من ملتقى المثقفين إلى رمز الثورة.. حكاية مكان شهد تحولات سوريا (صور)
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
سوريا – عندما تسير في شارع العابد، لا بد أن يستوقفك مقهى الروضة، مكان مغلق يطل بواجهة زجاجية على برلمان دمشق، أحد أهم المعالم البارزة الشاهدة على استقلال سوريا عام 1946.
فضاء مفتوح على الحكايات والتفاصيل، يستحضر رواده قصصا فرضت حضورها وارتبطت بحبل سري مع مسارات حياتهم وحواديثهم وحتى مآلاتهم. وهو في ذاكرة الكثيرين كان مجلسا يوميا لنخبة من الأدباء والشعراء، مثل ممدوح عدوان ومحمد الماغوط ومظفر النواب وسعدي يوسف، والأديب أدونيس الذي كان يعرّج إلى الروضة كلما زار دمشق.
التقاط اللحظة
في ركن بعيد، يجلس الكاتب الروائي يعرب العيسى محاولا التقاط اللحظات الخاصة بالمكان والشخوص. ويؤكد لـ”روسيا اليوم” أن سر المقهى هو اتساع فضائه ورحابته وسقفه المفتوح عمرانيًا، إضافة إلى حضوره في الحياة العامة وعدم ارتباطه بتيار سياسي معين أو شريحة محددة من الناس. ويضيف العيسى: “استطاع مقهى الروضة التقاط اللحظة، فقبل أسابيع من سقوط النظام بدأوا بإقامة ندوات وحوارات سياسية، إضافة إلى الندوات الأدبية والفنية وغيرها، ليصبح بعدها وجهة وقبلة لكل القادمين من الخارج، ويتحول إلى رمز خاص. وأنا أعتقد أن للأماكن أقدارا كالأشخاص، وهذا قدر مقهى الروضة أن يكون له هذه الدلالة”.
ويستكمل العيسى حديثه بأن لشجرة الدلب القابعة على باب المقهى خصوصية، فعمرها الممتد لأكثر من 100 عام يحمل الكثير من المفارقات، ولو شاهدناها عن قرب سنفهم المعنى العميق لها.
ليس مكانا للترفيه
وترى الكاتبة الصحفية سعاد جروس، إحدى زائرات المقهى الدائمات، أن المقهى اكتسب أهميته كفضاء عام من موقعه وتاريخه ورواده. فهو جزء لا يتجزأ من ذاكرة المدينة. وقد عرفت دمشق العديد من المقاهي ذات الخصوصية التي تتجاوز وظيفته كمكان للترفيه وتمضية الوقت مع الأصحاب، مثل مقهى النوفرة خلف الجامع الأموي، وأبو شفيق في الربوة، والهافانا ومقهى البرازيل عند جسر فكتوريا. وشكل الأخيران جزءا من الذاكرة السياسية السورية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لوقوعهما في قلب دمشق، إلى جوار النادي العربي والعديد من مكاتب الصحف والمطابع فيها.
وبرز مقهى الروضة مقابل مبنى مجلس الشعب كمكان للقاء المثقفين والمعارضين، ليكون ساحة للمعارك الثقافية الساخنة والباردة. ومع انطلاق الثورة عام 2011، أصبح مكانًا للقاء الثوار الشباب، الذين سرعان ما تحول المقهى إلى مصيدة لتعقبهم من قبل المخبرين الذين احتلوه وحولوه إلى مقهى بائس لاجترار الملل ونفث الدخان ولعب النرد، كجزء من المشهد العام الثقيل الذي كانت تعيشه البلاد قبل سقوط النظام.
ومع تحرر البلاد من القبضة الأمنية، استعاد السوريون مقهى الروضة كفضاء مفتوح لهم، فأقبلوا عليه من الداخل والخارج، وراحوا ينفضون غبار الدمار والخراب عن ذاكرتهم الموجعة، ويغسلون أحلامهم المؤجلة بدموع الفرح: “ارفع رأسك، فأنت سوري حر”.
تحول تاريخي
يقدم الشاعر والناقد الأكاديمي د. مازن أكثم سليمان قراءته لتحولات المشهد الثقافي، ويؤكد لـ”روسيا اليوم” أنه لا يمكن قراءة ما يحدث الآن من نشاطات وتجمعات في مقهى الروضة أو غيره، دون ربط ذلك بالتحول التاريخي المرتبط بسقوط النظام في سوريا. بمعنى أن عودة الحياة إلى مقهى الروضة لا تتصل بعودة الزبائن التقليديين بعدد أكبر فحسب، إنما تتصل بعودة المقهى إلى كونه صاحب موقع محوري في الفضاء العام للبلد.
ويضيف: “مارست المقاهي الدمشقية العريقة منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومع مطلع القرن العشرين، وصولًا إلى حقبة الاستقلال وما بعدها، دورا كبيرا في لقاء النخب السياسية والفكرية والثقافية، وفي إدارة حواراتها العامة والمنظمة، وفي إطلاق الأفكار والبيانات والتجمعات المتعلقة بشؤون السياسة وصراعاتها وتوجهاتها”.
ولعل هذا الدور قد انحسر، إن لم نقل قد انعدم نهائيًا، في حقبة الأسدين، حيث أُلغي فضاء الحريات العامة ليس من المقاهي وحدها، بل من عموم البلاد، وحُذفت السياسة من التداول العام تحت سطوة أحادية الدولة الأمنية العسكرية وتنكيل قبضتها الصارمة. وهذا ما حوّل المقاهي إلى مجرد مكان تقليدي للقاء والترفيه والاستهلاك.
ويشير د. سليمان إلى أن سقوط النظام غيّر المعادلة في الأسابيع الماضية، وهذا ما أظهره النشاط السياسي والثقافي الذي يشهده مقهى الروضة حاليًا. وهو نشاط يكشف تعطش النخب المختلفة إلى العمل الوطني، والعودة إلى الفضاء العام، ومواجهة استحقاقات المرحلة الانتقالية وصعوباتها وأسئلتها ومخاطرها. ويتوازى أو يتكامل ذلك مع جهود القوى المدنية والأهلية في العمل على القضايا المباشرة على الأرض.
بمعنى أن الاشتغال السياسي والثقافي للنخب المختلفة، ومن بينها عدد من الناشطين المدنيين والإغاثيين والأهليين ممن يشاركون في لقاءات مقهى الروضة، لا يتناقض مع متطلبات الناس المباشرة والملحة جدًا من أمور معيشية وخدمية وصحية، ولا سيما في ضوء الحاجة إلى العمل في المسارات كافة.
وشدد د. سليمان على أن تحوُّل مقهى الروضة الآن إلى أحد منابر الحوار الوطني هو حالة وحاجة صحية، وهي لا تقتصر عليه، بل تمتد إلى منابر عدة. وتؤكد عودة الناس إلى العمل العام على أمل تحمل الجميع مسؤولياتهم في مواجهة الاستحقاقات الحالية والقادمة، وفي بناء سوريا كي تكون دولة مواطنة تعددية ديمقراطية وحرة.
المصدر: RT
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
إقرأ أيضاً:
وسط مقاطعة أبرز القيادات وزعماء أحزاب.. البيجيدي يفتتح مؤتمره التاسع بشعارات فلسطين ومهاجمة النظام التونسي
زنقة 20 | الرباط
افتتح حزب العدالة و التنمية مؤتمره التاسع اليوم السبت، ببوزنيقة، وسط مقاطعة واسعة من قيادات الحزب و زعماء باقي الاحزاب السياسية.
و لم تحضر قيادات بارزة في البيجيدي للمؤتمر التاسع على رأسها رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، مصطفى الرميد، عزيز الرباح، نجيب بوليف، عبد القادر اعمارة، خالد البوقرعي، الأخوين العمراني سليمان و لحسن، عبد الصمد السكال، خالد الرحموني.
في المقابل حضرت قيادات قليلة الى المؤتمر بينها لحسن الداودي، مصطفى الخلفي، محمد يتيم، عبد العالي حمي الدين، ادريس الازمي، عبد الله بوانو، جامع المعتصم، جميلة المصلي، سعيد خيرون، محمد الزويتن، رضى بنخلدون.
كما سجل غياب قادة أحزاب الاغلبية الحكومية الحالية ، عزيز أخنوش، نزار بركة، فاطمة الزهراء المنصوري، المهدي بنسعيد.
واكتفى الاصالة و المعاصرة بإرسال أحمد اخشيش لينوب عن القيادة الجماعية للحزب، فيما فضل حزب الاستقلال بعث رئيس فريقه النيابي بمجلس النواب، أما الاحرار فقد غاب كلية بسبب عدم توجيه الدعوة اليه.
و عن أحزاب المعارضة ، غاب ممثلو حزب الاتحاد الاشتراكي، فيما حضر الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله، الامين العام لحزب الحركة الشعبية محمد أوزين، الامين العام لحزب الاتحاد الدستوري محمد جودار.
افتتاح مؤتمر البيجيدي عرف حضورا طاغيا لأعلام فلسطين، و شعارات مناصرة لفلسطين و غزة تطالب بإنهاء التطبيع.
كما عرف الحفل الافتتاحي لمؤتمر البيجدي، هجوما لاذعا على النظام التونسي ، حيث تم ترديد شعارات مناصرة لزعيم حركة النهضة المعتقل راشد الغنوشي.
ووصفت مقدمة الحفل النظام التونسي الحالي بالقوى المناهضة للحرية والديمقراطية و قالت أنه اغتالت الربيع العربي الديمقراطي وثورة الياسمين واجلت ازدهارها.
و قالت أن يد هذه القوى امتدت ” الى خنق الاصوات الحرة و اسكاتها بالتهديدات و السجون ووصل الامر الى اصدار احكام جائرة في حق السياسيين و المناضلين و على رأسهم راشد الغنوشي”.
أنصار الحزب و بعد سماعهم إسم الغنوشي ، رددوا بشكل جماعي : “الغنوش ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح”.