واشنطن- من غير المتوقع أن تعرف إدارة الرئيس دونالد ترامب موجة من الاستقالات والإقالات على غرار تلك التي عرفتها إدارته السابقة على مدار سنواتها الأربعة بين 2017-2021، والتي عكست حالة من الفوضى الكبيرة وغياب الثقة بين الرئيس ترامب وكبار وزرائه خاصة في مجال الأمن القومي.

وبلا شك كانت سنوات فترة حكم ترامب الأولى الأكثر إثارة في تاريخ أميركا الحديث، وضاعف من هذه الإثارة وصول فيروس كورونا إلى الولايات المتحدة ليقلب الأوضاع الصحية والاقتصادية والسياسية رأسا على عقب.

واليوم ومع سيطرة ترامب المطلقة على الحزب الجمهوري، ومعرفته وخبرته المتراكمة بتوازنات القوى داخل العاصمة واشنطن، وعلاقة الأجهزة الأمنية بالبيت الأبيض وغيره من مراكز صنع القرار، أصبح ترامب أكثر حنكة في اختيار وزرائه ومستشاريه بصورة تجنّبه كل ما شهدته فترة الحكم الأولى من عواصف وزوابع.

تنافس

وبسبب خلفية وتصريحات ترامب، وقفت مؤسسات الأمن القومي الأميركية الأساسية مثل وزارتي الخارجية والدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية موقف المدافع الذي يحاول لجم الرئيس ترامب. ويتحدث الكثيرون عن وقوف الدولة العميقة الأميركية في وجه الرئيس ترامب، ولكن من يفعل ذلك هم مسؤولو هذه المؤسسات الثلاثة بالأساس.

إعلان

وجاء كل من اضطر ترامب للاستعانة بهم لإدارة هذه المؤسسات من خلفيات مؤسسية بيروقراطية تفضل العمل التقليدي، وإن اضطرت للتغيير فيكون تدريجيا على العكس مما يطلبه ويأمل به الرئيس.

وخرجت شخصيات مثل الجنرال إتش آر ماكمستر، مستشار الأمن القومي السابق، أو جيمس ماتيس وزير الدفاع السابق، أو جينا هاسبل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، من عباءة الدولة الأميركية العميقة بصورة أو أخرى، إضافة للمئات من كبار المسؤولين الآخرين ممن استعان بهم الرئيس ترامب.

وأحاط ترامب نفسه بوزراء ومستشارين ممن كان لهم أهداف متناقضة. واليوم لم يعد أغلب هؤلاء ضمن فريقه؛ فقد غيّر 4 مستشارين للأمن القومي خلال سنوات حكمه الثلاث الأولى، وكذلك 3 وزراء دفاع خلال الفترة نفسها، كما غيّر 5 وزراء للأمن الداخلي.

وإضافة لتأثير أفراد عائلته، تنافست فرق من الخبراء والمستشارين للتأثير على ترامب:

أولها يمثله فريق ستيفن بانون، المستشار الإستراتيجي السابق لترامب، وركز على تنفيذ أجندة شعبوية تعرف اختصارا بـ"أميركا أولا" وضغطوا كي يقلص ترامب التزامات واشنطن حول العالم. الفريق الثاني يمثله وزيرا الخارجية والدفاع السابقان، ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، وضغطوا من أجل الحفاظ على تحالفات واشنطن الهامة التي تم تأسيسها عقب الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وضغط هذا الفريق لإقناع ترامب أن من مصلحة واشنطن الإبقاء على هذه العلاقات التي تخدم مصالح واشنطن القومية، والتي أدت لهزيمة الاتحاد السوفياتي دون قتال أثناء فترة الحرب الباردة. وفريق ثالث مثّله جيري كوهن، المستشار الاقتصادي السابق لترامب، والذي ضغط من أجل الحفاظ على النظام الاقتصادي العالمي الذي وضعت واشنطن أساساته ونتج عنها شبه سيطرة أميركية دولارية على أسواق المال والأعمال حول العالم. مقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وقد عرفت 4 وزراء في فترة ترامب الأولى (رويترز) فوضى الإقالات والاستقالات

ولأن ترامب جاء غريبا على دوائر واشنطن، لم يمتلك القدرة على الحكم على هؤلاء المسؤولين، ولا على درجة الولاء له، وهو المعيار الذي اهتم به كثيرا.

إعلان

وشغل ريكس تيلرسون منصب وزير الخارجية قبل أن يُستبدل بمايك بومبيو الذي نُقل من رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية، وخلفته جينا هاسبل على رأس الوكالة لتصبح أول سيدة تشغل هذا المنصب في تاريخه.

في حين عرف البنتاغون 4 وزراء للدفاع خلال سنوات حكم ترامب الأربعة، اضطر الجنرال جيم ماتيس، للاستقالة بسبب رفضه للكثير من سياسات ترامب، وخلفه لفترة قصيرة باتريك شانهان إلى أن اختير مارك إسبر الذي خدم لأكثر من عامين واضطر للاستقالة بعد رفض ترامب الاعتراف بنتائج انتخابات 2020، وجاء الجنرال كريستوفر ميلر ليصبح وزير دفاع بالإنابة في آخر 3 أشهر من حكم دونالد ترامب.

لكن الجهة التي عرفت أكثر درجات الفوضى والإثارة هي مجلس الأمن القومي التابع مباشرة للرئيس، إذ استقال الجنرال مايكل فلين بعد عدة أسابيع من بدء عمله نتيجة كذبه على نائب الرئيس حينذاك، مايك بينس، بخصوص التحقيقات الروسية.

ثم منح ترامب المنصب إلى الجنرال إتش آر ماكمستر، والذي أعجب به ترامب كثيرا، لكنه استقال بسبب مواقف ترامب المتناقضة. ثم جاء جون بولتون ممثلا لتيار التشدد الجمهوري في السياسة الخارجية، وأقاله ترامب لاحقا، واختار روبرت أوبراين من بعده.

ترامب خلال حفل تنصيبه الرئيس 47 للولايات المتحدة (الفرنسية) تعلم الدرس

منذ وصوله للحكم للمرة الأولى قبل 8 سنوات، زلزل ترامب منظومة الحزب الجمهوري كما عرفها الأميركيون لأكثر من 130 عاما. وعلى العكس من قيادات وتوجهات الحزب التقليدية، عارض ترامب التدخلات العسكرية الخارجية، مخالفا التراث الجمهوري الداعم للتحالفات العسكرية، وآمن بعدم وجود ضرورة لبقاء حلف الناتو، وعارض نهج الحزب تجاه فكرة الحرب، ودعا دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية للاستقلال العسكري عن الولايات المتحدة.

ورغم ذلك وحّد ترامب الجمهوريين وراء قيادته بعد مغادرته البيت الأبيض عام 2021، ونجح في تعيين 3 قضاة في المحكمة العليا وهو ما يعد بلا جدال أهم إنجازاته التي سيتذكرها الجمهوريون على مدى السنوات والعقود القادمة.

إعلان

ونجح ترامب في قيادة الحزب الجمهوري في الانتخابات الأخيرة وتمثيله على البطاقة الرئاسية دون الحاجة لخوض السباق التمهيدي مع بقية المرشحين الجمهوريين.

وبعد نجاحه الكاسح في الانتخابات الرئاسية، ومساهمته في تأمين أغلبية جمهورية لمجلسي الشيوخ والنواب، فرض ترامب اختياراته الوزارية بناء على درجة رضاه على المرشح وثقته في درجة ولائه الشخصي له.

واستكمل تشكيل فريقه للأمن القومي على النحو الآتي:

السيناتور الجمهوري من ولاية فلوريداماركو روبيو، وزيرا للخارجية. المحارب السابق ومقدم برامج بشبكة فوكس الإخبارية بيت هيغسيث، وزيرا للدفاع. النائب الجمهوري من ولاية فلوريدا مايكل والتز، مستشارا للأمن القومي. النائبة الديمقراطية السابقة من ولاية هاواي تولسي غابارد، مديرة للاستخبارات الوطنية. عضو الكونغرس السابق ومدير الاستخبارات الوطنية السابق جون راتكليف، مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه". النائبة الجمهورية من ولاية نيويورك إليز ستيفانيك، سفيرة للأمم المتحدة.

وهكذا جمع ترامب فريقا غريب الأطوار للأمن القومي، وشمل شخصيات لا يجمع بينها سوى القرب من ترامب والتعهد بتنفيذ رؤيته الغريبة لعلاقات بلادهم بالعالم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاستخبارات المرکزیة الرئیس ترامب الأمن القومی للأمن القومی من ولایة

إقرأ أيضاً:

ليبراسيون تقابل أحد مصممي فيديو غزة الذي نشره ترامب

الفيديو الشنيع الذي يُظهر غزة وهي تتحول إلى "كوت دازور" هو عمل ثنائي لمخرجين أميركيين، وفقا لصحيفة ليبراسيون الفرنسية التي قابلت أحدهما فأكد لها أنه لم يتخيل قط أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان سيتناول عملهما على حسابه على منصته تروث سوشيال.

وتقول الصحيفة في زاويتها الخاصة بالتأكد من المعلومات إن أحد المطورين للفيديو، باستخدام الذكاء الاصطناعي، نشر توضيحات بشأنه على منصة إنستغرام لكن ما نشره تم حذفه، ويبدو أن الصحيفة تمكنت من الاطلاع عليه، إذ ذكرت أنه قال في منشوره الأول: "أريد أن أتوقف لحظة لتوضيح أصل مقطع الفيديو المنتشر "ترامب غزة"، لقد تم تطويره بواسطة فنان عظيم، هو شريكي كعمل ساخر".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قائد سابق بالناتو: نهاية الحلف قد تكون وشيكةlist 2 of 2أقصر حرب في التاريخ.. 38 دقيقة 500 قتيل وجريحend of list

وفي منشور آخر على موقع إنستغرام، تم حذفه كذلك، ادعى أرييل فرومين أنه شارك في تصميم مقطع الفيديو الذي لقي رواجا واسعا للغاية والذي احتوى على صور طورت بواسطة الذكاء الاصطناعي ونشرها دونالد ترامب على شبكته الاجتماعية تروث سوشيال يوم الأربعاء 26 فبراير/شباط الماضي".

وقد لاحظت ليبراسيون أن هذا الفيديو، الذي أعيد نشره في وسائل الإعلام حول العالم، لا يظهر الآن لا في حساب أرييل فرومين (138 ألف مشترك)، ولا في حساب سولو أفيتال (10 آلاف مشترك)، ولا حتى على صفحة آي ميكس فيجوالز.

إعلان

وحسب الصحيفة فإنه، لا شك أن هذين الشخصين هما اللذان طورا فيديو "غزة-ترامب"، إذ تقول إن أرييل فرومين وسولو أفيتال زوداها بصور جلسة تحرير الفيلم الخاصة بهما، والتي تظهر تجميع لقطات التمثال الذهبي العملاق للرئيس الأميركي أو إيلون ماسك وهو يرقص تحت مطر من الأوراق النقدية عندما لا يأكل الحمص على شاطئ غزة.

وأوضحت ليبراسيون أن أرييل فرومين وسولو أفيتال ليسا مجهولين، بل هما صديقان لهما مسيرة مهنية رائعة في هوليود وملف شخصي شهير على موقع "آي إم دي بي كي"، فأرييل فرومين، 52 عاما، هو مخرج وكاتب سيناريو أميركي من أصل إسرائيلي، ولد في ضواحي تل أبيب ويعيش الآن في كاليفورنيا، وقد أخرج نحو 10 أفلام، بما في ذلك فيلم (رجل الجليد) مع راي ليوتا وجيمس فرانكو (2012).

أما "شريكه في الجريمة"، على حد تعبير ليبراسيون، فهو سولو أفيتال وهو مهندس وفنان ومخرج متخصص في التكنولوجيا الرقمية، يبلغ من العمر 57 عامًا وقد بدأ مسيرته المهنية في مجال الأفلام ثلاثية الأبعاد في إستوديوهات بابلسبيرج السينمائية في برلين، قبل أن يصنع العديد من الأفلام الوثائقية في إسرائيل، بما في ذلك فيلم (أكثر من 1000 كلمة) الذي يتابع فيه المصور الصحفي زيف كورين، الذي وثق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعمليات الجيش الإسرائيلي، وهوايته الحالية هي: استكشاف قوة الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وفي مكالمة هاتفية مع الصحيفة، يتذكر أرييل فرومين أنه قرر بعد أن سمع ترامب يتحدث عن استيلائه على غزة يوم 4 فبراير/شباط الاتصال بشريكه وعرض عليه أن يجسدا هذه الفكرة المذهلة في شريط فيديو.

وأضاف أنهما كانا قد قاما بالفعل بإعداد مقطع فيديو ساخر باستخدام الذكاء الاصطناعي عن جافين نيوسوم، حاكم كاليفورنيا الديمقراطي، وإدارته للحرائق، مشيرا إلى أنهما استخدما أداة جديدة هي أركانا، والتي توفر اتساقًا جيدًا للغاية في الشخصية.

إعلان

ويقول أرييل فرومين إنه على الرغم من أنه نشر الفيديو لفترة وجيزة على حسابه على موقع إنستغرام في 6 فبراير/شباط، فإنه قام بحذفه بسرعة ولم يكن لديه أي نية لتداوله، ليتفاجأ في 26 فبراير/شباط بأن ترامب نشره على حسابه دون أي تعليق ودون ذكر لمن طوره.

ويوضح فرومين أنه متفق مع ترامب في رؤيته لما ينبغي أن يُفعل بأهل غزة كي يخرجوا من الدمار الذي لحق بهم، لكنه كان يود لو أن الرئيس الأميركي احترم حقوق النشر.

مقالات مشابهة

  • الشعب الجمهوري: كلمة الرئيس السيسي بالقمة العربية رسمت خارطة طريق لإعادة إعمار غزة
  • مصر القومي: خطاب الرئيس بالقمة العربية يؤكد على أهمية الدور العربي للقضية الفلسطينية
  • فلسطين للأمن القومي: قمة القاهرة محطة تاريخية لمواجهة تحديات القضية الفلسطينية
  • في ذكرى احتفالها بالعيد القومي.. قنا أحبطت مخطط الفرنسيين بتقسيم مصر والشرق الأوسط لدويلات صغيرة منذ 225 عامًا
  • يقود جهود الوساطة.. هل يكون ستارمر الصوت الذي يكسر عناد ترامب؟
  • زيلينسكي يحرّم على نفسه البدلة.. ما الذي تعنيه اختيارات الرئيس الأوكراني لملابسه؟
  • الرئيس الايراني: نلتزم بتوجيهات خامنئي برفض الحوار مع واشنطن
  • روبيو: ترامب الوحيد في العالم الذي يستطيع جلب بوتين إلى طاولة المفاوضات
  • ليبراسيون تقابل أحد مصممي فيديو غزة الذي نشره ترامب
  • الرئيس الإيراني: كنا نرى الحوار مع واشنطن حلاً لكن خامنئي رفض