بقلم- احمد الديلمي
كما يقال في المثل ” الجنون فنون” إلا أن الإشكالية تبدو كبيرة جداً إذا تعلق هذا المرض بأشخاص لهم باع طويل في السياسة أو من الوجاهات الاجتماعية الكبيرة التي تتطلع إلى أعلى المناصب في البلاد ، وهذا هو حال المدعو “ترامب” الرئيس الجديد القديم للولايات المتحدة الأمريكية ، كم أشفق كثيراً على المحللين الذين ظلوا لمدة شهور يتفاءلون بهذا الرجل ويؤكد البعض منهم أنه قد غير سلوكه وأصبح يتطلع إلى السلام والأمن والاستقرار بحسب تصريحاته التي كان آخرها أنه يُريد أن يُصبح العالم أكثر أماناً وأنه سيورث للعالم السلام .
ليست المشكلة في الشعب الأمريكي فهو الذي أختار هذا الرجل ومقتنع بأدواره بحسب البرامج المنهجية للحزب الجمهوري ، لكن من استمع إلى خطاب التنصيب لا شك أنه سيستغرب كثيراً من حالة التناقض وعدم الاستقرار النفسي التي يعيشها الرجل، وكما أسلفنا من تصريحاته السابقة فقد قلب الأمور رأساً على عقب في خطاب التنصيب ويُعلن كما أعلن قبل فترة أنه يُريد أن تتوسع مساحة دولة الكيان الصهيوني وأنه غير متفائل باستمرار اتفاق غزة ، كما شن حرباً شعواء مصحوبةً بالتهديد والوعيد على دول أمريكا الجنوبية ، وأعلن عزمه عن ضم عدد من الدول إلى الدولة الأمريكية بقوة السلاح وركز كثيراً على قناة بنما وكندا والمكسيك .
الرجل يبدو في حالة هيجان كبير وغرور إلى حد الفجور وعدم الاكتراث بمشاعر وتطلعات الآخرين وكأنه يحسب كل شيء بالدولار ، لذلك حتى في حفل التنصيب دعا إليه أكبر رجال الأعمال في أمريكا وأوروبا أصحاب المليارات الذين دعموا حملته الانتخابية ، أما دول الخليج فهي مضمونه ودورها قادم ولا تزال عبارة “البقرة الحلوب” التي وصف بها السعودية ساطعة في الرؤوس خاصة أنها انتهت بحصول الرجل على 450 مليار دولار وهو مبلغ كبير جداً لا شك أنه أثر على توجهات السعودية والخطط التي تبنتها للارتقاء بالحياة في هذه البلاد وفي المقدمة مشاريع الترفيه، التي اعتقد ابن سلمان أنها أكبر هدية للسعوديين بعد أن عاشوا زمناً طويلاً من الحرمان وهيمنة علماء الوهابية المتطرفين والمنغلقين على الذات .
المهم أن من مولوا الحملة الانتخابية أصابتهم صدمة شديدة حين سماعهم لكلمته، والمحللون أصبحوا في حيرة كيف يقيمون تصرفات هذا الرجل وما المتوقع منه بعد استلام الحكم؟! خاصة أنه ألغى فكرة الشراكة الجماعية في الحكم وحذف تماماً حرف النون وأبدلها بالألف وهو يتحدث عما سيقوم به ، فبينما سمعنا كثيراً رؤساء أمريكا يقولون سنعمل.. سنعمل.. جاء هذا الرجل ليقول سأعمل.. سأعمل.. وكأنه لا ديمقراطية ولا شراكة ولا مؤسسات بل يوجد دكتاتور واحد هو “ترامب”، يبدو الرجل تأثر كثيراً بالحُكام العرب ، فالملك أو الرئيس في هذه الدول هو صاحب القرار الأول والأخير ولا ينازعه فيه منازع، وهذا ما أظهره “ترامب” ففي حين كنا ننتظر أن هؤلاء الرؤساء والملوك سيستفيدون من تجربة أمريكا خاصة المتعلقة بالديمقراطية والحكم الجماعي فإذا بالأمور تتغير تماماً ويتحول “ترامب” إلى نسخة مكررة من هؤلاء الملوك والرؤساء وهو يتحدث عن إدارته الجديدة .
الغريب في الأمر أولئك البائسون أصحاب النفوس المريضة من إخواننا اليمنيين الذين لا يزالون يعلقون آمالاً كبيرة على هذا الـ”ترامب” وأنه الوحيد الذي سيعيدهم إلى صنعاء كما يعتقدون ، ومن أجل هذه الرغبة الخبيثة التي تستدعي المستعمر الأمريكي ليُثبت أقدامه في اليمن وينصرهم على من يسمونهم الحوثيين ، الأمر لا يدعو للاستغراب فقط ولكنه يستدعي التفكير العميق في عقول هؤلاء وسلوكياتهم الشاذة التي خرجت عن نطاق الحدود الإنسانية وتحولت إلى الحيوانية ، وإلا كيف يستسيغون أن يأتي آخر في مستوى “ترامب” لكي يتحكم في مصير بلادهم، وكيف سيكون مصيرهم إذا ما حدثت هذه القضية لا سمح الله؟!
وكما يقول الكثيرون “عشم إبليس في الجنة” أما اليمن فستظل عصية على الجميع ، وبحسب وصف أحدهم فلقد قال إن ترامب أول رئيس أمريكي يستعين بالله في برنامجه وكأنه انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ، وهذا هو حال رئيس أمريكا الجديد ، والعاقبة للمتقين ، والله من وراء القصد ..
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: هذا الرجل
إقرأ أيضاً:
فرصة تاريخية أمام أمريكا في الشرق الأوسط
ترجمة - نهى مصطفى -
لطالما شكل الشرق الأوسط مقبرةً للطموحات الدبلوماسية الأمريكية، إذ يغادر الرؤساء المتعاقبون السلطة تاركين المنطقة في وضع أكثر تعقيدًا مما سبق.
سعى بيل كلينتون لتحقيق اختراق في عملية السلام، لكن جهوده انتهت باندلاع الانتفاضة الثانية. أطاح جورج دبليو بوش بصدام حسين، فتحول مشروعه إلى مستنقع عزز نفوذ إيران. حاول باراك أوباما استثمار الربيع العربي ووقّع اتفاقًا نوويًّا مع طهران، لكن صعود تنظيم داعش وحرب سوريا عرقلا مساعيه. انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي وقُتل قاسم سليماني، لكنه ترك إيران أكثر جرأة. أما جو بايدن، فركز على تحقيق الاستقرار، ليجد نفسه في عامه الأخير يواجه تداعيات هجمات 7 أكتوبر 2023 والحرب في غزة.
يجد ترامب نفسه اليوم أمام فرص حقيقية في الشرق الأوسط، قد تمنحه نفوذًا، لكنه في المقابل قد يفاقم أزمات المنطقة، كما بدأ بالفعل عبر خفض المساعدات ودعوته لإخلاء غزة. خلال ولايته، سيعتمد مصير الشرق الأوسط إلى حد كبير على قراراته، بين اغتنام الفرص أو تبديدها باندفاعه.
ترِكة ترامب الأولى تتعلق بإيران، التي كانت لعقود في صميم أزمات الشرق الأوسط. اليوم، تبدو طهران أضعف من أي وقت منذ ثورة 1979، مع محاصرة حماس وحزب الله عسكريًّا، وفشل صواريخها الباليستية في مواجهة الدفاعات الإسرائيلية، وفقدانها السيطرة الفعلية على سوريا، التي باتت تحت تحالف مناهض لها. في حين يعاني اقتصادها من سوء الإدارة والعقوبات وتراجع أسعار النفط.
في ظل هذه الأوضاع، بدأ القادة الإيرانيون يلمحون إلى انفتاح على اتفاق نووي جديد، إذ تبدو البدائل أكثر سوءًا. انتُخب الرئيس مسعود بيزشكيان عام 2024 ببرنامج يركز على تحسين الاقتصاد، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون اتفاق مع واشنطن وتخفيف العقوبات. أما المرشد الأعلى علي خامنئي، فرغم تشدده، يدرك تراجع قدرة إيران على الردع، في مقابل استعداد أمريكي-إسرائيلي متزايد للضربات الهجومية، خاصة في ظل حكومة نتنياهو وترامب غير المتوقعة.
أبدى ترامب اهتمامًا بالاتفاق، وقد يدفعه المشهد الاستراتيجي الجديد للحصول على تنازلات إيرانية غير متوقعة، تشمل قيودًا مشددة على التخصيب النووي، وضوابط دائمة، وحدودًا على الصواريخ الباليستية والتدخل الإقليمي.
رغم ذلك، تبقى حدود للتنازلات الإيرانية، وقد يتجاوز ترامب السقف المطلوب. لكن إبرام اتفاق يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي ويحدّ من نفوذها الإقليمي يبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى. وإذا نجح ترامب في هذا، فسيتمكن من التباهي بـ«صفقة أفضل» من اتفاق أوباما، وبيعها للكونجرس.
الفرصة الثانية المتاحة لترامب في المنطقة هي إنهاء حرب غزة، التي تُعد أكبر انتكاسة للسلام والاستقرار منذ حرب العراق، وبدء عملية تحقيق الاستقرار في «اليوم التالي». فمنذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وردّ إسرائيل العنيف، غرقت غزة في مأساة غير مسبوقة. لكن وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن، الذي تم التوصل إليه في 15 يناير بعد محاولات فاشلة وبمساعدة فريق ترامب القادم، قد يوفر مسارًا لإنهاء الحرب. وبعد 15 شهرًا من الدمار، أوقفت إسرائيل العمليات الكبرى، وبدأت حماس بإطلاق سراح الرهائن، وبدأ سكان غزة بالعودة إلى ديارهم.
المرحلة الأولى من الاتفاق محدودة زمنيًّا، ولا ضمان لاستمراريتها. ويعتمد الانتقال إلى المرحلة الثانية على قرارات صعبة بشأن إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين، والسجناء الفلسطينيين، ومصير حماس. كانت صور الرهائن الهزيلين الذين أُطلق سراحهم في 8 فبراير تذكيرًا لإسرائيل بضرورة التوصل لاتفاق جديد قبل وقوع المزيد من الوفيات. وفي المقابل، تدرك حماس أن رفض الصفقة قد يكون مكلفًا، خاصة بعد تهديد ترامب بـ«الجحيم» وغياب أي دعم مرتقب من إيران أو حزب الله، مما دفعها أساسًا للموافقة على الاتفاق. إذا تمكن ترامب من تمديد الهدنة أو منع استئناف القتال، فسيكون أمامه فرصة لوضع أسس استقرار جزئي في غزة والضفة، وتمهيد الطريق لاتفاق «التطبيع» بين إسرائيل والسعودية، وتوسيع اتفاقيات أبراهام. غير أن هذا يتطلب إنهاء الحرب، إلى جانب التزام إسرائيلي بمسار يقود إلى دولة فلسطينية، وهو أمر مستبعد مع الحكومة الحالية، لكنه قد يصبح ممكنًا تحت ضغط ترامب، خاصة إذا رأى فيه فرصة للفوز بجائزة نوبل للسلام.
ورث ترامب أيضًا فرصًا في لبنان، حيث كانت آفاق البلاد قاتمة حتى قبل حرب غزة، لكنها ازدادت سوءًا مع اندلاع المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، ما أسفر عن آلاف الضحايا ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين. عانى لبنان لعقود، وتفاقمت أزمته منذ 2011 مع تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري. غير أن إضعاف حزب الله منح البلاد أخيرًا فرصة للتحرر من النفوذ الإيراني وبناء دولة أكثر استقرارًا وسيادة.
جاءت هذه الفرصة نتيجة للخسائر الفادحة التي تكبدها حزب الله منذ أن أخطأ في الانخراط بالحرب مع إسرائيل عقب هجمات 7 أكتوبر. رغم دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين لعملية عسكرية كبرى ضد الحزب، تردد نتنياهو في البداية تحت ضغط إدارة بايدن لتجنب التصعيد الإقليمي. وبحلول أواخر 2024، صعّدت إسرائيل ضرباتها ضد حزب الله، مستهدفة قادته ومقاتليه عبر عمليات اغتيال دقيقة، بما في ذلك مقتل حسن نصر الله، إضافة إلى غارات جوية دمرت بنيته التحتية العسكرية. وفي نوفمبر 2024 وافق حزب الله على وقف إطلاق النار دون شرط إنهاء حرب غزة، وسحب قواته إلى شمال الليطاني، ما أتاح انتشار آلاف الجنود اللبنانيين في منطقة عازلة بالجنوب.
كما فتح الاتفاق الباب أمام تغييرات سياسية كبرى، حيث تم انتخاب قائد الجيش السابق جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، والفقيه نواف سلام رئيسًا للوزراء، وكلاهما ملتزم بتحسين الحكم وتعزيز استقلال لبنان. لا يزال حزب الله مؤثرًا في السياسة اللبنانية، لكن نفوذه تراجع بشكل ملحوظ، لا سيما مع تزايد سخط اللبنانيين من قيادته. كما أن قدرة إيران على دعمه ضعفت بفقدانها لنفوذها في سوريا. في ظل هذه الظروف، قد تحصل الحكومة اللبنانية الجديدة على دعم سياسي واقتصادي وعسكري دولي، بما في ذلك من الولايات المتحدة. وإذا تمكن ترامب من تجاوز معارضته التقليدية للمساعدات الخارجية، فستكون لديه فرصة لتعزيز قدرات الحكومة والجيش اللبنانيين، ما قد يسهم في مزيد من تهميش حزب الله والحد من النفوذ الإيراني في لبنان.
وأخيرًا، تأتي الفرصة الأكثر إثارة للدهشة في سوريا، التي كانت واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في الشرق الأوسط على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية. فبعد سنوات من محاولات عزل بشار الأسد أو الإطاحة به، بحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد تقبلوا إلى حد كبير واقع استمرار حكمه. لكن مع انشغال العالم بأزمة غزة، ومع إضعاف إيران وروسيا بسبب صراعاتهما مع إسرائيل وأوكرانيا، وجدت المعارضة السورية، بقيادة هيئة تحرير الشام، فرصة للتحرك. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تشن الهيئة هجومها العسكري مباشرة بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، الذي منع الجماعة اللبنانية من التدخل لإنقاذ الأسد كما فعلت عام 2011 عندما كان نظامه على وشك الانهيار.
المفاجئ بنفس القدر أن هيئة تحرير الشام، التي لا تزال مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، أعلنت التزامها بحقوق الإنسان واحترام الأقليات، ونأت بنفسها عن ماضيها المتشدد. فجأة، اختفى النظام السوري الذي كان حجر الزاوية لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، وشريان الدعم لحزب الله، ومستضيفًا للقوات الروسية، ومصدرًا رئيسيًّا لتجارة المخدرات، ليحل محله احتمال قيام سوريا جديدة. ولا يزال على الرئيس الجديد، أحمد الشرع، إثبات التزامه بتحقيق تغيير حقيقي، لكن مجرد وصوله إلى الحكم كان أمرًا لا يمكن تصوره قبل أشهر فقط.
ورغم أن السياسة الأمريكية لن تكون العامل الحاسم في تحديد نجاح أو فشل الوضع في سوريا، فإن واشنطن قادرة على التأثير. فقد يقرر ترامب رفع تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية في مقابل التزامها بالحكم الرشيد والتعاون في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الإبقاء على وجود عسكري أمريكي متفق عليه في الشمال الشرقي لمنع عودة تنظيم داعش. كما قد يخفف العقوبات ويدعم الاقتصاد السوري إذا التزمت الحكومة الجديدة بإغلاق القواعد البحرية الروسية. وقد يساعد سوريا في إيجاد بدائل للحبوب والنفط لتعويض خسارة الإمدادات الروسية والإيرانية. إضافة إلى ذلك، قد يستخدم ترامب نفوذ واشنطن لدى تركيا والأكراد السوريين لتسهيل اتفاق سياسي بينهم وبين النظام الجديد في دمشق.
لا تزال التحديات والمخاطر في الشرق الأوسط هائلة، بدءًا من الحكومات الضعيفة والصراعات العرقية والطائفية، وصولًا إلى التداعيات المستمرة لحرب غزة. لكن سيكون من الخطأ تجاهل الفرص التي خلقها المشهد الاستراتيجي الجديد، والتي بدت قبل عام أو حتى بضعة أشهر فقط بعيدة المنال. ولا شك أن ترامب سيرغب في تحقيق نجاح حيث فشل غيره من الرؤساء الأمريكيين، وهو ما يجعل أي شخص مهتم بالمنطقة يأمل في أن يتمكن من اغتنام هذه الفرصة.
فيليب جوردون دبلوماسي أمريكي وباحث في العلاقات الدولية.
نشر المقال في Foreign Affairs