بيوت الشعر.. ذاكرة الأمة العربية
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
الشارقة: يوسف أبولوز
أُطلقت بيوت الشعر العربية في 2015، وذلك في إطار مشروع الشارقة الثقافي، ويعد ديوان العرب (الشعر) ركناً أساسياً في هذا المشروع الإبداعي والجمالي والفكري منذ أوائل ثمانينيات القرن العشرين وإلى اليوم.
الشعر أساس متين في بنية الثقافة في الشارقة، لارتباطه باللغة العربية التي هي العنوان الأشمل لكل مبادرات ومفردات العمل الثقافي بالإمارة، وتوج هذا العمل المثابر والممنهج برؤية وتوجيه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بإنجاز المعجم التاريخي للغة العربية الذي جاء في 127 جزءاً واستغرق العمل عليه سبع سنوات بفرق عمل متخصصة ومتكاملة في كل التفاصيل التي تطلبها إنجاز هذا المشروع الأكبر في تاريخ الثقافة العربية.
يخدم المعجم الشعر العربي واللغة العربية، ويوثّق لتاريخ الكلمة العربية وأصولها اللغوية والتحوّلات البلاغية التي طرأت عليها، وكل هذه التفاصيل ليست بعيدة عن الشعر ولغته وثقافته الأدبية والجمالية.
قبل إطلاق مبادرة بيوت الشعر العربية، كانت الشارقة قد شهدت تأسيس بيت الشعر في عاصمة الثقافتين العربية والإسلامية، وَشَكَّل بيت الشعر هنا علامة بارزة في مسار مشروع الشارقة الثقافي.
استقطاب
أصبح الشعر العربي من خلال بيته في الشارقة، ديواناً أسبوعياً إن جازت العبارة، واستقطب البيت شعراء من مختلف البلدان العربية، وأيضاً من مختلف الأساليب التقليدية والحديثة في القصيدة العربية، وأصبح عاشق الشعر على موعد منتظم في مقر البيت مع قراءات عمودية وتفعيلية كشفت بالفعل عن حيوية الشعر وديمومته المتجددة وبخاصة لدى الشعراء الشباب الإماراتيين والعرب، ونشير هنا ألى أن الشارقة أطلقت مبادرة (الإصدار العربي الأول) الذي أخذنا إلى تجارب شعرية عربية شابة ملتزمة بهوية ديوان العرب العمودي الخليلي والتفعيلي.
أوجدت الشارقة أيضاً جائزة النقد الأدبي للشعر، وحرصت دائرة الثقافة على انتظام مهرجان الشعر العربي، وتنظيم قراءات نوعية في معرض الشارقة الدولي للكتاب.
الشعر إذاً، دائم الحضور والتفعيل الأدبي في مشروع الشارقة الثقافي، واتخذ أفقه العربي مساراً متحققاً منذ العام 2015 كما ذكرنا قبل قليل، وفي الحال، وبعد هذه المبادرة الأولى في تاريخ ديوان العرب وفي العام نفسه 2015 أنشئت بيوت الشعر في مدينة المفرق الأردنية الواقعة شمال غربي العاصمة عمّان، كما أُنشئت في الأقصر في مصر، ونواكشوط وفي القيروان، كل هذه البيوت ظهرت في عام واحد هو 2015.
ظهر بيت الشعر في الخرطوم في العام 2016، وفي العام نفسه ظهر بيت الشعر في تطوان بالمغرب، وفي العام 2017 ظهر بيت الشعر في مراكش.
وأنشئت هذه البيوت بإشراف ومتابعة ورعاية مادية ومعنوية من جانب دائرة الثقافة في الشارقة، ووفّرت الدائرة لها إدارات بعناصر لها خبرة في شؤون العمل الثقافي، كما أن مديري هذه البيوت هم شعراء أيضاً ولديهم الشفافية الأدبية التي تتلاءم والهدف الجمالي الذي من أجله أُنشئت هذه البيوت.
إصدارات
تصدر دائرة الثقافة في الشارقة مجموعات شعرية لمبدعين عرب من أجيال مختلفة، ومن الجميل في هذا السلوك النشري أن بيوت الشعر العربية تحتفي بهذه الإصدارات، وتنظم لها حفلات توقيع، ومهرجانات قراءة، الأمر الذي أوجد ظاهرة ثقافية في الوطن العربي تتمثل في جماليات الشعر، وبلاغته، وعلم العروض، ونقد الشعر، وتذوّقه، ومعرفة مواطن القوة والضعف فيه. تحوّلت بيوت الشعر العربية إلى ظاهرة عامة لها جمهور وإعلام عربي ثقافي يغطي أنشطة البيوت، ويذكِّر دائماً بالعلاقة التنسيقية بين دائرة الثقافة في الشارقة، ووزارات الثقافة العربية التي رحّبت بظاهرة بيوت الشعر، ووفّرت للدائرة كل سبل إنجاح الفعاليات الشعرية والثقافية التي تنظمها الدائرة في شبكة بيوت الشعر.
ومن اللافت حقاً حجم الفعاليات والقراءات والمشاركات الدورية المنتظمة في بيوت الشعر، وسنأخذ هنا مَثَلين متاحين بالمعلومات والوقائع التي تؤشر بالتالي على عمل كل بيوت الشعر في الوطن العربي.
وعلى سبيل المثال انتظمت في بيت الشعر في الخرطوم 320 أمسية و82 ندوة منذ تأسيس البيت في عام 2016، ويصدر البيت نشرة في نطاقه العملي بعنوان «الوجود المغاير» ونظم البيت مهرجان الخرطوم للشعر العربي، وملتقى النيلين للقصيدة العربية.
إننا ننظر لهذا العمل الثقافي العربي عبر بيت الشعر وبهذا التنوع على أنه نجاح لثقافة الشعر نفسها، وهو النجاح ذاته الذي نعاينه في المغرب (مرة ثانية على سبيل المثال)، فقد نظَّم بيت الشعر في تطوان والذي تأسس في العام 2016 حوالي 300 فعالية توزعت على نحو 120 ليلة أدبية، كما نظم البيت 30 لقاء أدبياً، ويتابع فعاليات البيت في تطوان أكثر من 200 مهتم بثقافة الشعر، وكذلك بيت الشعر في مراكش الذي تأسس في العام 2017، فقد نظم أكثر من 140 فعالية شارك فيها قرابة 160 شاعراً وشاعرة.
هذان نموذجان على سبيل المثال من السودان والمغرب، وبالفعل هناك حراك شعري حيوي في بيت الشعر في الأقصر، وعمّان، وتونس، وموريتانيا.
أنت هنا تتحدث عن قراءات بالمئات، وشعراء بالمئات، ونصوص بالمئات، وجمهور يتابع، ويصغي، ويقارن، ويتذوّق، إنه جمهور الشعر الذي أوجدته ظاهرة بيوت الشعر، وأوجدته مهرجانات الشعر العربية في بلدان البيوت التي تستمد طاقتها الإبداعية من الشعراء العرب والشاعرات المبدعات في قصيدتي: العمود والتفعيلة.
فروسية
«الشعر قفلٌ أوّله مفتاحٌ» يقول الصاحب بن عبّاد، ويذكر في مصادر الثقافة التراثية العربية الأصيلة أن العرب كانت تتوضأ للشعر، وكانت تضرب للشعراء الفحول خيام يقال إن لونها أحمر، والشعر في الذاكرة الثقافية العربية قرين الفروسية، وأخلاق الشاعر مرتبطة بقيم رفيعة دائماً – مثل المروءة، والنبل والشجاعة.
أذكر هذه الحيثيات المعروفة تماماً عند قارئ تاريخ الشعر لأوضّح، تاريخياً ونفسياً، وثقافياً.. لماذا أطلقت الشارقة مبادرة عظيمة عربياً ضمن هذه المظلّة الأدبية الكبرى.. وهنا، نقول بكل موضوعية إن تاريخ الشعر ومكانه ورجالاته إنما يعود أولاً إلى جماعة شعراء الحيرة في الشارقة في الأربعينيات والثلاثينيات من القرن العشرين: ومن بين تلك الكوكبة المبكرة: الشيخ صقر القاسمي، وسالم بن علي العويس، وسلطان العويس، وخلفان بن مصبح، وغيرهم ممن كانوا رجال أدب ولغة وعلوم وفقه، وفي الوقت نفسه كانوا رجال أعمال وتجارة وتعليم، ومن أموالهم الخاصّة أسهموا في توكيد بيئة ثقافية تنويرية في النصف الأول من القرن العشرين.
الشعر هو الدرّة اللؤلؤية دائماً في تلك الثقافة الكلاسيكية المبكّرة ومن رموزها شعراء وفرسان وملّاحون وبحّارة مثل أحمد بن ماجد، والماجدي بن ظاهر، وغيرهما من رجالات الشعر النبطي الكبار.
الشعر النبطي، والشعر الفصيح بلغته العربية القويمة، نجمان متوازيان في مجرّة الأدب العربي، منذ ما قبل التعليم النظامي، وقبل ظهور البترول، وقبل ظهور أي إرهاصات مؤسسية للعمل الثقافي، ولذلك، فإن بيوت الشعر التي انطلقت من الشارقة هي في الواقع انطلقت من بيئة اجتماعية، وثقافية، وتراثية كانت موجودة منذ عشرات ومئات الأعوام، والتاريخ الثقافي للشعر يبدو فعلاً كما لو أنه يعيد نفسه بهذه الإطارات المؤسسية الجديدة المتمثلة في بيوت الشعر.
مؤشرات
في ضوء البيئة المرجعية للشعر ومثالها الأبرز جماعة شعراء الحيرة في الشارقة نحاول هنا استنتاج بعض المؤشرات الدالة على ظهور ثقافة شعرية متخصصة من خلال تراكمات برامج بيوت الشعر في البلدان العربية، وهي، بالفعل، مؤشرات جديرة بالتوقف عندها.
أولاً: عَروض الشعر العربي علم، ونظام، ورياضيات حسابية وذوقية، وقد أتيح للمترددين دوماً على بيوت الشعر الاقتراب السمعي والثقافي من هذا العلم، لا أقول ذلك اعتباطاً، بل هي حقيقة التكرار السمعي مرة ثانية التي أوجدتها القراءات المئوية وربما الألفية للشعر في بيوته العربية.
العروض علم مهمل في مناهج التدريس العربية، والآن، بإمكانك أن تسأل خريجاً جامعياً يحمل البكالوريوس أو حتى الدكتوراه على بحر من البحور وتفعيلاته ليقول لك إنه يجهل هذه الحقائق العلمية تماماً.
الآن جاءت بيوت الشعر العربية عبر القراءات وعبر دورات العروض التي يشرف عليها لغويون وعروضيون موثوقون.. جاءت لتعوّض عن غياب هذا العلم الموسيقي عن طريق الإدراك السمعي المتكرر.
ثانياً: لقد وقعت في كتاب (ما هو النقد؟) إصدارات عام 1989 على مخاطبة سقراط لأحد تلاميذه، وموضوع المخاطبة هو الشعر.
قرأت التالي باختصار وبتصرّف قليل.. قرأت أن الشعر ينطوي على حجر، ولكنه ليس حجر الفلاسفة، بل، حجر مغناطيسي «غير أنه كما جاء في المُخَاطَبَة يُعرف عموماً ب«حجر هرقل».. إن هذا الحجر كما جاء في تلك الفقرة ص287 لا يجذب الحلقات الحديدية فقط، وإنما ينقل إليها قوّة مشابهة تجذب الحلقات الأخرى.. إن شيئاً من هذه الجاذبية موجود في الشعر نفسه، إن جملة شعرية تجذب (الحلقة) التالية لها، وهذه العملية المغناطيسية نعاينها تماماً في قراءة الشعر، تحديداً في إلقائه.
ثالثاً: عملت بيوت الشعر على تعزيز ثقافة (الإلقاء) وبالتالي يمكن القول: إن (الإلقاء) الحرفي أدّى بالضرورة إلى (مسرحة) الشعر، إن القصيدة الواحدة في حدّ ذاتها أشبه بعرض مسرحي: ولقد قرأ في بيوت الشعر العربية شعراء (مسرحوا القصيدة) بإلقاء تجسيدي صوتي حركي: مثل: المنصف المزغني (تونس)، ويوسف عبد العزيز (الأردن).
رابعاً: بيوت الشعر العربية أصبحت دواوين للشعر العربي، إنها مهرجانات مصغّرة تحتفي بالشعر. والاحتفاء بالشعر يتضمّن احتفاء موازياً باللغة العربية.
مبادرة متفائلة
مرّ على بيوت الشعر العربية عقد زمني كامل، والعقد الزمني شعرياً يقابله (جيل) في حساب الزمن وظهور الشعراء. ونحسب هنا أن عقداً من بيوت الشعر قد يكون هيأ لظهور جيل من الشباب والشابات العرب الذين يترددون على أمسيات بيوت الشعر، وقد اكتسبوا بالتراكم والتكرار والعادة والرغبة والفضول قيماً جديدة تدفعهم لأن يجرّبوا كتابة الشعر وهو تفاؤل مشروع بعد نجاح مبادرة أصلاً هي متفائلة.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة الشارقة الشعر الثقافة فی الشارقة بیوت الشعر العربیة دائرة الثقافة بیت الشعر فی هذه البیوت فی العام فی بیوت
إقرأ أيضاً:
«أكاديمية الشارقة» تحصل على اعتماد برامجها المقدمة باللغة العربية
الشارقة: «الخليج»
أعلنت أكاديمية الشارقة للتعليم اعتماد مفوضية الاعتماد الأكاديمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في دولة الإمارات لبرامجها المقدّمة باللغة العربية، والتي تشمل برنامج «دبلوم الدراسات العليا في القيادة التربوية»، و«ماجستير التربية في القيادة التربوية»، و«ماجستير التربية في القيادة التعليمية»، لاستيفائهم كافة المعايير والشروط المقررة من المفوضية.
ويعكس هذا الإنجاز التزام الأكاديمية المستمر بتحقيق أعلى معايير الجودة والتميز الأكاديمي في مجال الدراسات العليا المتعلقة بالتعليم، كما يعزز مكانة الأكاديمية كإحدى المؤسسات التعليمية الرائدة على المستوى الوطني، ويؤكد جودة رسالتها التعليمية ومخرجاتها المتميزة، ويعد دليلاً واضحاً على قدرة الأكاديمية على تلبية متطلبات سوق العمل، والتعامل مع التحديات الرئيسية التي تسهم في تطوير العملية التعليمية وتعزيز الكفاءات الوطنية.
وتعد هذه البرامج الثلاثة، أحدث برامج الأكاديمية المعتمدة على مستوى الدولة، بعد برنامجها الأول «دبلوم الدراسات العليا في التعليم»، الذي صمم أيضاً بالتعاون مع جامعة هلسنكي في فنلندا، ويهدف إلى تطوير مهارات التفكير العلمي والإبداعي لدى المعلمين أثناء عملية التدريس، وفي المناهج الدراسية، وفي جميع جوانب التدريس والتعلم المتعلقة بتحسين المدرسة.
ويستهدف برنامج «دبلوم الدراسات العليا في القيادة التربوية» المصمم بالتعاون مع معهد أونتاريو للدراسات التربوية بجامعة تورنتو الكندية، القادة التربويين الحاليين أو الذين يطمحون إلى الوصول لمناصب قيادية، بصفتهم مديري المدارس أو مساعدي المديرين، إضافة إلى أدوار القيادة العليا في إدارة المدارس أو الأنظمة التعليمية الحكومية.
يتميز برنامج «ماجستير التربية في القيادة التربوية» الذي صمم أيضاً بالتعاون مع معهد أونتاريو للدراسات التربوية بجامعة تورنتو الكندية، بدمجه للأبحاث المتطورة في مجال القيادة التربوية، وتمكينه قادة المدارس الثانوية والنظام التعليمي من تحفيز وإدارة وتقييم جهود التحسين التعليمي واسعة النطاق داخل مدارسهم أو أنظمتهم.
وصُمم برنامج «ماجستير التربية في القيادة التعليمية»، بالتعاون مع جامعة هلسنكي الفنلندية، والذي يعد امتداداً متخصصاً لعام واحد لبرنامج «دبلوم الدراسات العليا في التعليم». وصمم هذا البرنامج خصيصاً للمعلمين الذين يطمحون إلى تولي أدوار قيادية متوسطة أو تعزيز ممارساتهم التعليمية بصفتهم معلمين، حيث يدمج ما بين الأبحاث المتطورة في التعليم.