تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

منذ وُجد الإنسان على ظهر الأرض وُجدت معه قوى الخير والشر.. الخير يتمثل أساسًا فى قواعد الأخلاق وأسس الفطرة التى فطر الله الناس عليها، أما الشر فيتمثل فى مخالفة هذه الأسس والاعتداء على هذه القواعد والخروج على الفطرة السليمة.

وحاول الإنسان الأول أن يوجد وسائل يحمى بها نفسه ضد المعتدين على هذه القواعد والأسس، وعند تكوين المجتمعات البدائية، انتقلت المسئولية فى الحماية إلى رجال القبيلة، وشيئًا فشيئًا كان يظهر أحد هؤلاء الرجال فى مظهر المحافظ على قواعد وأسس الخير ضد قوى الشر.

وأصبح ذلك الشخص هو شيخ القبيلة أو زعيمها، ومع نمو هذه القبائل بدأ الاعتماد على مجموعة من الرجال للحفاظ على النظام، واحترام قواعد الأخلاق ضد المعتدين.. وكان هؤلاء هم النواة أو الصورة الأولى لوظيفة "الشرطة".

حول هذه الفكرة يدور كتاب "تاريخ أنظمة الشرطة فى مصر" الصادر عام ١٩٩٠ عن دار “الشروق”، والذى يأخذنا مؤلفه الدكتور ناصر الأنصارى فى رحلة تاريخية وقانونية وسط كم وفير من المعلومات المهمة والمثيرة أيضًا، وتكتشف خلالها أن أجدادنا قدماء المصريين أول من وضعوا أسس الشرطة والتى سار عليها جميع من حكموا مصر بعد ذلك، ولا تستغرب أن الفراعنة وضعوا ضمن تنظيمهم الموازين والمكاييل بما فى ذلك وزن الخبز أو مايعرف فى عصرنا الحالى بشرطة التموين!.

وبناء على بدايات أول شكل لظهورها، يمكن أن نقول إن الشرطة كوظيفة وُجدت منذ وجود أول تجمعات بشرية بغرض الحفاظ على قواعد الأخلاق، والفطرة السليمة، وتنفيذ النظم التى يضعها حكماء التجمعات من أجل حمايتها.

أما الشرطة كجهاز، أو كنظام، أو كمؤسسة، أى فكرة وجود قوات ذات مرتبات مكلفة بحفظ النظام ومنع الجريمة، فلا شك أنها كانت فكرة نشأت فى وقت لاحق مع تنظيم الدولة، ضمن ظهور الأنظمة الأخرى داخل الدولة.

الشرطة لغةً

يقول د.الأنصارى إن معاجم اللغة العربية اتفقت جميعًا على تفسير كلمة الشرطة بما كان يتميز به رجالها من وضع "شُرَط" وهى علامات ظاهرة تميزهم عن غيرهم، كما كان لكلمة "شرطة" معنى آخر إذ كانت تطلق على أول كتيبة فى الجيش تشهد الحرب. وفى حديث لابن مسعود قوله: "ويستمد المؤمنون بعضهم بعضًا فيلتقون وتشرط شرطة للموت لا يرجعون إلا غالبين".

أما كلمة البوليس المأخوذ بها فى لغات العالم فهى مأخوذة عن اللاتينية ويرجع أصلها إلى POLICE اللاتينية وتعنى عند الإغريق القدماء "المدينة" ولم يكن المقصود بالمدينة مبانيها وتخطيطها بقدر ما كان المقصود المدنية أو الحضارة التى تنمو فيها وتزدهر.. وبالتالى، فإن أهم ما ترتكز عليه المدينة فى نموها وازدهارها والحضارة فيها هو الأمن. ومن هنا نشأ التطور اللغوى وأصبحت كلمة POLICE تعنى جهاز الأمن الذى يحافظ على أمن المدينة. ولم تستعمل كلمة البوليس فى مصر إلا نحو سنة ١٨٦٣عندما استدعى الخديو إسماعيل الضابطين الإيطاليين كارلسيمو ونيجرى وأوكل إليهما تشكيل قوة نظامية لحفظ الأمن تحل محل طائفة (القواسة) الأتراك غير النظاميين، وفق ما ذكره إبراهيم الفحام فى دراسته بعنوان "الشرطة فى عصر الخلفاء الراشدين والأمويين" المنشورة فى العدد ١١ من مجلة الأمن العام.

الشرطة اصطلاحًا

ومصطلح الشرطة فى بدايته كان يعنى "الجند الذين يعتمد عليهم الخليفة أو الوالى فى استتباب الأمن وحفظ النظام، والقبض على الجناة والمفسدين، وما إلى ذلك من أعمال إدارية تكفل سلامة الجمهور وطمأنينتهم، وقد سجل تاريخ العرب أول تطبيق لنظام الشرطة فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقد أوكل التناوب فى حفظ الأمن فى المدينة إلى رجال أطلق عليهم "العسس".

أما أول استخدام لكلمة الشرطة فيرجع لعهد على بن أبى طالب الذى وضع لها نظامًا جديدًا، وحدد لها واجباتها، واختار لها رجالًا عرفوا بالتقوى والصلاح والعصبية، وكان يطلق عليهم رؤساء الشرطة، حسبما ذكر د.عطية مشرفة فى كتابه "نظام الحكم بمصر فى عهد الفاطميين".

ويقول د.حسن إبراهيم حسن، فى كتابه تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى والاجتماعى، إن الشرطة كانت فى أول الأمر تابعة للقضاء، تقوم على تنفيذ الأحكام القضائية، ويتولى صاحبها إقامة الحدود، ولكنها لم تلبث أن انفصلت عن القضاء واستقل بها صاحب الشرطة. 

ويعرف ابن خلدون فى مقدمته "الشرطة" بقوله: "كان أصل وضعها فى الدولة العباسية لمن يقيم أحكام الجرائم فى حال استبدائها أولًا ثم الحدود بعد استيفائها.. فكان يقوم بهذا الاستبداء وباستيفاء الحدود بعده إذا تنزه عنه القاضى ويسمى صاحب الشرطة وربما جعلوا إليه النظر فى الحدود وإفرادها من نظر القاضى".

وكان منصب صاحب الشرطة من أجلّ مناصب الدولة وأعظمها وأرفعها مكانةً، وكانت الشرطة أحيانًا طريقًا نحو الوزارة حتى أن الخليفة أبا جعفر المنصور كان يقول: "ما أحوجنى أن يكون على بابى أربعة نفر لا يكون على بابى أعف منهم أركان للدولة، لا يصلح المُلك إلا بهم: أما أحدهم فقاضٍ لا تأخذه فى الله لومة لائم، والثانى صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى، والثالث صاحب خراج يستقصى ولا يظلم الرعية، والرابع صاحب بريد يكتب أخبار هؤلاء على الصحة". وهذا الرأى لأبى جعفر المنصور يدل على الأهمية التى يوليها الحاكم لصاحب الشرطة إذ يعتبره من أركان الدولة.

فى العصر الحديث

يقول الدكتور ناصر الأنصارى إن مهام جهاز الشرطة فى كل مكان تكاد تكون واحدة وموحدة، وهى حفظ القانون والنظام، ومنع الجريمة وضبطها عند وقوعها، وتقويم وإصلاح المجرمين.. ومع التقدم الحضارى والعمرانى، أضيفت إليها مهام أخرى مثل البحوث الجنائية وتنظيم السجلات الجنائية، وتنظيم حركة المرور وسير المركبات فى الطرق للحفاظ على حياة المواطنين.. وفى الجانب السياسى، فإن الشرطة لها مهام أخرى فى ملاحظة نشاط التجمعات غير القانونية أو المشتبه فى قيامها بأعمال خارج إطار القوانين والشرعية، وضبط الجرائم التى تنبع من باعث سياسى. وكلما قل تدخل الشرطة فى حياة الفرد العادى فى دولة ما، دل ذلك على أن الديمقراطية مطبقة فى تلك الدولة، فالتناسب بين سلطات الشرطة على حياة الأفراد العاديين وبين الديمقراطية فى بلدٍ ما هو تناسب عكسى.

\مصر الأقدم

يكاد يجزم العلماء أن مصر أقدم دولة فى العالم، ويقصد بالدولة هنا الدولة بمفهومها القانونى بعناصر الثلاثة: أرض محددة، يعيش عليها شعب معين، وتحكمه حكومة.. فعلى مدى أكثر من خمسة آلاف عام وُجدت مصر بحدودها الجغرافية المعروفة الآن تقريبًا، وعليها شعب، وكانت لها حكومة دون انقطاع فى أى من حقب التاريخ.

قد يكون هناك شعوب أو قبائل شكلت حضارات أخرى سبقت الحضارة المصرية القديمة ووجدت فى أماكن أخرى من العالم، ولكنها مثار شك وفق المنطق العلمى البحت، لأنها لم تترك لنا أية آثار مكتوبة سواء على برديات أو على جدران المعابد.

أما الحضارة المصرية فقد وصلت إلينا اعتمادًا على نصوص مكتوبة وسجلات مدونة على البرديات أو على جدران المعابد. ومن هذه النصوص والسجلات تمكن المؤرخون من دراسة الدولة المصرية القديمة وهيئاتها ونظمها وموظفيها واختصاصاتهم، وكانت الشرطة من بين هذه الأنظمة الجديرة بالدراسة.

وقد نحا البطالمة (الذين خلفوا الفراعنة فى تولى أمور الحكم فى مصر) نفس منحاهم من حيث تسجيل الأحداث والأنظمة المهمة. وتتابع تسجيل حكام مصر فى العصرين الرومانى والبيزنطى بطريقة تقليدية. ومع التطور التاريخى دخلت مصر فى العصر الإسلامى وشهدت انتقال الحكم من الخلفاء الراشدين إلى الأمويين ثم العباسيين والعثمانيين فيما بعد، وذلك بخلاف الأوقات التى كانت فيها مصر تتمتع بشبه استقلال عن دولة الخلافة مثل العصر الطولونى والعصر الإخشيدى والعصر الأيوبى أو التى كانت فيها مصر دار خلافة مثل العصر الفاطمى أو العصر المملوكى عندما تمت استضافة الخليفة العباسى فى القاهرة بعد انهيار عاصمتهم بغداد وإلى قيام الدولة العثمانية.

فى كل حقبة من هذه الحقب التى مر بها التاريخ المصرى وُجدت نظم واضحة إلى حدٍ ما، ومن النظم التى ظلت لها قوة وأهمية نظام الشرطة الذى يمكن أن تجد سلسلة متتابعة محكمة تربط حلقاته معًا على مر التاريخ.

وقد قسم المؤلف التاريخ المصرى الطويل إلى شرائح بلغت خمس عشرة شريحة، بدءًا من الفراعنة وانتهاء بالعصر الجمهورى، وخصص للشرطة فصلًا مستقلًا فى كل حقبة من تلك الحقب، تناول خلاله الشرطة كجهاز وتكوينه وتشكيله ومسئولياته، والشرطة كمهام موكلة إليها وكيفية ممارستها لمهامها.

العصر الفرعونى

شهدت المجتمعات المصرية المتفرقة التى سبقت قيام الدولة المصرية الموحدة فى عصر موحد القطرين مينا، وجود أفراد يوكل إليهم أعمال الشرطة، وبقدر براعة الفراعنة فى العلوم والفنون المختلفة، كانت أيضًا براعتهم فى تنظيم هيكل الدولة ونظمها بصفة عامة، وبطبيعة الحال كانت الشرطة من النظم التى أولاها الفراعنة اهتمامًا من حيث بيان اختصاصها وأهمية من يتولاها، رغبةً فى استقرار المجتمع وحماية الأفراد والممتلكات.

وتكون جهاز الشرطة من الوزير وكانت له مسئوليات محددة ذكرها الدكتور سليم حسن فى الجزء الرابع من كتابه "مصر القديمة" إذ وجدها كنص على جدران مقبرة الوزير "رخ مى رع" فى عهد تحتمس الثالث، وأهمها: المحافظة على المؤسسات العامة، وإعداد سجلات العاملين، وتلقى تقارير موظفى الإدارات فى منطقة عملهم كل أربعة شهور، وحراسة الفرعون، واتخاذ الإجراءات المناسة إزاء الحوادث المهمة.

ويأتى بعد الوزير، رؤساء الشرطة وكان يتم اختيارهم من المعروفين بالذكاء وسعة الأفق، ولكلٍ منهم مهام تتحدد حسب طبيعة المنطقة. وكان لرئيس شرطة طيبة مكانة خاصة لما تشتمل عليه من معابد ومقابر ولوجود العمال الذين يقومون بنحت المعابد وتزيينها، كما كان لرئيس شرطة قفط مكانة مهمة لأنها كانت تقع فى طريق جلب الذهب من وادى الحمامات، وكان على اتصال وثيق مع مدير مناجم الذهب هناك. ونظرًا لامتداد الأرض الصحراوية فى مصر فقد اهتمت الدولة وعينت رئيسًا لشرطة الصحراء لحراستها من المعتدين وتعقب الفارين.

ويأتى بعد ذلك رجال الشرطة وكانوا يتوزعون بين الشرطة المحلية التى تقوم بحفظ الأمن والنظام فى المدن الكبرى مثل طيبة وقفط المجاورة لقوص ومنف وتل العمارنة، والحرس الملكى، وشرطة المعابد، وشرطة حراسة المقابر، ونظرًا لما مرت به مصر من مؤامرات، فقد اهتم الفراعنة بتأمين البلاد من الداخل فوجد جهاز يمكن تسميته بلغة العصر جهاز أمن الدولة، ولأن نهر النيل كان الوسيلة الرئيسية لنقل البضائع والأفراد فاستلزم ذلك عناية الحكومة المركزية لتوفير الأمن فى هذا الشريان الحيوى الطويل فتكونت الشرطة النهرية.

وفى عصر الفرعون أمنحوتب الثالث انتشرت القرصنة فى حوض البحر المتوسط فعين الفرعون حراسة للسواحل المصرية.

وإلى جانب ذلك، كانت للشرطة مهام أخرى، من بينها المعاونة فى جمع الضرائب ومراقبة ضبط المكاييل والموازين ومراقبة أوزان الخبز أيضًا.

مجتمع منظم

ما كل هذا التنظيم؟.. نحن إزاء مجتمع منظم بشكل يفوق الوصف.. فالصورة التى عرضها الدكتور الأنصارى فى كتابه المهم للشرطة فى  عهد قدماء المصريين، تمثل بلا أدنى مبالغة الصورة التى صارت عليها الشرطة فى كل العهود سواء فى مصر أو فى غيرها من البلدان.

ونقرأ فى الكتاب، عن الشرطة فى العهود التى تلت العصر الفرعونى، فنكتشف أنها تسير على المنوال نفسه، مع فروق بسيطة، اعتبارًا من عصر البطالمة، الذى لم يختلف فى نظام شرطته رغم أن رجال الشرطة فى أول ذلك العصر كانوا من الإغريق ثم أُفسح المجال تدريجيًا للمصريين.

ثم جاء الرومان فاقتفوا أثر نظام البطالمة فى تنظيم الشرطة والمأخوذ من النظام الفرعونى، إلا أنهم لجأوا إلى نظام مختلط يجمع بين شرطة مدنية ومسلحين من الجيش.. وأعلن الرومان ضم مصر للإمبراطورية الرومانية، حيث كانت مصر تتمتع بثروة طائلة خاصةً لروما التى كانت تعيش على قمح بلادنا منذ وقت طويل.

العصر الإسلامى

ويرصد المؤلف بعد ذلك تاريخ الشرطة فى العصر البيزنطى ثم يتناول الشرطة فى أعقاب الفتح الإسلامى، فيذكر أن منصب صاحب الشرطة فى عهد الخلفاء الراشدين فى مصر كان منصبًا رفيعًا ويعتبر نائبًا للوالى، تُسند إليه أمور الحكم أثناء مرض الوالى أو سفره.. وروى أن "خارجة بن حذافة" صاحب شرطة مصر كان يحل محل عمرو بن العاص فى جميع أعباء الحكم أثناء مرضه.

ولما فتح العرب مصر عملوا على حماية أهلها من العناصر الأجنبية الدخيلة ومن الجناة سفاكى الدماء، فنشروا رجال الشرطة فى كل مكان لحماية الأهالى وأسسوا للشرطة دارًا فى الفسطاط بجوار دار الوالى.

ويواصل المؤلف بعد ذلك رصد نظام الشرطة فى العصر الأموى وفى عهد الدولة العباسية والدولة الطولونية والأخشيدية والفاطمية والأيوبية وفى عهد المماليك والدولة العثمانية وفى عهد محمد على وأسرته ثم العهد الجمهورى.

ويشير إلى أن أول قانون خاص بنظام هيئات البوليس (أو الشرطة) واختصاصاتها كان القانون رقم ١٤٠ لسنة ١٩٤٤، بعد أن كانت اختصاصات الشرطة موزعة بين نصوص مختلفة.

ولا يبقى سوى أن نتوجه للشرطة المصرية ولكل فرد من أفراد شرطتنا الأبطال بتحية حب وتقدير فى يوم عيدهم الذى تفخر به مصر.. وتحية إلى أرواح شهدائنا الذين بذلوا أرواحهم من أجل أمن الوطن والمواطن.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الشروق صاحب الشرطة الشرطة من الشرطة فى فى العصر بعد ذلک فى عهد ما کان فى عصر رجال ا نظام ا فى مصر

إقرأ أيضاً:

«ملحمة التأسيس».. تاريخ ممتد لثلاثة قرون..

خالد المرعيد*

يُعد يوم التأسيس مناسبة وطنية لاستحضار تاريخ المملكة العربية السعودية، فهو يعبر عن تاريخ مجيد وذلك لامتداده لثلاثة قرون، كما إنها ذكرى وطنية وفخر لأبناء الوطن السعودي وكما قال الشاعر: “ومن لم تكن أوطانه مفخرًا له.. فليس له في موطن المجد مفخر..”

في هذه المناسبة يستحضر من خلالها الأحفاد تضحيات الأبناء والأجداد، ويستلهمون الدروس والعبر، فبهذا اليوم تتدفق مشاعرهم الوطنية بالحب والانتماء والاعتزاز بالوطن وقادته وموروثهم العريق والفريد والممتد الذي يحفز لمزيد من البناء والتقدم والازدهار والتطور وملهم للأجيال نحو التقدم والعلو في جميع المجالات التي من شأنها رفعة هذا الوطن العظيم.

أخبار قد تهمك الدكتور محمد بن عايض القرني: احتفاء بيوم التأسيس وتعزيز الهوية الوطنية 22 فبراير 2025 - 1:22 مساءً القيادة الإماراتية تهنئ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس 22 فبراير 2025 - 12:33 مساءً

في العام 1727م -1139هـ تأسست الدولة السعودية الأولى بقيادة الأمام البطل محمد بن سعود -رحمه الله- ولاستشعار عظمة هذا اليوم التاريخي أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في يوم 24 يناير من عام 2022م/1443هـ أمرا ملكيا بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يومًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية.

عمق تاريخي مجيد

إنّ احتفالنا كسعوديين بيوم التأسيس هو احتفاء شعب عظيم له عمق تاريخي مجيد يعبر عن مدى تلاحمنا واتحادنا وصمودنا أمام التحديات والأزمات، وكشعب سعودي يفخر بماضيه وحاضره ويتطلع إلى مستقبل مشرق مع رؤية 2030 الذي يقودها عراب الرؤية وقائد التغيير صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وبتوجيهات من سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك الحزم والعزم -حفظه الله-.

صراع بين القوى المحلية والقبلية

كانت حالة البلاد قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى تعاني من الانقسام والتفكك والفوضى واستمر هذا التشرذم قرونا عديدة بعد الخلافة الراشدة، وكانت نجد قبل قيام الدولة المركزية السعودية في حالة حروب ونزاعات ومجاعة وجهل وفقر، ويعيش الإقليم صراع بين القوى المحلية والقبلية، ولم تعرف حكما مطلقًا حيث كانت معزولة عن الحياة السياسية بسبب صعوبة التنقل والسفر.

كانت نجد تعيش في رعب دائم وخوف منقطع النظير ولم يعرفوا الحرية والأمن والاستقرار في ذلك الزمن البائس، وكان انعدام الأمن هو السائد والقتل والسلب والنهب، وذلك في غياب سلطة دولة مركزية تقوم بأعباء الدفاع عن نفسها وتثبت الأمن بحزم وقوة، وغياب الأمن دومًا وعبر التاريخ وكما هو معروف هو العامل الرئيس في تدمير المجتمعات وانهيارها وانحطاطها، ولكن إرادة الله وحكمته قيضت لهذه الأرض وهذه البلاد من يجمع شتاتها ويوحد كلمتها تحت راية واحدة ويبسط الأمن بقوة وعدل وحزم.

حينما توحدت وتأسست هذه البلاد العظيمة على يد الإمام البطل العظيم محمد بن سعود -رحمه الله-، كان الأمن هو العنصر الحاسم في تكوين الدول واستقرارها واستمرارها وازدهارها.

المجال العسكري

نجد الفكر العسكري لدى الإمام محمد بن سعود يشمل العقيدة العسكرية وهو المذهب العسكري الذي تتخذه الدولة لبناء جيشها وتأسيس كل مجالاتها العسكرية، وهي مجموعة المبادئ والقيم التي تحكم أداء الجيش وتخدم المصالح العامة للدولة.

والعقيدة العسكرية هي مجمل المفاهيم والمبادئ والسياسات والتكتيكات والتدريبات والأساليب المتخذة لضمان كفاءة تنظيم وتدريب وتسليح وإعداد وتوظيف المؤسسة العسكرية لوحداتها التكتيكية والخدمية، كما أنها تعمل على الربط بين النظريات والتاريخ والتجارب والخبرات العملية، وهي ترتبط بالعقيدة الشاملة للدولة.

المفاهيم الحربية

والفكر العسكري (العقيدة القتالية)، وهي الإخلاص والولاء للذين آمنوا بذلك لتحقيق الوحدة الوطنية ومحاربة الصعوبات التي تكتنفها نظراً لتطلعهم مع اللائمة لتحقيق الغاية القصوى وهي إيجاد الأمن في هذه الدولة وتحقيقه على أرض الواقع للدولة السعودية الأولى وللإمام محمد بن سعود في ذلك الوقت تعتمد على مبادئ الحرب مثل، تحقيق الوحدة الوطنية في أقوى سماتها ووحدة القيادة والتعاون والتكامل.

وكانت المبادئ والمفاهيم الحربية المتبعة في ذلك الوقت خليط مابين المبادئ الحربية والأساليب التي تم اكتسابها خلال الخبرات والمعارك والحروب التي حدثت في ذلك الزمن.

الاستراتيجية السياسية العسكرية

وكانت استراتيجية الإمام محمد بن سعود واضحة المعالم في تأسيس دولة مركزية تبسط الأمن والنظام وتوحيد البلاد والعباد تحت قيادة حازمة وعادلة، وتنهي حالة التشرذم والانقسام والفوضى السائدة لفترة طويلة من الزمن.

فقد كان الإمام محمد بن سعود يشرف ويهتم بالشؤون العسكرية للدولة، نظرًا لأهميتها في تحقيق الأمن والوحدة، فحرص على إعداد جيش قوي عن طريق تدريب الجيش وتسليحه، كما كان يتولى قيادة بعض المعارك بنفسه، لما لذلك من دعم كبير لمعنويات الجيش وفي حال غيابه يخلفه ابنه عبدالعزيز بقيادة الحملات العسكرية.

وكان الإمام محمد بن سعود إضافة إلى مهاراته السياسية يتحلى بمهارات قيادية عسكرية حربية تتوافق مع أهدافه السياسية، وتظهر حسن سياسته واستراتيجيته الناجحة ودهائه بمنع اتحاد اعدائه ضده في توقيت حرج، فقد كان يفاوض أحد خصومه مقابل منع تحالفه مع الخصم الآخر، وحتى يتخلص من معركة غير متكافئة بالقوى والوقت والظروف، وهذا يدل على الاستراتيجية السياسية العسكرية الناجحة لدى الإمام محمد بن سعود ودليل على بعد نظره وتفوقه في إدارة الحروب والصراعات والسعي بنجاح إلى تحقيق أهدافه السامية.

وعندما لاتسمح له الظروف بقيادة الجيش، يختار لقيادة الحملات والمعارك الحربية التي يقوم بها خيرة القادة من تتوفر فيهم الكفاءة الحربية والقيادية والشجاعة والولاء والإخلاص، وكما هو معروف القادة الأكفاء المخلصين هم العامل الحاسم في تحقيق النصر عبر التاريخ الطويل للحروب.

وكان من أهم القادة الذين اعتمد عليهم ابنه الإمام عبدالعزيز والذي كان قائدًا مميزًا وعظيمًا، وحقق الكثير من الانتصارات في وقت والده، وبعد ذلك عندما أصبح إمامًا بعد وفاة الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-.

الأساليب العسكرية الحربية

ومن الأساليب العسكرية الحربية التي يتبعها الإمام بن سعود الحرص على تحقيق المفاجأة وهو مبدأ حربي مهم وحاسم لتحقيق النصر. ومن أساليب القتال لديه التحركات السريعة والخاطفة لمفاجأة أعدائه في وقت ومكان غير متوقع لا يكون فيها الأعداء مستعدين، وهذا من التكتيكات الحربية الناجحة والتي تطبق حتى الآن.

هذه الأساليب تستخدم في أثناء العمليات الهجومية عندما يهاجم الأعداء في عقر دارهم.

أما في العمليات الدفاعية فكان الإمام محمد بن سعود يستخدم الأساليب الدفاعية التي تمنع العدو من تحقيق المفاجأة، وذلك بإرسال عناصر من الاستطلاع (السبور) أمام مواقعه حتى يعرف نوايا وقوة العدو وطرق تحركاته، ويتبع بالدفاع تحصين البلاد وتأمينها من الهجوم الخارجي بإنشاء القلاع والحصون والقصور المحصنة.

والحصون هي استحكامات حربية تبنى في مواقع استراتيجية على سفوح الجبال وفوق التلال وفي مواقع مشرفة وعالية للتحكم بالأراضي المحيطة، وتميزت القصور في نجد في تلك الحقبة بالإضافة إلى أنها مقر للسكن بأنها قلاع حربية. وكانت محمية بالأبراج ومزودة بوسائل الدفاع من أماكن للرمي وسقاطات وغيرها، وقد بني في الدرعية عدد كبير من القلاع والقصور المنيعة ومن أهمها قصور حي الطريف وقصر سلوى وقصر غصيبة.

ومن أهم الطرق والأساليب التي كان يتبعها الإمام محمد بن سعود عندما يتخذ قرارًا حربيًا هو حصوله على المعلومات الوافية عن العدو والطرق المؤدية له بواسطة العيون التي تزوده أمام الجيش في أثناء الدفاع والهجوم، ويسمى بالمفهوم الحالي الاستطلاع حتى نمنع العدو من مفاجأتنا.

وكذلك جمع المعلومات بواسطة عناصر متخفية ما يسمى بالعيون، هذا بالمفهوم المعاصر هو الاستخبارات التي يعتمد عليها بصنع القرار الحربي لكي يصبح القرار ناجحًا ومؤديًا إلى النصر.

حروب ومواجهات

خاضت الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- والذي دام أربعين عامًا الكثير من المعارك والحملات الحربية، وكانت حياة الإمام محمد بن سعود حافلة بالتضحيات والجهود الكبيرة لتحقيق أهدافه بتأسيس الدولة والكيان السعودي وتحقيق الأمن والوحدة، فقد خاض في سبيل هذه الأهداف حروبا ومواجهات حتى تكللت جهوده الجبارة بالنصر وذلك بتوحيد أراض شاسعة من شبه الجزيرة العربية.

وقد تعرض في بداية تأسيسه لدولته الفتية للكثير من الصعوبات والمتاعب والمعارضة من قبل بعض الخصوم الذين لم يؤيدوا كيان الدولة المتحد القوي، ومن هؤلاء دهام بن دواس في الرياض والذي خاضت الدولة السعودية الأولى بقيادة الإمام محمد بن سعود الكثير من المعارك والوقعات معه ولفترة ليست قصيرة، ومن أشهر هذه المعارك والوقعات: وقعة الشياب ووقعة الوشام ووقعة العبيد في سنة 1746م /1159هـ، وكذلك وقعة البنية ووقعة مقرن ووقعة صياح والخريزة في سنة 1747م / 1160 هـ، ووقعة الحبونية في سنة 1749م/ 1162هـ، ووقعة البطحاء في سنة 1750 م / 1163 هـ، وأيضًا وقعة أم العصافير في سنة 1757م /1170هـ، واستمرت هذه المعارك طويلاً ضد دهام بن دواس (استمر الصراع 27 عامًا) حتى انتهت بهزيمته وهروبه بعد وقعة هدم المرقب في سنة 1773م/1187هـ.

وهنا تتجلى سمات هذا القائد العظيم الإمام محمد بن سعود والتي تميزت بقوة الشخصية، والطموح والقيادة والجرأة والمخاطرة المحسوبة والكفاءة الحربية والسياسية، والتي يتصف بها عظماء القادة العسكريين السياسيين الذين صنعوا التاريخ وتحققت على أيديهم الأحلام العظيمة الكبرى، مثل تأسيس وتكوين الدول وتوحيدها، على الرغم ما يواجهونه من صعوبات وتحديات جمة.

فقد كان الإمام محمد بن سعود من فرسان الدرعية وقادتها الشجعان حيث شارك في الدفاع عنها وعن حملاتها العسكرية، وقد خرج مع زيد بن مرخان نحو العيينة في حملة عسكرية كانت الغلبة فيها لجيش الدرعية، ليتسنى له بعد ذلك العودة للدرعية ليتولى الحكم ويؤسس الدولة السعودية الأولى.

فقد تمكن بفكره الثاقب واستراتيجيته الصائبة أن يؤثر ويقنع أطياف المجتمع المختلفة بفكرة الوحدة مما دفعهم للمشاركة والتكاتف في سبيل تحقيقها، فكان الإمام محمد بن سعود يرسل من الدرعية الدعوة للبلدان والقبائل التابعة له للمشاركة في عمليات التوحيد، فيقومون بدورهم بإرسال مجموعة من الفرسان والجند إلى مكان المعركة في التوقيت المتفق عليه.

الأسلوب الحربي للإمام المؤسس

وأسلوب الإمام محمد بن سعود الحربي في حشد قواته كان يعتمد على اتباعه بصفتهم قواته الحربية، ويتم تجميعهم من مكان إقامتهم بطريقة إلزامية أو تطوعية عندما يريد الإمام القيام بغزو إحدى المناطق أو الإغارة على بعض القبائل وتسمى هذه الطريقة بالنفير.

وتتلخص كيفية إعداد هذا الجيش بأن يصدر الإمام بصفته القائد العام للغزو أوامره إلى الأقاليم بأن يُعد كل منهم عددًا محددًا من الجنود مزودين بالسلاح والعتاد والطعام للخروج معه، كما يرسل رجالاً من الدرعية إلى جميع البوادي حتى يجمعوا رجال القبائل من اتباعه إلى الغزو، وكان الإمام يحدد للجميع ميعادًا محددًا عند مورد مياه معروف يجتمعون عنده للخروج إلى وجهتهم.

كان هذه الأسلوب في التجنيد يؤمن له أعدادًا كبيرة دون أن تتكلف الدولة ميزانية ضخمة لجمعهم وتجهيزهم. وعلى ذلك نجد أن الدولة السعودية الأولى لم يكن لديها جيش نظامي على الرغم من اتساعها، وكانت جيوشها مؤقتة بحيث يعود المقاتلون إلى بلدانهم بعد انتهاء مهمتهم بأستثناء بعض الحاميات العسكرية المرابطة في الحصون لحماية بعض المناطق وحفظ الأمن فيها، إضافة إلى بعض الحرس الخاص والدائم للحاكم في الدرعية على أنه قد وجدت مجموعات مقاتلة يتم تنقيتها واختيارها من قبلة أئمة الدولة السعودية الأولى ويطلق عليهم “المنقية” وهم عبارة عن ثلاث مئة رجل مدججين بسلاحهم ولديهم الخبرة الكافية والكفاءة القتالية لأي مهمة تؤكل إليهم حتى أن الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود قام بوضع أماكن إقامة لهم في الدرعية ويدربون بعض المجموعات القتالية لذلك وقد أسكنهم الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود في الدرعية وتوفير الحاجات اللازمة لهم كما يذكر ذلك “بوركهارت” في كتابه عن الدولة السعودية.

ولم يكن على الدولة أن توفر للمقاتلين السلاح أو الزاد، بل أن كل مقاتل يجهز نفسه بأسلحته ودابته وزاده، ولا يتقاضون رواتب مقابل خدمتهم العسكرية، بل كانوا ينالون أربعة أخماس الغنائم التي يحصلون عليها كما في الشرع الإسلامي.

ولم يكن ثمن تحقيق رؤية ومشروع الإمام محمد بن سعود العظيم سهلاً أو بسيطًا وكان طريقه غير معبد بالورود وكما قال الشاعر أحمد شوقي:

” وما نيل المطالب بالتمني.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا،

وما استعصى على قوم منال منال.. إذا الأقدام كان لهم ركابا..”

فقد واجه في مرحلة التأسيس الكثير من الصعوبات والتحديات كأي مشروع عظيم، مثل تأسيس وتكوين دولة ذات كيان موحد، نظرًا لأن البعض لديهم مصالحهم الفردية ضد مشروع الوحدة والوطن الكبير فقد كان في معارك دائمة لضبط الأمن، وبذل الكثير من التضحيات ومنهم أبناء الإمام محمد بن سعود (فيصل وسعود) فقد استشهدوا -رحمهم الله- أثناء المعارك ولكن ذلك لم يثن من عزم الإمام على الوصول إلى أهدافه بتحقيق الوحدة والنهوض بالمنطقة.

وقد سار الإمام محمد بن سعود ومن بعده من أئمة الدولة السعودية على تطبيق أحكام الشريعة المطهرة وتنفيذها بعد أن كانت قبل قيام الدولة يكتنفها صعوبات في تطبيق ذلك.

فقد كان من صفات الأئمة الذكاء وأيضاً الرأي السديد ويستعينون بالمستشارين والأعيان وطلاب العلم كلاً في تخصصه.

وقد سار نظام هذه الدولة المباركة على أحكام الشريعة الإسلامية المطهرة التي كان من الصعوبة تطبيقها قبل الحكم السعودي.

التأسيس والنواحي الحضارية

ولم تعتمد مرحلة التأسيس في عهد الإمام محمد بن سعود على الحملات العسكرية فقط، بل كان العمل على النواحي الحضارية مواكبًا لما لها من أهمية في بناء الدولة، وقد سن الأنظمة والقوانين التي تنظم الشؤون العامة والخاصة، استنادًا على الشريعة الإسلامية والأخلاق العربية النبيلة.

ونظرًا للتغير الكبير الذي حدث في الأوضاع الأمنية في عهد الإمام محمد بن سعود، فقد طبق النظام بصرامة وعدالة ليكون رادعًا لأفراد المجتمع عن ارتكاب الجرائم والمخالفات، وكانت الدولة تكافئ من يمنع وقوع السلب والنهب والاعتداء على البلدان والقبائل، وتعاقب من لديه القدرة على ردع ذلك ولم يفعل.

مثل هذه الأنظمة والإجراءات الأمنية في ذلك الزمن يدل على الفكر الأمني المتقدم، وقد سبق الإمام محمد بن سعود عصره في هذا المجال، فعندما تطبق الدولة الأنظمة بصرامة وعدل على الجميع وتعاقب المخالفين وتكافئ من يساعد على تحقيق النظام والأمن، فإن ذلك يضفي شعورًا بالطمأنينة لدى الجميع، والاقتناع بفكرة الدولة وتأييدها مما يحفز أفراد المجتمع للدفاع عن الدولة مما يضمن لهم الاستقرار والأمن حتى يعيش الناس حياة آمنة مستقرة مزدهرة وهذا شجع الكثير للانضمام إلى تأييد الإمام محمد بن سعود في بناء دولته الفتية.

أيقونة الإنجاز والتقدم
من خلال تحليل هذه الشخصية الوطنية العظيمة وإنجازاتها المدهشة غير المسبوقة، التي أسست دولة وكيانا سياسيا قويا مترامي الأطراف بإمكانيات محدودة، وفي ظل ظروف بالغة القسوة ومعارضات لمشروعه الحيوي، يتضح مدى عمق الفكر العسكري والاستراتيجي الذي يتكامل مع الفكر السياسي الذي يتحلى به الإمام العظيم محمد بن سعود -رحمه الله-، ويتضح أن هذا الفكر سابقًا عصره ويستحق مزيدًا من الدراسة والتحليل.

فقد وضع استراتيجية واضحة المعالم وقادرة على الصمود في وجه المصاعب والأزمات والتحديات ومقنعة بشدة لاتباعه ومؤيديه، معتمدة على مرتكزات هامة وصلبة، فكره العسكري واستراتيجيته اعتمدت على توفير الأمن الذي هو حجر الأساس في تكوين وازدهار واستقرار الدول، وتوحيد البلاد والعباد تحت قيادة واحدة ودولة مركزية لها سلطة وهيبة، وكذلك على عقيدة إسلامية صافية مطبقة للعدل والنظام وحفظ الحقوق للجميع، مما سمح للأبناء المنطقة ممارسة حياتهم الطبيعية الآمنة، وازدهرت التجارة والعلم وأصبحوا تحت كيان ووطن واحد متحابين ومتعاونين لما فيه خيرهم جميعا.

وقد نهض الإمام محمد بن سعود بهذه المنطقة المنسية البائسة، والتي كانت خارج التاريخ لردح طويل من الزمن بنهضة عملاقة، نقلها من التخلف والانحطاط إلى الرفعة والعز والمجد وأسس وطنا شاسعا عظيما قابلا للبقاء والاستمرارية، ويعد مفخرة للأجيال المتعاقبة.

كل هذا بفضل الله ثم بفضل جهود الإمام محمد بن سعود العظيمة التي تستند على فكر عسكري ورؤية استراتيجية أثبتت نجاحها وتفوقها بدليل تحقيق مشروع الدولة السعودية العظيمة، في وقت وظروف كان تحقيق مثل هذا الحلم أشبه بالمستحيل.

رحم الله الإمام محمد بن سعود ورحم الله أجدادنا اللذين قدموا التضحيات لتبقى لنا مصدرًا للفخر والاعتزاز والالهام ببذل كل ما أوتينا من قوة وجهد للحفاظ على تلاحمنا مع قيادتنا وحفاظنا على مكتسباتنا الوطنية، وبذل المزيد من الجهد للرفع من شأن هذا الوطن العظيم بكل المجالات، وخاصة أننا نعيش أفضل الأيام في بلادنا حاليًا، بما نشهده من نهضة وتقدم وهيبة وسيادة وقوة وتطور وازدهار، حتى أصبحت المملكة العربية السعودية مثالا يحتذى به بكل المجالات وقد أدهشت الإنجازات السعودية الهائلة الكثير من دول العالم وأصبحت قدوة وأيقونة للإنجاز والتقدم والسيادة.

*كاتب مختص بالشؤون العسكرية والسياسية.

مقالات مشابهة

  • شيخ العقل: تشييع نصرالله استثنائي في تاريخ لبنان
  • محمود غزال: الغزل والنسيج من أهم القطاعات الصناعية ويزخر بفرص كبيرة للاستثمار
  • اختراق الإخوان للحركة الطلابية.. تاريخ من استغلال قضية فلسطين واللعب على المشاعر الدينية
  • محمود الجارحي يكتب.. رسالة من آية عادل: بعتذر أنني أوجعت قلوبكم
  • «ملحمة التأسيس».. تاريخ ممتد لثلاثة قرون..
  • يوم التأسيس.. تاريخ عريق ومجد تليد
  • عبدالله آل حامد: تقدم الإمارات في مؤشرات الهوية الإعلامية يعكس مكانتها العالمية
  • عبدالله آل حامد: تقدم الإمارات في مؤشرات الهوية الإعلامية يعكس مكانتها العالمية وتأثيرها المتنامي
  • عبدالله آل حامد: تقدم الإمارات في مؤشرات الهوية الإعلامية يعكس مكانتها وتأثيرها عالمياً
  • محمد مغربي يكتب: تداعيات «DeepSeek».. انقلاب في عالم الذكاء الاصطناعي