عربي21:
2025-03-26@06:12:35 GMT

ذكرى يناير بنسائم ديسمبر

تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT

أربعة عشر عاما مرت على أعظم ثورة عرفها التاريخ المصري، وربما العربي، ومن أعظم الفعل البشري في العصر الحديث، ومنطلق ذلك هي تلك الروح التي سادت على مدى ثمانية عشر يوما هي أيام الثورة حتى سقوط الطاغية. من اعتصم في ميدان التحرير يعرف جيدا هذه المشاعر التي لا تستطيع أن تصفها كلمات إلا بالقول إن ملائكة كانت تتقاسم الرصيف قبل الرغيف، تلاشت الفوارق الطبقية والعلمية والاجتماعية، وكل مظاهر الخداع الذي به يحكم الطغاة الشعوب بزرع الفرقة والكبر في قلوبهم، ولو كان في المقال مساحة لوضعت صورا التقطتها عدسة كاميرتي ليتخيل من لم يعش هذه الأيام كيف كانت.



تمر علينا ذكرى 25 يناير هذا العام بشكل مختلف، فما حدث في سوريا جدد الأمل، وهز أركان الطغاة وأربعة أعضاء نادي الثورات المضادة، لكن ولأنهم يمتلكون من الإمكانيات المادية والبشرية والمالية والمعلوماتية، ويخدم عندهم من باع ضميره ودينه، وباع شعبه من أجل المال، يهدّئون من روعهم، ويعمل في ذلك الزبانية والمتآمرون، فبقاء هؤلاء يعني بقاءهم، ومن ثم الحفاظ على هدوئهم واجب وقت يعملون على إصابته، لكي يدبروا لما هو آت في سوريا، حتى لا تصبح سوريا مثالا يحتذى ودليلا يتبع.

أهملت الثورات الحالة الاقتصادية وما تعنيه للمواطن في حياته اليومية، وأخيرا ابتعدت الحركات الثورية عن المناقشات النقدية المتعلقة بقطاع الأمن، وبالنتيجة ترك الفشل في المشاركة الفعالة والجماعية في هذه المجالات إرثا من الفرص الضائعة التي لا تزال محسوسة بشدة حتى يومنا هذا
قبل شهرين من اليوم لو كنت كاتبا هذا المقال، أنا أو غيري، لكان الكلام غير الكلام، لعلي كنت سأكتب لأبث الأمل الباهت في قلوب الثوار المنهكين المهزومة أنفاسهم قبل نفوسهم، من فِعل من يقودون مشهد الحراك الثوري، أو قل المعارض في المهاجر، هزيمة فعلناها بأنفسنا قبل أن يصيبنا بها الدكتاتور، فنحن من قبلنا تبريد الثورة، ونحن من رضينا بتقليل سقف المطالب، ونحن من ألقينا بأوراق الضغط، ونحن أيضا من جعلنا أنفسنا مشروع الغير، بعد أن فقدنا الرؤية وفقدنا المشروع. ولعلي أيضا كنت، كما أي كاتب عن ذكرى يناير، استرجعت المواقف لأنفث بعض الأمل في الأرواح المثقلة بمتاعب لقمة العيش في المنافي، ولأجعل من هذه الذكريات أمثلة لمن لم يشهدها، مع التنبيه عليه ألا يقع فيما وقعنا فيه.

منذ أشهر نظم "تشاثام هاوس" أو المعهد الملكي للشؤون الدولية، وهو أحد أعرق المعاهد المختصة في بريطانيا، ويصف نفسه بأنه مؤسسة محايدة تعمل على تحليل الأحداث الدولية الجارية مما قد يساهم في تعميق فهم العالم لما يجري من أحداث وتطورات؛ سلسلة من الحوارات. ضمت هذه المناقشات عشرات الناشطين من البلدان التي عاشت ربيعنا العربي، وانتهت هذه الحوارات والجلسات بحسب المعهد إلى أن الحركات الثورية فشلت في أن تترجم حالتها الثورية إلى نمط سياسي تحكم به البلاد. فقد أهملت الثورات الحالة الاقتصادية وما تعنيه للمواطن في حياته اليومية، وأخيرا ابتعدت الحركات الثورية عن المناقشات النقدية المتعلقة بقطاع الأمن، وبالنتيجة ترك الفشل في المشاركة الفعالة والجماعية في هذه المجالات إرثا من الفرص الضائعة التي لا تزال محسوسة بشدة حتى يومنا هذا.

في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي تحررت دمشق، وهرب الدكتاتور وانتصرت الثورة التي ناضلت على مدار أربعة عشر عاما. ولعل الثورة السورية كما كتبت سابقا، وكما كنت دوما أقول للأصدقاء في الائتلاف وفي غيره من قادة العمل السياسي السوري، أنها ستكون أنضج ثورة، لأنها جربت كل شيء تعرفه قواميس النضال البشري من أجل الحرية، جربت الثورة السلمية، والثورة المسلحة، وخبرت المفاوضات واحتكت بالعالم وفهمت ألاعيبه، رغم الأداء الباهت، وعرفت المكايد وشراء الذمم، وفطنت لطرق استمالة المناصرين واستخدامهم داخل صفوف الثوار لتنفيذ أجندات، وجربت الحكم المحلي، وأنشأت وأدارت مؤسسات الدولة على نطاق صغير في إدلب، وعرفت أهمية المعلومات والمخابرات، لذا فإن نضج هذه الثورة سيمكنها من أن تحكم بعون الله.

ذكرى 25 يناير هذا العام تحل بنسائم تحرير سوريا في الثامن من الأول/ ديسمبر، تحل وقد تباينت الآراء، فمنهم من يرى أن سلميتنا هي من نكستنا، ومنهم من يرى أن الحالة المصرية لا تتحمل ما تحملته سوريا ودفعت من أجله الثمن، وبين ذلك وتلك، تبقى الحالة الثورية هي بنت بيئتها، وبنت ظروفها وبنت من يقودها
نضج الثورة السورية وانتصارها له تأثيران مهمان، الأول على أعداء هذه الثورة، وهم بالمناسبة كثر، ولا يغرنك توافد الوفود تترى على دمشق، ولا يغرنك إذعان المكونات والأقليات، والثاني هو تأثير في المحيط فيما لو جرت سنة الله في نظرية الأواني المستطرقة. فعلى الرغم من أن الثورة يجب أن تكون صلبة، إلا أن عدواها يجب أن تكون مائعة لتملأ كل الأواني من حولها، من دون خطاب الانكفاء المتبنى الآن، فلقد أثبتت الأيام أن ثورنا الأبيض يؤكل كلما انكفأنا، فهذه الثورة يجب أن تكون شاملة وعارمة وليست عربية، بل إسلامية تهب في كل الأقطار، بوعي أن الوكيل هش. المواجهة يجب أن تكون مع الأصيل، مع الوضع في الاعتبار أن المحتل القديم طالما ساند وكلاءه للحفاظ على مصالحه، أما وإن هبت الأمة كلها، فإنه لا وكيل ولا أصيل يستطيع أن يصمد أمام مليار ونصف المليار.

هذه الثورة المأمولة يجب أن تسبقها استراتيجية كبرى وخطط إقليمية، الأولى تعي تبعات هذه الثورة وما سيترتب عليها من وجوب تعاون إسلامي في المجالات كلها، وعلى رأسها الاقتصاد والأمن والتعليم، والثانية تقدر احتياجات وقدرات كل إقليم في قراءة واعية لتخدم الاستراتيجية، ما عدا ذلك فإن مباراة الثورة السورية القادمة ستكون خارج أراضيها وبدون جماهيرها، وهو حال أي ثورة اتخذت من نفسها حالة خاصة، وانكفأت وغلقت الأبواب على نفسها، فإن نادي الثورات المضادة فائز لا محالة، وذلك لفرق الإمكانيات والقدرات والدعم المستمر من الإمبريالية الغربية والعالمية، فالذئب يأكل من الشاة القاصية.

ذكرى 25 يناير هذا العام تحل بنسائم تحرير سوريا في الثامن من الأول/ ديسمبر، تحل وقد تباينت الآراء، فمنهم من يرى أن سلميتنا هي من نكستنا، ومنهم من يرى أن الحالة المصرية لا تتحمل ما تحملته سوريا ودفعت من أجله الثمن، وبين ذلك وتلك، تبقى الحالة الثورية هي بنت بيئتها، وبنت ظروفها وبنت من يقودها، نسائم ديسمبر هبت فهل أُذِن لربيع العرب أن يزهر؟!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ثورة المصري 25 يناير سوريا سوريا مصر ثورة 25 يناير مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة یجب أن تکون هذه الثورة من یرى أن

إقرأ أيضاً:

في ذكرى يوم الأرض وأوهام التهجير

 

 

منير رشيد **

 

يوم الأرض ذكرى يحييها الفلسطينيون في الثلاثين من آذار كلّ عام استذكارا ً للإضراب العام والاشتباكات التي جرت في اليوم نفسه بين سكان عدة بلدات وقرى من أراضي 1948 وقوات الجيش والشرطة الصهيونية، أدت لاستشهاد عدد ٍ منهم وجرح العشرات، واعتقال المئات لإقدام سلطات الاحتلال على مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، وتضامن الفلسطينيون في الضفة َ وقطاع غزة ومخيمات اللجوء معهم.

منذ ذاك التاريخ أصبح هذا اليوم مناسبة  للتعبير عن الارتباط بالأرض وعدم التنازل عنها، أو التفريط بها، بل والسّعي إلى تحريرها والعودة إليها.

ومن المؤكد أن إحياء هذه الذكرى له دلالة في معركة الذاكرة والتاريخ بين مستعمر غاصب طارئ يسلب أرضا ًويطرد ويشرد شعباً، وبين هذا الشعب المتمسك بها المدافع عنها والرافض إلا العودة إليها وإدارة شؤونها وحكمها بإرادته الحرة وقراره المستقل.

تأتي هذه الذكرى ومشاريع تهجير أهالي غزة ومخيمات الضفة بعناوين ومُسميات مختلفة وبواعث واحدة، لكن ألم يدرك هؤلاء أنّ غزة، بل كل شبر من فلسطين ليست عقارا معروضا في بورصات العقار، وليدرك هؤلاء ويعلموا أن مشاريع سابقة منذ انتداب بريطانيا لفلسطين وتسليمها لليهود لم تتوقف، ومنها مشروع صفقة القرن حيث كشف الرئيس الأمريكي ترامب في فترة ولايته عام 2020 عنها بعنوان (السلام من أجل الازدهار)، لكن ما لا يحتاج لبرهان ودليل ما شاهده العالم ولا يزال يشاهده ما يصدر عن نساء غزة وأطفالها عدا عن رجالها وبعفوية عن تمسكهم بأرضهم وثباتهم عليها رغم الفتك والدمار والحصار والتجويع والتعطيش وقطع الكهرباء، بل كل مقومات العيش، فيوم الأرض كان احتجاجا ً وانتفاضة وثورة لمصادرة بعد الأراضي من أصحابها مع بقائهم وبدون تهجيرهم، وقدموا شهداء وجرحى ومعتقلين ولا زالوا صامدين فيها جيلا يتلوه جيل، فكيف باقتلاع ملايين البشر وتهجيرهم وتشريدهم من أرضهم والذين أصبحوا أكثر وعيا  وإدراكا  لعدوهم ومحيطهم وعالمهم، إنها أوهام الغزاة العبيد الذين لا يدركون بواعث أصحاب الحق والأرض الأحرار. إضافة إلى أن المشاريع المطروحة لإدارة قطاع غزة تدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني ومصادرة حق الشعب في اختيار قيادته وسلب حريته في التعبير عن إرادته الحرة.

من المؤكد أن مشاريع التهجير تتطلب وعيا ً إستراتيجيا ً عاما ً قبل أن يكون فلسطينا  فحسب، فمحاولات التهجير بدأت مع الصراع العربي الصهيوني، ولم تتوقف بأشكال وأنماط مختلفة وتحت مسميات الازدهار والإعمار والاقتصاد، إلا أنها ليست سوى خطة مرحلية لا تهدد هوية الشعب الفلسطيني ونضاله فقط، بل لرسم خريطة المنطقة بأكملها بما يخدم مصالح الاحتلال وداعميه وتصفية القضية الفلسطينية، وبناء دولة الاحتلال نقية عرقياً  بعد أن أقر الكنيست قانون يهودية الدولة.

إن الصراع مع الاحتلال صراع إرادة وإدارة، أثبت الشعب الفلسطيني منذ صراعه مع المحتل ولا زال أن لديه إرادة صلبة مستمرة منذ الانتداب البريطاني ولا زال متمسكا بهويته وأرضه وحقه في عودته، ويمتلك وعيا ً تراكميا ً بتفكير عدوه ومكره والتواء أساليبه وإستراتيجية أهدافه، إلا أن إدارة الصراع معه تواجه مشكلة في طريقة إدارة المواجهة مع محتل غاصب لم ولن يراعي اتفاقاً أبرمه أو سلاما ًموهوما مزعوما  ادعاه، والمشكلة في جوهرها تتمثل بين نهج المساومة والمقاومة، وما بين التفريط في الثوابت الوطنية والحفاظ عليها أو التخلي عن أغلب التراب الفلسطيني والمطالبة بكامله.

في هذه الظروف الشائكة والمعقدة، ينبغي بل يجب بلورة صيغة وطنية فاعلة تنهض بمسؤلياتها في إدارة الحالة الوطنية للدفاع عن ثوابت الشعب الفلسطيني، والمحافظة عليها وعدم التفريط بأي منها، وتعزيز صموده، ودعم مقاومته وحقه في التحرير والعودة، وإنهاء الاحتلال وقراره المُستقل.

عاشت فلسطين حرة أبية من نهرها إلى بحرها، والرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى، والحرية للأسرى، وللمقاومة العز والفخار والمجد.

** عضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج

مقالات مشابهة

  • في محاضرته الرمضانية الثانية والعشرين قائد الثورة: حاجة المسلمين إلى الاهتداء بالقرآن الكريم تجاه المخاطر التي تستهدفهم مهمة جداً
  • ماذا قال حزب الإصلاح في ذكرى تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية وماهي الرسائل السياسية التي بعثها إليهم ؟
  • الإمام أحمد الطيب .. بيان عاجل عن الحالة الصحية لشيخ الأزهر
  • التأمينات تبدأ صرف النصف الثاني من معاش يناير 2021 وفق الآلية الاستثنائية
  • في ذكرى يوم الأرض وأوهام التهجير
  • “من الثورية إلى المعارضة: هل لا يزال الحزب الشيوعي السوداني عضوياً في الحراك السياسي؟”
  • الصناعة السعودية تصدر 23 رخصة تعدينية جديدة خلال يناير
  • مستشفيات جامعة سوهاج تستقبل 171 ألف و 487 مواطناً منذ يناير 2024 وحتى الآن
  • في ذكرى تأسيس دار الكتب .. أهم الشخصيات التي أثرت في تاريخها
  • وزارة الصناعة والثروة المعدنية تصدر 23 رخصة تعدينية جديدة في يناير 2025