نظَّمت دار الإفتاء المصرية، اليومَ الجمعة، أُولى ندواتها بمعرض الكتاب بعنوان: "الفتوى والمشكلات الاجتماعية"، وذلك بجناحها المخصص داخل المعرض، وقد ترأسها الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، رئيسُ الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم.


شهدت الندوة حضورًا مكثَّفًا من روَّاد المعرض، ومشاركةَ نخبةٍ من الخبراء والمتخصصين في المجالات الدينية والاجتماعية، على رأسهم الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، والدكتورة هالة رمضان، رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.


وتطرَّقت الندوة إلى مناقشة التحديات التي تواجه المجتمع المصري، مع التركيز على أبرز المشكلات الاجتماعية المتشابكة، مثل: العنف الأسري، والجرائم البارزة، والطلاق السريع، والعزلة الاجتماعية.


وفي مستهلِّ الندوة تحدَّث الدكتور محمود عبد الرحمن -مقدِّم الندوة- عن جناح دار الإفتاء المصرية، مؤكدًا أنه يمثل منصة حوارية لترسيخ القيم الإسلامية السمحة وتجديد الخطاب الديني، كما أشاد بموضوع الندوة موضحًا أن عنوانها يتشابه مع خطوط الحياة، حيث تصبح المشكلات الاجتماعية أشبه بأمواج عاتية، ومن ثَم فهي بحاجة ماسَّة إلى دور الفتوى النبيل لتحثَّ على التفاعُل الحي بين الشريعة والواقع.


من جهته رحَّب الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيسُ الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- بالحضور الكريم، مؤكدًا أنَّ اختيار موضوع هذه الندوة جاء مقصودًا؛ لأنَّ هذا الموضوع لا يقتصر على الدَّور المنوط بمؤسسة دون أخرى، إنما تتنوع الأدوار بين المؤسسات الأكاديمية والدعوية والتعليمية والدينية، ومن ثَمَّ جاء اختيار الأزهر الشريف ممثَّلًا في فضيلة الأستاذ الدكتور/ سلامة داود -رئيس جامعة الأزهر- والمركز القومي للبحوث ممثَّلًا في الدكتورة/ هالة رمضان، ثم دار الإفتاء ممثَّلةً في فضيلته.


وتطرَّق فضيلة المفتي إلى الحديث عن فلسفة الشريعة الإسلامية في تنظيم العلاقات الاجتماعية، مشيرًا إلى المشكلات الأسرية وقضية الزواج، كما أكد أن نظرة الإسلام للأسرة تنطلق من نظرة مكسوَّة بالاحترام والتقدير، حيث نظر الإسلام للأسرة على أنها اللبنة الأولى من لبنات المجتمع، ومن ثَم عندما شرع الزواج لم يتوقف إلا مع نوع واحد وهو الزواج الشرعي الموثق الذي تتحقَّق من خلاله الاستدامة والاستمرارية والمحافظة على النوع الإنساني، ولم يوافق على الأنكحة الآثمة، مثل: زواج المتعة والمساكنة أو الزواج لفترة معيَّنة، وكل ذلك يؤكِّد أن فلسفة الإسلام انطلقت من النواة الأولى وهي المجتمع، التي تتحقق من خلال "رجل وامرأة" من خلال علاقة شرعية، ومن ثَم لا وجود لهذه الدعوات الإباحية التي لا يُراد منها إلا العمل على القضاء على الكتلة الصلبة في المجتمع وهي الأسرة.


ولفت المفتي النظرَ إلى الشِّق الثاني من فلسفة الإسلام لهذه اللَّبِنة، مؤكدًا أن النظرة الثانية للإسلام هي النظرة التي تُصان فيها الكرامة الإنسانية لكلا الطرفين، ومن ثَم فالإسلام ينظر لعلاقة الزوجية على أنها علاقة مُراد منها التعاون والتكامل والتشييد، موضحًا أن هذا العمران الاجتماعي لا يتأتَّى بمعاملة طرف للآخر معاملةَ النِّدِّ للنِّد، ولكنها علاقة لا بد أن يتوافر فيها مبدأ الشورى، والطبيعة التكوينية لكل نوع، وكذلك الإقرار بالفضل والالتماس للعذر، ومن ثَم نقف على فلسفة مكسوَّة بالرحمة والتقدير لكلا النوعين.


كما تحدث عن الشِّق الثالث من فلسفة الإسلام في تنظيم العلاقات الاجتماعية مؤكدًا أنه يتمثل في التقدير للعلاقة الزوجية، ويكفي أنها وُصفت بالميثاق الغليظ.


وتابع المفتي حديثه مشيرًا إلى أهم المشكلات التي رصدتها دار الإفتاء المصرية في هذا الشأن، حيث أكد أننا أمام أزمة أخلاقية أفرزت لنا سيولة أخلاقية، وكان من أهم نتائجها مشكلات اجتماعية عدة، موضحًا أن دار الإفتاء لديها منافذ عدَّة للفتوى ما بين هاتفية ومكتوبة وشفوية وغير ذلك، مشيرًا إلى أن هذه النوافذ عندما تلقي النظر إلى أيٍّ منها تجد أن هناك نوعًا من التقاطع بين الآباء والأبناء، وأن هناك نوعًا من غياب لغة التواصل بين أفراد الأسرة، والتنصل من الحقوق، مما أفرز جملةً من المشكلات، من بينها: عقوق الوالدين الذي قد يصل أحيانًا إلى حد القتل والضرب والاعتداء الجنسي، وهذا ينبِّهنا إلى أننا أمام  ظاهرة خطيرة؛ الأمر الذي يدفعنا لضرورة الوقوف على هذه المشكلات والتنبه لها.


وأشار المفتي إلى أن مردَّ هذه الظواهر الخطيرة يرجع إلى أزمة العصر المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تشهد جملةً من المنكرات، موضحًا أن دار الإفتاء المصرية تتوقف كثيرًا أمام الجريمة الإلكترونية، والمقامرة الإلكترونية، والجنس الإلكتروني، مؤكدًا أننا لسنا على خلاف مع هذه الوسائل الحديثة، ولكن الإشكالية تتمثل في سوء التعامل مع هذه الوسائل، مؤكدًا أننا قد وقعنا في الفخ الذي أُعد لنا على خلاف دول أخرى، فأصبحت هذه الوسائل واحدةً من أهم المشكلات التي إن لم نتعاون جميعًا لمواجهتها لكان هلاك البلاد والعباد.
وفي إطارٍ ذي شأن قال فضيلة المفتي: إننا في دار الإفتاء المصرية نحرص على التكامُل بين المؤسسات الدينية وسائر المؤسسات المَعنيَّة، ولدينا مركز متخصص في الإرشاد الزواجي مَعنيٌّ بالمشكلات الأسرية.
من جهته تقدَّم فضيلة أ. د. سلامة داود- رئيس جامعة الأزهر- بخالص الشكر لفضيلة المفتي أ. د/ نظير محمد عيَّاد وصحبته الكريمة، وللدكتورة هالة رمضان، مشيدًا بجهودهم وإسهاماتهم المميزة، وأعرب عن تقديره لتحول معرض الكتاب إلى منصة لإقامة مثل هذه الندوات الثرية التي تناقش قضايا مجتمعية هامة.
وأشار د. سلامة إلى أنَّ الإسلام تناول المشكلات الأسرية بأسلوب شامل، حيث وضع القرآن الكريم قواعد عامة وكليات تُركت تفاصيلها للاستنباط والاجتهاد من قِبل أهل العلم وعلماء كل عصر، وأبرز د. سلامة أنَّ من أخطر المشكلات التي تهدِّد استقرار الأسرة اليوم هي مشكلة الطلاق، التي تتزايد معدلاتها بشكل ملحوظ، وقد قدَّم الإسلام الحلَّ لهذه المشكلة من خلال جعل أساس العلاقة الزوجية المودَّة والرحمة، داعيًا الطرفين إلى التنازل عن بعض العوائق لضمان استمرار هذا الأساس. وذكر في هذا السياق أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خير قدوة في تعامله مع أهل بيته.
واستشهد بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20]، مشيرًا إلى أن الله عزَّ وجلَّ ذكر بعدها الزواج كمصدر للمودة والرحمة، وجعل من الزواج سكنًا للنفس، تمامًا كما يتحرك الإنسان بحثًا عن الراحة حتى يجد السكن. كما لفت النظر إلى أن وسط آيات الطلاق جاء قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، مما يدل على أهمية الصلاة كوسيلة لحل المشكلات وتجنُّب الغضب والتقاطع الاجتماعي.
وأكد أن الإسلام شدَّد على صِلة الرحم كوسيلة لجمع شمل الأسر وتقوية روابطها، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: « الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ». وبيَّن أن الأُسَر تستمد قوتها من الترابط، وإلا فإنها ستواجه الضعف الذي شبَّهه الله ببيت العنكبوت.
كما تناول أهمية دَور الجامعات في توعية الشباب الجامعي، مشيرًا إلى أن الجامعات ليست مجرد مؤسسات تعليمية، بل هي حواضن للتربية والثقافة والتهذيب. وأشاد بدَور جامعة الأزهر الشريف التي تجمع بين التنشئة الدينية والقرآنية في جميع كلياتها، سواء الشرعية أو العملية، مع وجود تواصل مستمر بين الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية من خلال الدورات والندوات التثقيفية.
واختتم رئيس جامعة الأزهر كلمتَه بالتأكيد على أن الإصلاح يحتاج إلى صبر طويل، مستشهدًا بقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، مؤكدًا أهمية تبنِّي سياسة النَّفَس الطويل لتحقيق الإصلاح والاستقرار المجتمعي.
وفي كلمتها، أكَّدت الدكتورة هالة رمضان -رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- على أهمية إنشاء آليات لرصد المشكلات الاجتماعية في القرى والنجوع المصرية، وأشارت إلى وجود حاجة ملحَّة إلى تضافُر الجهود بين كافة المؤسسات المجتمعية: التعليمية، والثقافية، والإعلامية، بجانب المؤسسات الدينية. وأوضحت أن معالجة هذه القضايا تتطلب بروتوكولات تعاون بين الجهات المختلفة لصياغة حلول علمية وفعَّالة.
كما أكَّدت الدكتورة هالة أنَّ المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية يعمل على دراسة هذه المشكلات من خلال عيِّنات تمثيلية من الجمهور المصري، مشيرةً إلى أن بعض الجرائم البارزة، مثل العنف الأُسري والقتل بين الأقارب، تعكس وجود ضعف في البِنية الأسرية المصرية. وأوضحت أن مواجهة هذه القضايا تتطلب خطابًا دينيًّا توعويًّا هادفًا، إلى جانب إنتاج محتوًى إعلامي وثقافي يُعزِّز الوعي المجتمعي.
ودعت الدكتورة هالة إلى تبنِّي مشروع قومي للتكاتف الأسري، يقوم على استراتيجية شاملة توظف وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي لمعالجة الفجوة بين الأجيال، والتخفيف من الآثار السلبية للتكنولوجيا على الأسرة المصرية.
وفي ختام الندوة، أكَّد فضيلة مفتي الجمهورية على أهمية دَور الفتوى في معالجة المشكلات الاجتماعية، معلنًا استمرار جهود الدار لتوعية الشباب بالتعاون مع سائر الوزارات والمؤسسات المَعنيَّة في جميع محافظات الجمهورية. كما شكر الحضورَ الكريم مؤكدًا مدى الحاجة إلى مواجهة هذه الموضوعات والظواهر الاجتماعية الملحَّة واتخاذ خطوات جادة لمواجهتها، مثمنًا كافة الأفكار التي طُرحت ضمن مداخلات الندوة ووصفها بأنها نقط ارتكاز ينبغي أن نبني عليها.
وقد شهدت الندوة تفاعلًا واسعًا من الحضور بمداخلات أَثْرَتِ النقاش، وأضافت أبعادًا جديدة للموضوعات المطروحة. حيث أكد الدكتور وليد رشاد من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مداخلته على أهمية تعزيز التواصل بين الأجيال داخل الأسرة، مشددًا على دور الأسرة كجماعة أساسية، ووسائل التواصل كوسيط مؤثر، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجه فئة الشباب. ودعا إلى ضرورة توفير بيئة أسرية صحية تُمكِّن الشبابَ من مواجهة التحديات الرقمية واتخاذ قرارات سليمة على كافة المستويات.
ومن جانبه، تناول الدكتور عمرو الورداني أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية تأثير "الهم الاجتماعي" على استقرار العلاقات، مشيرًا إلى تفاقُم الفجوات بين الأزواج، والآباء والأبناء، والمديرين ومرؤوسيهم، بجانب تأثير "السيولة" التي تُضعف الإنسان والعلاقات. وأكد الحاجة إلى تعاون مؤسسي شامل للتعامل مع هذه الفجوات من منظور فلسفي يعيد التوازن للتنمية الاجتماعية.
كما ركَّز الدكتور محمد عبد السلام أبو خزيم، أستاذ الشريعة بجامعة عين شمس، على ضرورة التكاملية بين المؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية والثقافية، مشددًا على أهمية تحويل الدراسات إلى مُخرجات عملية وشاملة تُسهم في إيجاد حلول مستدامة للأزمات المجتمعية، بما يضمن تنسيق الجهود لتفعيل السياسات والبرامج التي تحقق التنمية المستهدفة.
فيما أكدت الدكتورة منال الخولي، عميدة كلية التربية بنات بجامعة الأزهر، من منطلق دورها كأم ومسؤولة تربوية، على أهمية أن نصوغ رؤيتنا التربوية وكتابة تاريخنا بأيدينا، وألا نترك هذه المهمة للآخرين. وشددت على ضرورة إنتاج أعمال درامية هادفة تسلِّط الضوءَ على القضايا التربوية والقيم المجتمعية، بما يعكس هويتنا الثقافية ويعزز من أصالة مجتمعاتنا.
وسلَّط الدكتور أحمد سالم البدوي الضوءَ في مداخلته على قضية خطيرة تحتاج إلى تدارُك سريع، حيث أشار إلى التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الإرشاد الأسري. وأوضح أنَّ هناك برامج محادثة توليدية، مثل تلك التي يعتمد عليها الأطفال للحصول على إجابات وتوجيهات بديلة عن التوجيه الأسري أو الديني.
وأكَّد أن هذه الظاهرة تشكل خطرًا حقيقيًّا على القيم والمبادئ، حيث بات ما أطلق عليه د. أحمد سالم بـ"الإله جي بي تي" غزوًا ثقافيًّا يتطلب التدخل العاجل للحدِّ من تأثيراته السلبية على الأسرة والمجتمع.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء معرض القاهرة الدولي للكتاب مفتي الجمهورية المزيد

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: «الإسلام والعلم يحققان التكامل وليسا في صراع»

أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، خلال كلمته في ندوة بجامعة الزقازيق تحت عنوان «العلاقة بين الدين والعلم»، أن العلاقة بين الدين والعلم ليست ساحة خصومة أو ميدان صراع، بل هي علاقة تكامل وتعاضد، يتساندان فيها لا يتنازعان، ويهدي كلٌّ منهما الآخر إلى سواء السبيل.

وأشار إلى أن ما يُتصوَّر أحيانًا من تعارض بين الوحي والعقل أو بين الدين والعلم، إنما هو وَهْمٌ أنتجته العقول القاصرة التي أساءت الفهم عن الله وعن مقاصد الشرع، وظلمت العلم حينما قصرته على الماديات، وظلمت الدين حينما حاصرته في الغيبيات، موضحًا أن الخلل - حين يقع - لا يعود إلى جوهر الدين أو حقيقة العلم، بل إلى فهم بعض المنتسبين إليهما، ممن لم يدركوا مجالات كلٍّ منهما وحدوده، ولا دوائر اختصاصه واستقلاله أو اشتراكه.

https://www.elaosboa.com/wp-admin/post.php?post=2193134&action=edit&_wpnonce=1e5ba0eac9&get-post-lock=1

وبيّن المفتي، أن كثيرًا من اللبس الحاصل في هذا الباب مردُّه إلى عدم إدراك طبيعة العلاقة بين النقل والعقل، فلكلٍّ منهما مجاله الخاص، ولكلٍّ منهما مساحته التي يتحرك فيها باستقلال أو تداخل، غير أن المصدر في نهاية المطاف واحد، هو الله تبارك وتعالى، فالوحي هداية إلهية، والعقل نفحة ربانية، والدين والعقل معًا يتكاملان لتحقيق غاية واحدة هي سعادة الإنسان في الدارين، وعمارته للأرض بما وهبه الله من أدوات التفكير والتدبر، ولهذا فإن استحضار العقل في فهم الوحي ليس خصمًا منه، بل هو شرط من شروط الاهتداء به، كما أن تعطيل العقل يقود إلى الجمود، وتعطيل الدين يفضي إلى التيه، واجتماعهما معًا يهدي إلى التكامل، ومن بدائع ما قيل: لله رسولان، أحدهما ظاهر وهو النبي، والآخر باطن وهو العقل، ولا يُنتفع برسالة الظاهر إلا بعد أن يُصغي الإنسان لصوت الباطن، إذ العقل هو الدليل الأول إلى الله، وبه يُدرك صدق الرسل وصحة الرسالات.

وأوضح المفتي، إلى ضرورة التمييز بين جوانب العلم الطبيعي وجوانب الدين الإلهي، فالعلم - وإن تقدَّم وتوسَّع - لا يمكنه أن يُحيط بكل شيء، وما زالت بعض الحقائق الكبرى، كحقيقة الروح، عصية على أدواته ومناهجه. أما الدين فله آفاقه الممتدة في الوجدان والمعنى والمقصد، والعجب كل العجب ممن يظن أن الدين يعارض العلم، وهو الذي كان سابقًا إليه في كثير من مبادئه وأخلاقياته

واختتم فضيلته، بالتنبيه إلى خطأ منهجي شائع، يتمثل في إخضاع النصوص الدينية للنظريات العلمية، ناسيًا أن الحقيقة العلمية تختلف عن النظرية العلمية، فالحقيقة ثابتة مستقرة، أما النظرية فمحل نقاش وتطور، ومن ثم فلا ينبغي أن يكون الدين رهينًا لفروض لم تُقطع بعدُ بيقين، بل يبقى الدين هو الميزان، والعقل هو الأداة، والعلم هو المعين، وكلها معًا سبيلٌ إلى الهداية والفهم والعمران.

من جانبه، أعرب المهندس حازم الأشموني، محافظ الشرقية، عن بالغ تقديره لفضيلة مفتي الجمهورية، مشيدًا بأهمية هذه الندوة التي جاءت تحت عنوان «العلاقة بين العلم والدين»، لما تحمله من دلالات عميقة في مسيرة بناء الإنسان وتقدم المجتمعات. وأكد أن العلم والدين يمثلان جناحي النهضة، فبالعلم تُبنى الحضارات، وبالدين تُصان القيم وتُهذَّب السلوكيات.

وأشار إلى أن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأن الأوطان لا تنهض إلا بسواعد المفكرين وأصحاب الوعي والمعرفة. وأوضح أن دار الإفتاء المصرية، بمناهجها المستنيرة المستمدة من وسطية الأزهر الشريف، تضطلع بدور رائد في نشر الوعي، ومجابهة الفكر المتطرف، بما يتكامل مع جهود الدولة في تنفيذ المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان»، التي تستهدف بناء الإنسان المصري فكرًا ودينًا وثقافةً وسلوكًا، للحفاظ على الهوية الوطنية وتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة.

بدوره، ثمّن الأستاذ الدكتور خالد الدرندلي، رئيس جامعة الزقازيق، مشاركة فضيلة المفتي في فعاليات الجامعة، معبرًا عن تقديره البالغ لجهوده الوطنية والعلمية في نشر الوعي الرشيد وتعزيز قيم التسامح والوسطية. وأكد أن هذا اللقاء يمثل فرصة ثمينة أمام طلاب الجامعة للالتقاء بأهل العلم والدين، والاستفادة من رؤاهم المضيئة في زمن تتعدد فيه التحديات.

وشدد على أهمية التكامل بين المؤسسات الدينية والتعليمية لبناء وعي متماسك قادر على مجابهة التحديات، معربًا عن اعتزازه بالتعاون البنّاء بين دار الإفتاء ووزارة التعليم العالي في سبيل بناء جيل مثقف، منتمٍ، واعٍ، ومحبٍّ لوطنه، قادرٍ على الإسهام في نهضته وتقدمه.

حضر اللقاء المهندس حازم الأشموني، محافظ الشرقية، والدكتور خالد الدرندلي رئيس جامعة الزقازيق، والدكتور إيهاب الببلاوي، نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، والدكتورة، جيهان يسري، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتور، هلال عفيفي، نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب وعمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة.

اقرأ أيضاًالمفتي عن بابا الفاتيكان: شخصية إنسانية كرست حياتها لترسيخ ثقافة السلام

مفتي الجمهورية يهنئ البابا تواضروس الثاني وكافة الطوائف المسيحية بعيد القيامة

بدر عبد العاطي يصل تونس.. وفي استقباله وزير الخارجية ومفتي الديار

مقالات مشابهة

  • ضبط شخص بالقاهرة يروّج للحشيش عبر مواقع التواصل الاجتماعي
  • مفتي الجمهورية مهنئًا بذكرى تحرير سيناء: رمز للفداء وعزيمة لا تُقهر
  • مفتي الجمهورية: العلاقة بين العلم والدين "علاقة تعاضد وتكامل "والتعارض بين العلم والوحي وهمٌ
  • مفتي الجمهورية: «الإسلام والعلم يحققان التكامل وليسا في صراع»
  • جامعة الزقازيق تستضيف مفتي الجمهورية في ندوة توعوية حول العلاقة بين العلم والدين
  • وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الأردن تحذر من الترويج للجمعيات المحظورة على وسائل التواصل الاجتماعي
  • محافظ الشرقية يستقبل مفتي الجمهورية لبحث تعزيز التعاون المشترك
  • مفتي الجمهورية يزور محافظة الشرقية ويلقي ثلاث محاضرات للطلاب
  • محافظ الشرقية يستقبل مفتي الجمهورية بمكتبه بالديوان العام
  • لبحث سُبل التعاون المشترك.. محافظ الشرقية يستقبل مفتي الجمهورية بالديوان العام