كثرت المؤلفات التى تناولت المرأة فى تراثنا العلمى العريق، ولعل من أهمها وأكثرها طرافة كتاب( الدر المنثور، فى طبقات ربات الخدور) الذى ألفته الأستاذة الأديبة الكبيرة والجليلة زينب فواز العاملى السورية مولدًا وموطنًا، المصرية منشأ وسكنًا، والذى طبع عندنا فى مصر، فى مطبعة بولاق المحمية، سنة 1312هـ، منذ مائة وأربع وثلاثين سنة.
وهو كتاب فى ترام شهيرات النساء، فى التاريخ البشرى إجمالًا، فتجد فيه مثلًا سيرة السيدة آمنة بنت وهب أم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بجوار سيرة فيكتوريا ملكة الإنجليز وإمبراطورية الهند، ما يكشف عن ثقافة واسعة واستعراض لشهيرات النساء فى التاريخ الإنسانى عمومًا، وهو أيضًا كتاب طريف من حيث إنه كتاب عن النساء ألفته امرأة، لترى كيف تتحدث مؤلفته عن شقيقاتها النساء، وتبرز مواهبهن وجهودهن، وهى أعرف الناس بنفسية السيدات اللاتى تتحدث عنهن، والأقدر على فهم أطوار حياتهن، ويمكن لنا أن ندرس الكتاب بهذه العين، لنخرج بفوائد كثيرة، نقدم بها التكريم والاحترام للسيدات، والإشادة بكل نموذج نابغ منهن، وتحفيز الأجيال القادمة من الفتيات على النبوغ، والرمى بسهم فى خدمة البشرية كلها بالعلم والفكر والإبداع.
ولعل هذه السطور دعوة مفتوحة للقراءة الواسعة الجارفة فى سير النساء عمومًا، والتعرف إلى سير البارزات منهن فى مختلف الثقافات والحضارات، لكننى سأترك هذا الكتاب للقارئ، وأقفز إلى نموذج نسائى آخر، يضرب مثلًا رفيعًا لتجاوز العجز، والقفز فوقه، وصناعة النجاح رغم كل عوامل الإحباط.
إنها فتاة كانت عند ميلادها فتاة طبيعية، إلا أنها أصيبت فى الثانية من عمرها بنوع من الحمى، جعلها تفقد البصر، وتفقد السمع، وتفقد القدرة على الكلام، وما بين لحظة وأخرى تحولت الفتاة إلى إنسان محطم، غارق فى الظلام، معزول عن العالم، فى أوائل طفولته.
وفجأة وجد الأبوان نفسيهما أمام معضلة مريرة تصيب أى إنسان بإحباط هائل، ويأس مرير، وتمر الأيام والليالى والأسابيع والشهور، وهى طويلبة ثقيلة، تصيب الروح بالمرض، وكان من الممكن لوالديها تركها فى البيت، واعتبارها بركة كما نعتبر نحن كل طفل من ذوى الهمم، وكان بإمكان الأبوين أيضًا التخلص منها عند أقرب مستشفى أو دار لرعاية الأطفال.
لكن ظل الوالدان والأسرة على مدى سنوات يتعاملون مع هذه الأزمة المحزنة بقدر رفيع من اللياقة والنجاح والحكمة، فنرددوا على الأطباء، وتحملوا رعاية طفلة لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، وتكفلوا بتدريبها على الأكل والشرب، وتبديل ملابسها، وإدراك معنى الليل والنهار، والأب والأم، وتجشم الأبوان مشقة هائلة فى توصيل الدنيا بكل اتساعها إلى هذا الوعى الضيق عند طفلة معزولة عن كل أسباب المعرفة.
حتى توصل الوالدان بعد سنوات إلى أستاذة خبيرة بالتعامل مع مثل هذا النوع من الإعاقة، فعكفت الأستاذة «آن سوليفان» على تعليم هذه الطفلة – وهى فى عامها السادس- كل شىء، عن طريق لمسات مدروسة على أصابع الطفلة تفهم من خلالها المعانى.
وكان من المعضلات المريرة أن الطفلة عجزت على مدى أيام عن معرفة معنى «كوب ماء» وعجزت تمامًا عن معرفة كلمة «كوب» ومعنى كلمة «ماء» وظلت الأستاذة يومًا كاملًا تعيد الشرح عن طريق لمسات الأصابع لكن الطفلة قد أغلق عقلها تمامًا، حتى ضاق صدرها، وبلغ منها اليأس مبلغًا كبيرًا، وألقت لعبتها على الأرض فى غضب يائس فتكسرت اللعبة وصارت شظايا، فلم تغضب الأستاذة ولم تنفعل، بل أخذتها من يدها إلى الحديقة فى الهواء الطلق، وفجأة لمحت صنبور ماء ففتحت الماء وقربت يد الطفلة تحت الماء وهى تنقر بلمساتها على أصابع الطفلة معنى كلمة ماء، وفجأة جاءت اللحظة القدسية التى تعادل وزن الكون كله، وفهمت الطفلة كل ما أرهقها وعذبها فهمه طوال اليوم، وكأن كل أسرار الكون قد أضاءت فى عقلها مرة واحدة وأنارت أمام عقلها وعورها، إنها لحظة تنفجر فيها الدوامة وينجح الإنسان فى عبور حاجزها، واختراق أسوارها، والقفز من حالة اليأس المطبقة إلى حالة رحيبة واسعة، كأنه يكتشفها ويراها لأول مرة، ففهمت الطفلة وتفجرت فى نفسها سعادة غامرة، وابتداء من تلك اللحظة اقتدرت على تسطير نجاحها فى حياتها كلها، ورجعت إلى البيت تتلمس قطع لعبتها المتكسرة وتحاول تجميعها ولصقها، وسجلت بعد ذلك فى مذكراتها أن هذه كانت أول ليلة تنام فيها وهى تشتاق لليوم التالى. إنها هيلين كيلر، العبقرية التى أكملت بعد ذلك مسارها التعليمى حتى حصلت على الدكتوراه فى الفلسفة، وتركت تسعة عشر مؤلفًا ترجمت إلى خمسين لغة، وعاشت ثمانين سنة حافلة بالنجاحات والعطاءات، واعتبرتها الجامعات والمراكز البحثية من ضمن أهم مائة شخصية أثرت فى العالم، وسافرت إلى تسع وثلاثين دولة، وكرمها رؤساء العالم، وكان لمصر حظ من الاهتمام بها فنزلت سنة 1952هـ وقابلت الدكتور طه حسين، وشاركت فى تأسيس عدد من المؤسسات لرعاية المعوقين وذوى الاحتياجات-بل القدرات- خاصة. وكانت تقول عندما يغلق باب للسعادة يفتح آخر ونجحت فى إدارة أزمتها وحياتها كما لو كانت تسمع وترى سواء بسواء.، إن «هيلين كيلر» ليست شخصًا عابرًا فى تاريخ البشرية، بل هى قصة البشرية كلها، وقد تلخصت فى إنسان يستطيع أن يخترق العجز واليأس والكآبة والمرارة والإحباط.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نساء عظيمات
إقرأ أيضاً:
الإبراهيم: 45 % من الشركات الصغيرة والمتوسطة بالمملكة تدار من نساء ..فيديو
الرياض
قال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم، أن نحو 45 % من الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة تقاد أو تدار من نساء بسبب الإمكانية التنموية الكبيرة لدينا
وأضاف الإبراهيم خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية: “كل بلد لديه أهدافه الخاصة، لذا كل شيء تقرره له معيار ومقياس”.
وتابع: “في المملكة غذا نظرنا إلي الشريحة النسائية في مجال العمل فهناك 45 % من الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة تقاد أو تدار من نساء بسبب الإمكانية التنموية الكبيرة لدينا”.
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/01/ssstwitter.com_1737479729330.mp4