احتفت افتتاحية هذه الجريدة الأسبوع الماضي بخريجي دبلوم التعليم العام الذين سينخرطون في الدراسة الجامعية باعتبارهم مشاريع علماء ومفكرين ومهندسين وفنانين سيكونون بعد سنوات قليلة هم من يوقد شعلة التقدم في هذا الوطن العزيز.

وفي الحديث عن مرحلة التعليم العالي فهو مسار يستحق الكثير من التركيز نظرا لأهميته البالغة، والابتعاث في الجامعات العالمية يتجاوز موضوع إعداد الطلبة علميا إلى كونه مظهرا من مظاهر التبادل الثقافي، وجسرا من جسور المعرفة العالمية، عبره يمكن إعداد كوادر بشرية متمكنة علميا ولكنها أيضا مطّلعة عن قرب على تجارب الأمم والشعوب الأخرى في مختلف مجالات الحياة.

. ولا يكفي أن نتحدث عن تطور الأمم الأخرى وتجاربها الحياتية والعلمية والتحولات التي شهدتها عبر الأزمنة التاريخية من بعيد، لا بد أن نقترب منها ونقرأ تجربتها بناء على فهم اجتماعي وثقافي لتلك التجارب. فالتجارب العلمية المتقدمة لا تكون منفصلة أبدا عن تطور المجتمع وعن قضاياه.

إن فكرة البعثات العلمية للجامعات الدولية فكرة ضرورية لأي مجتمع حتى لو توفرت الجامعات المحلية القوية.. العالم يتقدم بخطى متسارعة ووقود تقدمه في مؤسساته الجامعية. بل إن قدرتنا على فهم الآخر حتى فيما نعتقد أنه تراجع قيمي وأخلاقي يمكن أن تفهم سياقاته في المؤسسات الجامعية أكبر مما نراه في النتيجة النهائية على أرض الواقع.

إن أفضل الجامعات العالمية ليست مجرد مراكز للتميز الأكاديمي؛ بل هي بالضرورة مكان لفهم أعمق للعالم من حولنا ومسارات مستقبله ومكان مهم لقراءة خبرات متعددة الثقافات.

وإذا كانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار قد نظمت أمس لقاء تعريفيا للطلبة العمانيين المقبولين في البعثات والمنح بالجامعات الدولية فإن من الواجب التأكيد لهؤلاء الطلبة أن دورهم لا يقتصر فقط في اكتساب المعرفة العلمية فقط على أهميتها ومركزيتها في مرحلتهم ولكنهم مطالبون، أيضا، بفهم الآخر وفهم ثقافته وفهم مسارات تلك الثقافة عبر التاريخ إضافة إلى فهم المسارات الجديدة للتقدم الذي يشهده العالم من حولنا. والمنتظَر عند عودة هذه النخبة من الطلبة أن لا يعودوا بمجرد الشهادة العلمية ولكن بأفكار جديدة يمكن أن تصنع التحولات في مختلف القطاعات بالبلاد.

وبالنظر إلى أهمية البعثات التعليمية في مختلف الجامعات الكبرى بالعالم فإن الطموح يكبر مع زيادة الأعداد خلال السنوات القادمة، وهذا الأمر أو التوجه لا يبعث، فقط، برسالة قوية حول التزام سلطنة عُمان تجاه شبابها وتعليمه، بل يعمل أيضًا كاستثمار استراتيجي من أجل المستقبل. يجب إعطاء الأولوية للتخصصات الحديثة، التي غالبًا ما تكون في طليعة التحديات والفرص العالمية. ومن خلال ذلك، تضمن بلادنا أن قوتها العاملة المستقبلية ليست فقط متعلمة جيدًا ولكن أيضًا على دراية جيدة بأحدث الاتجاهات والتقنيات العالمية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي والسياسة.. عندما يُسيطر أحدهما على الآخر؟

 

 

 

مؤيد الزعبي

من أكثر الأمور المُحيِّرة؛ من سيسيطر على الآخر: الذكاء الاصطناعي أم السياسة؟ وماذا لو سيطر الذكاء الاصطناعي على السياسة؟ وماذا لو سيطرت السياسة على الذكاء الاصطناعي؟ ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أنني قد أميل قليلًا إلى فكرة أن يسيطر الذكاء الاصطناعي على السياسة بدلًا من العكس، فبوجهة نظري التي قد لا تُعجب البعض، أعتقد أنني أثق في الذكاء الاصطناعي "الخالص" ولا أثق في تطويع الذكاء الاصطناعي لخدمة الأغراض السياسية، ففي النهاية عندما يفهم الذكاء الاصطناعي فهمًا عميقًا لما نحتاجه كبشر، سيختار أن ننعم بحياة جميلة، بينما السياسة دائمًا ما ستفضل جانبًا أو مجموعة على حساب مجموعة أخرى.

بالنسبة لي، ليس مهمًا أن أجيب على تساؤل "من سيسيطر في المستقبل؛ الذكاء الاصطناعي أم السياسة؟" بقدر ما أن معرفة الإجابة الأهم هي: في حال سيطر أحدهما على الآخر، كيف سيكون شكل الحياة على كوكبنا؟ وفي حال تم توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة أجندات سياسية، فلِك أن تتخيل كيف سيبتكر هذا المارد طرقًا عسكرية وإقصائية لتفوز بها على منافسيك، حينها لا تقل لي بأننا كبشر ابتكرنا قنبلة ذرية لنفوز بمعاركنا، فما سيخترعه لنا الذكاء الاصطناعي أقوى بكثير من ذلك. فهو قادر على توظيف ذكائه لكي يُبِيدَنا وينهي وجودنا، وسيبتكر لنا كل يوم سلاحًا جديدًا، سواء كان بيولوجيًا أو ذريًا أو حتى فضائيًا. فالحدود غير معروفة أمام ذكاء سيفكر في كل الاحتمالات وكل القدرات ليخلق لك ما هو أكثر فتكًا ومرعبًا. وفي كل مرة يبتكر شيئًا مرعبًا، سيطور من قدراته ليجد لك ما هو أكثر مرعبا وأكثر دمارًا.

قد يقول البعض إن السياسة ستسيطر على الذكاء الاصطناعي، وهذا أمر محتوم، ولنا في السياسة تجارب كثيرة في تطويع كل ما بحوزتها لخدمة مصالحها؛ لكن ماذا لو قلت لك أننا الآن أمام لعبة مغايرة؛ لعبة الذكاء فيها ليس ذكاء بشري؛ بل ذكاء اصطناعي. وطالما أن هذا الذكاء ليس مرتبطًا بعواطف أو ميول أو اتجاه معين، فبكل تأكيد سيختار ما هو مناسب لنا جميعًا. ولكن الذكاء البشري دائمًا ما يكون منحازًا لفكرة أن هناك من هم أفضل من الآخرين، هناك مجموعة تستحق ما لا يستحقه الآخرون، وهناك جنس معين أفضل من الجميع، وهناك مصلحة عليا تقتضي أن نتخلص من فئة على حساب فئة أخرى. وهناك بالطبع غاية تسير وفق نظرية المفكر والفيلسوف والسياسي الإيطالي نيكولو ميكافيلي: "الغاية تبرر الوسيلة".

نحن الآن مقبلون على مرحلة بات فيها الذكاء الاصطناعي قادرًا على مخاطبة ذكاء اصطناعي آخر، وعلى تطوير نفسه بنفسه أو برمجة نفسه بنفسه. وطالما وصلنا إلى هنا، فلا أستبعد أن نجد الذكاء الاصطناعي سياسيًا صاحب سلطة حقيقية في قادم السنوات، خصوصًا وأن الأنظمة السياسية العالمية قد بدأت في إدخاله غرف الاجتماعات وأجلسته على طاولة المفاوضات. وفي قادم السنوات، سنجده يوقع على عرائض القرارات. ومهما طال هذا الوقت أو قصر، إلّا أننا سنصل إلى يوم تصبح فيه إدارة قضايانا السياسية في أيدي روبوتات وبرمجيات، حينها نحن أمام سيناريوهين اثنين؛ الأول أن تكون فيه السياسة قد سبقت الذكاء الاصطناعي بخطوة، وبرمجته أساسًا لخدمة مصالحها، والثاني أن يكون الذكاء الاصطناعي قد تخلص من الدائرة المفرغة التي أوجدها الإنسان منذ الخليقة، بأن يقتل ويستثني الآخر من أجل خدمة مصالحه.

قبل أن نخوض أكثر، يجب أن نعترف أننا كبشر امتهنا السياسة لعقود طويلة وأدركنا بأنها فن الممكن. ولكن في تطبيقنا لها، لم نتمكن من جعل الممكن حقيقة على أرض الواقع، وجعلناها إقصاء للآخر، وهذا ما نأمل أن يساعدنا الذكاء الاصطناعي على إعادة تعريف السياسة وتطبيقها بالشكل الصحيح الذي يخدم مسيرتنا البشرية. وأنا أعترف بقصورنا البشري في هذه النقطة، إلا أنني مدرك تمامًا أننا من الداخل نجتمع على أفكار متشابهة. وما ينقصنا هو تنظيم وترتيب وتقاسم هذه الأفكار لجعلها مناسبة للجميع. والذكاء الاصطناعي، البعيد عن عواطفنا وامتيازاتنا التي نريدها كبشر، سيستطيع تحقيق ذلك ويسعدنا في الوصول إلى مبتغانا.

السياسة ليست مفهومًا سلبيًا، ولا الذكاء الاصطناعي أداة إيجابية بالضرورة. إنما الحقيقة تقول إنه إذا أردنا كَبشرٍ أن نتوافق، يجب أن نستخدم أداة تمكننا من تطبيق مفاهيم السياسة على أرض الواقع. ولا يوجد ذكاء بشري قادر على أن يكون محايدًا فيفصل بين طموحاتنا ومخاوفنا الإنسانية، بينما الذكاء الاصطناعي قادر على معالجة هذا القصور. فإن مَكَّنَا الذكاء الاصطناعي من دراسة أحوال كوكبنا وشعوبنا، والسماح له باختيار ما يناسبنا جميعًا، فسيكون قراره الأول أن نتوقف عن قتال بعضنا البعض، فكل المناوشات والحروب والصراعات بكافة أشكالها وأنواعها ومستوياتها ما هي إلا استنزاف لقدراتنا وطاقاتنا البشرية.

النقطة التي أود أن نصل إليها أنا وأنت، عزيزي القارئ، تكمن في أننا كبشر قد فشلنا في احتواء الآخر، فشلنا في تقدير مصالحنا الخالصة كبشرية، وسعينا بشكل دؤوب لحماية مصالحنا الشخصية أو مصالح من نمثلهم أو نتحدث باسمهم، سواء كانوا جنسًا أو أجناسًا معينين. ومن أجل ذلك تقاتلنا وتضادت مصالحنا.

وفي المستقبل، لدينا فرصة لإصلاح كل هذا باستخدام ذكاء اصطناعي "خالص" يحدد ما نحن فعلًا نحتاجه، ويدير لنا مصالحنا ويشاركنا مصالح الآخرين، وعندما أقول "خالصًا"، فأقصد هنا أن يكون هذا الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن أجندات السياسيين وجيوب المستثمرين، حينها فقط ستتحقق المعادلة الأصعب رغم بساطتها: "رابح- رابح" والكل رابح.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي والسياسة.. عندما يُسيطر أحدهما على الآخر؟
  • صراع بمجلس نينوى.. استجواب رئيسه وسط اتهامات بتزييف شهادته الجامعية
  • أيهما يهدد الآخر العرب أم إسرائيل؟
  • عصر التاهو الثقافي!؟
  • جامعة جدة تدشن شعلة الأولمبياد الرياضي للمرة الأولى على مستوى الجامعات السعودية
  • «حكماء المسلمين».. دبلوماسية دينية تنشر الوسطية والتعايش
  • جامعة الملك عبدالعزيز تناقش تعزيز الصحة النفسية وجودة الحياة الجامعية
  • 42 اختصاصا لوزارة الخارجية تعزز المكانة الدولية لسلطنة عُمان
  • شيخ الأزهر: الاختلافات بين المسلمين ظاهرة طبيعية
  • تأجيل محاكمة المتهم في خلية الذئاب المنفردة