المصور العُماني سعود البحري: الصورة الضوئية تعكس الفلسفات والرؤى التي يحملها الفرد ومرآة لكل ما هو إنساني
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
"العُمانية": يرى المصور الضوئي العُماني سعود البحري أن الصورة الضوئية تأخرت قليلاً في دخولها إلى نادي الفنون البصرية عالميًّا، من ناحية التصنيف الأكاديمي داخل مدارس الفنون وصالات عرض الأعمال الفنية في أوروبا، مهد الضوئيات خاصة في (فرنسا وإنجلترا)، كان هذا الاستبعاد بسبب النظر إلى المصور الضوئي كشخص يقوم بتسجيل الواقع كما هو بواسطة آلة التصوير، دون إبداع يُذكر، حيث لم يكن المصور يضيف أي شيء إلى الموضوع.
ويشير البحري الذي انضم إلى نادي التصوير الضوئي بالجمعية العُمانية للفنون التشكيلية في عام 1993، أنه ومنذ ذلك الحين أصبحت الصورة الضوئية جزءًا لا يتجزأ من حياته، فدراسته للتصوير الضوئي عن طريق المراسلة في معهد نيويورك للتصوير الضوئي أتاح له فهمًا عميقًا لفلسفة التصوير وتقنياته، ما أسهم في تطوير مهاراته الفنية بشكل ملحوظ.
وفي سياق تجربته الفنية يقول البحري: "أهتم بالاطلاع على الفنون الأخرى، مثل فنون الرسم بمدارسها المختلفة، فهذا يفتح المدارك ويسهم في توليد الأفكار".
وحول رؤيته الفنية فيما يتعلق بمسيرة التصوير الضوئي في سلطنة عُمان وما تم تحقيقه من إنجازات كبيرة وأشواط نوعية، خاصة وأن المصور العُماني أصبح في طليعة الفنانين العالميين وتحصّل على جوائز عالمية مرموقة هنا يقول البحري: "إذا أخذنا عام 1993 كنقطة انطلاق رسمية للتصوير الضوئي مع تأسيس نادي التصوير الضوئي، سنجد تدرجًا واضحًا في مسيرة التصوير الضوئي في سلطنة عُمان. كانت فكرة الانطلاق إلى الساحة الدولية واضحة منذ البداية. قامت إدارة النادي في تلك الفترة، وهي مؤسسة تطوعية، بوضع خطط ما زلنا نجني ثمارها حتى اليوم، من بين هذه الخطط، كانت هناك مسابقات لأعضاء النادي لتشجيع الاستمرارية وصقل المواهب، وتم ابتكار فكرة المعرض والمسابقة السنوية. كما تم تشجيع الأعضاء على المشاركة في المسابقات العالمية، حيث كانت الصور تُرسل مطبوعة".
ويضيف: كل تلك الجهود مهدت لانضمام نادي التصوير الضوئي كممثل لسلطنة عُمان إلى المنظمة الدولية للتصوير الضوئي (FIAP) في تسعينيات القرن الماضي. سرعان ما تمكن المصورون العُمانيون من ترك بصمة خاصة في هذه المنظمة العالمية وإبهار الجميع بأعمالهم الضوئية الإبداعية والحصول على الجوائز، وعند النظر بعمق إلى المشهد الضوئي العُماني، نجد أنه ما زال يعتمد على المجموعات ربما يعود ذلك إلى الإشراف والتمويل المؤسسي الذي يميل إلى رؤية فنية جماعية أكثر من الفردية.
ولأن المصور "البحري" عاصر الجيلين الأول التقليدي والثاني /الرقمي/ الحديث، من المصورين العُمانيين، وشهد العديد من نقاط التحول في شأن النهوض بالصورة الضوئية، هنا يقف عند تلك النقطة، ويوضح: "مرت مسيرة التصوير الضوئي في سلطنة عُمان بعدة مراحل، بدأت مع مجموعة صغيرة من المصورين الأوائل، الذين أطلق عليهم "جيل الأساتذة". هؤلاء المصورون شكلوا النواة الأولى للتصوير الضوئي في الثمانينات من القرن الماضي، وكان لي الشرف أن أنضم إلى هذا الجيل في بداية التسعينات". تميز هذا الجيل بإنتاج التصوير الكلاسيكي، وهو نمط يتميز بالبساطة وعدم التعقيد، والتركيز على العناصر الأساسية للصورة. يشمل هذا النوع من التصوير (الضوء والظل والأشكال)، ما يوجد تأثيرات جمالية مميزة. كما تميزت هذه الفترة باستخدام الكاميرات التقليدية والمواد الكيميائية لطباعة الصور، وهي تقنيات لم تكن متاحة للجميع بسبب تكلفتها العالية وتعقيدها التقني، ما أكسب المصورين احترام المجتمع.
ويضيف: "أدى دخول التقنيات الرقمية إلى تغيير المشهد التصويري على مستوى العالم، وكسر الاحتكار في إنتاج الصور الضوئية الاحترافية. إذا حصرنا الموضوع في الضوئيات العُمانية، سنجد التحول الكبير الذي حدث في عدد هواة التصوير الضوئي مع دخول الكاميرات الرقمية. عند إشهار نادي التصوير الضوئي عام 1993 تحت مظلة الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية، لم يكن عدد أعضاء النادي الناشطين يتجاوز 20 عضوًا. مع تأسيس الجمعية العُمانية للتصوير الضوئي عام 2012، شهدت الساحة التصوير الضوئي في سلطنة عُمان تحولًا كبيرًا من أسلوب التنظيم القائم على مجموعة من المتطوعين إلى كيان مؤسسي رسمي. هذا التحول منح الجمعية مرونة أكبر، ما أدى إلى زيادة عدد المشاركات وارتفاع سقفها، بالإضافة إلى تنوع عناوين المعارض، وهذا التغيير كان له الأثر الإيجابي الواضح، خاصة مع انضمام أعضاء من الجيل الثالث من الشباب الشغوفين والمبدعين في فنون التصوير الضوئي. هؤلاء الشباب جلبوا معهم رؤى جديدة وأفكارًا مبتكرة، ما أسهم في إثراء مشهد التصوير الضوئي العُماني وتعزيز مكانته على الساحة الدولية.
ويبيّن البحري أن كيف للصورة الضوئية أن تكون نافذة يستطيع المرء من خلالها الاطلاع على عوالمه الذاتية الداخلية، وهي تكشف عن تفاصيل الواقع المعاش وتُترجم لحظات الحياة إلى مشاهد ثابتة تحمل في طياتها كل ما هو إنساني وهنا يقول: هناك مصطلحات قلّما يتم تداولها: التقاط الصورة وصناعة الصورة. يشير الأول إلى كل من يسجل الصورة الضوئية بأي وسيلة كانت، وليس بالضرورة أن يكون ملمًا بتقنياتها وفلسفاتها. أما الثاني، فيتطلب تفكيرًا إبداعيًّا ويعبر عن رؤية الفنان أو المصور، ما يمكّنه من ملامسة جمهور واسع بطرق متعددة ومعقدة.
ويفيد: "الصورة ليست مجرد تمثيل للواقع، بل تعكس الفلسفات والرؤى التي يحملها الفرد، ويمكن أن تكون بمثابة مرآة لكل ما هو إنساني، بدءًا من تفاصيل معينة، حيث يمكن للصورة أن تكشف عن جوانب خفية من الحياة اليومية، ما يجعل المشاهد يعيد التفكير في تلك اللحظات، ويمكن أن تستعرض تنوع التجارب الإنسانية، وتعبر عن الثقافات المختلفة، وتساعد على فهم العالم من حولنا بشكل أعمق".
وفي كون أن الصورة جزءًا لا يتجزأ من الصناعات الإبداعية خاصة وأنها تشكل دوراً محوريًّا في التشكيل البصري للثقافة المعاصرة الحديثة هنا يوضح البحري: الصورة الضوئية تأخرت قليلاً في دخولها إلى نادي الفنون البصرية، على الأقل من ناحية التصنيف الأكاديمي داخل مدارس الفنون وصالات عرض الأعمال الفنية في أوروبا، مهد الضوئيات (فرنسا وإنجلترا)، كان هذا الاستبعاد بسبب النظر إلى المصور الضوئي كشخص يقوم بتسجيل الواقع كما هو بواسطة آلة التصوير، دون إبداع يُذكر، حيث لم يكن المصور يضيف أي شيء إلى الموضوع. ويضيف البحري: "من وجهة نظري الشخصية، ربما كان هذا التصنيف مقبولاً في ذلك الوقت، لأن أجهزة التصوير الضوئي البسيطة لم تكن توفر الإمكانيات التي تساعد المصور على إنتاج صورة ضوئية فنية. لكن هذا لا يعني أن المصور نفسه لم يكن يمتلك أفكارًا إبداعية. تغير هذا الوضع مع تطور آلات التصوير، ما أتاح للمصورين التحكم أكثر في نسبة الضوء المطلوبة وسرعة تجميد الأشياء المتحركة. كل هذه العوامل ساعدت المصور على التحول من تسجيل الواقع (التصوير) إلى إخراج فني من الواقع (صناعة الصورة)، ما سمح للمصور الضوئي بالحصول على الاعتراف وترقيته إلى لقب الفنان".
ولأن المصورين يرون أن الصورة وثيقة عالمية تتجاوز الحواجز المادية، هنا يتحدث البحري عن الكيفية التي من الممكن أن توجد لغة مشتركة عابرة للأطر الجغرافية وأن تكون جسرًا ثقافيًّا بين الشعوب ويقول: "تلعب الصورة دورًا بارزًا في تسجيل الهويات الثقافية ومشاركة التجارب الإنسانية المشتركة. من خلال الصورة، يمكن نقل تجارب وقصص المجتمعات، ما يعزز الفهم المتبادل. هذا يجب أن يتم بطريقة مدروسة ومنظمة، بصفتي مصورًا ومهتمًا بالفنون بشكل عام، أرى أن هذا الدور التنظيمي الرائع يتم تحت مظلة وزارة الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عُمان، فهي تشرف على منظومة ثقافية متكاملة، تشمل رعاية الفنانين الضوئيين ومشاركة أعمالهم خارج البلاد لنقل الجانب التراثي والثقافي والحضاري لسلطنة عُمان، كما تستضيف تجارب مصورين من دول أخرى لعرض أعمالهم محليًّا".
وفيما يتعلق بما قدمته التكنولوجيا في عوالم الصورة الضوئية وما يتعلق بالخطر الذي تواجهه في هذا السياق خاصة في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي مرورًا بتأثير الذكاء الاصطناعي على حقيقتها وما تواجهه من تحديات أخلاقية مقبلة كالتزييف والتلاعب في شأن حقيقتها ورسالتها الإنسانية هنا يوضح: تعد التكنولوجيا اليوم أحد أهم العوامل التي خدمت عوالم الصورة الضوئية بشكل كبير. فقد غيّر الإنترنت والوسائط الرقمية بشكل جذري طريقة عرض وتداول الصور. وقد استفاد المصور الضوئي الكلاسيكي من هذه التطورات بشكل ملحوظ، فبدلاً من الانحصار في معارض محلية، أصبح بإمكانه الآن نشر أعماله على منصات عالمية تصل إلى جمهور كبير. هذه السهولة في التوزيع أدت إلى تعزيز التواصل مع الجمهور وتبادل الآراء، ما يوفر للمصورين نوعًا من التفاعل الذي لم يكن ممكنًا في السابق.
ويشير: "عندما نتحدث عن الصورة الرقمية، وبفضل برامج تحرير الصور الحديثة، أصبح بالإمكان تعديل وتحسين الصور بشكل يسهل من الاستفادة منها تجاريًّا أو فنيًّا. تتيح هذه التكنولوجيا القدرة على التجريب بأساليب وتقنيات تصوير جديدة، ما يفتح آفاق الإبداع أمام المصورين. وبفضل تخزين الصور الرقمية، أصبح بالإمكان الاحتفاظ بكميات هائلة من الوثائق البصرية دون الحاجة إلى المساحات المادية الكبيرة. مع ذلك، تثير التكنولوجيا العديد من التحديات والمخاطر، خاصة فيما يتعلق بتوليد الصور الضوئية عن طريق الذكاء الاصطناعي. فتسهم هذه التقنية في فقدان الأصالة، إذ إن الصورة المولدة بالحاسب الآلي قد تفتقر إلى اللمسة الإنسانية التي تميز الأعمال الفنية التقليدية. كما أن إمكانية إنشاء صور مزيفة قد تؤثر على اقتناع الجمهور بالحقائق، ما يؤدي إلى تشويش الرسائل الإنسانية التي تحملها الصور. ولا يخفى على أحد أن هذه العوالم ستواجه تحديات متزايدة في مجال حقوق النشر، خاصة مع تزايد الصور المولدة آلياً.
ويجيب في السياق ذاته: أما عن مستقبل المصور الضوئي والصورة الضوئية التقليدية، فمن المتوقع أن يشهد هذا المجال تحولًا مستمرًا. قد يتجه العديد من المصورين إلى دمج تقنيات التصوير التقليدي مع التكنولوجيا الحديثة لتعزيز رؤاهم الفنية. كما أن هناك شعورًا متزايدًا في السوق بأهمية الأصالة، ما يعني أن الطلب على الصور التي تعكس التجارب الحقيقية قد يزداد. بالإضافة إلى أنه يجب على المجتمع والمهتمين بالفنون أن يستعدوا للتحديات الأخلاقية التي قد تظهر مع تقدم هذه التقنيات.
ولأن الصورة بوصفها أداة للتعبير الثقافي، يصف البحري تأثيرها وقدرتها على نقل عمق الثقافة والتاريخ لدى الشعوب كونها تؤسس للذاكرة الجماعية لتكون جزءًا لا يتجزأ من واقع الأجيال القادمة ويؤكد: "هي أداة قوية للتعبير الثقافي، فهي ليست مجرد وسيلة لنقل اللحظات أو المشاهد، بل تعكس عمق الثقافات وتجارب الشعوب عبر الأزمنة. التأثير الذي تتركه الصور يمكن أن يكون عميقًا ومتعدد الأبعاد.عندما نشاهد صورة تاريخية، فإننا لا نرى فقط أشخاصًا أو أحداثًا عابرة، بل نلمس أرواح الذين عاشوا تلك اللحظات". والصور توثق القصص والتقاليد والممارسات، ما يجعل من الممكن للأجيال القادمة التعرف على ماضيهم والتواصل معه.بالإضافة إلى ذلك، تلعب الصور دورًا حيويًّا في تشكيل الذاكرة الجماعية. هي ليست مجرد تسجيل بصري للعالم، بل هي محطات تُساعد المجتمعات على تذكر تاريخها وتجاربها المشتركة. هذه الذاكرة الجماعية تعزز الهوية الثقافية وتساعد القيم والعادات على البقاء حية. من خلال "البصرية"، يمكننا تبادل القصص والمشاعر، ما يوجد روابط بين الأفراد والثقافات المختلفة. والصور تفتح أبواب الحوار وتسمح بفهمٍ أعمق للتنوع الإنساني، ما يعزز التفاهم والتسامح بين الشعوب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: للتصویر الضوئی المصور الضوئی أن المصور الع مانیة أن الصورة الع مانی الصورة ا الضوئی ا خاصة فی لم یکن
إقرأ أيضاً:
المناخ والاحتكار الخارجي.. الجانب المظلم لقطاع الصيد البحري في غرينلاند
يمثل قطاع الصيد البحري شريان الحياة في جزيرة غرينلاند، وعنصرا لا يمكن الاستغناء عنه في ثقافة الإنويت العريقة. فرغم الظروف المناخية القاسية والمساحات الشاسعة، يعتمد الكثير من السكان على خيرات البحر بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويُعد هذا القطاع الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني، إذ تمثل صادرات المأكولات البحرية أكثر من 90% من إجمالي صادرات غرينلاند، كما يوفر فرص عمل حيوية للمجتمعات الساحلية المنتشرة على أطراف الجزيرة.
ورغم غنى المياه القطبية الشمالية بثروة سمكية وقشرية متنوعة، والجهود المبذولة للحفاظ على استدامة الموارد البحرية، فإن العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية لا تزال تؤرق الصيادين المحليين وتفرض عليهم واقعا قاسيا ومتقلبا.
رحلة الصيد.. ما وراء الشباكزارت الجزيرة نت الصيادين أفياجا غويلسن ويورغن هنريكسن للتعرف على تفاصيل يومهم العملي في أكبر جزيرة في العالم، ورافقتهم في جولة داخل مصنع لتحضير طعوم الصيد، ومراحل التجهيز الأخرى التي تسبق انطلاق الرحلة.
يقول هنريكسن، البالغ من العمر 42 عاما: "في الصباح الباكر، ندخل المضيق البحري. يستغرق الأمر من نصف ساعة إلى ساعة حسب الأحوال الجوية، فالأمواج قد تكون عاتية أحيانا. وبعدها، تستمر عملية الصيد نحو ساعتين قبل أن نعود مجددا إلى العاصمة نوك".
إعلانويضيف مبتسما: "من المهم ارتداء ملابس مناسبة، فكلما زادت سرعة القارب، كلما انخفضت درجة الحرارة. إذا أبحرت بسرعة 20 عقدة مثلا، فستشعر كأن الحرارة انخفضت إلى 30 درجة تحت الصفر".
يرتدي الصيادون بدلات نجاة خاصة تحتوي على مواد تساعد الجسم على الطفو في حال السقوط في الماء، وهي مصممة لمقاومة البرد الشديد. ورغم أن الصيد لطالما كان حكرا على الرجال، بدأت النساء تدريجيا في الانخراط، خاصة ضمن الطواقم العاملة على السفن الكبيرة.
وتقول أفياجا غويلسن (29 عاما)، التي عملت لسنوات في مصنع أسماك: "أحب هذه المهنة رغم صعوبتها. اليوم أعرف الكثير عن الصيد وأجده سهلا حين أكون في البحر، حتى وإن بدا شاقا للبعض".
صعوبات ميدانية متراكبةتتغير أنماط الأسماك المتوفرة في مياه غرينلاند بحسب درجة حرارة المحيطات وتغير التيارات المائية، مما يؤثر على توزيع وهجرة أنواعها. هذا التغير المستمر يجبر الصيادين على التكيف باستمرار والبحث عن مواقع جديدة للصيد.
يرى هنريكسن أن فصل الصيف مثالي لصيد بعض الأنواع، بينما يكون الشتاء مناسبا لأنواع أخرى، مثل سمك الهلبوت، الذي يصبح أكبر حجما في البرد.
ومع ذلك، ليس الأمر دائما بهذه السهولة. ففي فبراير/شباط الماضي، تسببت درجات الحرارة المرتفعة نسبيا في تكسر كتل ضخمة من الجليد داخل مضيق نوك، مما جعل الإبحار شبه مستحيل.
"في رحلة صيد واحدة، قد نكسب نحو 7 آلاف كرونا دانماركية (حوالي ألف دولار)، لكن الطقس ليس دوما في صالحنا".
الطقس المتقلب والجليد العائم في الشمال من أبرز التحديات التي تجعل التنقل في البحار خطرا وغير مضمون. فقد يتحول الهدوء فجأة إلى عاصفة ثلجية أو رياح عاتية. وتؤثر التغيرات المناخية كذلك على مواسم الصيد، حيث تؤدي إلى تقصيرها أو حتى إلغائها، كما يحدث مع صيد الشار القطبي في الأنهار المتجمدة.
ثروة غنية ولكن مراقبةتزخر مياه غرينلاند بتنوع بحري فريد، من أبرز أنواعه: الروبيان الشمالي (الأكثر تصديرا)، سمك القد الأطلسي، الهلبوت، السلمون الأطلسي، القد الغرينلاندي، الوقار الأحمر، والشار القطبي.
ومع هذا التنوع، تخضع معظم مصايد الأسماك لأنظمة رقابة صارمة، حيث تفرض الحكومة حصصا سنوية للصيد، وتُلزم الصيادين بالحصول على تراخيص. ويقول هنريكسن: "سنصطاد الكات فيش والهلبوت، لكن هناك قيود حكومية تُصعّب الحصول على ترخيص لصيد الهلبوت، خاصة على الصيادين الأكبر سنا".
إعلانعلى طول الساحل الغربي، يرسي الصيادون شحناتهم في أكثر من 40 مصنعا تابعا لشركة "رويال غرينلاند"، حيث تُوزن الأسماك ويُدفع للصيادين بعد ساعات قليلة. معظم هذه الشحنات تُصدّر لاحقا إلى الدانمارك.
ويشرح أحد الصيادين، واقفا قرب مخازن الشركة: "نُسلّم الأسماك صباحا، وبعد 4 أو 5 ساعات نتلقى مستحقاتنا. لكن ما نصطاده يُشحن فورا إلى أوروبا".
تُبرز الشركة على موقعها أنها تمتلك أكثر من 250 عاما من الخبرة في صيد وتصنيع المأكولات البحرية من مياه شمال المحيط الأطلسي والمحيط المتجمد الشمالي، وتُشدد على الجودة العالية لمنتجاتها.
علاقات دولية.. بين التعاون والاحتكارمنذ انسحاب غرينلاند من المجموعة الاقتصادية الأوروبية عام 1985، أقامت الجزيرة علاقات ثنائية مع الاتحاد الأوروبي في مجال مصايد الأسماك.
ما تنص عليه الاتفاقية:
يتيح الاتفاق لسفن الاتحاد الأوروبي الصيد في مياه غرينلاند مقابل مساهمة مالية. يُسمح لمنتجات غرينلاند البحرية بالدخول إلى السوق الأوروبية معفاة من الرسوم الجمركية. يتم تنفيذ الاتفاقية بموجب بروتوكول حديث للفترة ما بين 2025 و2030.تساهم أوروبا بمبلغ سنوي قدره 17.3 مليون يورو، منها:
14.1 مليون يورو مقابل حقوق الصيد. 3.2 ملايين يورو لدعم قطاع الصيد محليا.ويتم تبادل نسبة كبيرة من الحصص التي تحصل عليها أوروبا من غرينلاند مع النرويج، بينما تُخصص البقية لدول مثل:
ألمانيا (لصيد الهلبوت، القد، والسمك الأحمر) الدانمارك فرنسا (خاصة للروبيان)رغم أن حكومة غرينلاند تحتفظ حاليا بالتحكم في إصدار التراخيص وتحديد الحصص، فإن الدانمارك، باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة، لا تزال تتعاون معها في بعض الملفات البيئية والدولية.
"صيدنا يُباع بأضعاف مضاعفة في أوروبا"لكن يبقى السؤال المطروح: هل يستفيد الصيادون المحليون كما يجب من عملهم المضني في هذا القطاع المحوري؟
إعلانيجيب هنريكسن بمرارة: "غير مسموح لنا بصيد السلمون بسبب القيود، وعندما نصطاد سمك السلور منزوع الرأس، يُباع للدانمارك بـ17 كرونا فقط، بينما يُباع هناك لاحقا بنحو 250 كرونا".
ويختم قائلا: "إنها مبالغ ضخمة يمكن أن نحصل عليها لتحسين حياتنا. آمل أن تغير الحكومة الجديدة هذا الوضع قريبا".