"أنا ما أقدرتش أغير الماضي، معي فرصة وحيدة أغير المستقبل" صفحة 26.

عبارة الشيخ طاهر التي خاطب بها عبد المعطي، وهو يملي عليه قصة المعمرة، كي يقوم بإيصال الأمانة للناس، لتكون لديهم قدرة على تغيير المستقبل.

ترى، هل وصلت الرسالة؟ هل وصل المضمون من خلال الشكل الجمالي الذي اقترحه الكاتب؟

إن حالة الفلسطينيين المنهارة مكنت الغزاة من التحكم فيهم وأرضهم.

فهل قصد الكاتب دورة أخرى؟

عنوان تقليدي، فلا جديد في المفردتين، ولا جديد في عطف الجرأة على الوجع، سوى في جعل القارئ يتوقع الوجع مقرونا بالجرأة، لنتساءل فعلا عن سر ربطهما لدى الكاتب؟ إن تأمل دلالة الوجع والجرأة على حدة، قبل قراءة الرواية يمنح المعنى المعروف، لكن لم جمعهما الكاتب معا؟ أما بعد الانتهاء منها، كما حدث معي، فلعل الوجع تمثل في مصائر بعض الشخصيات، ومآل البلاد، أما الجرأة فلمقاومة شبحية لشخصيات متورطة مع الخواجات، وهو الأمر الذي لم يأت واضحا ولا صريحا، سوى من بعض حوار بين الشبحين اللذين وضعا حدا لبعض الشخصيات؛ فعبد العال معتوق مربوط بحبل في عنقه صفحة 86. كذلك قطع إصبع عبد العال وقطع يد آخرين.

من ناحية أخرى، بالرغم من شعورنا بشيء من الوجع، خاصة في حالات الموت قتلا وانتحارا، فإن الجرأة ربما كانت كامنة هنا في التعبير عن ردود الفعل تجاه الوجع.

سرد جميل في حد ذاته، كوصف لبانوراما حياة فلاحي قرى القدس ضمن منظومة الحكم في القرن التاسع عشر، حيث تحتشد شخصيات كثيرة، ضمن مرحلة تاريخية تعكس واقعا اجتماعيا ونفسيا، تضطرب وسط الحياة السياسية السائدة والمسيطرة، في تصريح تارة وإيحاء تارة أخرى حول ما يتم التخطيط فيه لفلسطين. في هذه المنظومة التركية-العثمانية، يعيش مجتمع قرى غرب القدس، من خلال نظام المخترة وشيوخ الكراسي شريف أوغلو، مدير الرسوم، والمتصرف، ونظام الضرائب والخدمة الإجبارية في الجيش.

تظهر سلوكيات اجتماعية تعود إلى عادات سلبية، كما حدث من جريمة قتل نسمة بنت شعلان الكندرجي من دار زهران بناء على شبهة كاذبة.

400 صفحة من السرد، الذي تمت فيه بناء شخصيات تعيش صراعات المال والأعمال والمذهب والنفس، وسط علاقات سياسية، بل ودولية، تتسلل من خلالها شخصيات ترقب المجتمع لضربه مستقبلا، وصولا لتحولات الحرب العالمية الأولى وسقوط فلسطين تحت الاحتلال البريطاني، والتي لم يستغرق الكاتب فيها، سوى في بيان متوقع لبعض مآلات الشخصيات، وبشكل خاص للشخصيات اليهودية المستعربة التي اندمجت داخل المجتمع القروي والمديني أيضا. إنه وصف لنشاط القنصليات في تسريب الأراضي لليهود. "فرغدة البدوية، تصبح أديل رودنسون على رأس كتيبة انجليزية" صفحة 391. كذلك تمت الإشارة للامتيازات الأجنبية كحال الأديرة في شراء الأراضي، كما كان الأب خريستو يفعل، بالتعاون مع الراهبة باتريشا الطبيبة.

وتمت الإشارة إلى القنصل البريطاني مستر جيمس صفحة 152 في سياق السخرية من أولاد الميتة الذين ينوون عمل دولة لهم.

تلك هي مآل الشخصيات ومصيرها، من استمر منها كما هو وصولا لرحيله مثل محمود الخزاف ومعزوزة، وأبي شاكر، ومن تغير حاله مكانا وزمانا مثل روبين الذي ترك البلاد، بل وقومه، وتحول إلى مواطن فرنسي، عاد من فرنسا للعمل مع القنصل الفرنسي في القدس، في حين توقف السرد عن بريجيت. ومنهم من أنهى حياته كبهية وسلافة. ومنهم من تمت إنهاء حياته قتلا مثل عبد العال معتوق.

بدأ ظهور شخصية المكان، متمثلا بالمعمورة في صفحة 38 ، حيث يرسم الكاتب ملامح المكان الذي سيجعل الشخصيات تتحرك فيه، ومنه إلى القدس، ويافا، وصولا إلى رحلة -هجرة أحد القرويين الذي نال حظا من التعليم العالي إلى فرنسا، لعلاقة انتهت بزواج بينه وبين ممرضة في اسبتار فرنسي في القدس، ليعود مستشارا للقنصل الفرنسي في القدس للشؤون العربية بعد دراسته في فرنسا.

وصف الكاتب المعمورة الأسطورة صفحة 38: "بلدة ريفية زراعية، تتبع متصرفية القدس الشريف، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، تجلس على عرشها القروي بين الجبال الشمالية الغربية للقدس، تتفادى سطوة شيوخ الكراسي ببعض الإتاوات التي تدفعها إذعانا وخضوعا".

جميل وصف متعلقات المكان وأهله من خلال موسم خميس البيض، كذلك بعض الأحداث المهمة مثل سنة الجراد. وإيراد قطار القدس -يافا تعبيرا عن حداثة فلسطين أواخر القرن التاسع عشر.

وهكذا، رحنا نتأمل المكان بزمانه بعد انتهاء حملة نابليون، ثم بداية وانتهاء الحكم المصري بقيادة إبراهيم باشا، أو الزمان بمكانه الفلسطيني الذي تسيل لعاب الطامعين به، في مرحلة عرفنا أهميتها بعد ما كان من مصير وقوع المكان تحت زمن الاحتلال البريطاني، وما مهّد له الاحتلال من جعله وطنا قوميا لليهود.

في النبي صموئيل "رجال يضعون على رؤوسهم قبعات غريبة يتلفظون بألفاظ أكثر غرابة" صفحة 77

بدايات الاستيطان اليهودي، حيث مول مونتفيوري الحيّ الذي عرف باسمه للطائفة الموسوية، للفقراء اليهود. وبنى طاحونة قمح.

الصراعات:

بدءا بالصراع الاجتماعي-الاقتصادي، وانتهاء بصراعات الدولة العلية-العثمانية مع الاستعمار الأوروبي، بريطانيا بشكل خاص.

تنافس الشيوخ:

صراع الشيخ طاهر مع الشيخ حمدان العطشان، الذي كان والده مرافقا لمحمد بن سعود الوهابي الذي أعدمته تركيا.

والشيخ طاهر هو ابن الشيخ سليمان الذي قدم من مصر، الذي كان القرويون يحلفون بحياته: "بحياة الشيخ سلمان إبريق الجامع الطاهر" صفحة 42.

هو صراع مذهبي، وصراع على من يسود على المؤسسة الدينية. تنتهي حياة سليمان والد طاهر بالقتل، فهو الذي يلجأ الناس له، لم يستطع مقاومة من فصل رأسه عن جسده. تابع الابن طاهر النفوذ مخففا من أثر الحادثة.

أما الصراع الاجتماعي-الاقتصادي، فتمثل بين تنافس عائلتي أبو شاكر ومحمود الخزاف (أبو مصطفى) على من يفوز بالتعامل مع الأوروبيين في مسألة بيع الآثار. يبعث محمود الخزاف، ابنه مصطفى، لتعلم الصنعة عند عائلة الفواخرجي في دمشق.

حنة سوفينيك "بحثت أيضا عن القطع الفخارية والنحاسية والحجرية حتى الصوان، وفتافيت الأوراق والجلود والعظام التي قد يكون عليها نقوش مما يعثر عليه البدو في الكهوف والرعاة في الأودية" صفحة 53. وتعاون الشيخ حمدان مع صندوق استكشاف فلسطين منذ تأسيسه عام 1856 صفحة 131.

نساء من المعمورة:

معزوزة بنت صبحة المحمود، مالكة، ومحافظة، تشكل التوازن الاجتماعي والعاطفي والإنساني في المعمورة. ولديها الوعي بتاريخ البلدة. وهي تصف كيف استطاعت عائلتها شراء الأراضي كذلك التحاق الأولاد بالتعليم، وحليمة: ابنة أبي شاكر، لها شخصية مؤثرة على زوجات والدها.

الأسلوب:

بداية، نزعم أن الروائي الشاب إياد شماسنة، استطاع أن يسيطر على نصه، وفق بنية سردية مكتملة، بالرغم من حجم الرواية. وهذا يعني أن السرد هنا تم وفق وعي الكاتب على نصه، حيث تحركت الشخصيات المتنوعة بشكل انسيابي ضمن السياق التاريخي.

تمثل الشكل الفني في أكثر من مستوى؛ فالدخول إلى نص المعمورة، تم من خلال فانتازيا خيالية، ربطت الحاضر بالماضي، حيث نرى عبد المعطي الساحوري الموظف في محكمة القدس، الذي يلتقي الشيخ طاهر الذي جاء من زمن مضى قارب القرنين، ليملي عليه حكاية المعمورة، فقد تم اختياره لهذه المهمة لنقاء نفسه. وقد اعتمد الكتاب على الأرشيف الدولة العلية.

يأتي الكاتب على سيرة عبد المعطي الذي دون الحكاية، ويختتم به، حيث تكتمل الدائرة التي أتقنها السارد. ويقوم ببعث الكتاب المدون للكاتب باسمه على عنوانه في آخر الكتاب، لعله يكون قد أول رسالة المستقبل، حول القدس وفلسطين، متذكرين فول الشيخ طاهر: "أنا ما أقدرتش أغير الماضي، معي فرصة وحيدة أغير المستقبل" صفحة 26.

فاجأنا الكاتب بتمازج الواقعي بالخيال، في مقترح جمالي، حين جعل، لأول مرة في الأدب العربي، الخيال الأدبي يتم من خلال الفن التشكيلي، وبشكل خاص من خلال النحت، وبشكل أكثر تحديدا، من خلال التكوين بالطين، ليصير فخاراـ وخزفا.

وقد تم ذلك، في التعبير عن حاجات مصطفة محمود الخزاف، مثل تكوين تماثيل كلاب وضباع لتخويف الأغنياء كذلك استخدام قناع مخيف على وجهه صوف خروف صفحة . وتكوين تمثال كبير، فعله من خلال أسطورة "عوج بن عناق"، كان يسمعها طفل لتخويف حراس قصر أوغلو التركي.

وهنا، لعلنا نشير إلى الأسلوب البوليسي في إيراد حوادث معينة وصلت حدّ القتل، حيث كان لذلك الأسلوب دور في التشويق.

ولعل المعمورة هي رمز لما كان معمرا، حيث حينما تأتي أديل رودنسون فلا تجد للمعمورة أثرا.

*الرواية من منشورات مكتبة كل شيء، حيفا، الطبعة الأولى 2021، وقد وقعت في 400 صفحة من الحجم المتوسط.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشیخ طاهر من خلال ما کان

إقرأ أيضاً:

محافظة القدس: أعداد المستوطنين المقتحمين للأقصى تتضاعف

قالت محافظة القدس الفلسطينية، إن أعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى في أول 3 أيام من عيد الفصح تضاعفت هذا العام مقارنة مع ذات الأيام من العام الماضي.

وأضافت المحافظة أن المسجد الأقصى شهد خلال الأيام الأولى من عيد الفصح اليهودي لعام 2025 تصعيدًا في وتيرة الاقتحامات "حيث اقتحمه في اليوم الأول (الأحد) 494 مستعمرا، وارتفع العدد في اليوم الثاني إلى 1149، ثم إلى 1732 مستعمرا في اليوم الثالث، تحت حماية قوات الاحتلال".

وفي مقارنة مع عيد الفصح العام الماضي، ذكرت أن 291 مستوطنا اقتحموا المسجد في اليوم الأول من العيد عام 2024، و875 في اليوم الثاني، و430 في اليوم الثالث  "ما يعكس تضاعفًا لافتًا في أعداد المقتحمين هذا العام".

يواصل مئات المستوطنين اقتحامهم للمسجد الأقصى لليوم الثالث على التوالي إحياء لما يسمى عيد الفصح العبري، بحماية شرطة وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي أطبقت حصارها على الأقصى ومنعت دخوله فترة الاقتحامات الصباحية.
ويؤدي المستوطنون خلال اقتحامهم صلوات وطقوسا تلمودية، في ظل دعوات جماعات… pic.twitter.com/X2WhHYKrO8

— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) April 15, 2025

في المقابل، أشارت المحافظة إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرضت "إجراءات مشددة على الفلسطينيين في محيط المسجد الأقصى المبارك، شملت منع دخولهم إلى المسجد خلال فترة الاقتحامات، واحتجاز هويات عدد منهم على بواباته".

إعلان

وأشارت إلى تحويل مدينة القدس، وخاصة بلدتها القديمة، إلى ثكنة عسكرية مغلقة، من خلال نشر الآلاف من عناصر الشرطة والوحدات الخاصة في الشوارع والطرقات، وإقامة الحواجز، بهدف تأمين اقتحامات المستعمرين المتطرفين.

وفق المحافظة فقد منحت شرطة الاحتلال آلاف المستوطنين الحرية الكاملة لأداء طقوس تلمودية واستفزازية داخل الأقصى، وخاصة المنطقة الشرقية من المسجد.

وأشارت إلى مشاركة عضو الكنيست المتطرف عميت هاليفي، في الاقتحام برفقة الحاخام المتطرف شمشون إلباوم، خلال اليوم الثاني من عيد الفصح العبري.

ورصدت من الانتهاكات أيضا "أداء المستعمرين طقوس "بركات الكهنة" والترانيم، وصلوات تلمودية وانبطاحا جماعيًا، وارتداء "الطاليت" (وهو من الرموز الدينية التوراتية التي يستخدمها المستوطنون خلال صلواتهم) إلى جانب "التفلين" الذي يُربط بخيط "بين الذراع والجبهة، داخل باحات المسجد الأقصى المبارك، إلى جانب الرقص والغناء بشكل استفزازي".

مسؤولون وحاخامات وأطفال ونساء شاركوا في اقتحام الأقصى وانتهاك قدسيته (الأناضول)

وذكرت المحافظة أن المستوطنين تجمعوا "وأدوا الصلوات عند أبواب المسجد ومحيط البلدة القديمة، وعرقلوا دخول المصلين الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى، واستباح حائط البراق الآلاف بداعي أداء الصلوات، وحاول أحد المستعمرين دخول المسجد الأقصى حاملا قربانا".

ولفتت إلى استهداف العاملين في دائرة الأوقاف وخطباء المسجد الأقصى، وملاحقتهم لقيامهم بمهامهم وواجباتهم الدينية والوظيفية داخل المسجد الأقصى، وإبعادهم عن المسجد لفترات متفاوتة.

وقالت المحافظة إن جماعة "جبل الهيكل في أيدينا" المتطرفة أطلقت حملات ترويجية لتشجيع المستعمرين على اقتحام الأقصى، شملت توفير مواصلات بأسعار مخفضة وتنظيم جولات مجانية، ضمن ما أسمته "أيام الاقتحامات المركزية" خلال فترة "عيد الفصح".

إعلان

من جهته، قال مركز معلومات وادي حلوة الحقوقي في القدس إن عددا كبيرا من الحاخامات، وناشطين بارزين في جماعات ومنظمات "الهيكل" المتطرفة، بالإضافة إلى طلاب، ونساء، وأطفال، وعائلات، وأكاديميين، وأعضاء في "الكنيست" الإسرائيلي شاركوا في اقتحامات المسجد الأقصى خلال الأيام الثلاثة الأولى من عيد الفصح.

وأشار المركز إلى تواصل الدعوات المكثفة للمشاركة في المزيد من الاقتحامات خلال الأيام المتبقية من العيد وهي الأربعاء والخميس.

مقالات مشابهة

  • سرايا القدس تستهدف قوة للاحتلال شرق محور نتساريم وسط قطاع غزة (شاهد)
  • ندوة تثقيفية بجامعة كفر الشيخ للإرتقاء بمستوى المعرفة والوعي
  • الرئيس عون شكر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على الدعم الذي قدّمته دولة قطر للبنان
  • خبير موارد بشرية: السوشيال ميديا جمعت الملايين على صفحة واحدة |فيديو
  • تجسد محطات من ذاكرة الثورة السورية… توقيع رواية “بين ساعتين” في مديرية الثقافة بحمص
  • محافظة القدس: أعداد المستوطنين المقتحمين للأقصى تتضاعف
  • انهيار غير مسبوق.. الريال اليمني يلامس القاع التاريخي في عدن خلال تعاملات اليوم
  • الأمم المتحدة تكذب "رواية الصناديق".. كيف انتشرت في السودان؟
  • الهداف التاريخي للدوري الإنجليزي: محمد صلاح يقترب من تحطيم أرقامي
  • “وصية مريم” اختصار الوجع السوري عبر الخشبة.. تراجيديا السوريين العالقين على الحدود في مهرجان الفجيرة