قطار التعددية القطبية وأزمة الغرب
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
يناير 23, 2025آخر تحديث: يناير 23, 2025
رامي الشاعر
حينما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداد روسيا للحوار مع الولايات المتحدة، في ظل الإدارة الجديدة والرئيس دونالد ترامب، فلم يعني ذلك أبدا حاجتها إلى وساطة للتوصل إلى اتفاق لوقف العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا والتخلي عن المهمة التي يتعين إنجازها بالكامل لاستعادة أراضي روسيا وحماية المواطنين الروس واجتثاث النازية ونزع سلاح النظام الإرهابي في كييف وحماية الأمن القومي الروسي من تمدد حلف “الناتو” نحو حدود البلاد وضمان أمن وسلامة وسيادة ووحدة أراضي روسيا.
فالحقائق على الأرض، والتي يعيها ويدركها الجميع اليوم في حلف “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة، والتي يراها ترامب وفريقه هو أن روسيا تتقدم على جميع الجبهات، ولم تتمكن أحدث أسلحة الغرب سواء صواريخ “هيمارس” و”ستورم شادو” ودبابات “ليوبارد” وطائرات “إف-16” من إحداث أي تغيير في موازين القتال. فالجيش في أي دولة هو وحدة كاملة متكاملة تتناسق مع بعضها البعض من حيث السلاح والتدريب والأفراد. وقد اختارت عصابة كييف أن تقود البلاد للهاوية بانتهاج العداء لروسيا، وحشد الجنود وتدريبهم في دول مختلفة، وتسليحهم بأسلحة مختلفة، ووضعهم رهنا لقيادات ومستشارين من دول غربية بغرض استنزاف وضعضعة روسيا، وهو هدف لم ولن يتحقق، والتاريخ يشهد على ذلك، إلا أن تلاميذ وهواة السياسة في الغرب لم يقرؤوه أو يعوه.
أقول إن روسيا لا تحتاج إلى هدنة ولا إلى وقف إطلاق نار ولا إلى وساطة السيد ترامب كي “ينهي الأزمة الأوكرانية خلال 24 ساعة”. وإنهاء الأزمة بالنسبة لروسيا يعني شيئا واحدا فقط، وهو وقف المساعدات العسكرية للنظام الأوكراني، وفضحه أمام العالم، ومنح الحرية للشعب الأوكراني كي يعبر عن طبيعته السياسية الداخلية بحرية وشفافية وبضمانات ألا يتكرر السيناريو النازي الذي تقوده مجموعات نازية أوكرانية متطرفة اليوم تسعى لجر القارة الأوروبية كلها نحو الجحيم.
أتمنى أن يكون الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قد أدرك أن الشعار والمهمة التي وضعتها إدارة بايدن لـ “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا” هما وهم الأوهام، وتضليل سافر للرأي العام الأمريكي والأوروبي، وأرجو كذلك أن يدرك ما تقوله كل التقارير وما يؤكده المحللون والعلماء أن نشوب الحرب العالمية الثالثة يعني ألا يكون هناك منتصر، وان تفنى البشرية جمعاء، واعتقد وأتمنى أن يكون السيد ترامب من الحصافة بحيث يعلم تمام العلم بأن الحرب العالمية الثالثة بالفعل على الأبواب، وأنها تختلف كثيراً عما يتصوره أقزام السياسة الأوروبية من “ألعاب الفيديو” وألاعيب الذكاء الاصطناعي.
وإذا كان ترامب يراهن على زعزعة ثقة المجتمع الدولي بإمكانية انتقال العالم إلى التعددية القطبية، وقدرته على التشبث بهيمنة الولايات المتحدة والغرب على مقادير الأمور كما كان الحال بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتوهم الولايات المتحدة والغرب بـ “انتصارهم في الحرب الباردة”، فإنه حينها يشبه من يحاول وقف قطار الزمن والتاريخ المستمر في الحركة رغم أنف الجميع، والذي سيدهس كل من يقف في طريقه.
وكل الحيل التي تتسرب من محاولات اختراق وتفكيك مجموعة “بريكس” وتدميرها من الداخل لم تعد تنطلي على دول الجنوب العالمي في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي سئمت الإملاءات والعقوبات والحصار واستخدام الاقتصاد والدولار كسلاح في يد الغرب لفرض “القواعد بدلا من القوانين”.
فالعالم اليوم أصبح تواقا للعدل والمساواة واستعادة الدور الحقيقي والعادل لهيئة الأمم المتحدة، وتطبيق ميثاق الأمم المتحدة الذي كتبته الشعوب بنهاية الحرب الأكبر في التاريخ، الحرب العالمية الثانية، التي يحاولون اليوم إعادة كتابة تاريخها، وإيهام الشعوب حول العالم بأنها كانت نصرا للولايات المتحدة، أو أن النازية والشيوعية كانتا على قدم المساواة، ويحاولون أن يضعوا الزعيم المنتصر الرفيق ستالين في خانة واحدة مع النازي أدولف هتلر، وتلك الحملة الشعواء من هدم النصب التذكارية للأبطال السوفييت المنتصرين في الحرب حول أوروبا، والهوس الهستيري لمعاداة كل ما هو روسي، وإعادة تأهيل أمثال ستيبان بانديرا المتواطئ مع هتلر والنازية، بل واعتباره بطلا قوميا في أوكرانيا (أعاد تأهيله فيكتور يوشينكو الرئيس الأوكراني الذي جاء على صهوة الثورة البرتقالية في 2004)، كل تلك المحاولات ليست سوى محاولات بائسة ويائسة لإعادة كتابة التاريخ كما يريده ويحبه الغرب، من أجل تثبيت هيمنة القطب الواحد، ووقف حركة التاريخ نحو عالم التعددية القطبية، ونحو نظام عالمي عادل يتسع للجميع دون تفرقة.
إن ما تحاول روسيا تفاديه بالعملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا هو دمار القارة الأوروبية، وكل ما تبذله من جهود في ضبط النفس، وعدم الانجرار لجميع الاستفزازات التي يرتكبها الغرب برعونة ولا مسؤولية. وكل الحديث عن أن روسيا “لم تتمكن من النصر في الحرب”، و “غير قادرة على تغيير دفة المعركة”، كله هراء لا معنى له، ولكن روسيا لن تفعل مثلما فعلت الولايات المتحدة في العراق، وتفني ملايين المواطنين الأبرياء العزل بالقصف من الجو، ثم تدخل برياً. إلا أن روسيا تحارب مجموعة من العصابات المنحرفة التي أخذت الشعب الأوكراني رهينة، وتمنعه من التعبير عن هويته وكيانه بحرية.
وإذا كانت فئة من الشعب بالفعل قد تماهت مع هذه العصابات، وصدقتها، بعد عقود من الدعاية الغربية، فإن الشق الشرقي والجنوبي من البلاد في القرم ودونباس وزابوروجيه وخيرسون قد عقدتا العزم على عدم المضي في هذا المخطط الشيطاني. لهذا فالمعركة التي تخوضها روسيا تدرك تماماً بعمق جذورها الثقافية والسياسية أنها “حرب أهلية” بين الأهل والأقارب والجيران، وسيكون على روسيا وعلى الشعب الأوكراني فيما بعد رأب الصدع ومحاولة تضميد الجراح وإعادة إعمار المدن. ولهذا السبب لا تطلق روسيا العنان لآلة الحرب التي تمتلكها روسيا، ويعرف “الناتو” جيداً أنها تمتلكها.
ولهذا السبب، وهو تحديداً ما يهدف إليه الغرب، تحاول الدول الغربية، بمساعدة النظام النازي في كييف، استنزاف روسيا، وهو أمر مستحيل. فدعايات وأوهام “إفلاس روسيا” أبعد ما تكون عن الحقيقة، لا سيما أن هذه الدعاوى أطلقت منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الروسية الخاصة ومن قبل “خبراء” الاقتصاد الغربيين والمنشقين الروس الذين لا يزالون ينعقون ليل نهار بأن “روسيا على وشك الإفلاس”.
يمزح ترامب بقوله: “وعدتكم بحل الأزمة الأوكرانية خلال 24 ساعة، وقد مضت 12 ساعة فقط.. بقي 12 ساعة أخرى”. كما يمزح كذلك في قضية عودة الاقتتال مجدداً في الشرق الأوسط، وتمسكه باعتراف ضم القدس الشرقية والجولان السورية لإسرائيل. فعن أي مصداقية أو ثقة في الإدارة الجديدة يدور الحديث.
ضمن ما أعلنته الإدارة الجديدة كذلك وقف المساعدات لمدة 3 أشهر للدول والمنظمات، وهو قرار يستهدف الاستمرار في سياسة الإملاءات والعقوبات أحادية الجانب للضغط على الدول والمنظمات من أجل التجاوب مع سياسات الولايات المتحدة وابتزاز كثير من الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية بسلاح المساعدات الأمريكية.
تتضح هوية الإدارة الجديدة كذلك من إعادة وضع كوبا كدولة راعية للإرهاب، بعد أن كانت إدارة بايدن قد رفعتها من القائمة، وكذلك الخروج من منظمة الصحة العالمية، وهو ما يشي بأن أيام هذه الإدارة لن تمضي بهدوء وسلام.
يجب أن يعلم السيد ترامب أنه لا شيء يسمى “الأزمة الأوكرانية”، بل هناك أزمة تواجه “الغرب” يحاول خلالها أن يخضع قوى الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران لـ “العصا” الأمريكية التي يمثلها اليوم أوكرانيا وإسرائيل وتوابع هامشية أوروبية يمشون كالقطيع وراء ما تشير إليه الولايات المتحدة، ويوفرون كافة الموارد لهاتين الدولتين كي تمارسا دور “العصا” الأمريكية في أوروبا والشرق الأوسط.
لهذا فروسيا لا تحتاج لوساطة في “الأزمة الأوكرانية”، لكن ما تحتاج إليه هو حوار ناضج وعاقل بين القوى العظمى، بين روسيا والغرب، بين الغرب والصين، وجلسات في إطار الأمم المتحدة لإعادة هيكلة مجلس الأمن ورسم ملامح النظام العالمي الجديد، في الوقت الذي يبدو فيه أن الولايات المتحدة وإدارتها الجديدة لم تدرك بعد أن قطار الأحادية القطبية قد غادر المحطة بالفعل متجها إلى التعددية القطبية، بل قد أصبح في وسط الطريق إن لم يكن على وشك الوصول.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الأزمة الأوکرانیة الولایات المتحدة التعددیة القطبیة الإدارة الجدیدة
إقرأ أيضاً:
مستقبل تيك توك في الولايات المتحدة.. مفاوضات معقدة ومصير مجهول
رغم عودة تطبيق "تيك توك" للعمل، إلا أن مستقبله في الولايات المتحدة لا يزال يحيط به الغموض، خاصة بعد القرار التنفيذي للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي منح الشركة فترة تأجيل مؤقتة للحظر المفروض عليها.
في السابق، كانت شركة "بايت دانس"، المالكة لـ "تيك توك"، ترفض بيع أعمال التطبيق في الولايات المتحدة، إلا أن موقفها بدأ يتغير منذ تولي ترامب منصبه. وأفادت تقارير أن بعض المستثمرين داخل "بايت دانس" يرون أن التوصل إلى اتفاق للحفاظ على "تيك توك" في الولايات المتحدة يصب في مصلحة الجميع. كما أعربت الصين عن انفتاحها على فكرة الصفقة، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال.
عروض استحواذ متعددةأوراكل
ذكرت NPR أن شركة "أوراكل" تعمل مع مسؤولي إدارة ترامب على خطة لإنقاذ "تيك توك"، تتضمن استحواذها مع مجموعة من المستثمرين على العمليات العالمية للتطبيق. وفقًا للخطة، ستحتفظ "بايت دانس" بحصة أقلية، بينما تشرف "أوراكل" على إدارة خوارزمية التطبيق وجمع البيانات وتحديثات البرمجيات.
"أوراكل"، بقيادة لاري إليسون، لديها بالفعل شراكة مع "تيك توك"، حيث تستضيف بيانات مستخدمي التطبيق في الولايات المتحدة. كما كانت جزءًا رئيسيًا من المفاوضات السابقة في عام 2022، التي انهارت فجأة بعد سنوات من النقاشات.
مايكروسوفت
بحسب تقرير NPR، أبدت "مايكروسوفت" أيضًا اهتمامًا بالمشاركة في مستقبل "تيك توك"، وهو ما أكده ترامب عندما سُئل عن اهتمام الشركة بالاستحواذ، حيث قال: "أود أن أقول نعم".
وليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها "مايكروسوفت" لشراء "تيك توك"، إذ كانت قد دخلت في مفاوضات مماثلة عام 2020 لكنها لم تكتمل، وصرّح رئيسها التنفيذي، ساتيا ناديلا، لاحقًا بأن الصفقة كانت "أغرب شيء عمل عليه في حياته".
Perplexity AI
طرحت شركة الذكاء الاصطناعي Perplexity AI عرضًا لإنشاء كيان جديد يجمع بين "تيك توك الولايات المتحدة" وشركة "New Capital Partners"، لكنها عدّلت اقتراحها لاحقًا ليشمل مشاركة الحكومة الأمريكية في ملكية تصل إلى 50%، بمجرد طرح الكيان الجديد للاكتتاب العام بقيمة 300 مليار دولار على الأقل.
MrBeast ومجموعة من المستثمرين
المؤثر الشهير MrBeast (جيمي دونالدسون) كان قد مازح متابعيه على منصة X بشأن شراء "تيك توك" لمنع حظره، لكنه أكد لاحقًا أن "عدة مليارديرات" تواصلوا معه بشأن تقديم عرض حقيقي. ووفقًا لـ بلومبرج، فإن مجموعة يقودها رجل الأعمال جيسي تينسلي والرئيس التنفيذي لشركة "Roblox" ديفيد بازوكي، جمعت أكثر من 20 مليار دولار كعرض محتمل.
مشروع ليبرتي
مجموعة مستثمرين أخرى، بقيادة رجل الأعمال فرانك ماكورت وبدعم من كيفن أوليري، تقدمت بعرض لشراء "تيك توك" قبل سريان الحظر. لكن الموقف القانوني لبعض العروض يظل محل تساؤل، حيث أشار أوليري إلى أن صفقة تمتلك فيها الحكومة 50% قد لا تتماشى مع أحكام المحكمة العليا.
حتى الآن، لا يزال التطبيق غير متاح على متجري Apple وGoogle، وقد يواجه إيقافًا آخر في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق قريبًا. ومع ذلك، يبدو أن كلًّا من الحكومة الأمريكية و"بايت دانس" أكثر استعدادًا للتفاوض مقارنة بالماضي.
في ظل التغيّرات المستمرة والمفاوضات المعقدة، لا يزال مصير "تيك توك" في الولايات المتحدة غير محسوم. الأيام المقبلة قد تكشف عن مسار الصفقة النهائية، وسنواصل متابعة المستجدات مع تطور الأحداث.