خبراء عسكريون: اليمن ينافس الدول المتقدمة في مجال التصنيع الحربي ويتجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
يمانيون/ استطلاع
الخبير العسكري العميد الزبيدي: التحديات الراهنة تفرض علينا تحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج العسكري الكاتب المختص في الشؤون العسكرية المعمري: اليمن أحرزت تقدما ملحوظا في مجال التصنيع الحربي بما ينافس الدول المتقدمة
تعد دائرة التصنيع الحربي من أبرز إنجازات ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة.
لم يقتصر التصنيع الحربي على الأسلحة الاستراتيجية بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى وحسب، وإنما شملت دائرة التصنيع الحربي كل ما يتعلق بالأسلحة الاستراتيجية ابتداء من طلقة الرصاصة وصولا للصواريخ الفرط صوتية.
نقلات نوعية شهدتها دائرة التصنيع الحربي، ففي وحدة الطيران المسير شهدت الإدارة تطورا لافتاً على مستوى إنتاج الطائرات الاستطلاعية والهجومية ابتداء من طائرات راصد وهدهد ورقيب وقاصف التي تم انشاؤهن في العام 2017م مروراً بطائرات صماد1و2و3و4 ثم طائرات شهاب وقاصف2 وصماد 1و2و3و4وصولاً إلى طائرات يافا التي تم الكشف عنها خلال معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس وتمكنت من استهداف “تل أبيب” أكثر من مرة ونجحت في اختراق الدفاعات الجوية للعدو الصهيوني.
أما القوة الصاروخية فتمكنت من انتاج الصواريخ بمختلف أنواعها من أرض – وأرض جو وكذا الصواريخ البحرية المخصصة لاستهداف السفن والمدمرات وحاملات الطائرات، ومؤخرا الصواريخ فرط صوتية التي زلزلت الكبان الصهيوني.
وتمكنت القوة الصاروخية من انتاج العديد من الصواريخ ابتداء من صواريخ النجم الثاقب التي تم الكشف عنها في السنة الأولى من العدوان على اليمن 2015م وكذا صواريخ بركان مروراً بصواريخ ذو الفقار البالستية وصواريخ قدس المجنحة وصولاً للصواريخ الفرط صوتية نوع فلسطين2 وحاطم.
ولم تقتصر وحدة التصنيع الحربي على ما تم ذكره وحسب وإنما لدى الدائرة العديد من الإنتاجات المتخصصة بالقوة البحرية حيث برز العديد من الغواصات والزوارق الحربية المسيرة وغيرها من الأسلحة الحربية البحرية محلية الصنع.
خطوات حثيثة في تحقيق الاكتفاء الذاتيوبالتزامن مع إعلان وقف إطلاق النار في غزة كشفت دائرة التصنيع الحربي عن إنتاج ثلاث قنصات محلية الصنع ذات مديات بعيدة جدا وأهدتها وحدة التصنيع لمجاهدي المقاومة في غزة، وهذه القناصات هي: قناصة صارم يصل مداها إلى 750 مترا وقناصة خاطف يصل مداها إلى 1000متر وقناصة الأشتر ويصل مداها إلى 1250مترا.
وفي هذا السياق يقول الخبير في الشؤون العسكرية العميد عبدالغني الزبيدي إن ما تم الكشف عنه من قبل دائرة التصنيع الحربي يمثل خطوة استراتيجية تعزز القدرات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية.
ويضيف الزبيدي: “هذه القناصات بتنوع مواصفاتها بين الثقيل والمتوسط والخفيف، تلبي احتياجات تكتيكية متنوعة، ما يتيح مرونة أكبر في التعامل مع الأهداف المختلفة، سواء الثابتة أو المتحركة”.
ويؤكد الزبيدي أن تصنيع القناصات محلياً يعكس أيضا تقدماً في مجال الهندسة العسكرية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن.
ويأتي الكشف عن القناصات محلية الصنع في وقت تشهد القدرات العسكرية اليمنية تطورا ملحوظا ولافتاً أدهش العالم حيث أثبتت القوات المسلحة اليمنية قدرات فائقة في مواجهة قوى الشر العالمي ممثلا بـ”إسرائيل” وأمريكا وبريطانيا وحلفائهم.
فخلال المعركة تم إنتاج صواريخ فرط صوتية ذات الأهداف الدقيقة وكذا طائرات مسيرة تتجاوز المنظومات الدفاعية الغربية الحديثة، الأمر الذي مثل معضلة كبرى أمام العدو.
ويختتم الزبيدي حديثه بالقول “اليمن تواجه تحديات عظمى ومخاطر كبيرة من قبل الأعداء الأمريكيين والبريطانيين وعليه فإن القوات المسلحة اليمنية ستستمر في تعزيز الإنتاج المحلي من الأسلحة النوعية والاستراتيجية وذلك لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
تقنيات متطورة في مجال التكتيك العسكري البصريبدوره يؤكد الكاتب الصحفي المختص في الشأن العسكري كامل المعمري قدرة القوات المسلحة على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير أسلحة تلائم بيئة المعركة.
وعن نوعية القناصات المحلية ومداياتها يقول المعمري ” قنّاصة الأشتر الثقيلة بعيار 14.5 ملم ومدى 1250 مترا، تعد سلاحًا فعالًا لاستهداف الأهداف المدرعة والتحصينات، ما يضيف قوة نارية حاسمة في الاشتباكات”.
ويضيف ” قنّاصة خاطف المتوسطة بعيار 12.7 ملم ومدى 1000 متر توفر توازنًا بين القوة والمرونة، ما يجعلها مناسبة لاستهداف المركبات الخفيفة والأفراد المتحركين بدقة”.
ويزيد القول ” أما قنّاصة صارم الخفيفة بعيار 7.62 ملم ومدى 750 مترا، فهي أداة مثالية للمهام التي تتطلب سرعة الحركة والتكيف مع تضاريس معقدة”.
ويرى المعمري أن الكشف عن القناصات المحلية يمثل رسالة واضحة للخصوم، مفادها أن القوات المسلحة اليمنية قادرة على التطوير وتسليح نفسها بأسلحة متقدمة رغم التحديات. كما يعزز هذا الإعلان من الثقة العسكرية لدى المقاتلين، ويضع أسسا لتوسيع قدرات التصنيع المحلي في المستقبل.
ويعد هذا هو الإنجاز الثاني لدائرة التصنيع العسكري في مجال صناعة القناصات، ففي عام 2017م تم إزاحة الستار عن عدة أنواع من القناصات المختلفة محلية الصنع شملت قناصات ثقيلة مثل “قاصم” و “ذو الفقار” المصممتين لمهام استراتيجية كالدفاع الجوي المنخفض واستهداف الدروع والتحصينات على مسافات طويلة تصل إلى 5000 متر. كما تتميز هذه القناصات بأوزان ثقيلة وآليات عمل كهربائية أو ميكانيكية، ما يجعلها مناسبة للمهام التي تتطلب قوة نارية عالية وثباتًا في التموضع.
ووفق المعمري فإن من يرى الفرق بين القناصات التي تم إزاحة الستار عنها في 2017م وهذه الأخيرة سيجد أن القناصات التي تم إزاحة الستار عنها في عام 2017م كانت مصنوعة لتحقيق تفوق استراتيجي بعيد المدى بقدرات قتالية عالية ضد الأهداف المدرعة والدفاع الجوي المنخفض بمعنى أنها ركزت على الأبعاد الاستراتيجية والتكتيكية بعيدة المدى.
وفي المقابل يقول المعمري: القناصات التي تم تصنيعها في عام 2025 تظهر تطورًا في التوجه نحو تلبية احتياجات الاشتباك السريع والتحرك الفعّال. وتصميم قناصات مثل “الأشتر”، “خاطف”، و”صارم” يُظهر التركيز على المرونة التكتيكية وخفة الحركة، مع مراعاة تقليل الوزن وتعزيز قابلية النقل والتمويه، ما يجعلها مثالية للاستخدام في الاشتباكات المتنقلة والمناطق ذات التضاريس الصعبة”.
ويضيف المعمري “كذلك تركز بشكل أكبر على المرونة التكتيكية والاستخدام في الاشتباكات القريبة، وتتسم بخفة الوزن النسبي مقارنة بالقناصات السابقة، ومدى أقصر يتراوح بين 750 و1250 مترًا، ما يجعلها أكثر ملاءمة للاشتباكات المتحركة، وفي بيئات تتطلب سرعة المناورة. الأمر الذي يعكس تغيرًا في أولويات المعركة نحو تلبية احتياجات الاشتباك السريع والتحرك الفعّال في الميدان”.
ويجسد التنويع بين القناصات الثقيلة بعيدة المدى والتكتيكية قصيرة المدى، تكاملاً فريدًا في تصنيع القناصات، حيث استطاعت الوحدة تلبية متطلبات كافة أنواع الاشتباك، سواء كان ذلك في العمليات الهجومية الكبرى أو المناورات السريعة في الميدان.
ويرى المعمري أن التحول من التركيز على الأسلحة الثقيلة بعيدة المدى إلى تطوير قناصات تكتيكية خفيفة يؤكد قدرة الوحدة على التطور وفقًا لظروف المعركة المتغيرة، مع تقديم حلول عملية وفعالة تلبي احتياجات القوات المقاتلة.
ويشير إلى أن هذه الإنجازات تمثل خطوة مهمة في تعزيز الاكتفاء الذاتي العسكري، خاصة في ظل القيود المفروضة، كما أنها تؤكد أن التصنيع العسكري المحلي قادر على تقديم تقنيات متقدمة تتوافق مع أفضل المعايير العالمية في هذا المجال.
وبما تم الكشف عنه من تنوع الإنتاج المحلي في تصنيع الأسلحة بمختلف أنواعها يمكن القول بأن اليمن قد أحرزت تقدماً ملحوظاً في مجال تصنيع الأسلحة، بما في ذلك القناصات.
وتشير القدرة على تصنيع مجموعة متنوعة من الأسلحة ذات العيارات والمهام المختلفة، مثل القناصات “قاصم”، “خاطف”، “أشتر”، “صارم” وغيرها، إلى تطور كبير في قدرة التصنيع العسكري اليمني، خاصة في مجالات التقنيات الميكانيكية والبصرية.
وبالرغم من أن اليمن لا يملك الإمكانات المادية والتقنية التي تتمتع بها الدول الكبرى مثل أمريكا أو ألمانيا أو روسيا، إلا أنه استطاع تصنيع قناصات محلية تستطيع منافسة القناصات العالمية من حيث الأداء والفعالية.
ما يجعل اليمن مميزًا في هذا المجال بتجاربه الميدانية الفريدة فمن خلال خوض معارك طويلة ومعقدة مع قوات التحالف والعدوان، تمكن الجيش اليمني من اغتنام قناصات مختلفة في معارك عديدة منها القناصات الأمريكية والكندية والروسية والألمانية. هذه الخبرات الميدانية منحته معرفة عميقة حول مدى تأثير الأسلحة المختلفة في المعارك، ما مكنه من تصنيع قناصات محلية متقدمة ومتعددة.
وفي هذه الجزئية يؤكد الكاتب الصحفي المختص بالشؤون العسكرية كامل المعمري أن الجيش اليمني تمكّن من تحليل الأسلحة المختلفة، واستخدام هذه المعرفة لتحسين الأسلحة المحلية والتصنيع من الصفر بحيث تضاهي بل تتفوق على بعض القناصات الأجنبية في بعض الجوانب.
نقلا عن موقع أنصار الله
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: تحقیق الاکتفاء الذاتی دائرة التصنیع الحربی المسلحة الیمنیة القوات المسلحة محلیة الصنع ما یجعلها العدید من الکشف عن تم الکشف فی مجال التی تم
إقرأ أيضاً:
عندما تغفو العدالة.. الحرب المنسية على المدنيين في اليمن (ترجمة خاصة)
منذ عام 2015، ينفذ تحالف تقوده السعودية، ويضم الإمارات العربية المتحدة، عمليات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن. وقد اتُهم هذا التحالف من قبل محققي الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك قصف مناطق مدنية كالأحياء السكنية والأسواق والجنازات وحفلات الزفاف والسجون والقوارب والمرافق الطبية، مما تسبب في مقتل آلاف المدنيين.
علاوة على ذلك، اتُهم التحالف أيضًا بفرض حصار على الموانئ والمجال الجوي اليمني، مما أدى إلى تقييد شديد لوصول الغذاء والوقود والمساعدات الإنسانية، مما ساهم في انتشار المجاعة وأزمة إنسانية كارثية. ووُصف هذا الحصار وما نتج عنه من مجاعة بأنه أفعال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
من الأخطاء إلى المجازر
لقيت الغارات الجوية التي يشنها التحالف بقيادة السعودية في اليمن إدانات متكررة لانتهاكها القانون الدولي الإنساني. لا سيما مبدأ التمييز، الذي يتطلب تجنب الأهداف المدنية، ومبدأ التناسب، الذي ينص على أن الميزة العسكرية يجب أن تفوق الضرر اللاحق بالمدنيين. تشير الأدلة التي جُمعت على مر السنين إلى نمط ثابت من الخسائر المدنية وتدمير البنية التحتية، مما يثير مخاوف قانونية وأخلاقية خطيرة.
ومن أبرز الأمثلة الصارخة على استخفاف التحالف بقيادة السعودية بحياة المدنيين ما حدث في يناير/كانون الثاني 2022، عندما أسفرت ثلاث غارات جوية منفصلة عن مقتل 80 مدنيًا وإصابة 156 آخرين، حيث أصابت سجنًا في صعدة، ومنشأة اتصالات، ومحطة وقود في الحديدة - وهي مواقع أفاد شهود عيان بعدم وجود عسكري فيها.
والجدير بالذكر أن هذه ليست حادثة معزولة، بل هي جزء من نمط أوسع من الاستهداف العشوائي الذي ميّز سلوك التحالف طوال فترة النزاع. وبحلول عام 2017، ارتبطت نسبة مذهلة بلغت 60% من إجمالي 16,700 ضحية مدنية موثقة بغارات التحالف الجوية، وهي إحصائية تشير بقوة إلى انتهاكات منهجية للقانون الإنساني الدولي، ولا سيما مبدأي التمييز والتناسب.
على سبيل المثال، اعتبرت هيومن رايتس ووتش قصف حافلة مدرسية في ضحيان عام 2018، والذي أودى بحياة 26 طفلاً، "جريمة حرب واضحة". وبالمثل، أودى هجوم عام 2016 على قاعة عزاء في صنعاء بحياة 140 مدنياً، وهي جريمة فظيعة اعترف التحالف لاحقاً بأنها "خطأ".
تُبرز هذه الحوادث مجتمعةً نمطاً مُقلقاً يُشير إلى تكرار خطأ تحديد البنية التحتية والتجمعات المدنية أو تجاهلها كأهداف عسكرية مشروعة، مما يثير مخاوف جدية بشأن بروتوكولات الاستهداف وآليات المساءلة التي يعتمدها التحالف.
الوقود والمجاعة وتبريرات واهية
إن تبرير التحالف بقيادة السعودية لإبقاء حصاره على اليمن، متذرعاً بضرورة منع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، مُقوّض بشكل خطير من خلال نتائج الأمم المتحدة المستقلة والتحليلات الإنسانية، وخاصةً من آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، التي لم تعثر على أي أسلحة في 90% من السفن التي تم تفتيشها والمتجهة إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون مثل الحديدة.
على الرغم من ذلك، يواصل التحالف تقييد الواردات الحيوية من الغذاء والوقود، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يتم استيراد 90% من الضروريات، وحيث ارتبطت أكثر من 131,000 حالة وفاة، بحلول عام 2020، بأسباب يمكن الوقاية منها مثل المجاعة ونقص المياه النظيفة وعدم كفاية الرعاية الصحية.
تصف منظمات مثل المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) الحصار بأنه "تعذيب بطيء"، مسلطة الضوء على كيفية شل قيود الوقود للمستشفيات وشبكات المياه. وبينما يزعم التحالف أن الحوثيين يستخدمون المناطق والموانئ المدنية لأغراض عسكرية، فإن عمليات التفتيش التابعة للأمم المتحدة لا تجد باستمرار أي دليل على عسكرة الموانئ بشكل منهجي، وتفتقر تحقيقات التحالف نفسها في ضحايا الغارات الجوية المدنية إلى الشفافية والمساءلة.
أدى الحصار، الذي دُفِعَ به من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2216 (2015)، إلى أضرار جسيمة بالمدنيين، حيث انخفضت واردات الديزل إلى مناطق الحوثيين بنسبة 75% بين عامي 2015 و2017، مما أدى فعليًا إلى شلل البنية التحتية الأساسية.
ويجادل الخبراء القانونيون وجماعات حقوق الإنسان بأن الحصار يُشكل عقابًا جماعيًا وتجويعًا كأسلوب حرب، مما يُشكل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، وقد يرقى إلى جرائم حرب وتعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وبالتالي، فإن ادعاءات التحالف لا تدعمها أدلة موثوقة، ويعمل الحصار في المقام الأول كحرب اقتصادية أكثر منه للسيطرة على الأسلحة، مما يجعل آليات المساءلة الدولية، مثل تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية وحظر الأسلحة، ضرورية بشكل عاجل لوقف المزيد من الانتهاكات ومنع المعاناة الجماعية.
من الناحية القانونية، يدّعي التحالف بقيادة السعودية أنه يستهدف مواقع عسكرية مشروعة، ويبرر الحصار بالإشارة إلى أسلحة إيرانية مُعتَرَضة، مثل صواريخ كورنيت الروسية وبنادق صينية. ومع ذلك، يُصبح هذا التبرير إشكاليًا من الناحيتين القانونية والأخلاقية عند مقارنته بمبادئ القانون الدولي الإنساني، وخاصة مبدأ التناسب.
وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2018، غالبًا ما أخفقت غارات التحالف الجوية في إظهار أي جهد واضح للحد من الأضرار المدنية، مع توثيق هجمات على الأسواق والجنازات وغيرها من التجمعات غير العسكرية.
يثير استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المكتظة بالسكان مخاوف جدية بشأن استخدام القوة العشوائية وغير المتناسبة. وبموجب القانون الدولي الإنساني، حتى لو كان للهدف قيمة عسكرية، يجب ألا يتسبب الهجوم في أضرار مدنية مفرطة مقارنةً بالميزة العسكرية المتوقعة.
في هذا السياق، تتفوق الخسائر المدنية المستمرة والخطيرة على القيمة العسكرية للأهداف المزعومة بشكل كبير. ويؤدي الحصار المستمر للتحالف إلى تفاقم الأزمة، مما يحد من وصول الوقود والمساعدات، مما يؤدي إلى انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي. وبالتالي، فإن تجاهل هذه الانتهاكات يهدد بتطبيع الإفلات من العقاب في الحروب، وتقويض حماية المدنيين، وإضعاف أسس القانون الإنساني الدولي في النزاعات المستقبلية.
خطاب حقوق الإنسان مقابل الواقع
إن الخسائر المدنية المستمرة في اليمن هي نتيجة سلوك التحالف والدعم المُمكّن الذي تقدمه جهات فاعلة دولية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. على الرغم من برامج التدريب الهادفة إلى الحد من الأضرار المدنية، لا تزال غارات التحالف الجوية تُسبب وفيات وإصابات جسيمة في صفوف المدنيين.
فمنذ عام 2015، قُتل أو شُوِّه أكثر من 19200 مدني، من بينهم أكثر من 2300 طفل، جراء غارات التحالف الجوية وحدها. وقد وُثِّقت استهدافات التحالف الممنهجة للبنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات والأسواق ومحطات المياه.
قدّم الداعمون الدوليون، وتحديدًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أسلحةً، بما في ذلك قنابل MK-82 وذخائر دقيقة التوجيه، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية عسكرية ودعم لوجستي. وقد مكّن هذا الدعم التحالف من مواصلة حملته الجوية، التي انتهكت القانون الدولي الإنساني مرارًا وتكرارًا.
ويشير استمرار سقوط الضحايا المدنيين، رغم التدريب والرقابة، إلى درجة من التواطؤ من جانب هذه الدول الغربية في جرائم حرب محتملة. فعلى سبيل المثال، في عامي 2024 وأوائل 2025، كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مسؤولة عن حصة متزايدة من الخسائر المدنية الناجمة عن الغارات الجوية، مع زيادة بنسبة 71٪ في الأضرار المدنية في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 وحده.
يثير هذا السلوك المزدوج للتحالف، المتمثل في المسؤولية المشتركة، وتمكين الدعم الخارجي، تساؤلات جدية حول مصداقية خطاب حقوق الإنسان الغربي عالميًا. فمن جهة، تدافع هذه الدول علنًا عن حقوق الإنسان والقانون الدولي. ومن جهة أخرى، تُسهم مبيعاتها من الأسلحة ومساعداتها العسكرية بشكل مباشر في الانتهاكات على أرض الواقع.
ويُقوّض هذا التناقض سلطتها الأخلاقية ويُضعف الجهود العالمية لإنفاذ المساءلة. كما أن عدم وقف مبيعات الأسلحة أو ربط الدعم بالامتثال الصارم للقانون الدولي الإنساني يُقوّض الثقة في التزامات الغرب بحقوق الإنسان والعدالة الدولية.
وفي الختام، لم تُلحق الحملة العسكرية والحصار الذي فرضه التحالف بقيادة السعودية على اليمن معاناةً شديدةً بالمدنيين وانتهك القانون الإنساني الدولي فحسب، بل زعزع أيضًا استقرار مستقبل اليمن. ومن الناحية السياسية، أدى الصراع المطول إلى تعميق الانقسام وتمكين الفصائل المتنافسة مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، مما قوض آفاق الوحدة الوطنية.
كما غذّت الأزمة الإنسانية، التي اتسمت بالمجاعة والمرض والدمار، التطرف، مما هيأ الظروف المناسبة لتجنيد المتطرفين. ومن الناحية الاقتصادية، أدى الحصار إلى شلل البنية التحتية، مما أخر إعادة الإعمار والتنمية لعقود. ولعكس هذا المسار، لا بد من اتخاذ خطوات فورية تشمل رفع الحصار، ووقف الغارات الجوية، وفرض المساءلة الدولية لتمكين السلام المستدام والتعافي.
من الأقوال إلى الأفعال
أدت أفعال التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، من غارات جوية عشوائية وحصار متواصل، إلى انتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني، مع استهداف متكرر للبنية التحتية المدنية، وتفاقم المجاعة والأمراض بسبب الحصار.
ولمعالجة هذا الوضع، لا بد من تفعيل الآليات القانونية الدولية: ينبغي على المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في جرائم حرب محتملة بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي، بينما يتعين على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فرض حظر على توريد الأسلحة وفقًا للمادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة. إن عمليات نقل الأسلحة المستمرة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تنتهك معاهدة تجارة الأسلحة، ويجب وقفها.
كما يجب رفع الحصار، الذي يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي بموجب المادة 33 من اتفاقيات جنيف، لاستعادة وصول المساعدات الإنسانية الأساسية. وعلى الصعيد الدبلوماسي والإنساني، يجب على الدول المانحة تلبية نداء الأمم المتحدة للمساعدات بقيمة 4.3 مليار دولار، بينما ينبغي على الجهات الفاعلة الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي وسلطنة عمان، الاستفادة من انفراجة العلاقات السعودية الإيرانية في عام 2023 لبدء مفاوضات سلام مستدامة مع الحوثيين.
يجب دعم منظمات المجتمع المدني، مثل "مواطنة"، في توثيق الانتهاكات والسعي لتحقيق العدالة، مع تقديم تعويضات للضحايا، بما يتماشى مع مبادئ الأمم المتحدة، بتمويل من أرباح مبيعات الأسلحة المُعاد توجيهها. يتطلب تحقيق السلام والاستقرار طويل الأمد في اليمن إنهاء الإفلات من العقاب، واستئناف المساعدات الإنسانية، وتعزيز إعادة بناء سياسي شامل لمواجهة المزيد من التطرف وانهيار الدولة.
يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا Modern Diplomacy