بقلم : محمد بدوي

شاهد العالم عبر وسائل الإعلام البديلة لعدة مرات مشاهد عرض الرؤؤس التي فصلت ذبحا عن أجسادها، لوح بها في إنتشاء وعرضت للتصوير لتظهر ملامحها بشكل واضح, إقترنت تلم المشاهد المروعة بترديد التكبير( الله اكبر) وفي ذات الوقت بألفاظ من بخطابي الكراهية والعنصرية، هذه الافعال لا إستثناء فيها للضحايا بإعتبارات النوع أو العمر فهي لا علاقة باي قاموس قيمي أخلاقي أو ديني محوره الانسان .



هذه الظاهرة ظلت تثير جدا متواصلا حول ماهية التناقض، حيث تعددت مدارس التحليل حولها ويظهر ذلك في الكتابات باشكالها المختلفة التي عملت على محاولة تفسير الحالة، أي قرن التكبير( الله أكبر) بلحظات تنفيذ الانتهاك أو بعدها اثناء عرض أجزاء الأجساد المبتورة أمام كاميرات التصوير، ثم تحميلها على الإعلام، أو في حالة إجبار الاسري أو المدنيين المقبوض عليهم تعسفيا على تقليد صفات الحيوانات او ترديد الالفاظ التي تنتهك الهوية الجنسية للشخص،أو تعمل على الحط من كرامتة أو أذلاله بشكل واسع بعد عرض المقاطع للنشر، ذات الجدل إستمر حول دوافع توثيق الانتهاكات من قبل مرتكبيها وكذلك نشرها.

ذهبت بعض التحليلات إلي ربط تلك الإنتهاكات البشعة بالمجموعات الأصولية أو الكتائب الإسلامية الحزبية التي تقاتل مع الجيش، لكن في تقديري أن ذلك يقود إلي نتائج خاطئة في التحليل النهائي، لأنه قد يقصر الحالة على فئة محددة دون سواها، كما انها فرضية إستندت على ان ترديد التكبير مرتبط بتلك الفئة دون سواها، وهذا ما يجانب الواقع فقي هذه الحرب كلا الأطراف يردد التكبير والتهليل في كشف عن تأثير أسلمة الحروب على غرار ما تم من إطلاق صفة الحرب الجهادية على صراع مسلح سياسي ( الحرب بين السلطات السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان )، وتغييرصفة الحرب لأسباب سياسية هو ما يفسر التكبير والتهليل مع بدء القتال كاعلان نية مسبقة تأكيد إسلامه الشخص وتوحيده للقدير في حال مقتله ليصنف شهيدا، إذن هو تكبير بنية مختلفة لا علاقة لها بما يحدث الأن لان الحرب سياسية في طبيعتها..

طبيعة حرب السودان الراهنة المرتبطة بالسلطة والموارد تكشف عن دوافع الظاهرة، حيث يمثل خطابي بالكراهية والتميز المبني على العرق المحركات الرئيسية لارتكاب تلك الانتهاكات .

بالنظر إلي الكراهية التي يلتصق بها الخطاب فهي تستند على التمييز كشكل من المحفز بالعنصرية، بالنظر عناصر خطاب الكراهية نجد عناصرها الاساسية تتمثل في
 الغاء صفة الانسان والدفع نحو به بصفات الحيوانات.

 معاملة الإنسان كالحيوان، وهنا تأتي الانتهاكات البدنية كالجلد، تقليد أصوات الحيوانات، ترديد الألفاظ النابية ضد نفسه او قادته، الذبح.

 التوثيق وهي تشبع شهوة الانتقام في النفسية العنصرية، اما النشر

 التشفي لإكمال الفعل المحرك بالكراهية والعنصرية، قد يأتي التوثيق في حالة المرتزقة او المليشيات لنيل مكاسب من الجهة التي يعملون لصالحها وقد تكون مادية أو لتعزيز الولاء للقادة في سياق التنافس بين الأفراد أو المجموعات المقاتلة .

في منحي آخر ركنت بعض التحليلات إلي ربط بروز هذا العنف المفرط إلي ربطها بتنامي ظاهرة التعذيب من قبل السلطة خلال العقود الماضية، التعذيب فعل لانتزاع إعتراف او الاجبار على القيام بفعل، لمصلحة الشخص الذي يقوم بذلك او لطرف اخر يعمل الشخص لصالحه، بما يجعل دوافع التعذيب مقترنة بخلفية ولو مفترضة تربط بين الضحية ودوافع التعذيب، وقد يفضي التعذيب للموت، أو فقدان الأجزاء او الاذي الجسيم وهنا الاختلاف بين العنف المرتبط بالتعذيب والآخر المحفز بخطاب الكراهية والعنصرية لانه يتخذ كلا الشكلين العقاب الفردي او الجماعي ويهدي إلي نتيجة أساسية نهائية القتل/ الموت دون الإكتراث بانتزاع معلومات عن الشخص، لذا يكون موجه بشكل لا يراعي النوع أو العمر أو الحالة الصحية، ويستخدم أدوات عنيفة في القتل لان ذهنية الجلاد تنظر للضحية في سياق الحيوانات .

ارتباط حده التحولات في العنف في حرب السودان يتطلب النظر إلي سجل الحركة الإسلامية السودانية والعنف المشمول تحت تعريف الارهاب ، نجظ انه عقب فشل محاولة إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الاثيوبية اديس أبابا في ١٩٩٥، لتستعين باجانب او أعضاء من تنظيمات إسلامية اخري، إبتداء من أحداث مسجد ضاحية الجرافة بامدرمان في ٢٠٠٠ مرورا بأحدث مسجد أنصار السنة بالحارة الأولي بمدينة الثورة شمإلي أمدرمان،وإغتيال الدبلوماسي الأمريكي غرانفيل، إلي اخر الأحداث بضاحية جبرة بالخرطوم حيث شكل قوام الخلية التي أعلن عنها مصريي الجنسية.

ليثور السؤال حول اسباب هذه التحولات الذي أنزلت فيها الحركة الاسلامية كتابها الحزبية إلي الشارع دون مواربة إبتداءا من ٢٠١٨ بدء ثورة ديسمبر ٢٠١٨ إلي آخر أحداث بمدينة ود مدني بولاية الجزيرة خلال يناير ٢٠٢٥، محرك التحول فقدان السلطة وفشل إعادة السيطرة عليها، الرفض الفعلي والنفسي لفقدان ذلك بعد أن تكشف انه خلال فترة السيطرة على السلطة لم يدركوا حجم الثروات الطبيعية، الدليل على ذلك فيعد انفصال جنوب السودان في ٢٠١١ لم يذهب تفكير السلطة أبعد من تطبيق التقشف الاقتصادي للوفاء بشروط صندوق التقد الدولي كحل، وعقب إستمرار التراجع الاقتصادي رغم تطبيق الاجراءات التقشفية لم تنظر السلطة للحول خارج البحث عن قروض خارجية، طبيعة إقتران الي الحرب بالموارد يفسر لماذا ينحي طرفي الحرب نحو خطاب الكراهية ولماذا استشراء العنصرية بنسق حاد مما سبق.

طبيعة الحرب حول السلطة والموارد استندت على أدوات الاسلام السياسي في نسخته السودانية المرتبطة بتجربة الحركة الاسلامية واجنحتها السياسية، فنهج التمكين إستند على مطابقة الدولة بالتنظيم كملكية، ونهج الأحلال هو ما قاد إلي رفع شعارات إعادة صياغة الإنسان السوداني، وفرض انساق سلوك في الفضاء العام وقرنها بالعقاب ما جاء في تجربة حزم النظام العام التجريمية، إلغاء الآخر وتفكيك مؤسسات الدولة القومية من أجل احلالها باخري لا مكان فيها للآخر أو التنوع أو التعددية لأنها قيم تهدد المشروع السياسي للاسلامين، اضف الي ذلك تبني سياسة فرق تسد باستخدام الادوات التمييزية لرفع سقف العنصرية وابقاء المجتمعات متفرقة كي لا تتوحد بحثا عن مصالحها، او تنتبه للتضامن مع بعضها البعض، فاحلوا محل الجيش والشرطة والامن القوات الرديقة من الدفاع الشعبي، الامن الوطني والاستخبارات " خليط من الضباط الموالين للاسلاميين بالجيش والامن الشعبي " حرس الحدود، الشرطة الشعبية، الدعم السريع. الاحلال مضي الي اقصاء التزامات السودان تحت اتفاقيات جنيف ١٩٤٩ التي تحمي المدنيين والاعيان المدينة باشكالها المختلفة والجرحي في البر والبحار من المقاتليين وكذلك الاسري، فنتج عن ذلك غياب لاخلاق الحروب.

الحصانات من المحاسبة جاءت لتطلق يد القوات المقاتلة لارتكاب الانتهاكات في المدنيين، فامتد ذلك الي نسق ما تبقي من كرامة الانسان في معادلة الحروب السودانية، غياب " الغبينة" في حرب أبريل ٢٠٢٣ بين المقاتلين ، قاد إلي استدعاء الاصطفاف الجهوي أو الجغرافي والاثني فوجد الأطراف ضالتهم في خطاب الكراهية والعنصرية الذي يلغي وجود الانسان او المدنيين فهم اصحاب المصلحة وقوي التغيير ومستحقي موارد الدولة والرفاهية ، لذا هذا يفسر عدم توان الأطراف في قتل المدنيين خارج نطاق القضاء من الطرفين أو محاكمته بالاعدام تحت ذريعة التعاون مع احد طرفي الحرب، و قصف المرافق الصحية لحرمانه من العلاج، أو محاصرة المدن وتطبيق التجويع العام أو منع سبل وصول المساعدات الإنسانية، إليس خلاصة هذه السلسلة ان يتم التخلص منه بالذبح أو الحرق مع التكبير والتهليل اللتان يقصد بهما معاملة الضحايا كالحيونات وفق طبيعة علاقات المجتمعات بثقافة ومفهوم معاملة الحيوانات)في سياق حلقات الجانب العملي للكراهية والعنصرية، فقد ظللنا نكابر وطاة انتهاكات حقوق الانسان لعقود وفشلنا في تعزيز ذلك ، حتما في مثل هذا الواقع لا مجال للرفق بالحيوان لتعمده الذاكرة بالضرب والذبح .

badawi0050@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الکراهیة والعنصریة

إقرأ أيضاً:

البرهان فى القصر الرئاسى.. وماذا بعد؟!

استعادة الجيش الوطنى السودانى القصر الرئاسى بالعاصمة المثلثة (الخرطوم) من أيدى المتمردين (الدعم السريع) ترجمته انتصار عسكرى لا ينكره إلا الجاحد، قائد المتمردين محمد حمدان (دقلو) الذى اختفى إذ فجأة من الفضاء الإلكترونى السودانى!.
دخول الجيش القصر الرئاسى من بوابته الرئيسية سيترجم على الأرض لاحقًا، تقهقر قوات الدعم السريع، وتقوقع فلولها بعيدًا عن العاصمة، هناك فى الأطراف، بالضرورة ستحتاج معارك الأطراف وقتًا أطول وتكتيكات عسكرية مغايرة، حرب المدن يختلف كليّة عن حرب الفلول السارحة فى الأطراف، ستكون معارك كر وفر تكلف السودان ما لا يحتمله الملايين المشردة فى الفيافى.

الحرب لم تنته بعد، بالكاد سلك الجيش طريقها الصحيح، سلك طريق الانتصارات المحققة على الأرض، وهو طريق واعر يتطلب أكثر مما بُذل على مدار عامين من المعارك الضارية.

تربة السودان زلقة عسكريًا، تحرير قدم على الأرض يكلف الجيش كثيرًا من الأرواح والعتاد، الجيش النظامى فى مواجهة عصابات تجيد الكر والفر، مدعومة من دول وكيانات فى الجوار الإفريقى وخارجه، عمدت إلى تفكيك السودان وإسقاط دولته الوطنية.

الحسم العسكرى لمعركة القصر الرئاسى يترجم سياسيًّا، حسم مواقف الكتلة الصامتة شعبيًّا، والأخرى المتأرجحة سياسيًّا بين الطرفين المتحاربين لصالح الجيش الوطنى، وهذا مكسب سياسى مهم فى توقيت حرج من الحرب.

يترجم بالضرورة عدل المعادلات الإقليمية والدولية التى حكمت الصراع بين الإخوة الأعداء، وأطالت عمر الصراع، وأمدّته بوقود استدامته، سيراجع داعمو الدعم السريع المهزومة عسكريًّا وسياسيًّا.

ليست مبالغة استعادة القصر المختطف طريقًا لاستعادة السودان الذى اختطف بليل أسود حالك الظلمة، ظل اختطاف القصر الرئاسى بالعاصمة المثلثة من قبل ميليشيات التمرد (الدعم السريع) غصة فى حلق قادة الجيش السودانى، رمزية السودان الوطنية مختطفة، إذن السودان مختطف، والدولة الوطنية الموحدة كانت على شفا جرف هار.

استعادة القصر تترجم استعادة الهيبة العسكرية، ولكن دخول القصر لن يحل الأزمة السياسية التى نبت من بين أشواكها فلول التمرد المسلح، ما يستوجب حراكًا سياسيًّا موازيًا، يستثمر فى النصر العسكرى الذى تحقق، تحرير القصر يترجم تحرير الإرادة السياسية للرئيس (البرهان) فى إطلاق العملية السياسية، الإرادة السياسية كانت رهينة اختطاف القصر، القصر مختطف.. السودان مختطف، عاد القصر يعود السودان بزخمه السياسى.

السودان فى أمس الحاجة إلى برنامج تحول سياسى ديمقراطى واقعى مصحوب بدستور يعلى المواطنة على ما سواها؛ ما يمنع التفلتات المسلحة، ويوطد لحكم مدنى على أساس برنامج تنموى، يعنى مجتمعيًّا بتلبية الحاجات الأساسية الإنسانية لملايين المضارين، وسياسيًّا بمفردات الحرية والسلام والعدالة والمواطنة بلا تمييز. ما حدث (استعادة القصر) ليس نهاية الحرب، بل بداية لطرح الأسئلة الوطنية الرصينة لكيفية إنهاء الحرب وكيفية الوصول إلى برنامج يؤسس الدولة المنشودة، البرنامج (كما يقول الصديق ياسر عرمان) غير موجود فى أضابير فلول ١٩٨٩، يقصد حكم الكيزان (إخوان البشير).. معلوم برنامج الجماعة مضاد لبرنامج الدولة، برنامج الجماعة اختطاف وطن من القصر، وبرنامج الدولة حكم الوطن من القصر.

دخول القصر فرصة سانحة لبناء قوات مسلحة واحدة موحدة، مهنية غير مسيسة تعكس التنوع السودانى، وكما يقول عرمان: «وحينما تنحسر مياه المعارك العسكرية ويعود الناس إلى بيوتهم التى أخرجوا منها دون وجه حق، فإن أسئلة السودان السياسية ستطل برأسها من جديد، ومستوجب الإجابة عنها عاجلًا فى نشوة الفرحة باستعادة القصر».

نقلا عن المصري اليوم

   

مقالات مشابهة

  • وزير الداخلية اطلع على برامج عمل لجنة منع التعذيب التابعة للأمم المتحدة
  • جنوب السودان على صفيح ساخن: هل تندلع حرب ثالثة؟
  • سيرتها الأولى!!
  • عودة الإسلاميين عبر الحرب- خطر داهم يهدد السودان
  • ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟
  • مسؤولة أممية: السودان من الدول الأولى على مستوى العالم التي تعاني أعلى معدلات انتشار سوء التغذية الحاد والملايين يواجهون الجوع
  • وزير الخارجية: يجب التركيز على الحلول التي تضمن بقاء السودان موحدا ومستقرا
  • البرهان فى القصر الرئاسى.. وماذا بعد؟!
  • الحرب على السودان ورغم ملامح (محليتها) هي بالواقع عدوان خارجي
  • إعلام عبري: نتنياهو يقودنا للهاوية.. وكاتب: النار التي تشعلها إسرائيل ستعود لتحرقها