ضحايا واتهامات وتحقيقات في كارثة بولو بتركيا.. إليك التفاصيل
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
إسطنبول – في واحدة من أسوأ الكوارث التي شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة، لقي 79 شخصا مصرعهم وأُصيب عشرات جراء حريق اندلع في فندق بمنتجع كارتال كايا للتزلج بولاية بولو في شمال غربي البلاد.
الحادثة التي وقعت في ذروة موسم السياحة الشتوي أثارت صدمة واسعة بين المواطنين ووضعت علامات استفهام حول معايير السلامة في المنشآت السياحية.
فكان ذلك سببا في تعالي الأصوات المطالبة بفتح تحقيق شامل وتحديد المتسببين في الكارثة التي جاءت لتكشف عن أوجه القصور في الرقابة والسلامة العامة.
تفاصيل الحادث
فجر يوم أمس الأول، اندلع حريق هائل في مطعم فندق "غراند كارتال" المكون من 12 طابقا، وكان مكتظا بـ238 نزيلا، معظمهم عائلات يقضون عطلة نصف السنة الدراسية، وذلك ما جعل الكارثة أكثر وقعا.
بدأ الحريق في الطابق الرابع حيث يقع المطعم، وسرعان ما امتدت النيران إلى الطوابق العليا بفعل الرياح القوية وتصميم الفندق الذي يعتمد بشكل كبير على الخشب في الجدران والأسقف، مما عزز من سرعة انتشار الحريق.
ووفقا للتقارير الأولية وشهادات الناجين، لم يعمل نظام إنذار الحريق، وهو ما أدى إلى حالة من الفوضى داخل الفندق، كما اضطر النزلاء إلى التحرك عبر ممرات مظلمة ومملوءة بالدخان الكثيف، بينما لجأ آخرون إلى القفز من النوافذ أو استخدام أغطية الأسرّة كحبال للهروب.
إعلانواستغرقت فرق الإطفاء من عدة محافظات حوالي 40 إلى 45 دقيقة للوصول إلى الفندق، نظرا لموقعه الجبلي الصعب، وهو ما منح النيران الوقت الكافي للانتشار والسيطرة على المبنى.
ورغم تعبئة 156 سيارة إطفاء و428 عنصرا من فرق الإنقاذ والإطفاء، احتاجت السيطرة على الحريق مدة 10 ساعات، وسط ظروف صعبة بسبب طبيعة المبنى.
أما عن أسباب الحريق، فلا تزال موضع تحقيق مستمر، إذ تشير بعض الفرضيات إلى حدوث ماس كهربائي أو تسرب غاز في المطبخ، لكن تقريرا سابقا لإدارة الإطفاء كان قد حذر من وجود مواد قابلة للاشتعال داخل الفندق.
وفي أعقاب الكارثة، أظهرت تركيا تضامنا واسعا مع الضحايا، فقد أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أمس الأربعاء يوم حداد وطني وتعهد بمحاسبة المتورطين، وشارك في جنازات ضحايا بمدينة بولو، بينما واصلت فرق الطوارئ عملها لتحديد هوية باقي الضحايا باستخدام اختبارات الحمض النووي.
من جانبه، أعلن وزير العدل التركي يلماز تونج أن السلطات احتجزت 11 شخصا في إطار التحقيق، وذكر أن أحد نواب رئيس بلدية بولو ومدير إدارة الإطفاء في البلدية ومالك الفندق ومديره من بين المحتجزين، بينما صدر قرار قضائي بهدم الفندق.
في السياق، أكد مصدر في وزارة الداخلية التركية -فضل عدم الكشف عن هويته- انتهاء اختبار عينات الحمض النووي للتعرف على الضحايا، وارتفاع الحصيلة النهائية للوفيات إلى 79 شخصا. وأضاف أن 39 من أصل 51 مصابا قد تماثلوا للشفاء وغادروا المستشفيات، في حين لا يزال 12 مصابا يتلقون العلاج.
وأشار المصدر -الذي تحدث للجزيرة نت- إلى أن مكتب المدعي العام في بولو، بالتعاون مع فريق مكون من 6 مدعين عامين و7 خبراء متخصصين، يواصل التحقيق في الحادثة للكشف عن جميع ملابساتها. وأكد أن التعليمات الرسمية تنص على ملاحقة كل من يثبت تورطه أو الاشتباه في صلته بالحريق.
إعلان كارثة ضخمةوصف الخبير في إدارة الأزمات السياحية خورشيد يورولماز -في حديث للجزيرة نت- الحريق بأنه "أزمة خطيرة تكشف عن ضعف بنيوي في معايير الأمان داخل القطاع السياحي التركي"، موضحا أن الكارثة أظهرت قصورا واضحا في أنظمة الحماية والإخلاء، حيث غابت مسارات الهروب الآمنة ولم تعمل أنظمة الإنذار كما ينبغي.
وأضاف يورولماز "في منشآت بهذا الحجم، يجب أن تكون أنظمة الحماية من الحرائق مصممة بحيث تستجيب فوريا، بما في ذلك أجهزة استشعار الحريق، وأنظمة الرش التلقائي، والإشارات الصوتية والبصرية التي تُوجّه النزلاء نحو مخارج الطوارئ".
وحسب الخبير، فإن تأخر فرق الإطفاء في الوصول إلى موقع الحريق يعكس تحديات إضافية في إدارة الأزمات، لكنه شدد على أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الجهات المعنية بضمان مطابقة المنشآت للمعايير الدولية.
وختم يورولماز حديثه بالقول إن "هذه الكارثة تمثل جرس إنذار للقطاع السياحي بأكمله، وضرورة لإعادة النظر في تطبيق معايير السلامة وإجراءات الرقابة على المنشآت".
أثار الحريق تبادلا حادا للاتهامات حول المسؤولية عن الكارثة بين وزير الثقافة والسياحة التركي محمد نوري أرصوي ورئيس بلدية بولو تانجو أوزجان.
فمن جانبه، نفى أوزجان أي مسؤولية لبلديته عن الحادث، مؤكدا أن الفندق يقع خارج الحدود الإدارية المباشرة للبلدية بل تحت إشراف وزارة السياحة. وأشار إلى أن آخر تقرير تفتيش أصدرته البلدية بشأن الفندق كان في عام 2007، ولم يتم إجراء أي تفتيش جديد منذ ذلك الحين.
وأضاف في مؤتمر صحفي أن "البلدية قامت في ديسمبر/كانون الأول 2024 بزيارة تفتيشية بناء على طلب من الفندق، وخلصت إلى وجود مخالفات في معايير السلامة من الحرائق. ومع ذلك، ألغى الفندق طلبه لاحقا وحصل على شهادة مطابقة من شركة معتمدة من الوزارة".
إعلانفي المقابل، أكد أرصوي أن البلدية هي المسؤولة عن عمليات التفتيش الدورية على أنظمة الحماية من الحرائق، بموجب اللوائح المعمول بها. وأوضح أن الفندق حصل على شهادات سلامة في عامي 2021 و2024 خلال تفتيش أجرته الوزارة، ولم تكن هناك تقارير تشير إلى مخالفات، مضيفا أن "البلدية لم تقدم أي تقارير تفيد بوجود مشكلة في الفندق، ونحن نتحمل مسؤوليتنا في إطار القوانين".
وذكرت صحيفة صباح أن سادات غولنير، نائب رئيس بلدية بولو وأحد أقارب تانجو أوزجان، وقع تقريرا يمنح أحد مقاهي الفندق شهادة مطابقة للسلامة رغم المخالفات، الأمر الذي أدى إلى اعتقال غولنير إلى جانب 10 آخرين، من بينهم مالك الفندق ومديروه التنفيذيون.
وكشفت الصحيفة أن البلدية أصدرت شهادة "مطابقة للسلامة" للفندق بعد أيام فقط من تقرير أولي أكد عدم كفاية التدابير المتخذة ضد الحرائق. وأشارت إلى أن هذا التلاعب في الوثائق كان بإيعاز مباشر من غولنير، وهو ما يعكس، وفق الصحيفة، تواطؤا واضحا في تسهيل وقوع الكارثة.
وفي ظل هذا التوتر، دعا أوزجان وزير السياحة للاستقالة، متهما الوزارة بمحاولة تحميل البلدية مسؤولية الحادث. في المقابل، أكد الوزير أرصوي أن الفندق يمتلك جميع التصاريح القانونية المطلوبة وأن الوزارة أوفت بواجباتها الرقابية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
مصير الحماية المؤقتة الممنوحة للاجئين السوريين بتركيا بعد سقوط الأسد
دمشق- يقيم اللاجئ السوري عبد الرحمن المحمد في جنوبي تركيا، وأكد أنه يفضل البقاء فيها الوقت الحالي رغم حنينه واشتياقه لوطنه، مشيرا إلى أنه أسس شركة لتقديم الخدمات الإعلانية ويعيش حالة استقرار مادي واندماج مع محيطه من الأتراك عبر إتقانه اللغة.
وقال المحمد للجزيرة نت إن لديه مخاوف من أن يتم إلغاء نظام الحماية المؤقتة ويُجبر السوريون على العودة خلال الفترة المقبلة، معربا عن أمله أن تكون تصريحات الحكومة التركية عن احتضان الراغبين بالبقاء منهم جدية.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في الوقت الحالي نحو مليونين و935 ألفا، وفق تصريحات رسمية لوزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، مع ترجيحات بانخفاض العدد تزامنا مع العودة الطوعية إلى ديارهم.
ترقبويترقب عدد منهم مصيرهم، إذ يتداولون إشاعات عن إمكانية إلغاء هذا النظام في نهاية يونيو/ حزيران المقبل، مع ربط ذلك بسقوط نظام الأسد وانتفاء سبب هذا النظام.
في وقت تصاعدت فيه أعداد العائدين إلى دمشق عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، يعتزم لاجئون سوريون الاستقرار في تركيا، مستفيدين من مناخ الترحيب الذي عبرت عنه الحكومة التركية من خلال تصريحات رسمية تؤكد عدم إجبار أي منهم على العودة، في حين تقدم تسهيلات عدة للراغبين في ذلك.
إعلانويُرجع لاجئون رغبتهم بالبقاء في تركيا لأسباب اقتصادية وأمنية، من أبرزها عدم امتلاكهم منازل في وطنهم الأم، وغياب فرص العمل وصعوبة المعيشة وغلاء الأسعار، فضلا عن مخاوف أمنية من حالة عدم الاستقرار.
بدوره، يعتقد اللاجئ السوري المقيم في إسطنبول عبد الرحمن الططري أن شروط العودة إلى دمشق "غير متوفرة لديه"، مؤكدا للجزيرة نت أنه قام ببناء حياة جديدة له منذ أكثر من عقد من الزمن في تركيا، ويفضل التريث في حسم مسألة مغادرته إلى دياره.
ويقول مراقبون ومحللون سوريون وأتراك إن أنقرة تدرك أن فئة من السوريين تفضل البقاء في الوقت الحالي، لافتين إلى أنه ليس من مصلحة تركيا رحيل معظم اللاجئين، لا سيما من أصحاب المشاريع والكفاءات.
في السياق، أكد محمد أكتع، المدير العام لمنبر منظمات المجتمع المدني في تركيا، أن أنقرة منحت للاجئين السوريين حق زيارة بلادهم 3 مرات مؤخرا بهدف تشجيعهم على العودة الطوعية بعد سقوط نظام الأسد، مشددا على أن هذه الزيارات ليست مشروطة بالعودة، ويحق لمن ذهب أن يعود ويبقى تحت نظام الحماية المؤقتة.
وحول مصير نظام الحماية المؤقتة للسوريين الباقين في تركيا، قال أكتع للجزيرة نت إنه تم طرح أفكار قبيل سقوط الأسد باستبدال هذا النظام بالإقامات، لافتا إلى أن الموضوع يناقش بشكل جدي اليوم.
ورجح استدعاء السوريين الباقين في تركيا خلال المرحلة المقبلة للتقديم على طلب الإقامة في البلاد بشكل رسمي، مع توضيح أسبابها، سواء كانت إقامة سياحية أم عملا أو دراسة.
البطاقة الزرقاءوسيعود معظم السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا إلى سوريا، ولكن يمكن توقع بقاء الكثير منهم، وفق محلل السياسة الخارجية والأمن في أنقرة عمر أوزكيزيلجيك، قائلا إن أنقرة "أنشأت رابطة مع اللاجئين ستستمر سواء عادوا أم لا".
إعلانوأشار أوزكيزيلجيك -في حديث للجزيرة نت- إلى ضرورة إيجاد وضع قانوني جديد للاجئين السوريين في تركيا، وللذين عادوا بالفعل وسيرجعون، مقترحا منحهم البطاقة الزرقاء كبديل واقعي عن الحماية المؤقتة.
وأوضح أن هذه البطاقة تُمنح للأتراك الذين تنازلوا عن الجنسية التركية بموجب المادة 28 من قانون الجنسية التركية رقم 5901، وتُعطي لحاملها رقم هوية تركيا بدلا عن رقم الهوية الأجنبية التي تبدأ برقمي "99"، ويمكن لهم بموجبها العيش في تركيا وامتلاك العقارات والعمل والإقامة دون تصريح.
ووفق أوزكيزيلجيك، فإن السوريين إن حصلوا عليها سيُعاملون كالأتراك عند الحصول على خدمات الهاتف والكهرباء والماء والغاز الطبيعي، كما يتم دفع اشتراكات الضمان الاجتماعي لهم ويمكنهم الاستفادة من الخدمات الصحية كالأتراك، لكن لا يمكنهم التصويت في الانتخابات، ولا يمكنهم أن يصبحوا موظفين حكوميين، ولا يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية.