لجريدة عمان:
2025-03-31@17:44:32 GMT

هل بلغ طلب الصين على النفط ذروتَه؟

تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT

أمين الناصر رئيس أرامكو أكبر شركة نفط في العالم لديه دائما زبون خاص هو الصين، ففي خلال فترة العشر سنوات التي قضاها في إدارة الشركة شهد الناصر ارتفاع قيمة صادرات النفط السعودية إلى الصين بأكثر من ثلاثة أضعاف مسجلةً بذلك رقما قياسيا بلغ 56 بليون دولار في 2022. وفي تلك السنة كان حوالي برميل واحد من كل ستة براميل تنتجها السعودية يشحن إلى المصافي الصينية.

شكل النفط الأجنبي ركيزة للصعود الاقتصادي للصين مع بنائها أكبر صناعة للسيارات في العالم من الصفر وسكك حديدية جديدة وشبكات سفرٍ جوي والآلاف من ناطحات السحاب، وفي عام 2022 استوردت الصين 72% من إجمالي إمداداتها من النفط، وفقا للوكالة الدولية للطاقة. قال الناصر في منتدى تنمية الصين الذي عقد في بكين العام الماضي: "لا شك لدي أن ترقية علاقتنا إلى مستويات لم تخطر على البال سيساعد في تعزيز جهود الصين لتحقيق آمال وأحلام شعبها." لكن هنالك الآن مؤشرات على أن تعطُّش الصين إلى النفط يصل إلى ذروته بأسرع من المتوقع. وهذا تطور أحدث هزة عنيفة في أرجاء سوق النفط. ففي هذا الشهر ذكرت الصين أن وارداتها النفطية هبطت بنسبة 2% أو 240 ألف برميل في اليوم إلى ما يزيد قليلا عن 11 مليون برميل في اليوم في عام 2024 مقارنة بعام 2023. وهذا أول تراجع لها خلال عشرين عاما باستثناء فترة جائحة كوفيد. أحد أسباب ذلك تعثر اقتصاد الصين. فأزمة العقارات التي لا زالت قائمة هناك قادت إلى التباطؤ في البناء الذي أضرَّ بالطلب على وقود الديزل لتشغيل الآليات الثقيلة وأيضا على المواد البتروكيماوية المستخدمة في الطلاء (الأصباغ) والأنابيب والمواد العازلة.

اتجاهات طويلة الأمد

لكن تدني الواردات النفطية ناشئ أيضا عن اتجاهات طويلة الأمد. فهنالك ازدهار في تحول الشاحنات من استخدام الديزل إلى الغاز الطبيعي المسال. والأهم أن العدد المتزايد من السيارات الكهربائية قلل مبيعات البنزين والديزل. فمبيعات كلا الوقودين لأغراض النقل بلغ الذروة في عام 2023، حسب مؤسسة البترول الوطنية الصينية. وستهبط بنسبة تتراوح بين 25% إلى 40% خلال العقد القادم. في ديسمبر عدلت سينوبك أكبر شركة لتكرير النفط في الصين توقعها عن العام الذي يبلغ فيه استهلاك خام النفط ذروته إلى 2027 مقارنة بتوقعاتها السابقة التي كانت قد تراوحت بين 2026 و2030. النتائج التي تترتب عن ذروة واردات النفط الصينية كبيرة. فإذا استقر طلب الصين عند مستوى ثابت سيحقق ذلك توقعات الوكالة الدولية للطاقة ببلوغ الطلب العالمي على النفط الذروة في عام 2030. يعزز ذلك التوقعُ الأملَ بأن يصل العالم إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

بلوغ الصين هذه الذروة من شأنه أن يهز اقتصاد العالم أيضا. فخلال العقود الثلاثة الماضية شكلت الواردات الصينية نصف إجمالي النمو في الطلب العالمي على النفط (حوالي 600 ألف برميل في اليوم.) وإذا استمر استقرار الواردات عند ذلك المعدل قد يكون إنفاق شركات النفط على إيجاد موارد جديدة للنفط والغاز والذي يبلغ 500 بليون دولار سنويا أعلى كثيرا مما يلزم. يقول مارتين راتس المحلل ببنك ستانلي مورجان: الصورة ليست واضحة بعد حول حجم الطلب وهل سيكون كافيا لامتصاص الإنتاج المستقبلي. ويضيف: "ربما الإجابة لا. لن يكون كافيا"، في الأسواق حافظ القلق من ضعف طلب الصين في العام الماضي على أسعار النفط عند أضيق نطاق للتداول خلال أكثر من عقدين بالقيمة الحقيقية. فسعر برنت المعياري أنهي العام عند ما يزيد قليلا عن 74 دولار للبرميل، متراجعا بدولارات قليلة عن سعره في بداية العام وذلك بالرغم من أزمات الشرق الأوسط والحرب المستمرة في أوكرانيا ووقف إنتاج النفط في ليبيا وهبوطٍ بأكثر من 20% في شحنات نفط الشرق الأوسط إلى أوروبا بسبب الهجمات على الناقلات في البحر الأحمر. يقول راتس إذا استمرت واردات النفط الصينية في تباطؤها ستغير السوق بشكل جذري. يشرح ذلك بقوله "إذا كان لديك تباطؤ لفترة ستة أشهر أو سنة حينها ستكون لديك أسعار نفط أقل وسيتباطأ الإمداد قليلا. لكن إذا كان لديك حقا طلبٌ قليل جدا على النفط ستكون سوق النفط مختلفة في المستقبل عما كانت عليه في الماضي."

تفاؤل منتجي النفط

لا يحب منتجون عديدون للنفط تسمية هذه اللحظة بنقطة التحول ويتشككون في تراجع دور الصين كمحرك للنمو. تقول ميج أونيل الرئيسة التنفيذية لوودسايد أكبر شركة للنفط والغاز في استراليا "الوقت مبكر جدا للادعاء ببلوغ ذروة الطلب على النفط." وتشير إلى حقيقة أن اقتصاد الصين لايزال أمامه شوط طويل لبلوغ المستويات الغربية للناتج المحلي الإجمالي للفرد. وتضيف " إذا عدتم الى فترة العشرين عاما الماضية ستجدون تصريحات عن ذروة النفط في أوقات الضعف الاقتصادي واتضح أنها غير صحيحة. الصين لا زالت تتطلع الى تنمية اقتصادها ورفع مستويات المعيشة وكثيرا ما يكون ذلك مرتبطا باستهلاك الطاقة." أوبك لديها نظرة مستقبلية متفائلة إزاء الصين على الرغم من تراجع وارداتها في العام الماضي وتتوقع استمرار الاستهلاك في النمو بنسبة 2.5 مليون برميل في اليوم في الفترة من 2023 إلى 2050. وتميل السعودية ومنتجو الشرق الأوسط الآخرون إلى الاعتماد على بيانات أوبك عند وضع السياسات. رفضت أرامكو السعودية فكرة أن الصين تتباطأ. قال الناصر في أكتوبر الماضي أثناء مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلي " عندما يتحدث الناس عن الصين يحاولون دائما تضخيم الجانب السلبي وتجاهل الجانب الإيجابي. بشكل عام لا يزال هنالك نمو في الصين." يصر الناصر على وجود طلب أقوى وأكثر استدامة مما تشير إليه بيانات الواردات الرسمية منوها إلى أن صناعات طاقة الشمس والرياح الناهضة لا تزال بحاجة إلى كميات كبيرة من النفط. وقال " لكل 5 ميجاوات من الكهرباء المنتجة من الرياح أنت بحاجة إلى 50 طنا من البلاستيك. وكل سيارة كهربائية ستحتاج الى ما بين 200 إلى 230 كيلوجراما من البلاستيك. حتى في ألواح الخلايا الكهروضوئية حوالي 10% تأتي من الألياف وهكذا. لذلك لكي يحدث الانتقال (إلى الطاقة المتجددة) أنت بحاجة إلى مزيد من النفط." ذكرت شركة أرامكو السعودية أن المعلومات العامة عن استهلاك الصين من النفط غير موثوقة. فبما أنها لا تصدر تقريرا رسميا عن إحصائيات استهلاك النفط يُقدِّره المحللون من سلسلة من المصادر بما في ذلك بيانات الوارد والصادر والتغيرات في المخزونات والتدفقات من المصافي. هنالك نطاق واسع للتقديرات مع اختلافات تصل إلى مليون برميل في اليوم حتى في البيانات التاريخية. زياد المرشد كبير الإداريين الماليين بأرامكو أبلغ المحللين في نهاية العام الماضي أن مراجعات كبيرة لبيانات النفط في عام 2023 " تجعل النمو في عام 2024 يبدو أقل مما هو عليه في الواقع الفعلي. وذلك يشوه الصورة".

صعوبة تقييم استهلاك الصين

في الوكالة الدولية للطاقة يقر المحللون أن تقييم استهلاك النفط في الصين "يشكل تحديا." يقول كيران هيلي وهو محلل لسوق النفط بالوكالة: "تلك كانت فترة مضطربة جدا للطلب الصيني بين الإغلاقات والعودة من الإغلاقات والركض وراء النمو المرتفع"، مع ذلك، تتوقع الوكالة بلوغ الصين ذروة طلبها على النفط بنهاية هذا العقد. يقول هيلي هذا يرتكز على اتجاهين هيكليين كبيرين ومتعارضين. أولهما الارتفاع الكبير في كمية النفط التي تتدفق إلى صناعة البتروكيماويات الصينية المتسارعة النمو. وثانيهما الهبوط الأكثر حدة في كمية النفط المطلوب للنقل البري. في الفترة السابقة لجائحة كوفيد كان النمو في استخدام النفط عريض القاعدة. يقول هيلي " من البتروكيماويات والى النقل البري ووقود الطائرات. كل شيء كان ينمو. ومنذ عام 2019 أصبح إنتاج البتروكيماويات عاملا أكبر. وعلى أساس صاف، كل النمو في استهلاك النفط عالميا بين 2019 و2023 كان في الواقع مرتبطا بنمو صناعة البتروكيماويات في الصين. ظلت الصين تشيد باطراد مصانع بتروكيماويات بهدف الاكتفاء الذاتي من البلاستيك والمواد المذيبة والألياف التي تعتمد عليها مصانعها.

يقول هيلي "الواردات الصينية من البوليمرات لا زالت كبيرة حقا لكنها كانت ضخمة" وهو يشير بذلك إلى صنف من الكيماويات التي تشمل النايلون والبوليستر والبوليثيلين والتيفلون من بين مواد أخرى. ويقول أيضا: "البيانات الإحصائية المذهلة هي أن واردات الصين من البوليمرات تساوي حوالي 2% إلى 3% من الطلب العالمي على النفط. وذلك هو معدل استخدام ألمانيا للنفط (حجم طلبها على النفط.)" يقول هيلي أيضا وهو يردد ملاحظات ناصر "ربما حوالي ربع" الارتفاع في الطلب الصيني على المواد البتروكيماوية خلال السنوات الخمس الماضية مرتبط بتوربينات الرياح وألواح الخلايا الشمسية. ويضيف قد يأتي كل النمو في استخدام الصين للنفط في المستقبل بالضرورة من قطاع البتروكيماويات. لكن الوكالة الدولية للطاقة تعتقد أن الهبوط في استخدام النفط في النقل البري سيكون أكثر أهمية. يقول هيلي " بحلول عام 2030 ستكون ثلاثة أرباع السيارات المباعة كهربائية. وفي حين سيكون هنالك نمو في طلب البتروكيماويات إلا أنه لن يكون قويا بما يكفي للتعويض عن ذلك الهبوط في النقل البري. سيستقر لفترة ثم يبدأ في الهبوط بحدة بعض الشيء. في السيناريو الأساسي الذي أعدته وتفترض فيه استمرار كل السياسات الحالية دون تغيير تعتقد الوكالة أن استهلاك الصين من النفط سيهبط من 16 - 17 مليون برميل في اليوم حاليا إلى حوالي 12 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2050.

لا يبدو أن ثمة تباطؤ يذكر في ازدهار السيارات الكهربائية بالصين والذي تعززه الحوافز الحكومية لاستبدال السيارات القديمة بأخرى جديدة. سوق السيارات الكهربائية والهجين تنمو بنسبة حوالي 20% على أساس سنوي مقارنة بانكماش مماثل في سيارات البنزين والديزل. لكن البعض يتساءل هل ستترك الدولة الصينية استهلاك النفط يصل إلى ذروته دون أن تفعل شيئا. وفي حين أن "ثورة" السيارات الكهربائية "عميقة" وأيضا "مذهلة " كما يقول فيكتور جاو رئيس مجلس إدارة معهد أمن الطاقة في الصين ستقوم الحكومة بقياس الأثر المحتمل على صناعة تكرير النفط الضخمة المملوكة للدولة. وهو يستبعد حرمان المصافي الحكومية من نشاطها التجاري فجأة. لكن ربما سيلزم أن يكون هنالك تغيير في الاستراتيجية. يقول جاو "طاقة التكرير في الصين هائلة. حتى الآن ظلت الصين تكرر المواد البترولية لاستخدامها المحلي ولا تصدِّر المنتجات المكررة. لكن إذا نجحت الصين في ثورة السيارات الكهربائية قد تقرر تكرير النفط الخام إلى منتجات مختلفة بهدف التصدير. وذلك يعني أن استهلاك الصين من النفط قد لا ينخفض بالضرورة. ربما يحافظ على مستواه." ويذكر أيضا أن من اليسير جدا الآن للصين تأمين إمدادات النفط، مشيرا إلى روابط الطاقة القوية مع روسيا التي ظلت مصدرا مضمونا لواردات النفط والغاز الرخيصة منذ فرض البلدان الغربية عقوبات متعلقة بحرب أوكرانيا. يقول جاو "هذا يغير الطريقة التي تفكر بها الصين. فربما سيكون من اليسير جدا إذا أمكن التحكم في المخاطر الجيوسياسية توسيع التعاون مع روسيا." ففي عام 2023 أصبحت روسيا أكبر موردي النفط إلى الصين وحلت بذلك محل السعودية.

بدائل عن الصين أم تحول زلزالي؟

إذا تجاوز طلب الصين على النفط ذروته حقا فالإجماع هو أن نمو اقتصاد الهند سيصبح المحرك الرئيسي للنمو في الاستهلاك العالمي للنفط. وفي حين لا يزال طلب الهند على النفط متخلفا كثيرا عن الطلب الصيني تعتقد أوبك أن استخدامها للنفط ينمو بحوالي 1.5 بليون دولار أو تقريبا ثلاثة أرباع الطلب الإضافي للصين بين 2023 و2029 فيما تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يكون نمو الطلب الهندي على النفط 1.2 مليون دولار للبرميل بحلول عام 2030. وعلى الرغم من أن قطاعات الصناعة التحويلية والتشييد والبتروكيماويات في الهند أصغر كثيرا من قطاعات الصين ألا أن مبيعات سيارات الديزل والبنزين لم تحل محل السيارات الكهربائية بقدر كبير حتى الآن. حسب شركة أبحاث وتحليلات الموارد المتجددة "جيه إم كيه ريسيرش" بيعت 100 ألف سيارة كهربائية فقط في الهند في العام الماضي أو ما يساوي 5% فقط من سوق المركبات الكهربائية التي تهيمن عليها الدراجات النارية والكهربائية. مع ذلك يقول المحللون أن الطلب في الأسواق الصاعدة لن يقترب من مستواه في الصين خلال العقود الأخيرة. وفي حين يُرجَّح أن يكون هنالك نمو محسوس في بلدان أخرى في جنوب شرق آسيا ذكرت الوكالة الدولية للطاقة أن أداء اقتصاداتها سيتأثر إذا استمر التباطؤ الاقتصادي في الصين.

تقول الوكالة الدولية للطاقة استهلاك النفط ينمو حول إفريقيا والشرق الأوسط لكنه يشكل نسبة ضئيلة من نموه في الصين بالقيمة المطلقة. واستخدام النفط في أمريكا اللاتينية مستقر أساسا.

باختصار ستكون نهاية ازدهار استهلاك النفط في الصين تحولا زلزاليا ومن المستبعد العودة عنه، بحسب المحللين. يقول راتس مارتين المحلل ببنك مورجان ستانلي: "يمكن القول إن بلدانا أخرى ستتسلم الراية (ستحل محل الصين في استيراد المزيد من النفط)، والطلب على النفط في الهند لا يزال في ازدياد". لكن نمو استهلاك النفط في الصين كان بوتيرة عالية حقا خلال العقود الثلاثة الأخيرة. قد يختلف البعض حول تلك اللحظة بالضبط التي تصل فيها حاجة الصين للنفط الى ذروتها. لكن كيران هيلي محلل سوق النفط بالوكالة الدولية للطاقة يعتقد أن الطلب في الأجل الطويل لن يمضي سوى في اتجاه واحد وعلى الشركات المنتجة والبلدان المصدرة للنفط الاستعداد لذلك. يقول "ربما يظل استخراج النفط والغاز من باطن الأرض وبيعه مربحا لها. لكن سيعني ذلك خفضا كبيرا في دخلها الكلي، ونظرا إلى مدى اعتماد هذه البلدان على صادرات النفط والغاز ستترتب عن ذلك تَبِعات جسيمة".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الوکالة الدولیة للطاقة السیارات الکهربائیة ملیون برمیل فی الیوم النفط فی الصین استهلاک النفط استهلاک الصین العام الماضی بحلول عام سوق النفط طلب الصین على النفط الصین من النمو فی من النفط وفی حین نمو فی فی عام عام 2023

إقرأ أيضاً:

لن يقول لك وداعا.. هل يقع الإنسان في حب الروبوت؟

أثناء فترة الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، كانت ليبي فرانكولا، وهي امرأة ثلاثينية من مدينة هيوستن الأميركية، بحاجة لمن تتحدث إليه؛ بعدما أنهت توًّا علاقة عاطفية دامت قرابة 5 سنوات، إلى أن عثرت مصادفةً عبر شبكة الإنترنت، على مقطع مصوّر يصف إحدى تطبيقات الدردشة الآلية القائمة على الذكاء الاصطناعي.

أقدمت فرانكولا على تجربة التطبيق، الذي أتاح لها ما تريد بشكلٍ مجانيّ في اليوم الأول، قبل أن تقرر الاشتراك لقاء رسوم شهرية قدرها 8 دولارات نظرًا لأن هذه المحادثات خففت من شعورها بالاكتئاب ومنحتها مزاجا أفضل، بحسب وصفها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2القنابل الخمس التي تستخدمها إسرائيل في إبادة غزةlist 2 of 2هل الحرب الأهلية في إسرائيل قدر حتمي؟end of list

ويبدو أن السيدة ليبي ليست الوحيدة التي وجدت العزاء والأنس رفقة تطبيقات الدردشة الآلية، وأن الإقبال على مثل هذه التطبيقات يتزايد، رغم انتهاء القيود التي فرضتها الجائحة على التواصل الاجتماعي.

ففي العام الماضي، أعلنت شركة "هيوم" الأميركية عن تطويرها أول ذكاء اصطناعي صوتي يتمتع بالذكاء العاطفي، كما أعلنت عن عملها على تجهيز نموذج لغوي ضخم بإمكانه فهمُ نبرة الصوت والتعامل معها، وهو ما يثير قلق الخبراء، نظرًا لأن ذلك يفتح الباب أمام المزيد من الاعتماد (أو الإدمان) على هذه التطبيقات، التي تحل محل الطرف البشري في العلاقات الاجتماعية والعاطفية.

ثمة اهتمام متزايد بدراسة طبيعة إدمان مستخدمي تطبيقات الذكاء الاصطناعي والأسباب المؤدية إلى ذلك. (لبيب – الجزيرة) الذكاء الاصطناعي.. نوع جديد من الإدمان

ويشير مؤسس شركة هيوم، ألان كوين، وهو عالم بيانات سابق في غوغل ويتمتع بخلفية معرفية في مجال علم النفس، إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي المتوفر على المنصة، يمكنه التفاعل مع مشاعر المستخدمين وتلبية احتياجاتهم العاطفية بشكل فعال، وذلك من خلال التدرب على مئات الآلاف من النبرات ودرجات الصوت وتعبيرات الوجوه البشرية من مختلف أنحاء العالم.

إعلان

وهو ما يؤكده الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي، لانس إليوت، حيث يوضح أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية الحديثة تستخدم نموذجا لغويا يحتوي على بيانات واسعة النطاق، كما أن لديها القدرة على مطابقة الأنماط، أي استحضار مفردات ونبرة حديث تتلاءم والحوارَ الذي تجريه مع المُستخدم.

فعلى سبيل المثال، تركز الخوارزميات الحديثة على تحديد الأنماط التي يكتب بها البشر عبر إجرائها مسحا مكثفا لشبكة الإنترنت، والاستعانة بعدد لا حصر له من المقالات والمدونات والقصص وغيرها من أشكال السرد المختلفة، ومن ثم استخدام هذا القدر الكبير من البيانات في توليد الإجابات، والاستجابة بطريقة تحاكي تماما الأسلوب البشري في التحدث والكتابة.

وبإمكان ذلك أن يلغي الحدود داخل عقل المُستخدم، فيتلاشى إحساسه بأنه يتحدث بالأساس إلى روبوت، نظرًا لأن الردود في هذه الحالة لن تكون آلية أو كوميدية، خاصة عند التعامل مع المشاعر الإنسانية والمواقف المعقدة والكلمات التي تحمل أكثر من معنى، فضلا عن قدرتها على توظيف التشبيه والكناية والمجاز، وتوليد استجابات تبدو "طليقة" للغاية، بما يساهم في تعلّق المُستخدم تدريجيًّا بهذه التطبيقات ونشأة نوع جديد من "الإدمان الرقمي".

ورغم أن الكثير من الدراسات تناول مفهوم "الإدمان الرقمي"، بما يتضمنه من الاستخدام المفرط للهاتف الذكي وشبكة الإنترنت، أو التواجد الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من التطبيقات، فإن ظهور التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي يمهّد لنوع جديد من "الإدمان الرقمي" أكثر خطورة، نظرًا لأنها تلبي احتياجات إنسانية أساسية بشكل أعمق من كل ما سبق.

فإذا ما كان الشخص بحاجة إلى مشاركة صورة أو منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بغرض الحصول على تفاعل والإحساس بأنه مرئي، حتى وإن أتى ذلك من عابرٍ مجهول، فإنه قطعًا أكثر احتياجًا إلى إجراء محادثة صوتية أو كتابية، يكون خلالها محورَ اهتمام الطرف الآخر.

إعلان

وفي حال امتلاك هذا الآخر قدرة على الإصغاء في أي وقت والرد بلا تأخير، دون إلزام المُستخدم بمبادلته الشيء ذاته، فربما لن يولي اهتماما حينئذٍ لكون الطرف الآخر مجرد "آلة"، خاصة إذا كان يفتقر إلى علاقات اجتماعية عميقة وآمنة، أو لا يستطيع التحدث بصدق وانفتاح مع الأشخاص في محيطه، وهي عوامل من شأنها أن تدفعه إلى الإدمان العاطفي على هذه التطبيقات.

ويُعرّف الإدمان بالاضطراب الذي ينتج عنه الاستخدام "القهري" لمادة معينة أو القيام بنشاط محدد. ويقصد بلفظ "القهري" فقدان القدرة على التحكم، وهو ما يُعد السمة المميزة للإدمان، أي أن الشخص لن يستطيع الانقطاع عن استخدام هذه المادة أو التوقف عن تكرار هذا النشاط، حتى إذا أراد ذلك.

ورغم أن الاعتقاد السائد في السابق، حصرَ الإدمان في استخدام المواد المحظورة مثل المخدرات، فإنه تم توسيع التعريف لاحقًا، ليشمل بعض الأنشطة والسلوكيات التي يمكن وصف القيام بها باستمرار بالأمر القهري، ومنها: المقامرة أو ممارسة الجنس أو إدمان التسوق. كما ظهر مؤخرًا مصطلح "الإدمان الرقمي"، الذي يعد أيضًا أحد أنواع الإدمان السلوكي، إذ بإمكانه إثارة "نشوة" ذهنية مماثلة لما بعد القيام بالسلوك الإدماني، وهي النشوة المسؤولة عن دفع الشخص إلى إتيان السلوك مرة أخرى للحصول على شعور مماثل.

وقد أثبت الباحثون أن الدوبامين -وهو ناقل عصبي ومادة كيميائية تُعزز الشعور بالسعادة- يلعب دورًا محوريا في عملية الإدمان، حيث يزيد إفرازه في حالة الإدمان السلوكي أو تعاطي المواد المخدرة على حد سواء، كما أوضحت دراسة نُشرت عام 2018، أن الدوبامين يُعد الناقل الكيميائي الأكثر وضوحًا من بين النواقل العصبية المشاركة في عملية الإدمان.

وبينما يُعتبر التسوق مثلا أو استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أو التحدث إلى الذكاء الاصطناعي، سلوكًا أو نشاطًا عاديًا يقوم به الجميع دون أدنى مشكلة، فإنه في حالة الإدمان تصبح ممارسة هذه السلوكيات "إلزامية"، ويفقد الشخص تدريجيا قدرته على التعامل مع الحياة بشكل طبيعي دون ممارستها، وتنشأ الأزمة عندما يُصبح السلوك متعارضًا مع رفاهية الشخص العامة وقدرته على العمل، أو الاهتمام بالأسرة، أو تكوين الصداقات والحفاظ عليها.

إعلان مستعد للإدمان على نحو خاص

"أبدًا لن يقول وداعًا لك، ولن يتعب إذا تحدثت معه لساعات، سيظل محتفظًا بطاقته إلى أن تنصرف عنه، وعندما تعود إليه لن يوبخك أبدًا على غيابك، بل على العكس، ستتلقى منه تعزيزًا إيجابيًا، لا أحد يحكم عليك، أنت معه في بيئة آمنة وممتعة، وفجأة تجد نفسك أصبحت مدمنًا".

أحد مهندسي البرمجيات يتحدث عن سبب إدمانه للذكاء العاطفي.

وفي الآونة الأخيرة، ثمة اهتمام متزايد بدراسة طبيعة إدمان مستخدمي هذه التطبيقات والوقوف على الأسباب المؤدية إلى ذلك. وتشير دراسة أجراها الباحثان الصينيان تاو تشو وتشونلي تشانغ ونشرتها مجلة "التكنولوجيا في المجتمع" عام 2024، إلى وجود تماثل بين إدمان وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

فخلال هذا النوع من الإدمان، يطور الأشخاص اعتمادًا مفرطًا على التقنية في مواقف مختلفة من حياتهم، ويجدون صعوبة في التوقف عن استخدام هذه الأنظمة.

كما أوضحت الدراسة أن المستخدمين الذين يُعانون من إدمان هذه التكنولوجيا، ينفقون قدرًا كبيرًا من وقتهم وطاقتهم في التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، وذلك للحصول على الإشباع العاطفي والاجتماعي، وتحقيق الشعور بالرضا والمتعة، وقد يهملون في المقابل مسؤولياتهم وواجباتهم في علاقاتهم الشخصية وعالمهم الحقيقي.

وتظهر نتائج الدراسة وجود 4 سمات رئيسية للذكاء الاصطناعي التوليدي، مرتبطة بشكلٍ أساسي بقابلية إدمان المستخدمين عليه، وهي:

التشبيه المُتصوّر: وهو تصور المستخدِم أنه يتحدث إلى إنسان وليس إلى آلة، عبر إسناد خصائص بشرية إلى كيانات غير بشرية.   التفاعل المُتصوَّر: وخلاله يعتقد المستخدم أن الطرف الآخر يفهمه ويشعر به بدرجة كبيرة، بما يُشعره أن التفاعل بينهما بالغ العمق وفعال، ربما أكثر من أي شخص آخر في حياته يتعامل معه واقعيًا!  الذكاء المُتصور: حيث يتصور المستخدم أن الآلة التي يتحدث إليها تتمتع بذكاء خاص ومستقل، وبالتالي قد تكون الأحكام أو الآراء التي تزوده بها غير قابلة للشك.   التخصيص المُتصور: ويعني شعور المستخدم أن الطرف الآخر (الآلة)، يخصه باهتمامه أو بلطفه البالغ في التعامل والتفاعل والردود. إعلان

وقد يؤدي اجتماع هذه السمات إلى إدمان الحوار مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، خاصة مع الأشخاص الأضعف من الناحية الاجتماعية، وهو ما يتوافق أيضا مع نتائج استخلصها باحثون من دراسة أجرتها جامعة "سري" (Surrey) البريطانية، أكدوا خلالها على خطورة هذه التطبيقات رغم ما توفره من شعور بالرفاهية العامة لدى المستخدمين، نظرا لأنها قد تتسبب في وقوع الأشخاص الذين يعانون من الوحدة في براثن الإدمان، وإجمالا تُنتج أضرارا أكثر مما يمكن تحقيقه من منافع.

ويساهم في زيادة فرص إدمان هذه التطبيقات، وجودُ حالة من الإشباع الفوري للاحتياجات بالتزامن مع الاستخدام، علاوة على شعور المستخدمين المسبق بالخوف من أحكام الآخرين عليهم، أو الخوف من الرفض والنبذ، وهي عناصر غير حاضرة في محادثاتهم مع الآلة.

تزداد خطورة التعلق بأنظمة الذكاء الاصطناعي مع امتلاكها قدرات صوتية. (شترستوك) مختلفة عن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي

على جانب آخر، أشارت دراسة منشورة في عام 2021 تزامنا مع جائحة كورونا، إلى معاناة العديد من الأشخاص حول العالم من مستوى غير مسبوق من الوحدة، مما تسبب في تزايد محاولات التعامل مع المشاعر السلبية عبر بعض استراتيجيات التأقلم المرتبطة بالإنترنت، ومن بينها: الاستعانة بمجموعة متنوعة من تطبيقات الصداقة القائمة على أنظمة حوار تعمل بالذكاء الاصطناعي.

وتستجيب هذه التطبيقات مع المستخدمين بطريقة اجتماعية ومتعاطفة، وبشكلٍ يساعد على تلبية احتياجاتهم المختلفة، حيث تستعين بتقنيات معالجة اللغة الطبيعية التي تسمح بتقديم تفاعلات شبيهة بالتفاعلات البشرية، عبر الصوت والنص والصور، الأمر الذي يسهل إنشاء روابط عاطفية مع المستخدمين.

كما يمكن للمستخدمين اختيار جنس أصدقائهم من الروبوتات ومظهرهم، بالإضافة إلى القدرة على تحديد نوع العلاقة التي يريدون إقامتها معهم، سواء أكانت علاقة صداقة أو إرشاد ومشورة أو شراكة رومانسية، بما يُسهّل من حدوث التعلق الاجتماعي أو العاطفي بالذكاء الاصطناعي، ويجعل مستخدمه مهيَّأ لإدمانه على نحو خاص.

إعلان

ووفقًا لتقرير يبحث في المخاطر المحتملة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصدرته شركة "أوبن أي آي" (OPEN AI) في أغسطس/آب الماضي، تزداد خطورة التعلق بأنظمة الذكاء الاصطناعي مع امتلاكها قدرات صوتية، كما في حالة "جي بي تي-4.0" (GPT-4.0)، بما يتسبب في تزايد التشابه بين تفاعل المستخدمين مع نماذج الذكاء الاصطناعي وتفاعلهم مع البشر.

كما أوضحت الاختبارات المبكرة التي أجرتها "أوبن أي آي" أن اللغة التي يستخدمها الأشخاص تشير إلى تكوين روابط عميقة مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما يقلل من حاجتهم إلى التفاعل البشري الطبيعي، ويؤثر سلبا على إمكانية بناء علاقات اجتماعية وعاطفية صحية، خاصة في حالة الأشخاص الذين يعانون من الوحدة أو الانطوائية.

فضلا عن ذلك، يلفت الباحثون الانتباه إلى أن إدمان الذكاء الاصطناعي التوليدي يختلف عن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتفاعل المستخدمون في الأخيرة مع أشخاص حقيقيين عبر وسيط رقمي، بينما التفاعل مع الذكاء الاصطناعي هو تواصل تام بين الإنسان والآلة، وليس من خلالها.

وتظهر الأبحاث مدى أهمية هذا الاختلاف وتأثيره على سلوك المستخدِم، نظرًا لأن الأفراد يغيّرون ردود أفعالهم بناءً على كون الطرف الآخر إنسانًا أم ذكاءً اصطناعيًا. كما قد يشككون في صحة بعض المعلومات المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يثقون في المعلومات التي يحصلون عليها من خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي، بما قد يدفعهم إلى اتخاذ قرارات خاطئة.

وإن حدثت الانتكاسات.. فالتعافي هو القاعدة!

ختامًا، يشير موقع "سيكولوجي توداي" إلى أن "التعافي" من الإدمان هو القاعدة وليس الاستثناء، موضحًا أن ثمة طرقا عديدة للتعافي، تُمكّن الأفراد الذين يُعانون من هذه الأزمة من تحسين أدائهم الحياتي البدني والنفسي والاجتماعي من تلقاء أنفسهم، ودون الحصول على أي مساعدات خارجية، وهو ما يسمى "التعافي الطبيعي".

إعلان

ومن بين هذه الطُرق، وفقا لما يوضحه موقع هارفارد، عثورُ الشخص على هواية جديدة أو انخراطه في تحديات ما، أو البدء في تكوين علاقات طبيعية جديدة توفر معنى لحياته، ويتمكن عبرها من ملء الفراغ الذي خلفه الإدمان.

كما يمكن أن يبدأ الشخص أيضًا في ممارسة الرياضة بانتظام، لأنها تعمل كمضاد طبيعي للاكتئاب وتخفف من التوتر، علاوة على تحفيزها الجسم على إطلاق بعض المواد مثل "الإندورفين" المسؤول عن تعزيز مسار المكافأة في الدماغ.

فضلا عن ذلك، يمكن دومًا الحصول على مساعدة متخصصة عند الشعور بصعوبة مواجهة الإدمان والتعافي منه ذاتيا.

وربما يكون الجانب السلبي هنا، والذي ينبغي قبوله لكي يتمكن الشخص من التعامل معه بفعالية، هو أن طريق التعافي ليس مستقيمًا ولا خاليًا من الصعوبات، فعادة ما يحدث ما يسمى "الانتكاس"، وهو تكرار تعاطي المواد أو القيام بالسلوك، محل الإدمان، بعد التوقف. وصحيح أن هذا الانتكاس قد يكون أمرًا شائعًا، لكنه لن يظل يحدث مدى الحياة، حيث يشير الباحثون إلى أن الأشخاص الذين يحققون شفاءً من اضطراب الإدمان لمدة 5 سنوات، لا تزيد احتمالية انتكاسهم عن تلك الاحتمالية الموجودة بين عامة السكان.

مقالات مشابهة

  • احتياطيات تتجاوز 100 مليون طن.. الصين تعلن عن اكتشاف نفطي كبير
  • ضغط متوقع على أسعار النفط في 2025 وسط التقلبات الاقتصادية
  • توقعات بتراجع النفط إلى مستوى 60 دولارا وأزمة وشيكة بقطاع التكرير
  • ورطة منطقية والما عارفو يقول عدس
  • الصين تكتشف حقل نفط كبير في بحر الصين الجنوبي
  • اكتشاف حقل نفطي كبير في بحر الصين الجنوبي
  • ما علاقة استهلاك الحليب بالسرطان؟
  • ترامب يقول إنه واثق من ضم غرينلاند إلى أمريكا
  • لن يقول لك وداعا.. هل يقع الإنسان في حب الروبوت؟
  • المفتي: الإسراف في استهلاك المياه يعد خروجًا على تعاليم الإسلام