إذا سألت أى تطبيق من تطبيقات الذكاء الاصطناعى عن ماهية «الترامبية» سوف يجيبك أن «الترامبية» هى مصطلح يشير إلى السياسات أو المواقف المرتبطة بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب؟ وأن «الترامبية» تتمحور حول مواقف قومية شعبوية غالبًا ما تُستخدم للإشارة إلى أفكار وسياسات معينة تتبناها إدارة ترامب، مثل القومية الأمريكية المتشددة، والحد من الهجرة، وتركيز الاقتصاد على القضايا الداخلية، وتعزيز هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى نهج «أمريكا أولاً».
هذا التعريف قد يشكل مدخلا لما سوف تكون عليه السنوات الأربع القادمة؛ ويفكك ويفسر الكثير مما اشتمل عليه خطاب التنصيب، صحيح أن الخطاب جاء مجسداً لحالة «الترامبية»، ومكملا لتعهدات حملة ترامب الانتخابية، جوهره الأساسى القضايا الداخلية على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، لكن تداعيات وتأثير تلك السياسات على العالم سوف يكون واسع الأثر والنطاق خاصة فيما يتعلق بالمسائل التجارية والاقتصادية. وخطاب تنصيب ترامب وما تبعه من تصريحات متتالية للرئيس الأمريكى يرسم ملامح مختلفة ليس فقط لأمريكا مختلفة، لكن لعالم ونظام دولى مختلف. وولاية ترامب الثانية بكل تأكيد ولاية مختلفة، لأن العالم الذى تركه ترامب فى 2020 ليس كالعالم الذى عاد إليه رئيساً لأكبر دولة فى العالم فى 2025. لذلك؛ من المتصور أن هذه التداعيات وهذا الأثر سوف يمتد حتى ما بعد انتهاء الولاية الثانية للرئيس ترامب بعد 4 سنوات. خاصة وأن ترامب يسعى لتطبيق تعهداته الانتخابية كما وعد بها، وهو ما حصل بالفعل فى خطاب التنصيب. ترامب أشهر سيفه أمام أصدقائه قبل أعدائه، وكما وعد سوف أضغط على الخصوم بقوة، وعلى الحلفاء بقوة أكبر. وتصريحاته تجاه الاتحاد الأوروبى الحليف التقليدى خير دليل.
من الواضح من خطاب التنصيب وما تبعه من أوامر تنفيذية أن قضايا الرسوم الحمائية الجمركية، الهجرة، والطاقة سوف تكون أم القضايا بالنسبة لترامب الذى أعلن حالة الطوارئ فى قطاع الطاقة، يريد الانتقال بالولايات المتحدة الأمريكية من الاستراتيجيات التقليدية المعتادة المتعلقة بأمن وتأمين الطاقة إلى تحقيق هيمنة أمريكية خالصة فى قطاعات الطاقة التقليدية. ويريد عودة الصناعة لبيتها الأول الولايات المتحدة الأمريكية عبر طريق الرسوم الحمائية، حتى لو أشعل ذلك حرباً تجارية مع التنين الصينى يشتعل معها الاقتصاد العالمى كله.
من وجهة نظر ترامب الصين هى العدو والمنافس الأول للتفوق والهيمنة الأمريكية، والعالم بأكمله سوق كبيرة مفتوحة، يحكمها منطق الصفقة، حتى السلام وقضاياه بالنسبة لترامب صفقة يجب أن يستفيد منها كل الأطراف، والأهم الاستفادة والمصلحة الأمريكية. حتى فى نظرته لغزة وما وقع من دمار لا مثيل له، لكن ليس مهما الدمار أو حجم الضحايا، المهم الموقع المثير للاهتمام لغزة على البحر وطقسها الساحر، نظرة رجل أعمال أو إن صح التعبير مقاول متخصص فى إنشاء المنتجعات السياحية.
فلسفة ترامب للسلام تعتمد مقاربات المال والأعمال والصفقات القائمة على تحقيق المنافع الاقتصادية ثم السياسية دون معالجة حقيقية للقضايا الجوهرية والأسباب الجذرية للصراع. تصريحاته مقلقة هذه حربهم وليست حربنا، ولا أتوقع استمرار اتفاق الهدنة تصريحات تطلق يد إسرائيل لاستكمال مخططاتها التوسعية فى المنطقة، وتعيد شحن آلة الحرب الإسرائيلية المتعطشة دائما وأبدا للدماء.
لكن رغم ذلك كله؛ الطريق ليس ممهدا ومفروشا بالورود لترامب وسياساته، سوف يصطدم بعقبات دستورية وقانونية وتشريعية فى الداخل، وبمصالح الدول الكبير منها والصغير على مستوى النظام الدولى. لكن بكل تأكيد العالم ما بعد 4 سنوات أخيرة من الـ«ترامبية» لن يكون كما كان قبلها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: إسرائيل الاقتصاد العالمي د وليد عتلم الرئيس الأمريكى الذكاء الاصطناعي المتحدة الأمریکیة
إقرأ أيضاً:
في ظلّ ما يجري في أمريكا: العالم إلى أين؟
أهي النهاية؟ سؤال يدوّي في أدمغة قاطِنِي المعمورة من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، فبمجرد أن انخرط "ترامب" في إصدار قراراته المستفزّة؛ انهمك كلّ من يسكنون الليل والنهار في حسابات معقدة مشحونة بالكآبة والتشاؤم، فهل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؛ تحتمها وتفرضها على الناس تدافعات اقتصادية كبرى، فرضتها وستفرضها قرارات ترامبية متشنجة؟ أم إنّها نهاية العالم التي بشّرت بها الأصولية الأمريكية من قبْلُ على يد جيمي سواغرت وجيري فلوليل وهول لندسي، وإن فارقت في أسلوبها التراجيديا الأصولية إلى تراجيديا اقتصادية أبطالها هم خريجو المدرسة اليمينية من أمثال "الرئيس!" ونائبه ووزير خارجيته ورئيس أركانه، وصُنَّاعها رأسماليون عنصريون من أمثال أيلون ماسك؟
نظرية التخريب المتعمد وشواهدها
لا أظنّها مجرد انعكاس لنظرية المؤامرة، ولا أحسبها إلا دراسة استشرافية اعتمدت الأحداث الجارية في أرض الواقع شاهدا أكيدا، وما فيها من غرابة وجنون ليس مصدره استنتاج غريب مجنون، وإنّما مصدره ما تتسم به الأحداث ذاتُها من شطط؛ مَن كان يتصور أنّ عدة أسابيع فقط كانت كافية في تقويض هرمٍ ضخم لَطَالَما تفاخرت به الإمبراطورية الأمريكية، وهو ما يسمى في عالم الحكم والسياسة بسيادة القانون؟! وفي سلب روح المؤسسة من جسد دولة عمّرت قرنا ونصف قائمة على المؤسسات؟ وفي إفراغ أجهزة الدولة الأمريكية من الكفاءات واستبدالها بموالين للحاكم؟
هل يريد الرأسماليون الكبار تفكيك النظام الدوليّ وإنهاء دور أمريكا؛ ليحلّ محلّه نظام جديد يكونون فيه أكثر تسلطا على رقاب العباد وجيوبهم؟ ومَنْ يا ترى وراء هذه الألعاب المنغمسة في الفساد؟ من الذي وراء القرارات التي تخفض اليوم ما رفعته بالأمس وتلوِّح برموز غامضة؛ ليقع صغار المستثمرين في شِباك يخرجون منها وقد انحدرت أموالهم من جيوبهم إلى خزائن إيلون ماسك وأضرابه؟!
لقد صار السؤال اليوم -في ظلّ اللايقين السياسيّ- هل سيكون في أمريكا بعد اليوم تداول للسلطة أو انتخابات يراقب العالم الحرّ نتائجها؟ فهل وقع ذلك كلّه فجأة؟ ثم من هذا الذي يظهر في الخلفيّة وكأنّه يلقن ترامب ما يقوله ويملي عليه ما يفعله؟ أليس هذا الزئبقيّ اللزج هو إيلون ماسك الذي يمتلك مئات المليارات ويتطلّع للمزيد؟ أليس هو ذلك العنصريّ الصهيونيّ المتآمر؟ وأخيرا، لماذا هذه الثورة العفوية على سيارات "تسلا"؟
لا بدّ أنّ الشارع الأمريكيّ الثائر (الذي سيظلُّ يثور إلى أن تُسْلِمه ثورته إلى استعادة سنة الآباء المؤسسين أو تردّه الترامبية إلى حرب أهلية تأتي على الإمبراطورية بالخراب واليباب) قد وعى -وللشارع وعي عفوي تلقائي يسبق وعي البُلَغاء- أنّها مؤامرة كبيرة وخطيرة، مؤامرة جماعات الضغط المنتفعة التي لَطالما حذّر منها كبار المفكرين طوال التاريخ الأمريكيّ، فهل يريد الرأسماليون الكبار تفكيك النظام الدوليّ وإنهاء دور أمريكا؛ ليحلّ محلّه نظام جديد يكونون فيه أكثر تسلطا على رقاب العباد وجيوبهم؟ ومَنْ يا ترى وراء هذه الألعاب المنغمسة في الفساد؟ من الذي وراء القرارات التي تخفض اليوم ما رفعته بالأمس وتلوِّح برموز غامضة؛ ليقع صغار المستثمرين في شِباك يخرجون منها وقد انحدرت أموالهم من جيوبهم إلى خزائن إيلون ماسك وأضرابه؟!
اللايقين الاقتصادي وآثاره المدمرة
على الرغم من تعليق ترامب إجراءات زيادة التعريفة الجمركية لثلاثة أشهر -بعد أن كان قد فاقمها بشكل مزعج- فإنّ تراجعه هذا لا يعطي الطمأنينة التي لا بدّ للاقتصاد الدولي أن يتزود بها لينطلق من جديد؛ وذلك لافتقاد اليقين بسبب التأرجح المزاجي للكينونة الترامبيّة.
يقول دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي: "يظهر أننا اخترنا الاستراتيجية الصحيحة: التركيز على المفاوضات، مع ممارسة الضغط للوصول إلى هذه النقطة"، وقال إن التحدي المستمر ينبني على التنبؤ بالتحركات التالية لرئيس لا يمكن التنبؤ بردة فعله، وأضاف: "نحن نوازن باستمرار بين الحزم وبين ترك مساحة لتسلق ترامب". ويقول "كارستن بريسكي"، الموظف المالي السابق في الاتحاد الأوروبي: "إن الخطر هو أن الأيام التسعين القادمة ستتميز بعدم اليقين، وعدم اليقين يعيق الاستثمارات والاستهلاك".
هل لنا نحن العرب والمسلمين مخرج مما هو آت؟ وحتى نجيب على السؤال إجابة صادقة وموضوعية لا بد من النظر إلى الروافع من جهة والمحاذير من جهة أخرى، فأمّا ما تتمتع به أمتنا العربية والإسلامية من الفرص والروافع فكثير وفير، فنحن أمّة -لو شاءت- لاكتفت ذاتيّا من الناحية الاقتصادية؛ فجميع المقومات مبثوثة في أنحائها، ولا يعوزها إلا اتخاذ القرار بالتكامل الاقتصاديّ
يحْدُث هذا كلُّه وسط أجواء ملبدة بالغيوم والشكوك الكبيرة بين الولايات المتحدة وبين الدول الأخرى بما في ذلك حلفاؤها؛ بسبب تحول ترامب ضد أوكرانيا في حربها مع روسيا، وبسبب تشكيكه في المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو المتعلقة بالدفاع المشترك، مما يضخم المخاوف من عدم استعداد الولايات المتحدة للوفاء بوعودها.
مستقبل الهيمنة الدولارية
من المؤكد أنّ استمرار الهيمنة الدولارية بات أمرا لا مسوغ له في حلق الزمن القادم، صحيح أنّ الدولار لا يزال يتمتع بالمقومات التي تؤهله لأن يكون العملة الاحتياطية الأولى في العالم، وصحيح كذلك أنّ البدائل الأخرى كالذهب والعملات الرقمية ومقترح مجموعة بريكس والمقترح الصيني لا تزال ضعيفة وغير قادرة على أن تحلّ بديلا عن الدولار؛ لأسباب كثيرة يتعلق أغلبها بظروف أصحاب المقترح وتضارب مصالحهم، وإذا كنت منطقة اليورو على تضامنها وتضامّها لم تنجح إلا قليلا في زحزحة الدولار عن عرشه؛ فكيف بمناطق ومكونات أضعف نفوذا وأقلّ تماسكا؟! لكن في ظلّ الإجراءات العاصفة التي تفاجئ العالم ولا يسلم منها عدو ولا صديق يتحتم البحث عن عملة احتياطية أخرى تواجه التحديات التي يخلقها باستمرار تقلب المزاج الترامبيّ، ومن هنا نرى أنّ المخاطر تحفّ بالدولار.
هل للمسلمين والعرب مخرج؟
هذا هو السؤال الأهم والأجدى: هل لنا نحن العرب والمسلمين مخرج مما هو آت؟ وحتى نجيب على السؤال إجابة صادقة وموضوعية لا بد من النظر إلى الروافع من جهة والمحاذير من جهة أخرى، فأمّا ما تتمتع به أمتنا العربية والإسلامية من الفرص والروافع فكثير وفير، فنحن أمّة -لو شاءت- لاكتفت ذاتيّا من الناحية الاقتصادية؛ فجميع المقومات مبثوثة في أنحائها، ولا يعوزها إلا اتخاذ القرار بالتكامل الاقتصاديّ، ونحن أمّة -لو شاءت- لتحصنت دفاعيّا؛ فجند الله الصادقون منتشرون في ربوعها، ولا ينقصها سوى الجرأة على إحداث تحالف عسكريٍّ حقيقيٍّ، وإذا حلمنا بسوق عربية مشتركة وحلف سُنّيٍّ مشترك فلن نحتاج لتحقيق ذلك إلا أن نشاء، فهل تفعلها الأنظمة في بلادنا؟ وإذا لم تفعلْها فهل تظنّ أنّ عروشها بمنأى عن الخطر؟ وإذن فستدرك أنّها لم تقرأ المشهد بشكل صحيح، وأمّا المحاذير فلا أراها خافية على أحد، وحسب كلّ باحث عن الحقيقة أن يعلم أنّ محور الصراع سيكون ممتدا في المساحة التي يقطنها خيار الأمة وسوادها الأعظم، هذا هو البلاء المنهمر؛ فهل من مدّكر؟!