لجريدة عمان:
2025-03-16@00:08:07 GMT

الوطن ليس شعارا.. والمسؤولية ليست أغنية

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

تتشابك خيوط الحياة الواقعية وتتعقد تعاملاتها يوما بعد يوم وعاما بعد آخر، ولا تخلو حياة الإنسان اليومية من منغصات وتحديات تعطي للسعي المخلص محفزات، وللمسؤولية الفردية منافذها، وكذلك الأمر بالنسبة للأوطان والشعوب فليس الوطن ختم جواز سفر أو شجرة عائلة نباهي بها وحسب، ولا ينبغي أن تصبح المواطنة شعارات نظرية مكرورة، أو أن تمسي المسؤولية المجتمعية مجرد أغنية معادة، وكما يُمتحن صدق المرء أوان الابتلاء تُمتحن المواطنة الحقَّة أوانَ الأزمات والتحديات لا أوان الرغدِ والرخاء.

في الأزمات وحدها تظهر أهمية اعتناق المسؤولية المجتمعية التي تبدأ من الفرد مرورا بالجماعات وانتهاء بالمؤسسات أو الشركات صغرت أم كبرت، هنا فقط نتبيّن فكرة التكافل الاجتماعي ونسعد باعتناقنا جميعا فكرة المسؤولية وتجسيرنا جميعا لعلاقة الفرد بغيره من الأفراد، ثم علاقته بمجتمعه.

تروم المقالة طرحَ عدة أسئلةٍ نلمس خلالها معنى المسؤولية المجتمعية المتكئة على صدق المواطنة، ولنأخذ مثالا واقعيا كأزمة «الباحثين عن عمل» لاختبار صدق مواطنتنا بعيدا عن الشعارات والأغاني المستهلكة، تأتي بداية الاختبار في الشعور قبل ترجمة السلوك؛ فهل تشعر وأنت المواطن الحاصل على وظيفة بأزمة الباحثين عن عمل ممن يعيشون حولك؟ وإن شعرت فإلى أي درجة تشعر بمسؤوليتك في المساهمة لحل هذه الأزمة؟ هل تعتبر جهدك وطاقتك ورأيك ومقترحاتك مؤثرات إيجابية تساهم في حل هذه الأزمة؟ هل فكرت في شاب امتلأ أملا وطموحا، داعما طموحه تعليما لسنوات من عمره وانتظار أهله وهنا على وهن، ثم رافدا ذلك تحصيلا معرفيا ومهاريا حتى انتهى به الأمر لقطار الانتظار البطيء (وربما يراه البعض معطّلا)؟ هل فكرت فيه وهو يكابد أسئلة المحيطين كل يوم؛ ألم تعمل بعد؟ هل تزوجت؟ كم عمرك؟ متى تعمل؟ متى تبني بيتا؟ من أين تنفق؟ أيعقل أنك مهندس بلا وظيفة؟ طبيب بلا عمل؟ خريج دون دخل ثابت أو حتى مؤقت؟ كل هذه الأسئلة القاتلة في مجتمع يعيش دوائر اجتماعية متصلة تؤمن لقرون بمسؤولية الفرد تجاه أسرته وعائلته ومجتمعه ليجد هذا الفرد المتعب نفسه في دوامة مواجهة كل هذه الدائرة الخانقة دون مبررات ودون تعليل سوى الانتظار والأمل الذي يخفت عاما بعد آخر؟ هل فكرت فيما قد يحتاجه ولا يملك ثمنه من متطلبات يومية عابرة بعيدا عن أحلامه ومشاعره ورؤاه؟

هل فكرت في كل ذلك أم أنك استرحت لفكرة اكتفائك أنت في مساحة آمنة حيث الوظيفة واستقرارها؟ دون أن يرد في ذهنك أن ذلك الشاب قد يكون أخا أو قريبا وقد يكون جهده وتحصيله وكفاءته أضعاف ما لدى كثير من الموظفين حاليا ولكنها طاقات معطّلة ومهارات غير مستغلة، وإن لم يكن ذلك فتعمّق أكثر يا رعاك الله إن تراكمت أعداد الباحثين وتعقدت أزمتهم أن يتغير بك الحال وترى حفيدك بعد عقود في دائرتهم وضمن معاناتهم دون أن تملك حينها ما قد تملك اليوم من قدرة على حلحلة الأزمة، وقد تستريح لفكرة أخرى إن لم تكن من كل أولئك مربِّتا على كتف ثروة تحسبها لا تنفد، وغنى تظنه لا يبيد فلا يرمش لك جفن ولا يكدر صفوك أمرهم متناسيا أنك أورثت أبناءك الثروة دون المسؤولية والعقار دون الانتماء وأن لا ضمانات تقيك مع أبنائك وأحفادك تحوّل الحال، ولست وثرواتك في مأمن إن فقدت شعورك بالآخرين، وتجاهلت مسؤوليتك تجاه الأرض التي أنجزتك ما وعدتك، ولم تفها ما وعدتها.

فكّر في غيرك ولا تنس قدرتك على المساهمة بتجاوز تحديات وطنك حين يتعاظم شعورك بالمسؤولية تجاه من لا يملكون ما تملك، فإن كنت موظفا عاما في موقع إدارة قسم أو مسؤولية قطاع تذكر أنك تملك سلطة تمكنك من تدريب مجاني لمجموعات من الشباب يمنحهم الخبرة التي تؤهلهم للمستقبل وتبعدهم عن شبح البطالة وترفد أوقاتهم بالمفيد من العمل، والممكن من علاقات قد تسهم في خلق فرص وظيفية أو حياتية أرحب، فكر في غيرك وضع المواطن أولا في حسابات حاجات قسمك، وموارد قطاعك سواء كنت في مؤسسة حكومية أو خاصة متأكدا أن بقدر عطائك تضاعف عطاءهم وبقدر دعمك ترسخ إبداعهم لك قائدا لا مجرد مدير، وللمؤسسة انتماء وليس وظيفة، فكّر بغيرك وأنت تملك تمكين موظفيك الأكثر خبرة ومهارة من الإحلال في الوظائف القيادية دون أن تصاب بالغيرة أو تشعر بالحسد الناتجين عن عدم ثقة وضعف كفاءة، فكر بغيرك وأنت توقف وتعطل «لوبيات» التنفذ والتسلط على الشباب العمانيين من غيرهم مستحضرا في ذهنك حكاية «أكلت حين أكل الثور الأبيض» وما تصنعه من إعانة الغير على أخيك اليوم ستجده مضاعفا غدا ، فكر بغيرك وأنت تعينهم على فتح مشاريع صغيرة أو متوسطة لتمكينهم من الحياة والأحلام بعيدا عن احتكار الكبار وتسلطهم، وتمكين وطنك من الإفادة منهم، لا أن تخترع معوقات وتبتكر صعوبات تحول بينهم وبين الممكن من أسباب الأمل ومنافذ الطموح الحر.

فكر بغيرك وأنت تضع وطنا كاملا نصب عينيك متخذا من نفسك عضوا في فريق متكامل وظيفته العمل المخلص، والمتابعة الحثيثة لكل ما من شأنه حلحلة هذه الأزمة دون سلبية التجاهل، أو اتكالية الكسل، فريق يعمل بإخلاص ومكافأته التي لا تنتهي ولا تنفد هي الاحتفاء بالتكامل الوظيفي والتكافل المجتمعي فما نزرعه اليوم نحصده غدا، وكل أفواج الباحثين عن عمل من الشباب طاقات يمكن أن تكون ثروة نعوّل عليها مستقبلا لخدمة هذا الوطن العزيز، كما يمكنها أن تشكِّل قنبلة موقوتة اقتصاديا واجتماعيا إن تعقدت مع التجاهل والتهميش.

فكّر بغيرك مجتمعا متكاملا ولنفكر جميعا في عمان وطنا عَبَرَ تحدياتٍ تاريخية، وتجاوز أزمات معاصرة ولن ينوء -يقينا- بحمل مستقبل أبنائه وأحلامهم وهم مورده الأغلى ورهانه الأسمى لمستقبل مأمول يليق بعمان وشعبها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

رسالة إلى المرأة في شهر رمضان

أخيّتي في الله، نكتُب لكِ كلمات تخرج من القلب تنبض خوفًا عليكِ، فوالله إننا نخشى عليك فلتستمعي إلي.

ودعينا نتساءل يا أخيتي: كم مرة ضاعت منك مواسم الطاعة، وابتعدتِ عن التلذذ بالعبادات فيها. وتركتِ عطايا وكنوز ربِّ العباد تذهب من بين يديك، تتبخر أمامك وأنتِ منشغلة؟. نعجب منك يا أخيّتي حين يضيع منك شهر النفحات والحسنات.

ثلاثون يومًا تعملين فيها على طهي أنواع كثيرة من الطعام، ومتنقلة في الأسواق. نائمة في أشد الأوقات جمالًا، غافلة وناسية حتى عن ترديد أذكار صباحك ومسائك، بائعة ومعطية ظهرك لفيض الحسنات.

الثواني تعقبها الدقائق، والدقائق تعقبها الساعات، والساعات تعقبها الأيام. وها أنت تخرجين من هذا الشهر خاوية الوثاق!.

يا أخيتي هل تضمنين أن تستمر حياتك إلى العام القادم لتمحي سيئات ما مضى من سنين حياتك؟.

لا تعلمين كم مرة كنتِ فيها مذنبة، ومن منا بلا سيئات أو ذنوب، ولكننا نستغل عطايا الرحمن في هذا الموسم - الذي هو من أهم مواسم الطاعة والخير -.

لنغتسل فيه من ذنوب نعرِفها، وذنوب طُمِست بداخلنا وكانت في طي النسيان. فما عدنا حتى نستغفر منها، ولكن ما عند الله لا يُنسى، وكل شيء عنده في كتاب.

أُخيَّتي، قد أعطاك الله الحياة اليوم،فأحسني العيش فيها، وليكن انقضاؤها في طاعة. واللهِ إن جنة ربك غالية فهل ستبيعينها وتتركين تنوُّع الطعام يُلهيك عنها؟.

يكفيك من إعداد الطعام القليل،فشهر رمضان شهر عبادة وطاعة، شهر غذاء الأرواح وليس شهر غذاء البطون.

قال صلى الله عليه وسلم: “ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شرًّا من البطن، فإنْ كان لا بد فثُلُثٌ للطعام، وثُلُثٌ للشراب، وثُلُثٌ للنَّفَس”.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يكفي ابن آدم لُقيمات يُقِمْنَ صُلبَه، ولا يُلام على كفاف”.

رمضان ليس لتنوع الطعام والشراب والملبس، فكثرة الطعام تمرض البدن حيث قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾.

والإسراف في المأكل تحريك لشهوات البطن، وازدياد في الكسل وزيادة في الأمراض، وإعراض عن أداء العبادات. والإسراف في الملبس هو تحريك لشهوة الكبر في قلب الإنسان.

فلتغتنمي وقت إعداد طعامك في الذكر والتسبيح والاستغفار، لتكن صلاتك في موعدها مؤديّة لها بخشوع. ولتقرئي وِردَكِ من القرآن بتدبر، ولتتركي العنان لدموعك. لتتفاعلي مع معاني الآيات القرآنية العظيمة،فلكل آية رسالة من رب العباد تقرِّبك من خالقك أكثر فأكثر.

استمعي لدروس أحد الشيوخ والدعاة المفضَّلين لديك، ليزيد من ترقيق قلبك، ولتتعايشي مع أسرتك في جو رمضاني جميل. ولتملئيه بأطيب العبادات.

ولتكن هناك مسابقة في بيتك على الاجتهاد في العبادة والطاعة، فما أعظمه من شهر! وما أجمله من لقاء!. لذا فلتَغتنمي اليوم ولتحييه بالتفكير في كيفية التنويع في عباداتك أنت وأسرتك.

ضَعي غاليتي خُطتك هذا العام على ورقة، ولتضعي لها عنونًا ولتخطيه بكل ثقة وقوة. ولترددي على مسامعك بصوت عالٍ وتقولي: سأعبد الله واجتهد في طاعته كما لم أجتهد من قبلُ.

وليكن هذا هو شعارك من الآن، ولتشجعي نفسك، وشُدي من أزرها، ولا تلقي بها إلى التهلكة. واحذري أن ترتدي ثوب الطاعة في رمضان، ثم يأتي العيد فتتطاير أعمالك وتأخذها رياح الفتن.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اطلعتُ في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء”.

فاحذَري يا أَمَةَ الله أن تكوني منهم، من أجل أشياء ستشهد عليكِ فتأتي عباداتك التي ضيَّعتِها في نهار وليل رمضان. تشهد عليكِ وتقول: لقد ضيَّعتْني وتركتني من أجل طعام البطون، وكانت تكفيك لُقيمات صغيرة.

تشهد عليكِ صلاتك وأنتِ تاركة للفرض، يأتي عليك الفرض وأنتِ تعدين ما لذ وطاب.

تشهد عليكِ صدقتك وأنتِ تسرفين في شراء المشتريات، وقد نسيتِ إخراج صدقة يومك.

ويشهد عليكِ ليلُك وقد ضيَّعتِ قيامه وقرآنه، وأنتِ إما متعبة ومنهكة، أو متابعة للصوص رمضان، متتبعة لكل ما يُعرض على شاشات التلفاز.

سيشهد عليكِ الذكر والتسبيح والاستغفار – وهي عبادات يسيرة – أنك لم تكوني مؤدية لها وغافلة عنها.

احذري أُخيتي من تضييع الفرص، فتتابع عليك سنوات عمرك وقد ضاعت فيما لا يفيد.

احذري من تضييع رمضان ومواسم الطاعة، فلن يفيد الندم وأنتِ تقرئين صحيفتك وتنظرين فيها. وتظلين تبحثين عن عباداتك؛ سواء كانت في رمضان، أم غيرها من الأيام.

اعقدي وجدِّدي النية من الآن أن رمضان هذا العام سيكون الأجمل لك، وبداية مولد جديد لقلبك، بداية التغيير. بداية لتنقية نفسك من ذنوب ما مضى.

فليكن رمضان بوابة العبور للالتزام، ليكن رمضان النور الذي جاء ليُبدد ظلام سنوات من الغفلة. ردِّدي بداخلك: ما أجمل صحيفتي وهي ممتلئة بأعمالي الصالحة.

احذري ثم احذري ضياع أيام معدودات، فاغتنميها أُخيّتي تفتح لك أبواب الجنة في الآخرة، وأبواب الرّخاء والسعادة في الدنيا.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • ما وضع القوات الأوكرانية في كورسك وهل تملك تنفيذ هجوم مضاد؟
  • «الأمومة والطفولة» يعلن «الحق في الهُوية والثقافة الوطنية» شعاراً ليوم الطفل الإماراتي 2025
  • رسالة إلى المرأة في شهر رمضان
  • بيبسيكو مصر تحصد جائزة "أثر" في الاستدامة والمسؤولية المجتمعية
  • مصطفى عنبه: أحمد سعد استفاد أكثر مننا من نجاح أغنية سكوت
  • أمير طعيمة: قدمت 200 أغنية دون أي مقابل مادي |فيديو
  • رسائل عيد الأم للأمهات الجدد
  • طهران تستذكر مجزرة صدّام بـعملية كربلاء وتحمل واشنطن المسؤولية
  • إجابة سؤال مدفع رمضان الحلقة 13 .. كم أغنية اشتغلت في الحلقة؟
  • هآرتس: إسرائيل لا تملك القدرة على فرض حاكم آخر على غزة