الخوف الذي لا ينتهي إلا بالرحيل!
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
لم أكن أعلم أن ثمة خوفًا جبارًا يترسخ في الذات الإنسانية، يعصف بالقلب والعقل وسائر الجسد مدى الحياة، هذا الخوف كان حاضرًا في مسارات الحياة جليا في عيون «أبي وأمي»، كنت كغيري من الأطفال الذين ينزعجون كثيرا من المراقبة الشديدة للخطوات والعثرات، ومن الحصار المطبق أينما توجهنا في سيرنا البطيء والتوجيه المستمر بالنهي والشدة، وأحيانا قسوة العتاب الذي لا يغيب عن البيت يوما واحدا، لكن عندما يداهمني المرض أجد أن لدي طاقمًا طبيًا وتمريضيًا يحيط بي من كل جانب، اهتمام لا يوصف وحلقة مترابطة تشد بعضها البعض من أجل العناية بي.
كان أبي مولعًا بجلب عصير البرتقال المعلب، كان حباته بمثابة حبوب أتناولها عند المرض، وأمي تشدد على ضرورة احتسائي لبعض المشروبات الساخنة كالزنجبيل والليمون وغيرها معتبرة كل هذه المحفزات أمرا ضروريا لطرد المرض الذي يتربص بي وبصحتي.
فلا تكاد أي وعكة صحية تمر بي، إلا وأجد «أبي وأمي» بجانب رأسي يراقبون الوضع عن كثب، وتفاصيل وجوههم تفضح ما يسرون في أعماقهم من قلق وخوف خاصة عندما تهاجمني الحمى بشدتها، أو تنهار مصادر القوة التي تعينني على الحركة بسهولة من آثار المرض.
هذا الخوف لم أحس بقوته وسطوته إلا عندما أصبحت في مكانهم، فالأطفال هم الدم الذي يسري في شرايين الجسد، والأم والأب هما الشموس التي تنثر خيوطها وضياءها في أركان المنزل والأماكن بشكل عام، وعندما تغرب شمس الضياء وترحل هذه الكواكب التي تحيط بنا تتهاوى أركان المنازل شيئا فشيئا وكأن الريح هي التي تعصف بكوخ أرهقته السنين وفقد الحياة برحيل من كان فيه، لا يموت الخوف إلا عندما يموت أصحابه.
فكم من منازل كانت عامرة بالحب والحياة؛ لأن أركانها كانت متينة وصلبة أمام التغيرات التي تحدثها السنين، المنازل التي كنا نحسبها بأنها صامدة أمام عجلة الزمن تهاوت عندما لم يعد هناك عائل يخاف على أطفاله.
لأول مرة أوقن بأن الخوف هو شيء إيجابي، رغم أن الصورة القديمة التي أحفظها له أنه شيء مرعب ومحزن، فكلما كان هناك خوف من الفقد كان هناك اهتمام بالغ يشعرنا بأننا نعيش الحياة بوجه مختلف.
الأجيال تسلم بعضها البعض... حقيقة لا جدال فيها، فهناك ترافق وتتالٍ ما بين جيل وآخر، الآباء والأمهات خوفهم يمتد منذ ولادتنا وحتى لحظة الفراق، البيت الذي تنطفئ فيه شمعة الأب أو الأم أو كليهما هو بيت مظلم لا حياة فيه ولا بقاء لسكانه.
سنوات من العمر تمضي ويزداد الخوف على الأبناء حتى وإن كبروا لا ينقص من حبهم وخوفهم يوما، أطفالنا لا يشعرون بمدى القلق الذي ننزفه كل لحظة حزن وألم نمر بصحرائها نحن الأمهات والآباء، هم لا يدركون بأننا نتمنى أن يبقوا ونحن من يرحل، لا يعرفون أننا نموت ونحيا معهم في كل عارض صحي أو نفسي أو اجتماعي أو أي خطر يحدق بحياتهم.
أطفالنا الصغار يكبرون أمام أعيننا ولا نزال نحس بأنهم لا يزالون صغارا حتى وإن تغيرت ملامحهم، رائحتهم القديمة، وتفاصيل مراحل أعمارهم لا تزول من أنوفنا، حتى وإن بلغوا من العمر ما بلغوا، بل تظل أشياؤهم معنا تتجدد كنهر يتدفق كل صباح ومساء ولا ينبض إلا عندما تجف ينابيع الحياة في أجسادنا التي ستبلى مع الزمن.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
السيسي: أنا مجبتش حق حد.. والشر لن ينتهي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي رسالة للمصريين قائلا: حافظوا على بلدكم، مؤكدا أن شهداء مصر حافظوا على بلدهم وقدموا أرواحهم فداء لها وأن مصر لن تنسي شهداءها
وقال الرئيس السيسي: إن تضحيات وبطولات الشهداء والمصابين هي من حافظت على الدولة المصرية، أنا مجبتش حق حد، أنتوا اللى جبتوا وحافظتوا على بلدكم، مؤكدا إن الشر لا ينتهى.
وتابع الرئيس: كل نقطة دم حافظت.. كل روح راحت لربنا حافظت على البلد.. كل إنسان قدم نفسه لربنا هو اللى حافظ على البلد.. دي الحقيقة.. والكلام ده بنكرره.
ويشهد الرئيس السيسي اليوم الاحتفال بالذكرى الـ73 لعيد الشرطة، والذي يوافق 25 يناير من كل عام، وذلك بمجمع المؤتمرات بأكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة.
ويمثل عيد الشرطة ذكرى غالية في سجل الوطنية المصرية، حيث يوافق معركة الإسماعيلية المجيدة التي تجسدت فيها بطولات رجال الشرطة وقيم التضحية والفداء والاستبسال دفاعا عن تراب الوطن
وتحتفل مصر فى ٢٥ يناير الجارى بالذكرى الـ٧٣ لعيد الشرطة، فى أكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس، تخليدًا لذكرى معركة الإسماعيلية عام ١٩٥٢، التى سقط فيها ٥٠ شهيدًا و٨٠ جريحًا من رجال الشرطة والتى أشعلت شرارة ثورة ١٩٥٢