د. على التركى يكتب: الصحافة من أوراق البردى لعصر الهواتف الذكية والإعلام الرقمي
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
الصحافة هى إحدى أهم وسائل الاتصال الجماهيرى التى أسهمت فى تطور المجتمعات البشرية عبر العصور، حيث لعبت دورًا محوريًا فى نقل المعلومات، الأخبار، والتحليلات إلى الجمهور.
ويعود تاريخ الصحافة إلى العصور القديمة، ولكنها تطورت بشكل ملحوظ مع مرور الوقت لتصبح أداة قوية فى تشكيل الرأى العام والتأثير فى السياسة، الاقتصاد، والثقافة.
وقطعت الصحافة شوطًا طويلًا منذ نشأتها فى العصور القديمة حتى أصبحت اليوم واحدة من أبرز الأدوات التى تشكل وتؤثر فى المجتمعات.
و من الواضح أن الصحافة لن تتوقف عن التطور، لكن من المهم أن تظل قادرة على التأثير بشكل إيجابى فى المجتمع من خلال الالتزام بالمبادئ الأساسية مثل النزاهة والموضوعية.
ونستعرض فيما يلى نشأة الصحافة، مراحل تطورها، وأثرها فى المجتمعات المختلفة.
أولا: الصحافة فى العصور القديمةالصحافة كمفهوم حديث لم تكن موجودة فى العصور القديمة، لكن أشكالًا بدائية من نقل المعلومات كانت موجودة، فى الحضارات القديمة مثل مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين، كان هناك ما يشبه الصحف حيث كانوا يكتبون الأخبار على الألواح الطينية أو البردي، ويُخبرون بها الناس فى الأسواق أو الأماكن العامة.
وفى الصين القديمة، كان هناك استخدام للأوراق والكتب المطبوعة لنقل الأخبار، وكانت "الصحف" الأولى تصدر بشكل دورى لاطلاع الشعب على الأحداث الهامة.
ثانيا: الصحافة فى العصور الوسطى
مع بداية العصور الوسطى فى أوروبا، لم يكن هناك صحافة بالمعنى المتعارف عليه اليوم، لكن كانت هناك بعض وسائل الإعلام البدائية مثل الإعلانات الملكية التى كانت تُنشر فى الأسواق العامة، وكان الحكام يتواصلون مع شعوبهم عبر هذه المنشورات، ولكن كانت هذه الوسائل محدودة وموجهة فى الغالب لإعلان الأوامر الملكية والأحداث السياسية الهامة.
فى الصين، ابتكر الصينيون الطباعة فى القرن التاسع الميلادي، مما أسهم فى إنتاج كتب وأوراق نشر، وأدى إلى تطور وسائل الإعلام.
ثالثا: الصحافة فى عصر النهضةتعد فترة عصر النهضة (القرن الخامس عشر والسادس عشر) نقطة تحول هامة فى تاريخ الصحافة، وذلك بفضل اختراع المطبعة على يد يوهانس جوتنبرج فى منتصف القرن الخامس عشر، وأتاحت المطبعة إمكانية نشر الكتب والنشرات بشكل أسرع وأوسع، مما أسهم فى نشر الأفكار والمعرفة بين الناس.
وفى هذه الفترة، بدأت الصحافة فى الظهور بشكل أكثر وضوحًا فى أوروبا، وفى ألمانيا، ظهرت أولى الصحف المطبوعة بشكل دورى فى أوائل القرن السابع عشر، وكانت تُنشر تحت أسماء مثل "الصحيفة اليومية" التى كانت تحتوى على أخبار سياسية وتجارية.
رابعا: الصحافة فى العصر الحديث (القرن التاسع عشر)
فى القرن التاسع عشر، شهدت الصحافة تطورًا هائلًا، مع تطور الصحافة المطبوعة، ظهرت الصحف اليومية التى كانت تغطى مجموعة واسعة من المواضيع بما فى ذلك السياسة، الاقتصاد، الرياضة، والثقافة وذلك بفضل التطورات التكنولوجية، التى سهلت نقل الأخبار من مكان لآخر بسرعة أكبر.
فى هذه الفترة، نشأت الصحافة الشعبية التى كانت تهتم بتغطية الأخبار اليومية بشكل شامل ومتعدد الجوانب، وكان لها تأثير قوى على الرأى العام، مثل "نيويورك تايمز" و"التايمز" فى لندن، التى أصبح لها دور كبير فى التأثير على السياسة والمجتمع.
خامسا: الصحافة فى القرن العشرينشهد القرن العشرون قفزات كبيرة فى تطور الصحافة، بدأ الصحفيون فى استخدام تقنيات جديدة مثل الراديو والتلفزيون لنقل الأخبار بشكل فورى وبصورة مرئية، مما جعل الصحافة أكثر تأثيرًا وانتشارًا.
كما ظهرت الصحافة الإلكترونية فى نهاية القرن العشرين، بفضل التطور التكنولوجى الكبير فى مجال الإنترنت، وفى هذه الفترة، تغيرت الصحافة بشكل جذرى فبدلًا من الاعتماد على الصحف المطبوعة، أصبحت الأخبار متاحة عبر الإنترنت بشكل فورى من خلال المواقع الإخبارية، مما مكن الأفراد من متابعة الأخبار فى أى وقت ومن أى مكان.
كما شهدت الصحافة السياسية والاقتصادية تحولًا كبيرًا، حيث أصبحت وسائل الإعلام جزءًا لا يتجزأ من عملية صنع القرار السياسي.
سادسا: الصحافة فى العصر الرقميمع بداية القرن الواحد والعشرين، أصبحت الصحافة الرقمية السمة الرئيسية لوسائل الإعلام، بفضل انتشار الإنترنت وتكنولوجيا الهواتف الذكية أتاح للجميع الوصول إلى الأخبار والمعلومات فى لحظات، والصحافة الإلكترونية أصبحت تهيمن على المشهد الإعلامي، حيث أصبح بإمكان الأفراد الحصول على الأخبار فى وقتها الحقيقى عبر مواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الإخبارية المتخصصة.
الصحافة فى العصر الرقمى تتميز بتفاعلية أكبر مع الجمهور، حيث أصبح بإمكان الناس التفاعل مع الصحفيين والمشاركة فى تغطية الأخبار عبر منصات مثل تويتر أو إكس حاليا وفيس بوك وإنستجرام.
كما أن الصحافة الاستقصائية أصبحت أكثر أهمية فى هذا العصر، مع تطور الأدوات التكنولوجية التى تتيح للصحفيين إجراء تحليلات معقدة ومعرفة أعمق حول القضايا العالمية والمحلية.
التحديات المستقبلية للصحافةورغم التطور الكبير فى مجال الصحافة، إلا أن هذا المجال يواجه العديد من التحديات فى العصر الحالي، تزايد انتشار الأخبار المزيفة أصبح مشكلة كبيرة تؤثر على مصداقية الإعلام، بالإضافة إلى ذلك، أصبح من الصعب على الصحف التقليدية البقاء على قيد الحياة فى ظل التحول الرقمي، حيث يتجه الناس بشكل متزايد إلى الأخبار المجانية على الإنترنت.
ومن التحديات الأخرى التى تواجه الصحافة اليوم هى قضايا تمويل الصحف التقليدية، حيث تعتمد العديد من وسائل الإعلام على الاشتراكات أو الإعلانات المدفوعة لتغطية تكاليف الإنتاج، وهو ما يؤثر فى بعض الأحيان على استقلالية الإعلام وجودة الأخبار المقدمة.
ورغم ما يواجه تلك الصناعة من تحديات، ستظل الصحافة أداة لا غنى عنها فى نقل الحقيقة ومكافحة الفساد والتضليل، مما يجعلها ركيزة أساسية فى بناء المجتمعات الديمقراطية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: تاريخ الصحافة المصرية معرض الكتاب علي التركي العصور القدیمة وسائل الإعلام فى العصور التى کانت فى العصر تطور ا
إقرأ أيضاً:
«أسوشيتد برس»: كيف يستخدم «سيد البيت الأبيض» التاريخ الأمريكى لبناء عصره الذهبى الجديد؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
التفتت أنظار العالم يوم الإثنين الماضى إلى حفل تنصيب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب؛ إذ تم ترسيخ التاريخ الأمريكى بكل جوانبه؛ فقال الرئيس دونالد ترامب: "لن ننسى بلدنا".
وفى دعوة الناس إلى رؤيته للمستقبل خلال يوم من الاستعراض، جمع "ترامب" مجموعة مذهلة من الأساطير والمثل العليا الأمريكية. وكان "عصره الذهبي" الجديد مليئًا بالقصص التى شكلت ماضى الأمة. ولكن كيف سيستخدمها؟
فى هذا السياق؛ ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية؛ أن خطاب التنصيب عادة ما يكون بمثابة إسقاط للتوازن بين الأمس والغد الأمريكي. فقد وصل "ترامب" إلى السلطة فى المرة الأولى، واستعادها فى المرة الثانية، بدعوة إلى استعادة الماضى و"جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".
وفى خطابه خلط بين مجموعة واسعة ومربكة فى بعض الأحيان من الصور الوطنية من مختلف القرون لإثبات وجهة نظره الأكبر.
عودة فيلم Manifest Destiny إلى مركز الصدارة ولعل أكثر هذه القصص ملحمية كانت تلك التى تناولت التوسع الأمريكى والتى أطلق عليها ذات يوم "القدر الواضح"ــ وهى قصة رومانسية عن الحق "الممنوح من الله" للتوسع غربًا وخارجيًا، والذى حدد نمو الأمة حتى فى حين كانت تقمع وتقتل كثيرين آخرين كما حدث على مدى أكثر من ٣٥٠ عامًا.
وهذا، إلى جانب تعليقاته الأخيرة حول ضم جرينلاند، وجعل كندا الولاية رقم ٥١، والاستيلاء على قناة بنما؛ يشير إلى أن "ترامب" وإدارته يعتبرون التوسع ليس مجرد جزء من التاريخ؛ بل مسألة هنا والآن.
كان القدر المحتوم فى حد ذاته مدفوعًا بفكرة استثنائية أمريكا الأساسية - تصريح الحاكم الاستعمارى جون وينثروب فى القرن السابع عشر بأن أمريكا "مدينة متألقة على تلة" كمثال للآخرين.
كان هذا أحد الخيوط القليلة المهيمنة فى التاريخ الأمريكى التى لم يستحضرها ترامب فى خطابه، ربما لأن رونالد ريجان أعاد إحياءها بشكل مشهور فى خطاب وداعه عام ١٩٨٩. ومع ذلك، كانت أصداؤها فى كل مكان فى كلمات ترامب.
إن فكرة الاستثنائية الأمريكية تشكل فى حد ذاتها موضوعًا شائكًا. فبالنسبة للبعض، تبدو هذه الفكرة منتصرة وطبيعية ــ فالولايات المتحدة هى أعظم دولة على وجه الأرض ولا بد أن تتصرف على هذا النحو.
أما بالنسبة لآخرين؛ فهى بمثابة بيان للإمكانات الأبدية والمثال الذى لا يضع الأمريكيين بالضرورة فوق الآخرين.
لقد استند "ترامب" بقوة إلى التعريف السابق؛ حيث قال: "ستستعيد أمريكا مكانتها الصحيحة باعتبارها الأمة الأعظم والأقوى والأكثر احترامًا على وجه الأرض؛ ما يثير الإعجاب والرعب فى العالم أجمع".
وقال ترامب: "سنسعى لتحقيق مصيرنا الواضح فى النجوم". وردت إحدى وسائل الإعلام قائلة: "مصيرMAGAfest".
وأشار التقرير إلى أن مثل هذه اللغة لم تكن سهلة على الإطلاق على لسان "ترامب"؛ فهو يميل إلى استخدام خطاب أكثر صراحة؛ بل وحتى وحشية، لإثبات وجهة نظره.
وكان التأثير الإجمالى بمثابة تمرين فى النظر إلى ما وراء الكتف الوطنى حتى وهو يتحدث عن التحرك نحو آفاق جديدة؛ فبمجرد قوله إن "العصر الذهبي" للأمة قد بدأ للتوــ وهو تصريح يبدو وكأنه يتطلع إلى المستقبل ــ كان ترامب يستخدم مصطلحات تلمح إلى الماضي. كما كانت بعض المزيجات الثقافية الأمريكية التى ظهرت محيرة بعض الشيء.
وأضافت "أسوشيتد برس" أنه على الرغم من كل التركيز على ما حدث من قبل، فإن تصرفات ترامب الفورية بعد تنصيبه لم تكن رجعية؛ بل كانت جذرية للغاية - فى سياقها فى القرن الحادى والعشرين على الأقل.
إذ تضمنت سلسلة أوامره التنفيذية، التى نفذها كما وعد، العفو عن نحو ١٥٠٠ متهم فى ٦ يناير والقيود على الهجرة التى استحضرت قواعد الاستبعاد فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
عندما استدعى ترامب الكثير من الماضى الأمريكى فقد جمع كل ذلك فى نسيج من ما أسماه "التحرير" والذى أدى إلى هذا الاستنتاج الذى بدا متعارضًا مع المشاعر العامة: "الوحدة الوطنية تعود الآن إلى أمريكا والثقة والفخر فى ارتفاع غير مسبوق". هذا ما أريد أن أكونه ــ صانع سلام وموحد"، هكذا قال ترامب.
ولكن هناك سؤالا واحدا معلقا فى الهواء، كما يحدث عادة فى مثل هذه اللحظة المفصلية. إنه سؤال يجب عليه أن يعالجه، ولكن الأهم من ذلك أنه شيء يجب أن يؤخذ فى الاعتبار مع بدء إدارته الثانية بتصريح مفاده أنه يحمل رياح التاريخ خلف ظهره: من الماضى الأمريكي، ما الذى يستحق أن نحمله إلى المستقبل الأمريكي؟