صحيفة الخليج:
2025-01-25@01:17:44 GMT

الأمن الغذائي.. ركيزة تحقيق الاستقرار

تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT

الشارقة: محمود محسن

للرخاء مفاهيم وأسس لا تدركها أمم عديدة، أما في حضرة صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فإننا نجد لها معجماً خاصاً حظي به أبناء الإمارة الباسمة، فرؤى وتطلعات سموّه ترسي الأمان، وبناء مجتمع مزدهر، وتستشرف المستقبل الغذائي لأبنائه، والبحث في كيفية تحقيق الاكتفاء الذاتي، إدراكاً بأن الأمن الغذائي إحدى الركائز الأساسية، لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.


أولى صاحب السموّ حاكم الشارقة اهتماماً استثنائياً بتطوير البنية التحتية الزراعية، وتعزيز الإنتاج المحلي من خلال مزارع مليحة للقمح والألبان والدواجن، إيماناً بأهمية تقليل الاعتماد على الواردات الخارجية، خاصة في ظل التحديات العالمية المتزايدة مثل التغير المناخي، والصراعات الجيوسياسية، والنمو السكاني المتسارع، إذ ترتكز رؤية سموّه على محاور استراتيجية تعزز من كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه والأراضي الزراعية إلى جانب اعتماد التقنيات الحديثة.
وفي إطار التطلعات المستقبلية يسعى سموّه إلى ترسيخ ثقافة الاستدامة الغذائية عبر تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية دعم المنتجات المحلية، وتفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير أنظمة غذائية متكاملة، وتحويل الشارقة إلى نموذج رائد في الاكتفاء الذاتي الغذائي على مستوى المنطقة، عبر الاستثمار في الأبحاث والابتكارات التقنية، وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية، في استجابة ممنهجة تستشرف المستقبل، لإمارة تتمتع بالاكتفاء الذاتي والازدهار المستدام. وستشهد إمارة الشارقة قريباً افتتاح 6 مشاريع، منها اكتمال مزرعة الألبان، ومزرعة طيور فلي، ومزرعة الوسطى للماشية، ومصنع العسل، والصوبات الزراعية، وكذلك حصاد القمح.
التوازن البيئي
بتوجيهات سامية من صاحب السموّ حاكم الشارقة، تبذل الإمارة جهوداً كبيرة لتعزيز الأمن الغذائي، والحفاظ على التوازن البيئي، عبر مشروعات متفردة، تعتمد الاقتصاد الدائري، وكتبت مليحة من خلالها تاريخاً جديداً يزيد من جمال كثبانها الذهبية عبر مزرعة القمح التي ترسم لوحة «سبع سنابل»، وتجسّد رؤية وحكمة سلطان الخير والعطاء. وتعد المزرعة كنز مليحة الذي باحت به، لتبدأ حقبة معاصرة من التاريخ، إذ بدأت المرحلة الأولى ب400 هكتار، وهو ما أنجز في الموسم الأول عام 2022 على أن يتم الانتهاء من المشروع بمراحله الثلاث في 2025 وبعد النجاح الكبير الذي حققه دقيق «سبع سنابل»، وجه صاحب السموّ حاكم الشارقة بدمج المرحلتين الثانية والثالثة في مرحلة واحدة، ليصبح إجمالي المساحة المزروعة 1428 هكتاراً، وتبلغ المساحة الإجمالية للمزرعة 1900 هكتار لإنتاج قمح عضوي مستدام.
وحصلت مزرعة القمح بمليحة على علامة الجاهزية للمستقبل التي تمنح للمؤسسات الاتحادية والمحلية التي تصمم وتطبق مشاريع استثنائية، وذلك تقديراً للإنجازات التي تحققت في تعزيز قدرات الجاهزية للمستقبل في قطاع الأمن الغذائي.
المزرعة التجريبية
بدأت زراعة سلالات جديدة من القمح في المزرعة التجريبية بمليحة، حيث عمل الباحثون الزراعيون على تطوير عدد من سلالات القمح للوصول إلى «الشارقة 1»، الذي سيكون أرقى الأنواع في الموسم الأول ب34 سلالة، وتضاعفت زراعة السلالات بالموسم الثاني إلى 550 سلالة، ليصل عدد السلالات بالموسم الثالث إلى 1450 سلالة من القمح الطري والقاسي غير المعدلة وراثياً.
كما تطور برنامج تهجين القمح بمضاعفة عدد الآباء من 10 في الموسم الماضي إلى 45 بالموسم الثاني بعد تقييم 550 سلالة واختيار المتفوق منها، والمتأقلمة مع الظروف البيئية للشارقة في برنامج التهجين للقمح الطري، حيث تمت عليها الدراسات في مختبر التقنيات الحيوية الأول من نوعه في برنامج تهجين القمح بالإمارات، والمزود بجميع الأجهزة الذكية، لإجراء القياسات الفيزيولوجية والتحاليل الجزئية الوراثية للقمح.
السيلاج العضوي
بدأت زراعة الذرة في أول تجربة بموسم 2024 بمساحة تصل إلى 12.5 هكتار، بهدف إنتاج علف السيلاج العضوي من نبات الذرة، وتوفير الأعلاف العضوية لأبقار مزرعة مليحة للألبان، ما يضمن اكتمال حلقة الغذاء العضوي النظيف التي تُعدُّ جزءاً مهماً من رؤية صاحب السموّ حاكم الشارقة.
والسيلاج هو عليقة علفية خضراء تمر بعملية تخمير لمدة لا تقل عن شهرين، وخلال هذه الفترة يحدث هضم جزئي لبعض السكريات والمعادن المعقدة عن طريق بكتيريا التخمر اللاهوائي الناتجة من حمض اللاكتيك، ما يترتب عليه حصول الأبقار على علف سهل الهضم، وسريع الامتصاص.
كما يحتوي السيلاج على ألياف ذات قدرة عالية على التحلل في بطون الأبقار، لتنتج أحماضاً عضوية طيّارة، خصوصاً حمض الخليك الذي يحافظ على نسبة الدهن في الحليب، وتكون عملية الحصاد للذرة السيلاج عند عمر 85 يوماً، وذلك عند اكتمال وصول حبوب الذرة إلى الطور اللبني الشمعي الذي يُعدُّ أكثر الأطوار في عمر النبات احتواء على البروتين، وبلغ إنتاج السيلاج 504 أطنان وكان الإنتاج المتوقع للتجربة الأولى بين 300 و350 طناً.
مزرعة الألبان
تنفيذاً لتوجيهات صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، برفع قطيع النواة لأبقار مزرعة مليحة للألبان إلى 8000 بنهاية 2025، تلبية للطلب المتزايد على الحليب العضوي الطازج الذي يحتفظ بكامل مكوناته الطبيعية، وصلت الدفعة الثانية من الأبقار الخاصة بالمزرعة في نوفمبر 2024 وعددها 1300 بقرة تحمل جينات «A2A2» ذات السلالة الأصيلة، ليصبح العدد الإجمالي للأبقار في المزرعة حالياً 2500 رأس. وستصل الدفعة الثالثة المقدرة ب1500 بقرة خلال فبراير 2025 ليصل عدد قطيع المزرعة خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى نحو 20 ألف رأس، تعزيزاً لمنظومة الشارقة للأمن الغذائي المستدام التي تبناها سموّه للحفاظ على الصحة العامة، ويبلغ إنتاج مزرعة مليحة للألبان من الحليب الطازج 37 ألف لتر يومياً حالياً.
وتضم المزرعة في مرحلتها الأولى مصنع الألبان الذي تبلغ طاقته الإنتاجية اليومية 80 طناً بعد افتتاحه في 2025، بينما تبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمصنع 200 طن يومياً، كما تضم محلبين رئيسين ومركزاً لتصنيع خلطات الأعلاف، ومحطة لتنقية المياه وأخرى لمعالجة مخلفات الأبقار، ومختبرين، أحدهما خاص بالمزرعة وآخر لمصنع الألبان، إضافة لمصنع لإنتاج السماد العضوي، كما خُصصت مساحة لزراعة الأعلاف العضوية، إلى جانب عدد من المباني الإدارية، ويتم تنفيذ المشروع على أربع مراحل.
طيور «فلي»
تقدم الشارقة نموذجاً مختلفاً لمزارع تربية الدواجن عبر مشروع مزرعة طيور «فلي» اللاحم العضوي الذي جاء انطلاقاً من حرص وتوجيهات صاحب السموّ حاكم الشارقة، على توسيع استراتيجية الشارقة الغذائية، وذلك بالاعتماد على التربية الحرة، والذي سيشمل بيوتاً لإنتاج ما يقدر ب12000 ألف طير طازجة يومياً على مدار العام، ويقوم المشروع على تربية سلالات خاصة من الطير اللاحم البطيء النمو، والذي يتميّز بتحمل الظروف البيئية والتغيّرات المناخية.

الانتشار بالمنافذ
أطلقت مؤسسة الشارقة للإنتاج الزراعي والحيواني «اكتفاء»، منتجات مزرعة مليحة للألبان في 28 فرعاً، والمتجر الإلكتروني بتعاونية الشارقة، لتقدم الحليب العضوي الطازج، ويُعدّ إطلاق منتجات الألبان العضوية التي تحتوي على بروتين A2A2، نجاحاً كبيراً لمنظومة الشارقة الفريدة في إنتاج غذاء عضوي مستدام، محققة الرؤية الاستثنائية لصاحب السموّ حاكم الشارقة. واستمراراً لجهود «اكتفاء» في طرح منتجاتها العضوية في ربوع الدولة، وفرت المؤسسة حليب مليحة العضوي من إنتاج مزرعة مليحة للألبان، في «لولو هايبر» ماركت بأبوظبي والعين، ضمن سياستها الرامية لتوفير منتجاتها العضوية بمختلف منافذ البيع في دولة الإمارات، تلبية للطلب المتزايد عليها، ولتأمين احتياجات السوق المحلي من المنتجات العضوية وفق استراتيجيها، وفتح منافذ بيع جديدة في مختلف إمارات الدولة، للإسهام في تنمية المشروعات التي تعزز الأمن الغذائي، وتحقق الاكتفاء الذاتي، وتسهم في الحفاظ على صحة المجتمع.
مصنع لإنتاج العسل
اعتمد صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، البدء في إنشاء مصنع ومختبر عالمي متخصص لإنتاج العسل ومشتقاته، إذ أعلن المهندس الدكتور خليفة الطنيجي، رئيس دائرة الزراعة والثروة الحيوانية في الشارقة، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشارقة للإنتاج الغذائي والحيواني، أن المشروع يُعد إحدى أبرز المبادرات التي تستهدف تعزيز قطاع الزراعة والإنتاج الغذائي والدوائي بالإمارة، خاصة أن المصنع سيكون مؤهلاً لإنتاج صناعات دوائية وغذائية متعلقة بالعسل، وفقاً لأعلى المعايير والاشتراطات العالمية المعتمدة، كما سيضم خطوط إنتاج متخصصة للمواد الغذائية والتجميلية المستخلصة من مشتقات النحل، مع تخصيص قسم لتطوير الأبحاث والتدريب، ما يجعله أول مركز من نوعه في هذا المجال بالإمارة. ومن المتوقع أن يكون المشروع جاهزاً بحلول شهر أكتوبر المقبل، وأن يسهم بشكل كبير في تحقيق التنمية المستدامة، حيث يستهدف في مرحلته الأولى إنتاج نحو 120 طناً سنوياً من العسل ومشتقاته، لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة في تعزيز الأمن الغذائي والدوائي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات المرتبطة بمشتقات النحل.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة الشارقة الإمارات مزرعة ملیحة للألبان الاکتفاء الذاتی الأمن الغذائی حاکم الشارقة

إقرأ أيضاً:

المسرح.. عشق سلطان الأول وحلمه لغد أفضل

الشارقة: عثمان حسن
يقول بريت بيلي الكاتب والمخرج الجنوب إفريقي: «أينما كان هناك مُجتمعٌ إنساني... تتجلى روح المسرح التي لا يمكن كبتها». هي إذاً، روح المسرح وعظمته، ما يجعل الحياة أسلس، وأنقى وأجمل، وما يجعلها أنبل، وأكثر سعة للتفاعل الإنساني الخلاق والمثمر، هو المسرح من يعيد الإنسان إلى جذوره، من يخاطبه بلغة الوجدان والشعر والفكر، هو سيد الآداب والفنون، من يكتب التاريخ، ويربط بين الأزمان جميعاً، شاغل الدنيا، سيد المبتدأ والخبر، الباحث عن صدفة الحكمة ليرشد التائهين إلى بوصلة الحب والأمل والبهجة.
هو المسرح عشق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هو هاجسه الأول، ومرشده إلى الكتابة، والثقافة، والإيمان بقوة الإنسان، وحلمه المشروع لغد أفضل، حيث وعى صاحب السمو حاكم الشارقة منذ بدايات تعلقه بالثقافة أهمية هذا الفن الخلاق، الذي يوفر شكلاً فريداً من أشكال المتعة والفكر، ولأنه أي «أبو الفنون» يحقق شروط التوازن الإنساني، ويستحضر تلك المشاعر القوية التي تربط بين شخصيات العمل والقصة، أو (الحدوتة) لخلق تجربة استثنائية في جانبها الثقافي والحضاري، انطلاقاً من ذواتنا، وقضايانا، وأحلامنا الكبيرة التي تستحق منا كل ما له علاقة بالتحفيز والتفكير في ما يجري من حولنا من صراعات وتحديات.
استشراف
وانطلاقاً من فهم صاحب السمو حاكم الشارقة لأهمية التاريخ، ودوره في بناء الهوية الوطنية والثقافية لدى الأفراد والمجتمع، فأمة بلا تاريخ، لا قيمة ولا وزن لها بين الأمم، كانت كتابات سموه المسرحية، مهمومة، بل مشغولة بالجانب التاريخي، وكان أول أعماله بعنوان «عودة هولاكو» في العام 1998، وعرض في حينه من خلال مسرح الشارقة الوطني في العام 1999، وكان لافتاً كما كتب عن هذه المسرحية تلك المقدمة التي خطها سموه ويقول فيها: «من قراءتي لتاريخ الأمة العربية وجدت أن ما جرى للدولة العباسية قبل سقوطها مشابه لما يجري الآن على الساحة العربية...».. وكلنا يعرف ما لهذا الاسم «هولاكو» من رمزية يمكن إسقاطها على التاريخ المعاصر، وهكذا في مجمل الأعمال المسرحية لصاحب السمو حاكم الشارقة مثل: «القضية» «النمرود» و «طورغوت» و«شمشون الجبار» و«الإسكندر المقدوني» و«الحجر الأسود» وغيرها الكثير، الذي أراد سموه من خلالها أن تشكل وسيلة لتحريك الواقع، وإضاءة الراهن، واستشراف المستقبل، وإعادة قراءة التاريخ والإفادة مما فيه من دروس وعبر.
تتوالى الأعمال المسرحية لسموه، فيكتب «الإسكندر الأكبر» بعد «عودة هولاكو»، و«القضية» في العام 2000 و«الواقع صورة طبق الأصل» في 2001، وجل هذه الأعمال تستند على أحداث تاريخية حقيقية، تخضع لمعالجة فنية عرفت بها كتابات سموه، وهي معالجة تشكل حلقة وصل بين تلك الأحداث التاريخية والواقع الذي نعيشه، فالإسكندر الأكبر على سبيل المثال تصور بأسلوب كتابي رصين لحظة سقوط وموت هذا الفاتح الأكبر الذي قيل إن الدنيا قد دانت له، وهو الذي حارب حتى وصل إلى تخوم الهند، فهزم فارس وحارب الروم. وظف سموه هذه الحادثة مستخدماً عدة إسقاطات على آسيا والمنطقة في الوقت الراهن، كما وظف التاريخ ليضيء على الحاضر والحياة المعاصرة التي نعيشها بما فيها من حروب وآلام وطموحات في عصر وصف بـ «عصر العولمة» وما جره من تحديات وتغيرات أثرت في كل شيء يجري من حولنا.
تفاصيل
ولكن، ماذا عن مسرحية «النمرود» لصاحب السمو حاكم الشارقة؟، هي أيضاً تستقرئ تفاصيل تلك الشخصية التي أمعنت في التجبر والظلم والطغيان، وهو حاكم بابل، وملك مملكة آشور، قتل النمرود الكثير من الأبرياء وصادر حقوقهم المادية والمعنوية، والمسرحية تهدف إلى تقديم رسالة واضحة، تدعو للتمعن في أسباب هذا الظلم بغية محاصرته والوقوف على أسبابه، ذلك أن هذه الحادثة رغم حصولها في التاريخ الغابر، فإن لها صوراً مشابهة في التاريخ العربي والعالمي المعاصر، واستدعاء سموه لهذه الحادثة فيه الكثير من التمعن واستخلاص الدروس بحثاً عن الأسباب والنتائج والمآلات التي أدت إلى مثل هذه الصور التي نشاهدها على الفضائيات اليوم.
وفي ذات السياق يمكن فهم مغزى كتابة سموه لـ «الصورة طبق الأصل» التي هي بمثابة عمل تاريخي من واقع الأمة الإسلامية بإسقاطات على الراهن اليوم، والمسرحية تنبذ اليأس وتدعو إلى بث روح الأمل والتفاؤل بالمستقبل، تماماً مثل «عودة هولاكو»، و«القضية» التي تعالج وبوضوح قضية العرب الأولى وهي قضية فلسطين من منظور التاريخ المعاصر.
ويستمر سموه في منهجه في قراءة التاريخ فيكتب في مقدمة مسرحية «طورغوت»: «في سنة 916 هجرية، تمكن الإسبان من اغتنام فرصة ضعف الأمير محمد بن حسين الأمير التاسع عشر من السلالة الحفصية، حكام تونس، وانشغاله بالملذات، من الاستيلاء على معظم مناطق شمال إفريقيا، دون مقاومة تذكر نظراً لعدم معرفة الأهالي باستخدام السلاح، فبقيت المناطق العربية بأيديهم لاثنين وأربعين عاماً، حبا الله تلك المناطق برجل من الأتراك العثمانيين، وهب حياته لخدمة الإسلام والمسلمين، استطاع بشجاعته أن يخلص تلك المناطق من أيدي الإسبان، كان يدعى «طورغوت» إليكم قصة كفاحه».
مذاق آخر
وللوقوف على جانب آخر من مسرح سموه، جاءت «مجلس الحيرة» وهي مسرحية شعرية عرضت ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي، في يناير 2024، من إنتاج مسرح الشارقة الوطني وتمثيل عدد من نجوم المسرح الإماراتي والعرب وإخراج محمد العامري، جاء هذا العمل من خلال نص رصين، وممتع، يلعب فيه الشعر دوراً رئيسياً في توثيق الأحداث، وقد قدم نص المسرحية مقاربة مهمة لدور الشعر في إمارة الحيرة في العصر الجاهلي، بوصف هذه الإمارة كانت من أقوى الحواضر، وأكثرها استقراراً وأطولها عمراً، وأيضاً الأبلغ تأثيراً في عرب ما قبل الإسلام سواء في المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو العمراني، وكان من نتائج ذلك قيام نهضة أدبية كان لعرب الحيرة وأمرائها أبلغ الأثر فيها.
وفي ذات السياق، يمكن دراسة عدد من الأعمال التي قدمها سموه لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي على سبيل المثال: «علياء وعاصم» ففي دراسة للناقدة لطيفة عبد الله الحمادي لهذه المسرحية في العام 2020، تعتبر لطيفة الحمادي هذا العمل واحداً من أشهر أعمال سموه في ميدان المسرحية الشعرية، وتناولت الدراسة أبرز العناصر الدرامية في النص، ورصدت الجوانب الجمالية والموضوعية فيه، وتوصلت إلى أن البناء الدرامي في «علياء وعاصم» يمتاز بملامح وخصائص تعود إلى الأصول اليونانية لفن المسرحية، وأن الدراما في المسرحية لا تنفصل عن الشعر، فقد أوجد سموه تزاوجاً مشروعاً بين لغة الشعر والدراما، وكانت لغته غنية بالدلالات ما أدى إلى دفع الأحداث وإقامة الصدامات في المواقف الدرامية، ونتج عن ذلك إغناء الحركة، وتماسك البناء الدرامي في النص.
وهناك «داعش والغبراء» والتي يقارب سموه من خلالها ما حدث في جسد الأمة العربية والإسلامية اليوم، وتجري أحداث المسرحية في منطقة القصيم، حيث قبيلة غطفان التي تتكون من عبس وذبيان، وذلك السباق المحموم بين الفرسين داحس والغبراء، الذي نتج عنه جحيم أصاب الأخضر واليابس في الصحراء العربية، في زمن سبق بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، بنحو 50 عاماً.
ومن بين المسرحيات الشعرية لسموه تأتي «الرداء المخضّب بالدماء» التي افتتحت الدورة الثامنة لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، وتركز على بطولة الشاعر العربي بشر بن عوانة الذي عاش في الجزيرة العربية وتوفي قبل سنوات قليلة من ظهور الإسلام، والمهر الذي دفعه للزواج بابنة عمه فاطمة، وتعكس جانباً من أحوال وتقاليد ومبادئ مجتمعه، وتقدم المسرحية فرقة مسرح الشارقة الوطني، والمسرحية في نوعها تعد العمل المسرحي الثالث الذي يقدمه صاحب السمو حاكم الشارقة للمسرح الصحراوي لدفع وإثراء مسيرة هذا المهرجان، بعد «علياء وعصام» في الدورة الأولى من المهرجان في (2015)، ثم «داعش والغبراء» في دورته الثانية 2016، واستقطبت هذه الأعمال أعداداً غفيرة إلى ساحة المهرجان، كما حققت أصداء واسعة، ورسخت مكانة المهرجان الصحراوي عند الجماهير والنخب الثقافية والمسرحية من مختلف أنحاء الوطن العربي.
الدقة والموسوعية
في كل ما سبق، يتضح أن صاحب السمو حاكم الشارقة، يبذل جهداً موسوعياً في دقة البحث التاريخي، وهذا شأنه في كل الكتابات الأدبية وخاصة التاريخية التي توثق لمحطات فاصلة في التاريخ العربي والإسلامي، وهذا الحرص مقرون بإيمان سموه بقوة المسرح كفعل تثقيفي وحضاري، وأن لـ «أبو الفنون» دوراً مؤكداً في التوعية، وبناء عليه، فإن كل التجارب المسرحية التي تناولها سموه قد اختارها بعناية، في صلتها بهذا التاريخ العربي والإسلامي، في تقاطعاته ومحطاته الفاصلة، على سبيل المثال سقوط بغداد على أيدي المغول، وسقوط بيت المقدس في أيدي الصليبيين وأيضاً سقوط غرناطة وإنهاء دولة الإسلام على أيدي الإسبان، وكل تلك الأحداث تمت صياغتها بقلم سموه من خلال قراءة واعية وموسوعية، وهذا شأنه في كل ما يكتب، حيث يحرص دائماً على الإلمام بالتفاصيل والمحطات التي لم ينتبه لها كثير من المفكرين العرب في صلتها بالمادة التاريخية، خاصة إذا كانت على تماس مع محطات فاصلة ومحورية مر بها العرب والمسلمون عبر التاريخ، وبالتالي فليس غريباً على أعمال سموه أن تجوب العالم بما تمتع به من فرادة في كتابة مثل هذه النصوص المسرحية الرفيعة بما فيها من بعد جمالي وموضوعي، فقد ترجمت مسرحيات صاحب السمو حاكم الشارقة إلى نحو 22 لغة عالمية؛ بعد أن تزايدت طلبات الجامعات ومراكز البحث الأكاديمية عليها، كما شهدت بعض العواصم العربية والعالمية عروضاً على خشبات مسارحها الكبرى في السويد، ومدريد، ورومانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وموسكو، وهي ذات المسارح التي عرضت لكبار كتّاب العالم المعروفين، ممن أسهموا في تشكيل الذائقة الثقافية لجمهور المسرح قاطبة.
جدل خلاّق
لم يكن لأعمال صاحب السموّ حاكم الشارقة المسرحية، أن تحظى بهذه الجماهيرية، لولا قيمتها الفنية والإنسانية العالية، فسموه يؤمن بالمسرح إيماناً منقطع النظير، وقد دلت على ذلك الكثير من أقواله وكتاباته في العديد من المناسبات المسرحية العربية والعالمية، وكلنا يتذكر تلك الجملة الشهيرة لسموه، والدالة في مقاصدها ومراميها: نحن كبشر زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة».

مقالات مشابهة

  • الدهون الصحية من بين الأطعمة التي تعزز عملية التمثيل الغذائي
  • تسديد المديونيات.. جبر خواطر المعسرين
  • المسرح.. عشق سلطان الأول وحلمه لغد أفضل
  • خورفكان.. كنز سياحي يروي عظمة المنجز
  • دبا الحصن.. مدينة على ركب التحضر والسياحة
  • مليحة.. تطور وازدهار وإنجازات تنموية كبرى
  • يد الزمالك يفوز على مليحة الإماراتي في بطولة الشارقة الدولية
  • بطولة الشارقة الدولية.. يد الزمالك تنتصر على مليحة الإماراتي
  • الزمالك يفوز على مليحة الإماراتي في بطولة الشارقة الدولية لكرة اليد