رواية الوجع والجرأة للفلسطيني إياد شماسنة والوعي التاريخي
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
"أنا ما أقدرتش أغير الماضي، معي فرصة وحيدة أغير المستقبل" صفحة 26.
عبارة الشيخ طاهر التي خاطب بها عبد المعطي، وهو يملي عليه قصة المعمرة، كي يقوم بإيصال الأمانة للناس، لتكون لديهم قدرة على تغيير المستقبل.
ترى، هل وصلت الرسالة؟ هل وصل المضمون من خلال الشكل الجمالي الذي اقترحه الكاتب؟
إن حالة الفلسطينيين المنهارة مكنت الغزاة من التحكم فيهم وأرضهم.
عنوان تقليدي، فلا جديد في المفردتين، ولا جديد في عطف الجرأة على الوجع، سوى في جعل القارئ يتوقع الوجع مقرونا بالجرأة، لنتساءل فعلا عن سر ربطهما لدى الكاتب؟ إن تأمل دلالة الوجع والجرأة على حدة، قبل قراءة الرواية يمنح المعنى المعروف، لكن لم جمعهما الكاتب معا؟ أما بعد الانتهاء منها، كما حدث معي، فلعل الوجع تمثل في مصائر بعض الشخصيات، ومآل البلاد، أما الجرأة فلمقاومة شبحية لشخصيات متورطة مع الخواجات، وهو الأمر الذي لم يأت واضحا ولا صريحا، سوى من بعض حوار بين الشبحين اللذين وضعا حدا لبعض الشخصيات؛ فعبد العال معتوق مربوط بحبل في عنقه صفحة 86. كذلك قطع إصبع عبد العال وقطع يد آخرين.
من ناحية أخرى، بالرغم من شعورنا بشيء من الوجع، خاصة في حالات الموت قتلا وانتحارا، فإن الجرأة ربما كانت كامنة هنا في التعبير عن ردود الفعل تجاه الوجع.
سرد جميل في حد ذاته، كوصف لبانوراما حياة فلاحي قرى القدس ضمن منظومة الحكم في القرن التاسع عشر، حيث تحتشد شخصيات كثيرة، ضمن مرحلة تاريخية تعكس واقعا اجتماعيا ونفسيا، تضطرب وسط الحياة السياسية السائدة والمسيطرة، في تصريح تارة وإيحاء تارة أخرى حول ما يتم التخطيط فيه لفلسطين. في هذه المنظومة التركية-العثمانية، يعيش مجتمع قرى غرب القدس، من خلال نظام المخترة وشيوخ الكراسي شريف أوغلو، مدير الرسوم، والمتصرف، ونظام الضرائب والخدمة الإجبارية في الجيش.
تظهر سلوكيات اجتماعية تعود إلى عادات سلبية، كما حدث من جريمة قتل نسمة بنت شعلان الكندرجي من دار زهران بناء على شبهة كاذبة.
400 صفحة من السرد، الذي تمت فيه بناء شخصيات تعيش صراعات المال والأعمال والمذهب والنفس، وسط علاقات سياسية، بل ودولية، تتسلل من خلالها شخصيات ترقب المجتمع لضربه مستقبلا، وصولا لتحولات الحرب العالمية الأولى وسقوط فلسطين تحت الاحتلال البريطاني، والتي لم يستغرق الكاتب فيها، سوى في بيان متوقع لبعض مآلات الشخصيات، وبشكل خاص للشخصيات اليهودية المستعربة التي اندمجت داخل المجتمع القروي والمديني أيضا. إنه وصف لنشاط القنصليات في تسريب الأراضي لليهود. "فرغدة البدوية، تصبح أديل رودنسون على رأس كتيبة انجليزية" صفحة 391. كذلك تمت الإشارة للامتيازات الأجنبية كحال الأديرة في شراء الأراضي، كما كان الأب خريستو يفعل، بالتعاون مع الراهبة باتريشا الطبيبة.
وتمت الإشارة إلى القنصل البريطاني مستر جيمس صفحة 152 في سياق السخرية من أولاد الميتة الذين ينوون عمل دولة لهم.
تلك هي مآل الشخصيات ومصيرها، من استمر منها كما هو وصولا لرحيله مثل محمود الخزاف ومعزوزة، وأبي شاكر، ومن تغير حاله مكانا وزمانا مثل روبين الذي ترك البلاد، بل وقومه، وتحول إلى مواطن فرنسي، عاد من فرنسا للعمل مع القنصل الفرنسي في القدس، في حين توقف السرد عن بريجيت. ومنهم من أنهى حياته كبهية وسلافة. ومنهم من تمت إنهاء حياته قتلا مثل عبد العال معتوق.
بدأ ظهور شخصية المكان، متمثلا بالمعمورة في صفحة 38 ، حيث يرسم الكاتب ملامح المكان الذي سيجعل الشخصيات تتحرك فيه، ومنه إلى القدس، ويافا، وصولا إلى رحلة -هجرة أحد القرويين الذي نال حظا من التعليم العالي إلى فرنسا، لعلاقة انتهت بزواج بينه وبين ممرضة في اسبتار فرنسي في القدس، ليعود مستشارا للقنصل الفرنسي في القدس للشؤون العربية بعد دراسته في فرنسا.
وصف الكاتب المعمورة الأسطورة صفحة 38: "بلدة ريفية زراعية، تتبع متصرفية القدس الشريف، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، تجلس على عرشها القروي بين الجبال الشمالية الغربية للقدس، تتفادى سطوة شيوخ الكراسي ببعض الإتاوات التي تدفعها إذعانا وخضوعا".
جميل وصف متعلقات المكان وأهله من خلال موسم خميس البيض، كذلك بعض الأحداث المهمة مثل سنة الجراد. وإيراد قطار القدس -يافا تعبيرا عن حداثة فلسطين أواخر القرن التاسع عشر.
وهكذا، رحنا نتأمل المكان بزمانه بعد انتهاء حملة نابليون، ثم بداية وانتهاء الحكم المصري بقيادة إبراهيم باشا، أو الزمان بمكانه الفلسطيني الذي تسيل لعاب الطامعين به، في مرحلة عرفنا أهميتها بعد ما كان من مصير وقوع المكان تحت زمن الاحتلال البريطاني، وما مهّد له الاحتلال من جعله وطنا قوميا لليهود.
في النبي صموئيل "رجال يضعون على رؤوسهم قبعات غريبة يتلفظون بألفاظ أكثر غرابة" صفحة 77
بدايات الاستيطان اليهودي، حيث مول مونتفيوري الحيّ الذي عرف باسمه للطائفة الموسوية، للفقراء اليهود. وبنى طاحونة قمح.
الصراعات:
بدءا بالصراع الاجتماعي-الاقتصادي، وانتهاء بصراعات الدولة العلية-العثمانية مع الاستعمار الأوروبي، بريطانيا بشكل خاص.
تنافس الشيوخ:
صراع الشيخ طاهر مع الشيخ حمدان العطشان، الذي كان والده مرافقا لمحمد بن سعود الوهابي الذي أعدمته تركيا.
والشيخ طاهر هو ابن الشيخ سليمان الذي قدم من مصر، الذي كان القرويون يحلفون بحياته: "بحياة الشيخ سلمان إبريق الجامع الطاهر" صفحة 42.
هو صراع مذهبي، وصراع على من يسود على المؤسسة الدينية. تنتهي حياة سليمان والد طاهر بالقتل، فهو الذي يلجأ الناس له، لم يستطع مقاومة من فصل رأسه عن جسده. تابع الابن طاهر النفوذ مخففا من أثر الحادثة.
أما الصراع الاجتماعي-الاقتصادي، فتمثل بين تنافس عائلتي أبو شاكر ومحمود الخزاف (أبو مصطفى) على من يفوز بالتعامل مع الأوروبيين في مسألة بيع الآثار. يبعث محمود الخزاف، ابنه مصطفى، لتعلم الصنعة عند عائلة الفواخرجي في دمشق.
حنة سوفينيك "بحثت أيضا عن القطع الفخارية والنحاسية والحجرية حتى الصوان، وفتافيت الأوراق والجلود والعظام التي قد يكون عليها نقوش مما يعثر عليه البدو في الكهوف والرعاة في الأودية" صفحة 53. وتعاون الشيخ حمدان مع صندوق استكشاف فلسطين منذ تأسيسه عام 1856 صفحة 131.
نساء من المعمورة:
معزوزة بنت صبحة المحمود، مالكة، ومحافظة، تشكل التوازن الاجتماعي والعاطفي والإنساني في المعمورة. ولديها الوعي بتاريخ البلدة. وهي تصف كيف استطاعت عائلتها شراء الأراضي كذلك التحاق الأولاد بالتعليم، وحليمة: ابنة أبي شاكر، لها شخصية مؤثرة على زوجات والدها.
الأسلوب:
بداية، نزعم أن الروائي الشاب إياد شماسنة، استطاع أن يسيطر على نصه، وفق بنية سردية مكتملة، بالرغم من حجم الرواية. وهذا يعني أن السرد هنا تم وفق وعي الكاتب على نصه، حيث تحركت الشخصيات المتنوعة بشكل انسيابي ضمن السياق التاريخي.
تمثل الشكل الفني في أكثر من مستوى؛ فالدخول إلى نص المعمورة، تم من خلال فانتازيا خيالية، ربطت الحاضر بالماضي، حيث نرى عبد المعطي الساحوري الموظف في محكمة القدس، الذي يلتقي الشيخ طاهر الذي جاء من زمن مضى قارب القرنين، ليملي عليه حكاية المعمورة، فقد تم اختياره لهذه المهمة لنقاء نفسه. وقد اعتمد الكتاب على الأرشيف الدولة العلية.
يأتي الكاتب على سيرة عبد المعطي الذي دون الحكاية، ويختتم به، حيث تكتمل الدائرة التي أتقنها السارد. ويقوم ببعث الكتاب المدون للكاتب باسمه على عنوانه في آخر الكتاب، لعله يكون قد أول رسالة المستقبل، حول القدس وفلسطين، متذكرين فول الشيخ طاهر: "أنا ما أقدرتش أغير الماضي، معي فرصة وحيدة أغير المستقبل" صفحة 26.
فاجأنا الكاتب بتمازج الواقعي بالخيال، في مقترح جمالي، حين جعل، لأول مرة في الأدب العربي، الخيال الأدبي يتم من خلال الفن التشكيلي، وبشكل خاص من خلال النحت، وبشكل أكثر تحديدا، من خلال التكوين بالطين، ليصير فخاراـ وخزفا.
وقد تم ذلك، في التعبير عن حاجات مصطفة محمود الخزاف، مثل تكوين تماثيل كلاب وضباع لتخويف الأغنياء كذلك استخدام قناع مخيف على وجهه صوف خروف صفحة . وتكوين تمثال كبير، فعله من خلال أسطورة "عوج بن عناق"، كان يسمعها طفل لتخويف حراس قصر أوغلو التركي.
وهنا، لعلنا نشير إلى الأسلوب البوليسي في إيراد حوادث معينة وصلت حدّ القتل، حيث كان لذلك الأسلوب دور في التشويق.
ولعل المعمورة هي رمز لما كان معمرا، حيث حينما تأتي أديل رودنسون فلا تجد للمعمورة أثرا.
*الرواية من منشورات مكتبة كل شيء، حيفا، الطبعة الأولى 2021، وقد وقعت في 400 صفحة من الحجم المتوسط.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخ طاهر من خلال ما کان
إقرأ أيضاً:
ما طبيعة السلام الذي يريده ترامب في المنطقة؟ محللان يجيبان
رغم دورها الفاعل في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل، تبدي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب انحيازا يصل إلى حد الإنكار العلني لوجود شعب فلسطيني من الأساس.
ففي الوقت الذي يأمل فيه الجميع صمود اتفاق وقف الحرب أمام محاولات تخريبه التي تبدو جلية في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه المتطرفين، يرى محللون أن الولايات المتحدة في عهد ترامب قد تنخرط رسميا في حرب ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقد أكد ترامب خلال حفل تنصيبه -اليوم الاثنين- رغبته بالعمل على توسيع اتفاقات التطبيع التي بدأها خلال عهدته الأولى، وهو ما يعني برأي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي "محاولة إحياء صفقة القرن التي لم يتمكن من تمريرها خلال 4 سنوات قضاها في البيت الأبيض".
الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حفل تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني 2025 بقاعة الكونغرس (الفرنسية) تجاهل للقضية الفلسطينيةكما قال ترامب خلال التنصيب إنه يريد أن يكون إرثه في ولايته الثانية والأخيرة صنع السلام ووضع حد لكل الحروب. في حين قال نتنياهو إنه يتطلع للعمل مع الرئيس الأميركي العائد للبيت الأبيض "لإنهاء حكم حماس في غزة وهزيمة المحور الإيراني".
لكن هذا الحديث -كما قال البرغوثي في برنامج مسار الأحداث- ليس إلا محاولة من نتنياهو للتملق لترامب واستجداء دعمه لمخططات عودته للحرب، ولكل ما تريده إسرائيل.
ومع ذلك، فقد أعطى ترامب إشارة واضحة خلال حفل تنصيبه بأنه لا مكان للقضية الفلسطينية في ولايته الجديدة، برأي البرغوثي، الذي لفت إلى أن الرئيس الأميركي لم يذكر فلسطين ولا شعبها بينما صب حديثه على إسرائيل وأسراها واتفاقات التطبيع التي يريد توسيعها.
إعلانومن غير الممكن قراءة هذا الحديث لترامب سوى على أنه تجاهل للقضية الفلسطينية من جانب الرئيس الذي لعب دورا فعليا في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير بسبب عدم رغبته في تحمل الولايات المتحدة نفقات الحرب الإسرائيلية، كما يقول البرغوثي.
في المقابل، يرى كبير الباحثين في المجلس الأميركي للسياسة الخارجية جيمس روبنز، أن ترامب عازم على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بكل مراحله لأنه يرغب في منع اندلاع حرب أخرى ويسعى لتحقيق السلام.
سلام بشروط إسرائيل
غير أن السلام الذي يتحدث عنه روبنز سيكون مشروطا بإلقاء حركة حماس أو أي من فصائل المقاومة سلاحها، والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والتحول للعمل السياسي.
وحتى صفقة القرن التي يراها البرغوثي محاولة لتصفية قضية فلسطين تماما من خلال الترويج لدولة ممزقة لا تملك جيشا ولا سيادة أو اتصالا جغرافيا، يقول روبنز "إنها فرصة لكي يحصل الفلسطينيون على رفاهية اقتصادية".
هذا الحديث من روبنز يؤكد -برأي البرغوثي- حقيقة أن الولايات المتحدة تريد شعبا فلسطينيا مستسلما وليس مسالما بحيث يقبل بمنح إسرائيل كل ما تراه حقا لها وهو أمر غير قابل للتحقق، وفق تعبيره.
ويمكن تلمس هذا التوجه الأميركي في حديث روبنز الذي يرى أن حصار غزة لأكثر من 17 عاما ثم تدميرها ومحاولة إبادتها تماما خلال الحرب الأخيرة كان نتيجة سلوك حماس ورفضها إجراء انتخابات ديمقراطية وتخويف المعارضين من المشاركة فيها.
ليس هذا وحسب، فقد عزا المتحدث الأميركي ابتلاع إسرائيل للضفة الغربية وتجاوزها لاتفاق أوسلو ولقرارات الأمم المتحدة، إلى ما سماه "فساد الفلسطينيين وسوء استغلالهم لأموال المعونات".
ولا يختلف رأي روبنز كثيرا عن آراء أعضاء في إدارة ترامب نفى بعضهم وجود شعب فلسطيني من الأساس ومنهم مايك والتز مستشار الأمن القومي الذي دعا لتدمير حماس ومنح إسرائيل حرية التحرك في غزة حتى مع تطبيق وقف إطلاق النار.
إعلانوهناك أيضا مايك هاكابي المرشح لمنصب السفير الأميركي لدى تل أبيب، والذي قال إن الفلسطينيين "مجموعة من اللصوص يحاولون سرقة أرض إسرائيل التي منحها لها الرب".
لذلك، فإن الإدارة الأميركية الجديدة "لا تختلف عن الإدارة القديمة وهي تريد جلب فلسطيني ما من مكان ما لحكم غزة أو فلسطين كلها وفق ما تريده إسرائيل، وإلا فلن تسمح للفلسطينيين بإجراء انتخابات ولا بتقرير مصير"، كما يقول البرغوثي.