالقدر الكافي والمناسب لكل أبناء الوطن، وعلى الدولة أن تتحمل المسئولية في بني سياسات معدَّة لتقديم تعليما يليق بالعصر، ويتسم بالجودة، ويشجع على التفكير النقدي والمستقل، ويساعد على الإبداع والابتكار، والبحث والاستكشاف والتنقيب العلمي والمعرفي، وبما يسمح بوجود هامش عالي من الوعي بالحقوق والحريات المختلفة، مع مراعاة الاحتياجات الثقافية والاجتماعية للمجتمع اليمني. كما يجب التركيز على تغيير المضامين التدريسية بحيث تكون كتب التدريس خالية من التعبير عن أي سياسات خاصة ومنحازة لطرف معين، من حيث الرموز، والمعلومات التاريخية، والسرد أو فيها إلغاء لطرف، ويجب ربطها بالسلوكيات المرتبطة بالديمقراطية، وغرس قيم التسامح والمصالحة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وقبول الآخر، وتعزيز سيادة القانون، ومحاربة العنف والتطرف لمنع تكرار الانتهاكات من جديد. كما يجب إيلاء اهتمام بتدريب الطواقم التدريسية وتجهيزهم وتأهيلهم تربوياً ليعكسوا وجهة نظر الدولة المدنية الحديثة في ظل المرحلة الانتقالية.
وعلى صعيد آخر يجب وضع برامج ومشاريع تتعلق ببناء المدارس وتجهيزها بالموارد التعليمية اللازمة وتحسين جودة التعليم، وضمان حق الأطفال في حصولهم على تعليم آمن ونوعي في جميع الأوقات، بغض النظر عن الظروف القائمة. والحرص تبني نهج تشاركي بين كافة الفئات المجتمعية من الأطفال والشباب من الجنسين والفئات المهمشة والمتضررة من النزاع لسد الفجوة فيما بينها، واستعادة نسيج المجتمع المحلي الاجتماعي الذي مزقته الحرب. ونشدد في هذا الصدد على ضرورة ادراج مادة تعليم حقوق الإنسان والمواطنة في المناهج الدراسية بحيث توظف فيها كل مضامين العدالة الانتقالية ليصبح التعليم قوة من أجل السلام والتلاحم الاجتماعي والكرامة الإنسانية. 
وفي هذا السياق ينبغي على الحكومة أن تضع إعادة بناء التعليم في قائمة أولوياتها، وتبادر إلى إعداد خطة طوارئ تكون واقعية، ومحددة، وسهلة التنفيذ، وتراعي التوقيت، والتسلسل، والفرص، والجدوى، وتستخدم الموارد المتاحة بفعالية، بمعنى أن تكون خطة يمكن تنفيذها سياسيا وماديا، ومن ثم يمكن التوسع في نطاقها لاحقا عندما يكون ذلك ممكنا. وبطبيعة الحال يجب أن يسبق ذلك تقييم النظام التعليمي الحالي، ومن ثم اتخاذ خطوات لمعالجة وإزالة العناصر الأكثر ضررا في النظام قبل سن سياسات جديدة، فتصبح المقاربات والآليات القانونية والحقوقية مواكبة ومكملة لها. ويمكن أن يتم ذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية لتقديم دعم مالي وفني وتقني للقطاع التعليمي.
وفي الواقع وإن لم يكن لدينا تصور واضح لمعالم العدالة الانتقالية القادمة في اليمن، فعلينا على الأقل ضمان بدء الإصلاحات التربوية التي ستلعب دورًا هامًا في البحث عن حلول لتحديات جمة يعاني منها المجتمع. ويبقى مهما استلهام تجارب الدول الأخرى التي نجحت في التحول الديمقراطي بعد النزاع، والدور المحوري الذي لعبه التعليم في دعم وترسيخ هذا التحول. وبالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للتعليم نؤكد على ضرورة تعزيز حق المواطن وقدرته على الوصول إلى التعليم بكل مستوياته، وخاصة الأطفال، ولا يجب بأي حال من الأحوال أن ندع أطفالنا ينتظرون كثيرا تحقيق حلمهم بالحصول على شنطة ومقعد ودراسي. فإذا كان الأطفال، والتعليم بخير، إذا، فالأمة بخير، والباقي مجرد تفاصيل” تشرشل”.

المصدر: شمسان بوست

كلمات دلالية: العدالة الانتقالیة

إقرأ أيضاً:

لا فرق بين علمانية وثيقة قحت وبين وثيقة الفترة الانتقالية المعدلة في علاقة الدين بالدولة

لا فرق بين علمانية وثيقة قحت وبين وثيقة الفترة الانتقالية المعدلة في علاقة الدين بالدولة.
قرأت بعض النقاط المتعلقة بالتعديلات التي طرأت في الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية بدون تفصيل، ووجدت ان هنالك امرا في غاية الخطورة، وكأنك يا زيد ما غزيت، فلاتوجد اختلافا جوهريا في النص بين وثيقة قحت وبين الوثيقة المعدلة الان في المسألة المتعلقة بعلاقة الدين بالدولة، وعندما نقارن بين الوثيقة الدستورية لقحت نجد ان الفقرة الخامسة من المبادئ العامة والتي نصت على: (تضمن الدولة وتدعم وتحمي حرية المعتقد والممارسات الدينية والعبادة لكل الشعب السوداني وتقف الدولة على مسافة واحدة من الهويات الثقافية والإثنية والجهوية والدينية وأن لا تفرض الدولة دينا على أي شخص وتكون الدولة غير منحازة فيما يخص الشؤون الدينية وشؤون المعتقد والضمير)، وهذا النص في وثيقة قحت هي نفس العلمانية بشحمها ولحمها ولكنها مغلفة بغلاف مزين دون التصريح بها علنا وهي ان السودان تكون دولة بلا دين بكل وضوح بالرغم من ان ٩٦% من الشعب السوداني مسلمين!! ابعدت الشريعة الإسلامية من مصادر التشريع، وساووا بين الاسلام واليهودية والنصرانية والبوذية وعبدة الكجور والنار ارضاءا لرفيقهم عبدالعزيز الحلو واستقطابه لتحالفهم، بالرغم من انهم اقلية لا يشكلون ٤% من الشعب السوداني ومع اقليتهم يمنعوننا من التحاكم بشريعتنا وديننا الحنيف، وفي الغرب لا يمكن لمسلمين ان يكونوا حكاما ويتضمن معتقدات في الدستور بحجة أنهم اقلية، ولابد لهم أن يحترموا راي الغالبية، وعندنا الامر معكوس فالاقلية هم من يفرضون علينا دينهم !! وذلك لتسلط نفر قليل من اليساريين والبعثيين في ذلك الحين على ارادة الشعب. وكتلة قحت خدعوا الناس بتثبيت علمانية الدولة بإبعاد اي دين يكون دين الدولة في وثيقتهم، بطريقة مغلفة، دون التصريح بكلمة (علمانية الدولة) لانهم يعلمون ان غالبية الشعب لا يرضى بالعلمانية، وجاءت وثيقة الفترة الانتقالية للبرهان بإثبات ان الدين يعتبر من مصادر التشريع وهي الشريعة الإسلامية وهذه في حد ذاته محمدة، ولكن المشكلة ان الوثيقة ايضا ساوت بين الاسلام والمعتقدات الاخرى مثل النصرانية واليهودية والبوذية وعبدة الكجور والاصنام لتكون تشريعاتهم مساوية للشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، عندما قرنت بين الشريعة الإسلامية والمعتقدات الاخرى كمصدر للتشريع، وهذا الامر في غاية الخطورة لا تقل عن العلمانية بشي، لأن مساواة دين الاسلام بالمعتقدات الاخرى والاديان المحرفة هي في حد ذاتها كفر يخرج من الملة، ويجب ان تنص امر العلاقة بين الدين والدولة كما كانت في كل دساتير السودان منذ الاستقلال بصورة واضحة وبلا لبس وهي ان الشريعة الإسلامية هي المصدر الاساسي للتشريع.

د. عنتر حسن

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «مياه الأقصر»: إصلاح كسر بخط طرد صرف صحي في الحبيل وعودة الخدمة قريبا
  • وزير التعليم: العديد من الطلاب يواجهون صعوبات في القراءة والكتابة
  • موسكو: أوروبا التي اختارت نهج العسكرة فقدت حق المشاركة في المفاوضات حول أوكرانيا
  • لا فرق بين علمانية وثيقة قحت وبين وثيقة الفترة الانتقالية المعدلة في علاقة الدين بالدولة
  • صور من ورشة إصلاح وبناء المؤسسات ضمن فعاليات مؤتمر الحوار الوطني السوري
  • لقطات من عمل ورشة العدالة الانتقالية ضمن فعاليات مؤتمر الحوار الوطني السوري
  • علوش: محاور المؤتمر تركز على العدالة الانتقالية والبناء الدستوري والإصلاح والحريات والاقتصاد والمجتمع المدني
  • الرئيس السوري: سعينا لحقن الدماء بعد التحرير.. وسنشكل هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية
  • حراك لتعديل قانون الانتخابات في العراق.. مناورة سياسية أم إصلاح حقيقي؟
  • مدبولي يبحث مع وزير التموين إصلاح وإعادة هيكلة منظومة الدعم