الأب بطرس دانيال يكتب: اِعمل الخير وارميه البحر
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
يقول السيد المسيح في الموعظة على الجبل: «كذلِك كُلُّ شَجَرةٍ طَيّبةٍ تُثمرُ ثِمارا طيبة، والشّجَرَةُ الخبيثةُ تُثمِرُ ثِمارا خَبيثة» (متى 17: 7).
كم من المرات التي فيها ندين الآخرين ظلّما دون تروٍّ معتمدين على المظاهر والأحكام السطحية؟ كم من الاتهامات التي نلصقها بالغير دون معرفة أو دراسة الحقيقة؟ كم من المرات التي اتهمنا فيها الذين قاموا بفعل الخير معنا معتبرين إياهم أشرارا يسلبون حقنا ومالنا؟
يُحكى أن ولدا يتيم الأب كان مشغول البال لا ينام الليل بطوله لرغبته في شراء هدية قيمة لوالدته الفقيرة بمناسبة عيد الأم، وخطرت على باله فكرة غريبة نابعة من إيمانه وثقته في أبوّة الله وحنانه له، وهى أن يكتب خطابا موجّها لله طالبا منه أن يرسل له خمسمائة جنيه.
ثم وضعه في صندوق البريد، وعندما لاحظ أحد رجال البريد اسم المرسل إليه «الله»، دعا اثنين من زملائه وفتحوا الخطاب معا لمعرفة المكتوب به، وبعد قراءته تحركت أحشاؤهم متأثرين من هذا الطلب.
فاتفقوا أن يسهموا معا في تحقيق أمنية الطفل اليتيم، فوضع كل واحدٍ منهم مائة جنيه، ثم وضعوا المبلغ كله الذى صار ثلاثمائة جنيه في مظروفٍ دون أي تعليق وأرسلوه على عنوان هذا الطفل.
وبعد عدّة أيام وصل لرجال البريد خطاب ثانٍ موجه لله، وكان مكتوبا فيه: «أشكرك يا رب على المبلغ الذى أرسلته لي لتحقيق أمنيتي في شراء هدية لوالدتي في عيدها، وفعلتُ ذلك بالرغم من أن رجال البريد اللصوص سرقوا مائتي جنيه من المبلغ الذي أرسلته لي.. شكرا لك يا رب على كل حال».
هذا يدل على أنّ فاعلي الخير لا يَسلَمون من معاداة الناس وسوء ظنهم، فمن الأفضل لنا أن يظلمنا الآخرون ويعادونا نتيجة أعمالنا الحسنة والخيّرة، من أن يحدث هذا بسبب شرّنا وفساد أخلاقنا.
لذا لا نتخذ من سلوك هؤلاء ذريعة وحجّة للابتعاد عن فعل الخير.
فهل يُعقل أن يبتعد الناس عن مزاولة أي مهنة لأن هناك البعض من غير الشرفاء يزاولونها؟ لنتعلّم من الطبيعة التي لا تبخل على الإنسان الذي يفسدها ويدمّرها، ولكنها تستمر في عطائها وسخائها له.
إذا لنزرع كل ما هو خير ونافع وصالح مع مَنْ يستحق أو مَنْ لا يستحق، لنزرع أحسن ما فينا من أفكار ومبادئ وآمال.
لذا يجب علينا ألا نترك وسيلة دون اللجوء إليها للقضاء على الشر الموجود في محيطنا، ولا توجد قوة تستطيع أن تقاوم الشر وتقضي عليه، مثل الخير الذي نقوم به في محيطنا.
من المفروض أن نتجنب الشر؛ ولكن الامتناع عن عمل الخير هو جريمة في حق المجتمع الذي نعيش فيه، كما أنّه شر لا يمكن أن يرضى به إنسان خُلق على صورة الله ومثاله، لأن الله ينبوع ومصدر كل خير وصلاح، إذا يجب على كل واحدٍ منّا أن يصير مصدرا للخير.
متى نفهم أننا في هذا العالم الغارق في الشر والفساد، لا يكفينا الابتعاد عن الشر والامتناع عن الظلم طبقا للوصايا المقدسة، وأن نكون مكتوفي الأيدي مبررين ذلك بأننا لم نؤذِ أي شخص؛ لكن لكل واحدٍ منّا رسالة مهمة يجب أن يقوم بها من أجل خير الآخرين، وفي هذه الحال سيتبدل العالم إلى الأفضل.
كثيرون يبررون امتناعهم عن الخير والصلاح لسوء فهم الآخرين واتهامهم بالنوايا السيئة والمصالح الشخصية والأهداف غير النبيلة، لذلك يقول بولس الرسول: «لا تَدعْ الشَّرَ يَقهرْكَ، بل كُنْ بالخير للشَّرِّ قاهرا» (رومة 12: 21).
إذا لا نهتم برد فعل الناس تجاه ما نقوم به من خير، لأن كل واحد يُنفق ما عنده، فنسعى للتعامل بطريقةٍ حسنة مع الحاقدين والكارهين، ليس لأنهم يستحقون؛ بل لأننا أصحاب أصل ومبدأ، كما يجب أن نضع أمامنا أننا إخوة في البشرية، إذا لا نقيّم الأمور بأن هذا يستحق وذلك لا، فالزنبقة زنبقة بجمالها وعطرها، ولو كانت تنمو في الوحل.
فالمحبة الحقيقية تدعونا أن نكون لطفاء مع الجميع ونتصرف بُحبٍ مع مَنْ يعاملنا بسوءٍ أو يخاطبنا باستخفاف.
كما أن المحبة تدعونا إلى معاملة مَنْ جرح كبرياءنا بطريقة حسنة ولا نحقد عليه ولا نبدي له أي جفاء.
فإذا جعلنا نصب أعيننا الله ووصاياه، فلن يوجد مستحيل أو صعب علينا، حتى محبة الذين ظلمونا أو تسببوا لنا بالشقاء.
فالإنسان الصالح مثل الزهور كما يقول العظيم Ghika: «إنها تعطر حتى الأيدي التي تسحقها».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المسيح الخير البحر کل واحد
إقرأ أيضاً:
بعد تصريحات تارا عماد.. الإفتاء تحذر من عقوق الوالدين.. 6 أمور تصيب مرتكبها
حلت الفنانة تارا عماد ضيفة في برنامج ABtalks مع الإعلامي أنس بوخش على يوتيوب، حيث تحدثت بصراحة عن حياتها الشخصية وعلاقتها بوالدها، وقالت تارا عماد: “سامحت والدي لكن لا أريد التعامل معه.
وكشفت أن والدها حاول العودة والتواصل معها، لكنها رفضت ذلك، وأوضحت أنها رأته خلال جنازة والدتها لكن لم تتحدث معه قائلة:
“أصحابي شافوه في الجنازة، لكن أنا على ما أتذكر سلمت على ناس كتير، وسامحته وقتها، لكن مش عايزة يكون فيه تعامل بينا.”
وأضافت: “أنا مش شايلة أي حاجة جوايا، بس عايزة أكون في سلام وأشيل هم نفسي بس. ممكن ناس تشوفني شريرة، بس أنا مرتاحة كده.”
وأشارت إلى أن آخر مرة كان فيها والدها جزءًا من حياتها كانت عندما كانت تبلغ 23 عامًا، وأن والدتها كانت دائمًا تدعم قراراتها فيما يخص علاقتها به.
واختتمت حديثها قائلة:
“لو توفى، ممكن أروح صلاة الجنازة عادي، لكن ده أقصى حاجة.”
في هذا الصدد، حذرت دار الإفتاء المصرية، من عقوق الوالدين فهو من اعظم الكبائر التى تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا؟ قالوا: بلى -يا رسول الله-، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين بل إن القرآن الكريم قرن الشرك بالله بعقوق الوالدين.
عقوق الوالدين عواقبه شديدة ووخيمةالله عز وجل نهى عن عقوق الوالدين، وجعل عواقبه شديدةً ووخيمةً؛ ففيه عقوبة في الدُّنيا قبل الآخرة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «بابانِ مُعجَّلانِ عُقوبتُهما في الدنيا: البَغْيُ، والعقُوقُ» رواه الحاكم.
حكم معاتبة الوالدينقال الداعية الإسلامي الشيخ رمضان عبد المعز، إن المؤمن يتراحم مع جميع فئات وطبقات المجتمع، مشيرا إلى أن الإنسان يجب أن يكون رحيما بنفسه وبوالديه، بدليل قوله تعالى "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ".
وأضاف، أن الوالدين درجة عالية فلا يجوز معاتبتهما أو الرد عليهما لأنه ليس من حق الأبناء محاسبتهما وإن أخطأ أحدهما أو كلاهما، مؤكدًا أن قضاء الله وقضاء النبي ينفذ ولا يناقش بدليل قوله تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما".
وتابع، أنه يجب الرحمة بالصغار والضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، مستدلا بقوله تعالى " كلا بل لا تكرمون اليتيم"، مؤكدًا أنه يجب الرحمة بمن يساعدوك لأنهم لا يعملون لديك، ولكنهم يساعدونك، ولا تستطيع الاستغناء عنهم، ولأننا كلنا نخدم بعض.
قال الله تعالى-: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و بالوالدين إحسانًا »، وقوله - عز وجل-: « ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا».
فالقرآن يضع منهجًا في كيفية معاملة الأبوين عندما يبلغان مرحلة الهِرَم و الشيخوخة، قال -تعالى-: « إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ....»، فإذا لا حظنا قول الله جيدًا لوجدناه يقول { يبلغن عندك} أي: في رعايتك وحمايتك وحفظك.
ومن السنة المؤكدة لهذا المعنى القرآني، فقد روى الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- قال: «سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله ».
فرسولنا - صلى الله عليه وسلم- المربي العظيم وضع بر الوالدين بين أعظم عملين في الإسلام: الصلاة على وقتها، والجهاد في سبيل الله ، وفي الصحيحين: "أن رجلا جاء فاستأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم -في الجهاد، فقال" أحي والداك؟ "قال:نعم، قال " ففيهما فجاهد".
وفي الحديث الصحيح: "هل أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور.
حكم مقاطعة الأب الظالمأفتى علماء الأمّة الإسلاميّة بعدم جواز مقاطعة الأبناء لأبيهم الظالم، ذلك لأنّ المقاطعة نوع من أنواع العقوق التي لا تجوز في حق الأبناء حتى لو أساء الأب لأبنائه أو قصّر في شيء من حقوقهم عليه، أمّا مجرد مخاصمة الأب فلا حرج فيها إن كان المقصود منها رفع الظلم، واسترداد الحقوق، دون التعالي أو رفع الصوت أو الإساءة.
وقد نهت الشريعة الإسلاميّة عن هجر المسلم لأخيه المسلم الذي لا يكون بينهما صلة قرابة أو نسب أكثر من ثلاثة ليال، فكيف بهجر الابن لأبيه، فلا شك بأنّ ذلك أكبر إثماً، فالله -تعالى- أمر الابن بمصاحبة والديه بالمعروف حتى لو كانا مشركين أو كافرين، وإنّما نهت الشريعة عن الاستجابة لهما إذا دعيا إلى الشرك والضلال، وبالتالي لا يحل هجر الأب ولو كان عاصياً أو ظالماً.
حكم عقوق الأب الظالمقال الشيخ عبدالله العجمي، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن عقوق الولد لوالده حرام مهما فعل الأب مع ابنه، ومهما تضايق الابن من والده.
وأوضح «العجمي» في فيديو البث المباشر لدار الإفتاء على صفحتها الرسمية على فيس بوك، ردًا على سؤال: ما حكم عقوق الأب الظالم؟ أن العلاقة بين الوالد مع ولده ليست علاقة الشريك مع شريكه أو الزميل مع زميله؛ حتى وإن تضرر الولد أو تضايق من أفعاله، فالأب هو الأب، مشيرًا إلى أن الأب إن كان ظالمًا لا يبيح عقوقه؛ لأن الله أمرنا ببر الوالدين وطاعتهما ما لم يكن المأمور به حرامًا.
واستشهد أمين الفتوى بقول الله تعالى:« وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)» لقمان.
ووجه السائل بأن يصبر ويحتسب على ما يجده من والده إن كان ظالمًا، وأن يداوم على صلة الرحم وبر الوالد مهما حصل.