عشر همسات في آذان الثوار بعد تحرير سوريا

إذا كنت من ثوار الشام الأبرار وفتيتها الأطهار فأرعني سمع قلبك، وخذها عن ثائرٍ محبّ، عشر همساتٍ أذكِّر بها نفسي وإياك، حمية لثورتنا وتعزيزا لإيماننا وتصحيحا لمفاهيمنا وتنويرا لطريقنا..

1- إنما النصر من عند الله:

يُبطل العمل ويُذهب البركة والمعية، أن نعتقدَ أن إعدادَنا وجهادنا وحده هو من صَنَعَ نصرنا وحقق حريتنا "قَالَ إِنَّمَاۤ أُوتِیتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِیۤ".

. أحِلِ الفضل لله وحده، واحمده على توفيقه لحسن الإعداد وتحصيل الإمداد، فإنما حققنا نصرنا بمعية الله، ونلنا حريتنا بفضل الله "وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ".. وقلَّما تأتي الواردات الإلهية إلا بغتة لئلا يدعيها العباد بوجود الاستعداد.

2- ولولا أن ثبتناك:

إذا كنت ثائرا قد شرَّفه الله بالثورة، أو كنت مجاهدا قد وفقه الله لرفع راية الجهاد وخوض المعارك، أو كنت مهاجرا قد كُتبت عليك هجرة بيتك وأرضك مرغما مضطرا، أو كنت مضحيا قد ابتلاك الله بالإصابة أو فقد أحبابك وضياع مالك، فصبرت واحتسبت وما غيّرت ولا بدّلت.. فتذكَّر أنَّ ثباتك عطاءُ الله لك، وأن صبرَك فضلُ الله عليك، فاحمد الله على عطائه وفضله، واسأله الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد والهمة في أبواب الخير جميعا: "وَلَوۡلَاۤ أَن ثَبَّتۡنَـٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَیۡهِمۡ شَیۡـࣰٔا قَلِیلا"، "وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی هَدَىٰنَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِیَ لَوۡلَاۤ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ".

بادر وكن إيجابيا، خذ بعنان فرسك وعزّز روح الجندية في نفسك، واكتشف مزيتك، وابحث عن ثغرك لترابط فيه، وعن ميدانك لتساهم من خلاله
3- إليكم قاعدة جبريلية:

لا تضعوا سلاحكم فلم ينته التحرير بعد! وما زالت رؤوس الأفاعي تطلُّ باحثة عن فرصها. وقبل القضاء على آخر مجرم متورطٍ أو محتلٍ متربّصٍ لا يجوز لنا وضع السلاح، فلا تركنوا لفرحة النصر ولا تقعدوا عن تتبع الفلول، وكلّما ضعفت ذاكرتكم أو رقَّ قلبكم اشحذوه بذكرى المجازر الجماعية والأسيرات العفيفات والسجون السوداء، وتذكروا قاعدة جبريل الذهبية؛ فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق، ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام فقال: قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، فاخرج إليهم، قال: فإلى أين؟ قال: ها هنا وأشار إلى بني قريظة.. وقد امتلأت ديارنا بالقريظيين الغادرين فلنقطع دابرهم أبد الآبدين.

4- عرفتَ فالزم:

قد ذقنا حلاوة انتصار الحق كما ذقنا مرارة الدفاع عنه، وعرفنا معنى العيش لقضيةٍ شريفة، ورأينا كيف أعز الله أصحاب الحق وأذل المجرمين ومن والاهم، وهذه جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل، فلنوطِّن أنفسنا أن نكون دائما في جانب الحق فهو معيار الانحياز والموالاة، ولنتابع الطريق مع الحق وأهله ندور معه حيث دار، ونختار المواقف تبعا له لا تبعا للبشر فهم عرضة للافتتان..

علِّم ذاتك أن تأخذ المواقف المشرفة في كل محنة وقضية، وأن تكون في الجانب الصحيح فلا تضطر أن تكوِّع يوما ما لسوء اختيارك أو ضعف موقفك.. لنحيا أعزة بديننا منشغلين بقضايا أمتنا، مترفعين عن سفاسف الاهتمامات وتوافه الأمور..

مـا قـيد الـفكرَ مِـنَّا جورُ طاغـيةٍ    أو أوهن العزمَ بطشُ المستـبدّيـنـا
غـرامـنا الحـق لم نـقبل به بدلا    إن غيرت غِـيَرُ الدنيا المحـبـيـنا
نفوسنا السلسل الصافي فإن غضبتْ    للحق ثارت علـى الباغي براكـيـنا
عـشـنا أبيين أحرارا فإن هلكـتْ    في الحـقّ أنـفُسنا متنا أبـيّــينـا

5- طوبى لآخذٍ بعَنان فَرسه:

انقضت حقبة الظلام وطلعت أنوار الفجر، فدع عنك تخوفاتك وهواجسك، ولا تعطِ أذنك للمثبطين، أولئك لو كانوا في زمان عمر رضي الله عنه لنظَّروا عليه واتَّهموه، ولا تتوقع الكمال في أحد، واسأل عن دورك وعملك قبل أن تسأل عن تقصير الآخرين، ولا يعيب العاملين أن يخطئوا، إنما يعيبهم أن يتمسكوا بخطئهم، أو يقلبوا الخطأ صوابا، أو ينزّهوا أنفسهم عن البشرية.

لذا بادر وكن إيجابيا، خذ بعنان فرسك وعزّز روح الجندية في نفسك، واكتشف مزيتك، وابحث عن ثغرك لترابط فيه، وعن ميدانك لتساهم من خلاله.

6- حتى لا تذهب ريحنا:

لنحذر الاختلاف بعد الائتلاف، ومن ذاق حلاوة الاتفاق عافت روحه مرارة الافتراق، "إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ فَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَا⁠نࣰا"، والعصمة كامنة في وحدة الصف، والتمكين مقرونٌ بطاعة الله ونبذ التنازع "وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَـٰزَعُوا۟ فَتَفۡشَلُوا۟ وَتَذۡهَبَ رِیحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ.. اصبروا؛ لأن وحدة الكلمة ونبذ التنازع يحتاج إلى الصبر؛ الصبر على قبول الآخر والتنازل له، وعلى تحمّل الانخراط في الجندية بعد القيادة، وعلى التخلي عن الرأي الخاص بعد القرار العام.. واصبروا لأن أعداءكم ستفزعهم وحدتكم، فيحرِّشوا بينكم، ويوقعوا بينكم العداوة والبغضاء، فاصبروا وصابروا لأن الله مع الصابرين..

7- لينوا بأيدي إخوانكم:

أيها الحبيب الممتلئ غيرة على الدين وحرقة عليه، أيها المجاهد الصنديد الذي عرفته سوح الوغى، أيها الداعية الصادق في لهجته الغيور على قضيته، لست أنت الأمة بل أنت بعضها، وليس حزبك أو فصيلك الجماعة بل هو جزء منها، ولست وحدك صاحب التحرير مهما بلغت تضحياتك بل أنت أحد صانعيه.. فلا تنظر لإخوانك باستعلاء أو وصائية، بل انظر لمن حولك من إخوانك وأبناء ثورتك بعين المحبة، وعاملهم بروح التكامل، فلكلٍّ ما يجيده وكلُّ جماعة على ثغر..

إياك إياك وتضخيم الخلاف في الفروع فهذا اختلاف إثراء، إياك وعقد الولاء على مسائل الاجتهاد، إياك وتتبّع العثرات وتقفّي الهفوات.. لينوا بأيدي إخوانكم، وبثّوا بينكم نسيم الألفة والأخوة، تراحموا وتناصحوا، ووازنوا بين الشدة في تتبع الفلول والرحمة في العلاقة بالناس "أَشِدَّاۤءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَاۤءُ بَیۡنَهُمۡۖ".

8- الحكمة ضالة المؤمن:

لا تأخذك نشوة النصر أو غرور الغلبة، فتظنَّ أننا سنستعيد القدس والأندلس في يومٍ أو يومين، فما تحقَّق من النصر المبين -بعد فضل الله- كان حصيلةَ كفاحٍ طويل وتخطيط وسياسية وإعداد، ولا بد أن ندرك حجمنا وحجم ما يكاد لنا ويُخطط، وأن نقدّر إمكاناتنا ونرتب أولوياتنا.. وإنَّ بلدا هدمته ألف يدٍ عقودا طويلة لا يمكنُ أن يصبح مدينة فاضلة بيدٍ واحدةٍ في يوم وليلة، فركِّزوا وتدَّرجوا..

ما أحوج القيادة الجديدة اليوم إلى تطبيق معايير الحكمة السياسية، التي ترسِّخ الثوابت وتجتهد في المتغيرات وفق مراتب المصلحة، والتي توائم بين القيم الإسلامية والنظم المعاصرة، وتفقه الواقع وتجيد تكييف المسائل ثم تُحسن تنزيل الأحكام على الوقائع. إن هذه الحكمة المنشودة تقتضي أول ما تقتضي اختيار بطانة الخير الأمينة المتخصصة، وإسناد المهام إلى أكفائها الأمناء، ثم التحرّك وفق فقه الموازنات في التعامل مع إكراهات السياسة
بمقدار فرحنا العظيم فإنه لا بد أن نكون حذرين مما هو قادم، فنكساتنا وإخفاقاتنا القريبة تدعونا لدراسة التجارب والاعتبار بما مضى.. فما أحوج القيادة الجديدة اليوم إلى تطبيق معايير الحكمة السياسية، التي ترسِّخ الثوابت وتجتهد في المتغيرات وفق مراتب المصلحة، والتي توائم بين القيم الإسلامية والنظم المعاصرة، وتفقه الواقع وتجيد تكييف المسائل ثم تُحسن تنزيل الأحكام على الوقائع. إن هذه الحكمة المنشودة تقتضي أول ما تقتضي اختيار بطانة الخير الأمينة المتخصصة، وإسناد المهام إلى أكفائها الأمناء، ثم التحرّك وفق فقه الموازنات في التعامل مع إكراهات السياسة -وما أكثرها في واقعنا- من خلال ترجيح المصالح ودرء المفاسد، ودفع المفاسد العظيمة بارتكاب المفاسد الصغيرة.. كما تقتضي هذه الحكمة ذكاء وبراعة في إدارة الملفات على مستوى الممارسة؛ من تحييد الخصوم، وتأجيل بعض الملفات، وتوظيف تقاطع العلاقات، وتطمين المتوجسين، والتحالف مع المتضامنين، وتجميد بعض الجبهات حتى تقوى الجبهة الداخلية ويتم تكريس الأمر الواقع.

9- وأن هذه أمتكم أمة واحدة:

جراح المؤمنين واحدة وآلامهم واحدة، والدم المسلم اليوم ينزف في أماكن عديدة..

أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ    تجده كالطير مقصوصا جناحاه

فلا تظن أنك نجوت طالما بقي إخوانٌ لك في الشرق أو الغرب يعانون القمع والاضطهاد، ولا يشوشنَّ عليك أن يقال: لم يشعر بنا أحد! فهذه مغالطة مركّبة، فقد شعر بنا الصادقون في أخوّتهم وإن لم تصلنا كل أخبارهم أو خانتنا حكوماتهم، كما أن تقصير بعضهم لا يبرر عدم اهتمامنا، فكن أنت الصادق المصدوق، ومن لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم..

قد أرادوا لنا أن نفكر بنجاتنا ولا نعبأ بجراح غيرنا، أرادوا لنا أن نقنع بسجنٍ كبير نسميه الوطن وننسى انتماءنا إلى عالمٍ رحيبٍ اسمه الأمة الإسلامية..

يا أخي المسلم في كلِّ مكانٍ وبلد    أنت مني وأنا منك كروحٍ في جسد
وحدةٌ قد شادها الله أضاءت للأبد   وتسامت بشعار قل هو الله أحد

10- استعدوا للمعركة التالية:

ربما تخيلنا للحظة أننا أمام النصر الذي لا تحدي بعده يواجهنا، ولا عدو بعده يغالبنا، والحقيقةُ أننا انتقلنا من معركةٍ إلى أخرى "وَلَا یَزَالُونَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ یَرُدُّوكُمۡ عَن دِینِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَـٰعُوا۟"، فسنّة الله في الصراع بين الحق والباطل مستمرة، لذا وطِّن نفسك لنوع جديد من الجهاد والكفاح، فنحن مقبلون على اختبار التمكين بعد اختبار التحرير، "قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُون"، وجهِّز نفسك للصعاب القادمة فأمامنا حمل عظيم وفراغ كبير، وبين أيدينا مكائد ودسائس، ومكر تزول منه الجبال، فاللهم عونك ومددك..

المصدر: عربي21