مخاوف “الأفغنة” خيمت على أجواء سوريا ـ على الأقل على مستوى التحليل والنقاشات ـ عقب سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة وانهيار نظام بشار الأسد، ورغم أن أحمد الشرع قائد الإدارة السورية الجديدة قد حرص على بث صورة مغايرة، نافياً سيناريو تحويل سوريا إلى نسخة من أفغانستان، حيث قال نصاً في حديث متلفز إن البلدين مختلفان للغاية ولديهما تقاليد مختلفة، معتبراً أن أفغانستان مجتمع قبلي في حين لدى سوريا عقلية مختلفة، مؤكداً إيمانه بتعليم النساء، إلا أن محاولات الشرع ورسائله جميعها لم تنجح ـ على الأقل ـ حتى الآن في طمأنة الكثيرين حول العالم، من تصرفات حكام سوريا الجدد، واحتمالات انتقال هذا البلد من الدكتاتورية البعثية إلى دكتاتورية دينية قد ترتدي ثوب “الشعبوية” والادعاء بأنها تحتكم إلى رأي غالبية الشعب السوري للتهرب من اتهامها بالتطبيق القسري للنموذج الديني المتشدد في الحكم.
بعيداً عن الجدل المثار عبر السوشيال ميديا بشأن علاقة الحكم السوري الجديد بماضيه، فإن الموضوعية تقتضي القول بأن الإدارة السورية الجديدة ليست بعيدة تماماً وبشكل قطعي عن سيناريو/ نموذج “الأفغنة” ولكنها تحاول بذل الجهد في “إخراج” مشهد سياسي جديد يمكن أن يحظى بالقبول الإقليمي والدولي، ووسط كل ذلك لفت وزير العدل السوري الجديد الانتباه سواء بمواقف وأفعال سابقة له موثقة تعزز المخاوف بشأن توجهاته وأفكاره، أو حتى بأفكاره الحالية “الجديدة”، إذ يبدو واضحاً أن تجربة ما تسمى بـ“حكومة الإنقاذ” في إدلب تمثل مرجعية للوزراء السوريين الجدد، بل إن اختيار وزراء الحكومة الانتقالية ممن عملوا سابقاً في تلك الفترة يبدو وكأنه “مكافأة” من قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع لرفاقه بعد النجاح في تحقيق أهدافهم، وهذا بحد ذاته أمر لا يبشر بالخير ولا يبعث على التفاؤل لاسيما في ظل إسناد حقائب وزارية لأجانب وكأن سوريا قد خلت من الكوادر البشرية المؤهلة لإدارة المرحلة الانتقالية الراهنة، ما يعكس انغلاقاً على الذات وغياباً للثقة من جانب الإدارة الانتقالية الجديدة التي يبدو أنها تكرر أخطاء التنظيمات الإسلامية التي سبق لها تولي الحكم في دول عربية أخرى وكانت هذه الأخطاء من بين عوامل فشلها.
لم تنتظر الإدارة السورية الجديدة حتى صياغة أسس دستورية وقانونية جديدة للحكم وسارعت إلى التلميح بإحداث تحول جذري في النظام القضائي السوري متناسية الدستور والقانون الوضعييْن اللذين لا يعتمدان على الشريعة كمصدر رئيسي للتشريع، وهي معضلة، إذ كيف ستقام دولة وطنية دون دستور وضعي وقوانين وضعية، والمسألة هنا لا تتعلق بالشريعة بل بالفكرة نفسها وكيفية تطبيقها وتوقيت ذلك، ومن ثم أدلجة النظام القضائي بشكل متسرع في دولة علمانية أساساً وتضم أطيافاً دينية عرقية ومذهبية وطوائف عديدة، حيث ستبرز حتماً معضلات تتصل بحقوق المرأة والأقليات والحريات الدينية وغيرها.
التلويح بفكرة “خيار الشعب” هي المدخل الذي تحدث عنه شادي الويسي وزير العدل في الإدارة السورية الانتقالية، للتمسك بفكرة تحكيم الشريعة خلال المرحلة المقبلة، وهذا الحديث يثير مخاوف حقيقية حول النوايا لأننا لو سألنا حكومة طالبان الأفغانية لردت بالإجابات ذاتها في سياق تبرير تمسكها بتطبيق أيديولوجية دينية متشددة، فدائماً ما يكون التبرير مغلفاً برغبة غالبية الشعب وقناعته، وهذا حديث إفك لم تثبت جديته في أي اختبار فعلي.
لا ندري لماذا اختارت الإدارة السورية الجديدة التورط في جدل مبكر حول حقوق الأقليات، ودخلت في سباق تخمينات ومخاوف عبر تعيين شادي الويسي ذاته وزيرا للعدل، رغم ما يتردد بشأن ممارساته في إدلب، وضعف خلفيته العلمية والمعرفية التي تؤهله لتولي حقيبة مهمة كهذه في مرحلة حساسة للغاية، والأهم من ذلك أنه اختار الدخول في مناطق شائكة وفتح أبواب التكهنات بتصريحاته التي أوحى فيها بأن نظام الحكم الديني سيطبق ولكن من خلال مظلة برلمانية يعتقد أنها توفر لهذا النموذج الحصانة اللازمة للتطبيق والقبول الشعبي فضلاً عن الإقليمي والدولي.
نموذج الحكم الذي يحلم به الشرع ورفاقه لن يكون مقبولاً من السوريين، وما نراه حالياً ليس سوى مرحلة مؤقتة سرعان ما ستتلاشى بتزاحم الوجوه القادمة من “حكومة إدلب” لقيادة سوريا الجديدة، التي لا يبدو فيها مكان حتى الآن لقيادات من خارج هذه المجموعة سوى لميساء صابرين، التي عينت في منصب محافظ المصرف المركزي السوري، ربما لأنهم لا يمتلكون كوادر ممّن يستطيع تولي هذا المنصب الحساس للغاية، فضلاً عن أن تعيينها وفر لهم فسحة من الادعاء باحترام المرأة.
لا أحد يتمنى فشل سوريا الجديدة، ولا أحد أيضاً يعمل على إفشال هذه التجربة لأن الجميع في منطقتنا ـ ببساطة ـ قد تعبوا من الحروب والصراعات والأزمات، والكل يريد ويحلم بالأمن والاستقرار والتعايش والتوافق الوطني، وبالتالي فإن الكرة في ملعب القادمين الجدد من خلفيات تنظيمات إرهابية متطرفة لا يمكن لها أن توفر لهم قاعدة ثقة مطلقة بين عشية وضحاها، ومن ثم عليهم عبء طمأنة الجميع بأفعالهم وسلوكياتهم وليس بأقوالهم فقط، فالكل في منطقتنا يتكلم ويجيد الكلام وترديد الشعارات ورفع الرايات منذ حقب زمنية طويلة، ولكن التجربة علمتنا أن قليلين هم من يعملون لمصلحة دولهم وشعوبهم وينأون بأنفسهم عن عوامل الفشل والتردي والإحباط التي تغذي غضب الشعوب وتخلق بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف وكل ما تؤول إليه من كوارث يعرفها الجميع.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الإدارة السوریة الجدیدة
إقرأ أيضاً:
رؤية السعودية 2030 تُلهم الإدارة الجديدة في سوريا
أكد أسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري، على أن بلاده تستلهم رؤيتها الجديدة من رؤية السعودية 2030.
اقرأ أيضاً.. عدوى النيران تنتقل إلى نيويورك.. إصابة 7 أشخاص في حريق هائل
إسرائيل تبدأ في تهجير سُكان جنين قسرًا إسرائيل تحرق منازل الفلسطينيين في جنين بالضفة الغربيةوأشار الشيباني في الوقت ذاته ضمن جلسة في مؤتمر دافوس إلى أن بلاده تعمل على إقامة شراكات مع دول الخليج في قطاع الطاقة والكهرباء.
وشدد الشيباني على أن العقوبات المفروضة على سوريا هي التحدي الأكبر أمام بلاده، مشيرا إلى أن رفعها هو أساس الاستقرار فيها.
وطالب الشيباني بأن يُوجه العالم عقوباته لبشار الأسد المتواجد في روسيا، وقال إن الأوضاع الأمنية في سوريا باتت مقبولة، وإن بلاده ستكون لكل أطياف الشعب، ولن تدخل في حرب أهلية أو طائفية.
رؤية السعودية 2030 تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام يقلل من الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات. تأتي هذه الرؤية في وقت حاسم بالنسبة للمملكة العربية السعودية، إذ تسعى لتحقيق تحول شامل في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. من أبرز أهداف رؤية 2030 هي تحسين بيئة الاستثمار من خلال تقليل البيروقراطية وتطوير التشريعات. تسعى المملكة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل. كما تركز الرؤية على تطوير القطاعات غير النفطية مثل السياحة والترفيه، حيث تم إطلاق العديد من المبادرات الكبرى مثل مشروع "نيوم" الذي يهدف إلى خلق مدينة ذكية عالمية ومتطورة على ساحل البحر الأحمر. بالإضافة إلى ذلك، تعزز الرؤية من صناعة الطاقة المتجددة من خلال مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يسهم في تحقيق الاستدامة البيئية والحد من انبعاثات الكربون. وفي إطار هذه الرؤية، تعمل الحكومة السعودية على تعزيز البنية التحتية الوطنية، بما في ذلك تطوير قطاع النقل والمواصلات والتكنولوجيا، مع التركيز على الابتكار وريادة الأعمال.
في المجال الاجتماعي، تسعى رؤية السعودية 2030 إلى تحسين جودة الحياة للمواطنين وتعزيز التنمية البشرية من خلال عدة مبادرات وبرامج تستهدف التعليم والرعاية الصحية. تم إطلاق "برنامج جودة الحياة" الذي يهدف إلى تحسين مستوى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والسكن. كما تتضمن الرؤية تعزيز دور المرأة في المجتمع وتوفير فرص العمل المتساوية لها في مختلف القطاعات. تهدف الحكومة إلى خلق بيئة مجتمعية تتسم بالعدالة والمساواة، حيث تم تشجيع النساء على المشاركة الفاعلة في الاقتصاد والمجتمع. كما تهتم رؤية السعودية 2030 بتطوير القطاع الثقافي والفني، من خلال دعم الفعاليات الثقافية والمهرجانات الفنية التي تعزز من الهوية الوطنية وتنمي السياحة الداخلية. وفيما يتعلق بالصحة، تم التركيز على تحسين نظام الرعاية الصحية من خلال استثمار كبير في البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية. تهدف هذه الخطط إلى تعزيز رفاهية المواطنين ورفع مستوى حياتهم في مختلف جوانب الحياة اليومية.