د خفاجي: مصر الفرعونية أول دولة في التاريخ عالجت جريمة التجسس والتخابر
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
فى مناقشته لرسالة الدكتوراه التى حصلت عليها الباحثة مروة محمد النعمانى للحصول بعنوان : (فلسفة عقوبة السرقة فى الحضارات القديمة واَثارها فى العصر الحديث) من كلية الحقوق جامعة مدينة السادات قال القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن مصر الفرعونية أول دولة فى التاريخ عالجت جريمة التجسس والتخابر وجعلت فم التمساح (جلاد الطبيعة) عقوبة سرقة المقابر الملكية , وأن الأخلاق والفضيلة الدينية فى المجتمع الفرعونى أثرت على ديناميكية الجريمة والعقاب
وكانت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة برئاسة الدكتورة إيمان السيد عرفة أستاذ فلسفة القانون وتاريخه بكلية الحقوق بالجامعة وعضوية الدكتورة فاطمة محمد عبد العظيم أستاذ فلسفة القانون وتاريخه بكلية الحقوق جامعة بنى سويف والقاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة قد منحت الباحثة درجة الدكتوراه بتقدير جيد جدا
مصر الفرعونية أول دولة فى التاريخ عالجت جريمة التجسس والتخابر
ذكر الدكتور خفاجى أن مصر الفرعونية أول دولة فى التاريخ الإنسانى عالجت جريمة التجسس والتخابر بالإضافة للعقوبات الصارمة لعقوبة السرقة , وأن النظام العقابي الفرعونى يقوم على تقسيم الجرائم إلى نوعين : الجرائم الماسة بالمصلحة العامة والجرائم الماسة بمصلحة الأفرد ومنها السرقة , فمنذ تأسيس الدولة الفرعونية كان التجريم والعقاب من اختصاص الدولة، فهي التي تحدد الأفعال الإجرامية وتبين العقوبات المقررة لها.
وأشار الدكتور محمد خفاجى أن الجرائم الماسة بالمصلحة العامة:هي الجرائم التي يكون الاعتداء فيها موجها إلى مصلحة المجتمع والدولة وليس إلى فرد من الأفراد ومثالها : 1-محاولة قلب نظام الحكم: جريمة التآمرعقوبتها الإعدام أيا كانت الدرجة الاجتماعية للجاني.2 -جريمة التجسس وإفشاء أسرار الدولة:عقوبتها استئصال العضو الذي ارتكب به الجريمة، فيقطع اللسان في حالة التخابر الشفهي، وتبتر أصابع اليد في حالة التخابرالكتابي.3-جريمة خيانة العدالة:عقوبتها بالنسبة للقاضي الذي يحيد عن واجباته الوظيفية صلم أذنيه (أى قطعها) ، وقد تشدد العقوبة لتصل إلى جدع الأنف (قطعه)
وأوضح أن الجرائم الماسة بالمصلحة الخاصة هي جرائم الاعتداء على الأفراد بما يمس أرواحهم أو سلامة أجسامهم أو أعراضهم أو أموالهم، منها جرائم: القتل والزنا والسرقة وفى جريمة السرقة يعاقب السارق برد مثلين أو ثلاثة أمثال الشيء المسروق، وتعويض الضرر الناشئ عن ضياع المال المسروق من صاحبه. وإذا كان المال المسروق مملوكا لأحد المعابد تشدد العقوبة .
مصر الفرعونية جعلت فم التمساح (جلاد الطبيعة) عقوبة سرقة المقابر الملكية
وذكر الدكتور محمد خفاجى أن مصر الفرعونية أول دولة فى التاريخ الإنسانى جعلت فم التمساح (جلاد الطبيعة) عقوبة سرقة المقابر الملكية وأن النظام العقابى الفرعونى لجأ إلى عقوبة شديدة لسرقة المقابر الملكية إلى الحد الذي يبدو وكأنه يتجاوز الحدود بين الأسطورة والواقع: إطعام المجرمين للتماسيح. وربما يتذكر المرء شخصية أميت الوحشية في علم الكونيات المصري القديم وهو شيطان يجمع بين رأس تمساح وأجزاء أمامية لأسد وأرباع خلفية لفرس النهر وعلى استعداد لالتهام أي قلب يميل بميزان معات أو ماعت إلهة العدالة عن الفراعنة .
وأشار كما عرف العصر الحديث فكرة العود كظرف مشدد للعقوبة عرفها القدماء المصريين منذ اَلاف السنين , حيث كان المخالفون المتكررون، وخاصة اللصوص الذين تم تغريمهم أو توبيخهم أو إجبارهم على التعهد بعدم السرقة مرة أخرى، يخاطرون بهذه العقوبة المروعة إذا تم القبض عليهم مرة أخرى. وبينما قد يكون العمل القسري أو الجلد كافياً للمخالفة الأولى أو الثانية، فإن المخالفة الثالثة تزيل كل التساهل. كانت تماسيح النيل الكبيرة، التي يتجاوز طول بعضها خمسة عشر قدمًا، حريصة جدًا على انتزاع وجبتها , حيث كان المجرم فى حالة العود يجد نفسه مدفوعًا أو ملقاة في مياه تعج بهذه الزواحف المخيفة.
وأوضح على المستوى الرمزي، كان إطعام التماسيح بمثابة طرد لسارق القبور الملكية من النظام الكوني. وعلى النقيض تماما من الدفن المنظم بعناية حيث يمكن رعاية جوانب الروح ، لكن هذه النهاية المائية الوحشية لم تترك أي كرامة للمتوفى لا فى الدنيا ولا فى الاَخرة فقد تشتت الجثة الملتهمة، واستهلكت، وضاعت في الأعماق فلا قبر، ولا قرابين، ولا راحة هادئة
المجتمع الفرعونى مبادئ الأخلاق والفضيلة الدينية فى المجتمع الفرعونى أثرت على ديناميكية الجريمة والعقاب في مصر القديمة .
وقال الدكتور خفاجى أن المجتمع الفرعونى قام على مبادئ الأخلاق والفضيلة الدينية التي أثرت على ديناميكية الجريمة والعقاب في مصر القديمة .وأن المجتمع الفرعونى كان ملتزمًا بالقانون وكانت العقوبات القاسية على الجرائم وتأثير إلهة العدالة ماعت إرث هذه الحضارة القديمة. ولكن في بعض الأحيان كانت القواعد والأخلاق تنتهك، وكان على العدالة أن تأخذ مجراها لتحقيق الانسجام والتوازن.
وأشار كان النظام الفرعونى يقوم على مفهوم "ماعت" الذي يدور حول الحقيقة والعدالة ويُنظر إليه في المقام الأول باعتباره تجسيداً فلسفياً للضمير الإنساني الحي. وكانت عملية العقاب بأكملها أحد العناصر الأساسية في حياة المصريين في مصر القديمة
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
تفكيك خطاب الإقصاء والتكفير في كتاب "الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء".. جديد الدكتور محمد بشاري في معرض الكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في حفل توقيع حضره لفيف من رجال الفكر والسياسة، شهدت أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب حفل توقيع كتاب "الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء"، الصادر عن دار نهضة مصر للنشر، للمفكر الإسلامي الدكتور محمد بشاري والذي يضفي بعدًا فكريًا نقديًا يسعى إلى تفكيك واحدة من أكثر المفاهيم التي استُغلت في تاريخ الفكر الإسلامي، وهو مفهوم الفرقة الناجية، الذي وظفته العديد من الجماعات الإسلاموية والحركات المتطرفة لتبرير الإقصاء والتكفير، وإضفاء المشروعية على ممارساتها السياسية والعنيفة. الحديث الذي بُني عليه هذا المفهوم، وهو حديث افتراق الأمة، لم يكن مجرد نص ديني يتداول بين علماء الحديث، بل أصبح أداة تُستخدم عبر العصور لترسيخ الانقسامات بين المسلمين وإعطاء الأفضلية لطائفة على حساب غيرها. استغلته السلطات السياسية في التاريخ الإسلامي لتعزيز شرعيتها، كما استخدمته الجماعات المتشددة لتبرير العنف وإقصاء المخالفين، ما أدى إلى توظيفه في معارك فكرية وسياسية ودينية لم تكن له أي صلة بها عند نشأته.
يبدأ الدكتور محمد بشاري بتحليل الحديث من منظور حديثي وتاريخي، حيث يبين أنه ورد في روايات مختلفة عن عدد من الصحابة، أبرزهم عبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وأبو هريرة وأنس بن مالك وعوف بن مالك الأشجعي. وقد أخرجه العديد من المحدثين، مثل الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد بن حنبل والحاكم والطبراني والدارمي، لكن بدرجات متفاوتة من الصحة. لم يجمع علماء الحديث على صحة الحديث، حيث أشار بعضهم إلى اضطراب في سنده ومتنه، كما أن بعض الروايات تضمنت إدراجات تفسيرية لم ترد في الروايات الأخرى، وهو ما يثير التساؤل حول ثبات النص الأصلي للحديث. رفض ابن حزم الظاهري صحة الحديث استنادًا إلى ضعف أسانيده وتضارب رواياته، فيما أشار الإمام الشوكاني إلى وجود اضطرابات في بعض رواياته، بينما رأى الإمام الصنعاني أن الحديث لا يمكن اعتماده كمرجعية في مسائل العقيدة نظرًا لمشكلاته السندية.
لكن الإشكالية لم تتوقف عند الجانب الحديثي فحسب، بل امتدت إلى طريقة تأويله وتوظيفه عبر العصور. بدلًا من أن يكون الحديث تحذيرًا من خطورة التفرق، تم تأويله بشكل يرسخ فكرة أن هناك فرقة واحدة ناجية بينما بقية الفرق في ضلال وهلاك، ما أدى إلى استغلاله كأداة تكفيرية داخل الفكر الإسلامي. في التاريخ الإسلامي، استُخدم الحديث لإضفاء الشرعية على السلطة السياسية في العصرين الأموي والعباسي، حيث ربط الحكام بين طاعتهم والانتماء إلى الفرقة الناجية، بينما اعتبروا كل معارضة لهم خروجًا على الدين. كما لعبت الفرق الكلامية الكبرى، مثل المعتزلة والأشاعرة والجبرية والخوارج، دورًا في تكريس هذا المفهوم، حيث استخدم كل تيار الحديث لإثبات أنه وحده يمثل الإسلام الصحيح، بينما الآخرون على ضلال.
مع ظهور الحركات الإسلاموية في العصر الحديث، أخذت تأويلات الحديث منحًى أكثر تطرفًا، حيث وظفته جماعات مثل الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وحركة طالبان لتبرير إقصاء الآخرين وإضفاء الشرعية على مشاريعها الفكرية والسياسية. تبنى الإخوان المسلمون، منذ نشأتهم، خطابًا يقوم على فكرة أنهم يمثلون الإسلام الصحيح، وأن جماعتهم هي الفرقة الناجية، ما جعلهم يعاملون المخالفين على أنهم أقرب إلى الضلال. أما التنظيمات الجهادية، فقد استغلت الحديث بشكل أكثر دموية، حيث استخدمته القاعدة وداعش لتبرير التكفير والقتل، معتبرة أن كل من لا ينضم إليهما هو من الفرق الهالكة التي تستحق العقاب. وصل الأمر مع داعش إلى استغلال الحديث لإبادة المخالفين دينيًا وطائفيًا، كما حدث مع الإيزيديين في العراق، فضلًا عن محاكم التفتيش التي أقامها التنظيم بحق المسلمين الذين لم يتبعوا نهجه المتطرف.
يدعو الدكتور محمد بشاري في كتابه إلى إعادة قراءة الحديث وفق مقاصد الشريعة الإسلامية التي تؤكد على الوحدة والتسامح، بدلًا من القراءات الإقصائية التي تؤدي إلى العنف والاحتراب الداخلي. يؤكد أن النجاة في الإسلام لا ترتبط بالانتماء إلى طائفة معينة، بل تتحقق من خلال الإيمان والعمل الصالح، كما ورد في قوله تعالى: "إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـُٔونَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحًۭا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة: 62). كما يشدد على أن الإسلام ليس مشروعًا للتقسيم أو التصنيف، بل هو دين عالمي يدعو إلى العدالة والتسامح والتكامل بين الشعوب والمجتمعات.
في تقديمه للكتاب، يؤكد العلامة الدكتور علي جمعة على ضرورة تصحيح الفهم المغلوط لحديث الفرقة الناجية، محذرًا من استخدامه كوسيلة لإضفاء الشرعية على الصراعات الطائفية والمذهبية داخل الأمة الإسلامية. يرى الدكتور جمعة أن الإسلام جاء برسالة رحمة وتوحيد، وليس بمشروع لتقسيم الناس إلى ناجين وهالكين، كما أن الحديث عن النجاة لا ينبغي أن يكون مدخلًا لإقصاء الآخرين، بل يجب أن يكون وسيلة لتعزيز قيم الاعتدال والتسامح داخل المجتمع الإسلامي.
في ختام كتابه، يرسل الدكتور محمد بشاري رسالة واضحة مفادها أن النجاة ليست مرتبطة بجماعة معينة أو مذهب محدد، بل تتحقق من خلال التقوى والعمل الصالح، وأن التصنيفات المذهبية والطائفية التي ترسخت عبر العصور تحتاج إلى مراجعة نقدية عميقة تتماشى مع روح الإسلام الحقيقية. يشدد على أن استمرار تأويل الحديث وفق النهج الإقصائي سيؤدي إلى مزيد من التمزق داخل الأمة الإسلامية، داعيًا إلى تبني قراءة جديدة تعكس القيم الكبرى للإسلام، مثل العدل والرحمة والتسامح. يرفض الخطابات التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، ويدعو إلى تحرير الإسلام من التأويلات المغلقة التي حوّلته من دين عالمي إلى مشروع أيديولوجي ضيق يخدم مصالح جماعات محددة.