بطرس حرب: وزارة المال ليست حكراً لطائفة وليست ممنوعة على أيّ طائفة
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
صدر عن الوزير والنائب السابق بطرس حرب البيان التالي:
"ما يدفعني إلى كتابة هذا المقال هو الجدل الحاصل حول مذهب وزير الماليّة، وما إذا قد تمّ الاتّفاق على إيلائها لأحد أبناء الطائفة الشيعيّة في الطائف، وما نسبه أحد الإعلامييّن المحترمين إلى الرئيس نبيه برّي من أنّ هذا الأمر قد بُتّ في الطائف، والسبب الآخر، أنّني كنت أحد من شارك في مؤتمر الطائف، وفي كلّ المناقشات التي دارت فيه، ولاسيّما في لجنة " العتّالة " التي جرت فيها مناقشة كلّ المواضيع وتفاصيلها، كما شاركت في صياغة معظم البنود والمواد، التي اتفقنا عليها والتي أحيلت إلى الهيئة العامّة للمجلس لإقرارها في إطار ما سُمّي " بوثيقة الوفاق الوطني "، التي تجسّدت في الدستور اللبناني لاحقاً.
بادئ ذي بدء، أودّ أن أؤكّد أنّ وثيقة الوفاق الوطني، التي أقرّها النوّاب في الطائف، تضمّنت كلّ ما تمّ الاتّفاق عليه من مواد ومواضيع، وأنّ كلّ ما يُزعم أنّه قد تمّ بتّه ولم يرد فيها غير صحيح لأنّه لم يحصل اتّفاق حوله. هذا مع إقراري بأنّ مواضيع عديدة قد طرحت أثناء مناقشة التعديلات الدستوريّة، ومنها إيلاء الطائفة الشيعيّة وزارة المال مثلاً، ولم يتمّ إقرارها لأنّه لم يحصل اتّفاق حولها. ما يعني أنّ إيلاء حقيبة وزارة الماليّة إلى الطائفة الشيعيّة لم يبتّ إيجابيّاً، كما نُسب إلى الرئيس برّي قوله، بل على العكس من ذلك، قد بُتّ سلبيّاً لأنّ المؤتمرين لم يوافقوا عليه، كما لم تحدّد طائفته أيّ وزارة من الوزارات تثبيتاً لمبدأ المداورة عليها، بحيث لا تكون أيّ وزارة حكراً على طائفة معيّنة، كما ليس من وزارة محظّرة على طائفة ما.
ما يؤكّد، ذلك هو الحكومات العشرين التي تشكّلت بعد الطائف، وتولّي وزراء من مختلف الطوائف لهذه الوزارة، وهم الرئيس رفيق الحريري بمعاونة فؤاد السنيوره، كوزير دولة للشؤون الماليّة، في أربع حكومات بين 1992 و1998 وجورج قرم الماروني في حكومة الرئيس سليم الحصّ، عام 1998 وفؤاد السنيوره مجدداً في حكومات الحريري عام 2000 و2003، والياس سابا ( الأرثوذكسي ) في حكومة الرئيس عمر كرامي عام 2004، ودميانوس خطّار ( الماروني ) عام 2005 في حكومة الرئيس ميقاتي، وجهاد أزعور ( الماروني) عام 2005 في حكومة الرئيس السنيوره والشهيد محمد شطح عام 2008 في حكومة السنيوره، وريّا الحسن عام 2009 في حكومة الرئيس سعد الحريري، ومحمد الصفدي عام 2011 في حكومة ميقاتي، وأنّ وزراء الماليّة الأربعة اللاحقين كانوا من الطائفة الشيعيّة، بعد أن اشترط حزب الله وحركة أمل توليتها للطائفة الشيعيّة تحت طائلة منع تشكيل أيّ حكومة وتعريض البلاد لأزمات سياسيّة وأمنيّة، وتهديدهما بفائض قوّتهما وسلاحهما، وبمساندة الرئيس السابق ميشال عون وتيّاره السياسي، بتعطيل الحكم وإيقاع البلاد في أزمة سياسيّة وطائفيّة بغيضة إذا لم يُلبّ طلبهما.
هذه هي الحقيقة التاريخيّة التي تمّ الاتّفاق عليها في الطائف،وأستطيع أن أجزم أنّ من طرح إيلاء الطائفة الشيعيّة وزارة المال، آنذاك، كان يهدف إلى تأمين إطّلاعها على كلّ القرارات الماليّة للدولة، وليس تعطيل هذه القرارات، ومنع نشرها وتنفيذها عندما يرتأي ذلك.
أمّا ما حصل مؤخّراً، وبعد تسلّط السلاح على الحياة السياسيّة، فمختلف كلّياً عن الاطّلاع الذي كان يمكن حصوله في اجتماعات مجلس الوزراء، أو عبر مراقبي النفقات في الوزارات التابعين لوزارة المال، إذ عمد بعض وزراء المالية مؤخّراً إلى رفض توقيع وتنفيذ قرارات صادرة عن مجلس الوزراء بالأكثريّة الدستوريّة المطلوبة، أو عن وزير ما في وزارته، ما أدّى إلى تعطيل سير النظام السياسي بسبب وضع فيتو من وزراء المال على كلّ قرارات الدولة ومنح أنفسهم صلاحيّة منع تنفيذ أيّ قرارا لا يعجبهم، خلافاً لأحكام الدستور ومبادئ النظام السياسي الذي يعتمده لبنان.
فليس في نظامنا السياسي " وزير ملك "، فالوزراء سواسيّة، وكلّ منهم يتولّى إدارة مصالح الدولة، ويُناط به تطبيق الأنظمة والقوانين كلّ فيما يتعلّق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خصّ به، كما تنصّ الفقرة الثانية من المادة /66/ من الدستور، وليس من وزير رقيب على عمل الوزراء الآخرين، أو وزير يتمتّع بصلاحيّة منع تنفيذ قرارات الحكومة أو الوزراء ، كما جرى في ملفّ انفجار المرفأ، حيث امتنع وزير المال عن توقيع مرسوم تشكيل الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، ما أدّى إلى عرقلة التحقيق في أفظع جريمة شهدها لبنان، لمدة تتجاوز الثلاث سنوات.
فالثابت غير القابل لأيّ نقاش أو جدل، أنّه لا يوجد أيّ نصّ في الدستور أو في القوانين والأنظمة الماليّة والإداريّة يجعل من وزير المال قيّماً ومراقباً على أعمال سائر زملائه، ذلك أنّ المادة /66/ من الدستور... جعلت من كلّ وزير... المرجع الأول والأعلى في إدارته، لا يشترك معه، لممارسة صلاحيّاته ولجعل قراراته قانونيّة وأصوليّة ونافذة ، أي هيئة أو مسؤول، أكان رئيس الحكومة، الذي تقتصر صلاحياته على " متابعة أعمال الإدارات وينسّق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل " ( الفقرة 7 من المادة /64/ من الدستور)، أو كان وزير الماليّة.
إنّ إعطاء مثل هذه الصلاحية لوزير المال يجعل منه وزيراً مشرفاً تسلسليّاً على جميع وزارات الدولة وعلى القرارات التي يتخذها الوزير المختص، إذ يصبح بإمكان وزير المال أن يعدّل أو يلغي جميع القرارات التي يتّخذها الوزير القيّم على شؤون وزاراته، بحجّة تفسير القانون خلافاً لرأي هذا الوزير. الأمر الذي يتنافى والمبادئ العامة الدستوريّة القانونيّة لأنّ ذلك يجعل من مراقب عقد النفقات، أيّ من وزير المالية، رئيساً تسلسليّاً للوزير المختصّ.
في الخلاصة، تشكّل محاولة فرض إيلاء حقيبة وزارة المالية إلى وزير شيعي بصورة دائمة، استناداً إلى زعم خاطئ أنّه تمّ بثّ هذا الأمر في الطائف، غير صحيح، ومخالف لمبدأ حقّ كلّ اللبنانييّن في أن يتولّوا حقيبة وزارة الماليّة، وتشكّل مخالفة واضحة للمبادئ الدستوريّة التي يقوم عليها نظامنا السياسي، ولاسيّما أحكام المادة /12/ من الدستور، التي تنصّ على ما حرفيّته:
" لكلّ لبناني الحقّ في تولّي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلاّ من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينصّ عليها القانون" .
هذا بالإضافة إلى أنّ سبب رفضنا السكوت على ذلك، يعود إلى أنّ من تولّى هذه الحقيبة، في الفترة الأخيرة، بحكم فائض القوّة، أساء ممارسة صلاحيّاته، واعتدى على صلاحيّات مجلس الوزراء والوزراء زملائه، ما تسبّب بتعطيل الكثير من القرارات المتعلّقة بالمصلحة الوطنيّة العامّة وبتحقيق العدالة.
في الختام، أعتبر أنّ لا شيء يحول دون تولّي هذه الحقيبة من شخص من الطائفة الشيعيّة الكريمة كغيره من اللبنانييّن، لكن هذا الأمر لا يعني إطلاقاً عدم تعيين وزير للماليّة من الطوائف اللبنانيّة الأخرى، كما اعتبر أنّ غياب مساءلة ومحاسبة وزراء المال الذين خالفوا الدستور ومنحوا أنفسهم حقّ الفيتو على قرارات مجلس الوزراء والوزراء، هو الذي أدّى إلى التحفّظ على تعيين وزير شيعي يقترحه الثنائي الشيعي للإستمرار في ممارسته المخالفات الدستوريّة المشكو منها بواسطته.
فلا شيء يمنع بنظري تعيين وزير شيعي للماليّة، شرط ألاّ يعتبر ذلك تكريساً لمبدأ حصر تولّيها بالطائفة الشيعيّة دائماً من جهة، وأن يلتزم من سيُعيّن باحترام الدستور والقوانين، تحت طائلة إقالته من قبل ثلثي مجلس الوزراء، أو طرح الثقة به في مجلس النوّاب لإسقاطه بحجب الثقة عنه من جهة أخرى.
ومن هذه الزاوية أؤيّد ما ذهب إليه فخامة رئيس الجمهوريّة حول عدم تكريس أيّ وظيفة في الدولة لطائفة معيّنة ووجوب المداورة فيها، وقول رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام من أن لا احتكار لوزارة المالية لطائفة ما، ولا مانع يحول دون تولّيها".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی حکومة الرئیس ة وزارة المال مجلس الوزراء وزارة المالی وزراء المال من الدستور وزیر المال الدستوری ة فی الطائف المالی ة
إقرأ أيضاً:
بو عاصي: وجود حقيبة المال بيد وزراء أمل خرب الدني
اعلن عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب بيار بو عاصي أن الدولة اللبنانية كطائرة محطّمة أخرجناها من "بؤرة كسر" الى المدرج، لكن هذا لا يعني ان مشاكلنا حلّت إنما إنطلقنا على طريق الحل ولكن لا يظنّن أحد أننا وصلنا.وفي مقابلة عبر الــ mtv، أشار الى ان "الكل مستعجل لتشكيل الحكومة بهدف إعادة انتظام عمل المؤسسات ولكن بعض الأمور التي تحصل بعكس كل المنطق السياسي، مضيفاً: "بعض ما يتم تداوله خارج اي منطق كحديث بعضهم عن الحاجة لحكومة غير سياسية! أقترح عليهم تشكيلها من ناديي الرياضي والحكمة ولكن فاتنا أن الرياضي مقرب من تيار المستقبل والحكمة من القوات اللبنانية. كما يدعو البعض الآخر الى ألا تضم حزبيين. في كل دول العالم الحكومات سياسية ولا تناقض بين الحزبي والكفوء. الناس تثق بالأحزاب فنحن كقوات مثلاً حصدنا اكثر من 220 الف صوت".
تابع: "وزراء "القوات" أظهروا طريقة حكم مختلفة والاخصام أشادوا بأدائهم قبل الاصدقاء. اذكّر أنني اقدمت على إلغاء عقود مئات الموظفين الذين شكلوا فائضاً في وزارة الشؤون الاجتماعية قبل أيام من الانتخابات النيابية. إنتمائي الحزبي وفّر لي الغطاء لاقوم بخطوة رجل الدولة هذه".
بو عاصي أشار الى أن "القوات مع حكومة منسجمة ولا تهتم لحكومة جامعة"، لافتاً الى ان "من المفترض أن تحاسب الأقلية المعارضة في مجلس النواب الأكثرية الحاكمة في مجلس الوزراء لكن هذا أمر غير قائم في لبنان".
كما وشدّد رداً على سؤال على أن تكليف الرئيس نواف سلام هو صناعة محلية، مؤكّداً ان أي كتلة لم تتعرّض لأي ضغط.
وفي ما يتعلق بحقيبة وزارة المال وإمكان منحها للشيعة مجدداً، أوضح: "لا مشكلة لدي إن كان وزير المال بوذياً او هندوسياً أو مارونياً أو شيعياً. ولكن لا يجوز بأي شكل تكريس حقيبة لأي طائفة ولم يتم ذلك إلا بوهج سلاح الحزب. لقد اعطوها زوراً طابع الميثاقية وتحت هذا الغطاء راح وزير المال يتحكم عبر إمضائه بمصير باقي الوزارات بشكل غير مقبول".
تابع: "وجود حقيبة المال بيد وزراء "أمل" على مدى السنوات الماضية "خرب الدني" والوزراء المتعاقبون على وزارة المال مسؤولون عن تدمير الاقتصاد وانهياره. لذا أمر خطر ربط حقيبة وزارة المال بطائفة لأنّه يُعطي صلاحية للوزير باستنسابية التوقيع.
ردّاً على سؤال، أجاب: "لا يمكننا الحديث في الوقت الحالي عن "deal breaker" إن أعطيت حقيبة المال لشيعي بحيث لا نشارك كـقوات بالحكومة. في الأساس أي قرار في هذا الصدد يتخذه تكتل الجمهورية القوية مع الهيئة التنفيذية في القوات. ولكن الثلاثية السابقة (جيش - شعب - مقاومة) وتكريس حقيبة لطائفة معينة والثلث المعطل هي الامور التي نرفضها بالمطلق".
تابع: "لسنا مع إعطاء "الحزب" أكثر من حصته لأنه في كل مرة يؤذي لبنان واللبنانيين. للتذكير، في العام 2005 كان الحزب بحالة أكثر سوءاً من المرحلة الحالية وجاء بعدها اتفاق مار مخايل كنفحة سمحت له الإجهاز على الدولة".
من جهة أخرى، إعتبر بو عاصي أن "الحزب" جزء من الدولة العميقة والعقيمة الى جانب بعده الايديولوجي وارتباطه بالجمهورية الاسلامية في إيران"، مضيفاً: "لذا نحن كـقوات لبنانية بالطبع مع تفكيك التركيبة التي أدار الحزب من خلالها شؤون الدولة لأنه مارس الإطباق على البلاد كالأخطبوط وهذه خطورته".
ختم بو عاصي: "علينا العمل كي تكون العلاقة بين لبنان وسوريا سليمة وندّية بحيث يتم التخلي عن المطامع التوسعية لدى سوريا الممتدة من العام 1920 حتى سقوط نظام بشار الأسد وأدعو المسؤولين اللبنانيين لدعوة المسؤولين السوريين لزيارة لبنان لا ان نكتفي بزيارة سوريا".