د. يسرى عبد الله يكتب: «الكتاب».. الحقيقة والاحتفاء
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق معرض القاهرة الدولى للكتاب إحدى الأدوات الفاعلة للتعبير عن القوة الناعمة المصرية
يظل الكتاب الورقى وثيقة خالدة، ويحمل بهجة خاصة لدى الكتاب والمؤلفين، وهذا لا ينفى الحراك الحيوى الذى صنعه الكتاب الإلكتروني، القادر على الوصول إلى قطاعات أوسع من المتلقين، من جهة، والذى يمكن أن يعضد من صناعة النشر من جهة ثانية، وبما يتطلب مدونة من التشريعات المحددة، التى تحفظ حقوق الجميع.
وتكمن أهمية معرض القاهرة الدولى للكتاب فى كونه إحدى الأدوات الفاعلة للتعبير عن القوة الناعمة المصرية، ويحسب للدولة المصرية أنها وضعت كافة الإمكانات المادية والتقنية كى تظهر الثقافة فى وضعية أفضل فى (مركز مصر للمعارض الدولية).
إن وصول الثقافة إلى قطاعات متعددة من المتلقين مسألة حيوية، وهذا ما يوجب علينا جميعًا عملًا مستمرًا من أجل تعزيز معنى الثقافة فى الفضاء الاجتماعي، والاهتمام بمكونات صناعة العقل العام.
إن المثقف الذى وصفه المفكر إدوارد سعيد بأنه أعلى تمثيلات الحقيقة، يجد فى المعرض نقطة التماس مع الجمهور العام الذى لا تجده فى الندوات النوعية التى يرتادها جمهور متخصص فى الغالب، هنا تجد انفتاحًا على قطاعات أوسع من الجمهور، وبما يعنى ضرورة تعزيز قيم التقدم والاستنارة والانتماء، وتأكيد معنى الهوية المصرية ذات الجذور الحضارية المركبة.
ويشكل معرض القاهرة الدولى للكتاب جزءًا من الذاكرة الجمعية للنخب، والجماهير على حد سواء، وربما أستعيد وقائع الفعاليات الأولى التى شاركت فيها منذ أكثر من عشرين عامًا، وكنت لم أزل معيدًا فى الجامعة، غير أننى أجد نفسى أعود إلى الوراء قليلًا، واسترجع كتبًا ومؤلفات مركزية اقتنيتها قبل ذلك، ومن أهمها وأقربها إلى نفسى كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» للدكتور طه حسين الذى يُعد ملهمًا بالنسبة لي، ويكتسى هذا الكتاب بأهمية موضوعية لم تجعله يفقد بريقه على الرغم من مرور عشرات السنين على تأليفه، وقد جاء فى ظل سياقات سياسية وثقافية مركبة، فعقب معاهدة ١٩٣٦ بين مصر وبريطانيا، جاء كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر»، مشيرًا إلى الجذر الحضارى للأمة المصرية، بانتمائها إلى الحضارة المصرية القديمة التى خرجت من عباءتها، ونبه إلى الانتماء المصرى لثقافة البحر المتوسط، ومن ثم فالصلة بين مصر وأوروبا وثيقة للغاية، ولذا كان البناء الجديد الذى يأتى عقب الاستقلال النسبى لمصر عن بريطانيا يجب أن ينهض من وجهة نظره على قيم الحداثة لإمكانية اللحاق بالعالم المتقدم. كان طه حسين أيضًا مفكرًا إجرائيًا، لا يمنح لقرائه تصورات نظرية محضة فحسب، ومن ثم نبه إلى إشكاليات التعليم الديني، وحذر من ازدواجية التعليم لدينا ما بين مدنى وديني، وربما تكمن الأهمية الحقيقية لكتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» فى كونه تأسيسًا لفلسفة تقدمية تحوى أفكارًا مؤسسة عن التعليم وإمكانية تطويره وعصرنته.
وفى الحقيقة، فإن كتب طه حسين جميعها تُعد ملهمة لي، ولغيرى من النقاد، والمفكرين، فحين تقرأ بتمعن المشروع الفكرى والإبداعى لطه حسين، تشعر وكأنه كان معنيًا بالتأثير الفعلى فى حياة أمته، فنصوصه الإبداعية بدت تأسيسًا ملهمًا للسرد فى بواكير علاقة العرب بالرواية الحديثة، ونصوصه المكتملة مثل «دعاء الكروان»، و«الحب الضائع» تمثل نقلة نوعية فى مسار السردية العربية، وأعماله النقدية، وفى المتن منها «حديث الأربعاء»، و«من أدبنا المعاصر» بدت زوايا نظر عميقة للنص العربى قديمه وحديثه، وأحيانًا تأسيسًا مبكرًا للغاية لطروحات فى نقد النقد، أو درسًا تطبيقيًا رفيعًا فى الأدب المقارن من زاوية التأثير والتأثر بين نصين ينتميان لثقافتين وأدبين مختلفين. وفى مناخات العتامة والتطرف الدينى تصبح استعادة طه حسين واجبة، ويصبح استكمال ما بدأه أمرًا لا غنى عنه فى استئناف مشروع التحديث المصرى والعربى من جهة، وتكريس فكرة الدفاع عن العقلانية بوصفها جوهر التنوير من جهة ثانية.
ومن بين الكتب الملهمة بالنسبة لى أيضًا كتاب إدوارد سعيد «العالم والنص والناقد»، حيث يمثل نظرة وسيعة ومعمقة للفكر النقدى، وللنظرية الأدبية المعاصرة.
ولا يمكن ذكر إدوارد سعيد من دون الإشارة إلى مؤلفه المهم «صور المثقف»، وقد بدا إدوارد سعيد مشغولًا دائمًا بمعنى المثقف، وتعبيره عن محيطه الاجتماعى، والمثقف لديه يجب أن يكون أعلى تمثيلات الحقيقة، وهو أيضا عينة ممثلة لجمهوره، فلا يجب أن يخذلهم.
وربما يعد الكتاب مركزًا للمعرض، إنه الحقيقة، والاحتفاء معًا، وصاحب التأثير الفاعل الخلاق. وفى الآونة الأخيرة التى سبقت معرض القاهرة الدولى للكتاب انتهيت من قراءة المجموعة القصصية «حفيف صندل» للدكتور أحمد الخميسي، وهى مجموعة قصصية لافتة، تعزز من تنويعات القصة وتحولاتها فى اللحظة الراهنة، مع الوعى النافذ بخصوصية هذا الفن، وقدرته على الوجود فى صيغ سردية متعددة على مستوى المتن القصصى من جهة، وعلى مستوى التكنيكات المستخدمة من جهة ثانية. إنها إضافة نوعية وجمالية لفن القصة القصيرة.
ومن اللافت أيضًا استعادة القصة القصيرة لعافيتها فى السنوات القليلة الماضية، وقد تجلى ذلك فى عشرات الإصدارات الإبداعية التى سيكون للمعرض فى ٢٠٢٥ حظ وافر منها.
وبعد.. معرض الكتاب عيد حقيقى للكتاب، وانحياز للتفاعل الخلاق والممتد بين الثقافة وجمهورها العام.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: معرض القاهرة الدولي للكتاب الدكتور يسري عبد الله معرض القاهرة الدولى للکتاب إدوارد سعید الثقافة فى طه حسین من جهة
إقرأ أيضاً:
وزير الثقافة: الدراما المصرية قادرة على تقديم محتوى درامي يجمع بين الأصالة والحداثة يعبر عن هوية متجذرة لبلد عريق
تفعيلًا لرؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لأهمية تطوير الدراما لخدمة متطلباتنا التنموية وترسيخ هويتنا الوطنية، وتفعيل دور الدراما كأداة محورية في تشكيل وجدان المواطن وتعزيز الانتماء الوطني في ظل التحديات الفكرية والاجتماعية الراهنة، ترأس الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، الاجتماع الأول للجنة دراسة التأثيرات الاجتماعية للدراما المصرية والإعلام المشكلة بقرار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وذلك لمناقشة التأثيرات الاجتماعية للدراما والإعلام على المجتمع المصري، ووضع آليات لتطوير المحتوى الدرامي المصري.
وأكد وزير الثقافة، في كلمته خلال الاجتماع، أن غاية كل فن، في جوهره، هي أن يترك أثرًا من الجمال في النفس، وأن يسمو بالوجدان والعقل نحو إدراك أعمق لمعنى الإنسان والحياة، مشيرًا إلى أن الدراما تبقى هي الفن الجامع، الذي تتجلى فيه جماليات التشكيل، والموسيقى، والمعمار، واللغة، والشعر، وسحر الحوار، في بناء سردي يعكس المجتمع ويعيد تشكيله.
وأوضح أن كل دراما حقيقية ومؤثرة تحمل في عمقها تأثيرات من الفنون المصرية الخالدة، من لوحات محمود سعيد وسيف وانلي، إلى موسيقى بليغ حمدي وسيد درويش، وشاعرية صلاح عبد الصبور وأمل دنقل، وصوت أم كلثوم، وطابع المعمار المصري الفريد، مضيفًا أن الدراما المصرية خرجت من قلب “الحارة” التي كتب عنها نجيب محفوظ، وتجسدت في أعمال صنع الله إبراهيم، وفتحية العسال وبهاء طاهر، وجمال الغيطاني، ووحيد حامد، وأسامة أنور عكاشة، وغيرهم من الكُتاب الكبار الذين شكّلوا وجدان هذا الشعب وسريانه
وأضاف أن الدراما المصرية تسير بخطى واثقة منذ ما يقرب من 110 أعوام من السينما، وأكثر من 65 عامًا من الدراما التليفزيونية، تطورت فيها الرؤية الجمالية، وصقلت الأدوات، وتنوعت التجارب، لتخلق حكايات ملهمة تعبر عن هوية مصر العميقة، وتصبح مرآة حقيقية لملامح الشخصية المصرية.
تصريحات وزير الثقافة
وأكد وزير الثقافة أن الدراما المصرية قادرة على تقديم محتوى درامي يجمع بين الأصالة والحداثة، يعبر عن هوية متجذرة لبلد عريق، مشيرًا إلى أن صناعة الدراما تستلهم الجمال وفق قواعده المعرفية، وتُنسج بمواهب صناعها في الكتابة، والإخراج، والتصوير، والمونتاج، والديكور، وهندسة الصوت، والإنتاج، لتقدم شكلًا جماليًا يرتقي بذوق المشاهد ويصونه
وشدد الوزير على أن اجتماع اللجنة ليس لوصاية على الفن، بل لاستعادة بريقه وبهائه، مؤكدًا أن قرار رئيس مجلس الوزراء بتشكيل اللجنة العليا للدراما خطوة ضرورية ومدروسة، تهدف إلى دراسة التأثيرات الاجتماعية والنفسية للدراما والإعلام المصري، واقتراح سبل معالجتها وتفادي سلبياتها، ووضع مسار متكامل لإصلاح المزاج العام، وبناء الشخصية المصرية في ضوء وعي ثقافي وفني وإنساني.
وأشار إلى التزام الدولة بحرية الفكر والتعبير، كركيزة لأي نهضة فنية حقيقية، تضع على عاتق الفنان والمثقف واجبًا تجاه مجتمعه، وتحفزه لصون الهوية ومواكبة الواقع وتقديم فن يعزز القيم الجمالية.
واختتم الوزير كلمته بالتأكيد على أن صناع الجمال من رواد الدراما المصرية قدموا أعمالًا شكلت ذاكرة الأجيال، ولا تزال عليهم مسؤولية تقديم المزيد من الأعمال الملهمة لأجيال قادمة،وقال "نحن لا نعيد إحياء الدراما، بل نقدم الدعم والرؤية، لتظل سفير مصر الثقافي، وعينًا صادقة ترى الواقع وتكتبه بالفن والجمال ".
وشهد الاجتماع مناقشة عدد من المحاور الرئيسية المتعلقة بتطوير المحتوى الدرامي، ودراسة مدى تأثيره على المجتمع، واقتراح آليات التعاون بين الجهات المختصة، كما شارك فيه عدد من الشخصيات العامة وممثلي المؤسسات الإعلامية والثقافية، وهم: المهندس خالد عبدالعزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الكاتب والإعلامي أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عماد ربيع، رئيس قطاع الإنتاج الدرامي بالشركة المتحدة، علا الشافعي، رئيس لجنة المحتوى الدرامي بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، الدكتورة هالة رمضان، مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، سارة عزيز حكيم، خبيرة اجتماعية ونفسية ومدير مؤسسة Safe، الدكتور حسن عماد مكاوي، رئيس لجنة الدراسات الإعلامية بالمجلس الأعلى للجامعات وعميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق، والدكتورة جيهان يسري أبو العلا، عضو اللجنة التخطيطية للجنة قطاع الدراسات الإعلامية وعميدة كلية الإعلام السابقة، المخرج خالد جلال، رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، المخرج عمر عبدالعزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية، الكاتب والسيناريست عبدالرحيم كمال، الكاتبة مريم نعوم، المنتج جمال العدل، والمخرج شريف عرفة.