صحيفة البلاد:
2025-02-02@13:10:50 GMT

حرائق أمريكا.. هل من مُدَّكِر؟!

تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT

حرائق أمريكا.. هل من مُدَّكِر؟!

طالعت بالتزامن مع اندلاع إعصار كاليفورنيا الناري الذي نشب في التاسع من رجب 1446، الموافق للتاسع من يناير 2025، تعليقاً لأخي العزيز الغالي الدكتور تركي الفيصل الرشيد، تم نشره في صحيفة (الواشنطن بوست) بعنوان (الشعبوية والاستبداد: تحديات جديدة في السياسة العالمية).. تلك الشعبوية العمياء، وذلك الاستبداد الفج الذي حرم أفراداً كثر في العالم من الحصول على أبسط حقوقهم الضرورية الإنسانية الأساسية، حسبما جاء في التعليق، وهو صحيح بالطبع.

ولأن التعليق تم نشره بعد يوم واحد فقط من اندلاع ذلك الإعصار الناري المدمر في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، لا بد أن تكون كتابته ومن ثم إرساله إلى الصحيفة سابق لحدوث الإعصار؛ مما جعلني أتساءل: هل هو إلهام، حاسة سادسة، أم أنها مجرد صدفة تلك هي التي دفعت أخي الدكتور تركي الفيصل الرشيد لكتابة تعليقه ذاك؟!.

وصحيح، ركَّز التعليق على شعبوية ترامب واستبداده، غير أن شعبوية أمريكا ترامب وغيره واستبدادها، لم يبدأ مع ترامب، وإن كنت أتمنى أن ينتهي الأمر معه. فقد نصَّبت أمريكا نفسها شرطياً على العالم منذ زمن طويل، وللأسف الشديد، خضع العالم كله تقريباً لها؛ ومن ثم درجت على إشعال الحرائق هنا وهنالك لإحداث فوضى (خلاقة) كما أطلقوا عليها، من خلال الانقلابات والانقلابات المضادة، التي اشتعلت نيرانها في دول كثيرة، لاسيَّما في منطقة الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، بهدف إشغال الشعوب بالحصول على الخبز والماء والكهرباء والدواء، عن تحقيق أي تطلعات أخرى؛ لتبقى تلك الدول مخزوناً إستراتيجياً للمواد الخام، يلبي احتياجات أمريكا، وسوقاً رائجة لمنتجاتها، خاصة السلاح الذي تغذي به النعرات القبلية لإشعال جذوة الحروب الأهلية مستغلة جهل أولئك الشعوب، أو قل تجهيلهم الذي كانت أمريكا نفسها سبباً جوهرياً فيه.

وما يجري في دولة السودان الشقيق اليوم، وما حدث قبله في تونس، ليبيا، سوريا، لبنان، العراق، اليمن، الصومال، أفغانستان وغيرها من دول أمريكا اللاتينية كفنزويلا وبنما وتشيلي، بل ما حدث أيضاً من حرب ضروس ورَّطت فيها أمريكا أوكرانيا مع روسيا.. وغير هذا كثير من دول كثيرة دفع مواطنوها ثمن التدخلات الأمريكية في شؤونهم الداخلية، فقراً مدقعاً، ومرضاً عضالاً وجهلاً مركَّباً، جعلهم يهدمون بيوتهم بأيديهم، ويقتلون بعضهم بعضاً، ويدمرون تراثهم وإرثهم الحضاري الثقافي لطمس هويتهم بمحض إرادتهم.

وقد عبَّر كثير من الأمريكيين، بينهم سياسيون وأكاديميون مرموقون، عن نواياهم الخبيثة تلك. وأعجبني الحقيقة كثيراً رد أحد الأمريكيين المعتدلين عندما سُئِل: (لماذا لم تحدث ثورة في أمريكا منذ توحيدها إثر الحرب الأهلية؟). فكانت إجابته التي جاءت مباشرة دونما أدنى تفكير، مما يؤكد صدقها: (لأن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا توجد فيها سفارة أمريكية). كناية عن أنه حيثما حلَّت أمريكا، حطَّ الخراب والدمار رحاله. بالطبع هذا غير دعمها الأعمى للكيان الصهيوني، وتزويده بكل ما يحتاج من سلاح ورجال وخبرات وغيرها، لكي يبسط هيمنته على أصحاب الأرض الحقيقيين، بل على المنطقة كلها. والدفاع عنه في الأمم (غير المتحدة) ومجلس (الظلم والاستبداد) كما أراه، بل كما يراه كثيرون في هذا العالم؛ وبالتالي منح الكيان الصهيوني صك براءة ليفعل كل ما يريد في الأشقاء الفلسطينيين، من قتل واعتقالات وتشريد وتجريف للبيوت وتدمير للزراعة وتسميم للمياه وحصار خانق… إلخ.

والحقيقة، دفعني إلى كتابة هذا أمران مهمان، لهما علاقة وثيقة بتعليق أخي الدكتور تركي الفيصل الرشيد الذي أشرت إليه آنفاً:
الأول: تصريح ترامب، وتهديده الاستبدادي السادي، متوعداً بحرق منطقة الشرق الأوسط وتحويلها إلى جحيم، عندما يتولى منصبه بعد بضعة أيام.
الثاني: سخرية نكي قلاسر، الممثلة الأمريكية الكوميدية في أثناء حفل توزيع جوائز (غولدن غلوب) السنوي الثاني والثمانين في هولييود مساء يوم الأحد الخامس من رجب 1446، الموافق للخامس من يناير هذا 2025، في حي هولييود الشهير بمدينة لوس أنجلوس.

وإن كان لا بد لكل صاحب فطرة سليمة أن تشمئز نفسه من تعليقات تلك الممثلة الأمريكية الساخرة، التي أربأ بنفسي عن ذكرها هنا، إلا أن أكثر مشهد موجع تمثَّل في شعبوية الحاضرين وتهكمهم وضحكاتهم الصاخبة، منساقين بالعقل الجمعي الذي أصَّل تلك الشعبوية العمياء في نفوسهم.. وصحيح، لم أكن أنتظر أن يعترض أحدهم على تعديها للخطوط الحمراء وتجاوزها الفج، غير أنني لم أكن أتوقع أن يكون تجاوبهم معها بتلك الصورة القميئة، لكنها على كل حال شعبوية أمريكا التي لا تدرك قول الحق عزَّ و جلَّ في الآية (38) من سورة هود: (إن تسخروا منَّا فإنَّا نسخر منكم كما تسخرون).

ولما طفح كيل تلك الشعبوية العمياء، وذلك الاستبداد البغيض، كان لا بد من تعليق الجرس في الرقاب، إشعاراً بإنذار خطير. فهبَّت تلك العاصفة النارية بعد أربعة وعشرين ساعة فقط، من حديث نكي قلاسر، لتحدث أسوأ حريق تشهده ولاية كاليفورنيا عبر تاريخها، بل لتشكل أسوأ كارثة طبيعية تشهدها أمريكا على الإطلاق.

وخلال ثلاثة أيام فقط، تحولت مدينة لوس أنجلوس العريقة التي تأسست عام 1781م، وتعد أكبر مدن ولاية كاليفورنيا، كما تمثل أحد أهم المراكز الثقافية، الاقتصادية، العلمية، الفنية والتاريخية في أمريكا والعالم كله، إذ يوجد بها مائة متحف. ولهذا أطلق عليها كثيرون (جوهرة كاليفورنيا) و (عاصمة الإبداع في العالم) لأن واحداً من بين كل ستة أشخاص من سكانها، يعمل بالصناعات الإبداعية، إضافة إلى أنها تعد أغلى منطقة عقارية في أمريكا؛ يسكنها الأثرياء من رجال المال والأعمال، إضافة إلى ما يوجد فيها من كُتَّاب، فنانون، صناع أفلام، عازفون، راقصون وغيرهم من مشاهير، يعيشون فيها ويعملون، أكثر مما يوجد في أي مدينة أخرى في العالم على مر التاريخ، ونتيجة هذا التنوع المذهل، يتحدث سكانها (224) لغة.. أقول، خلال ثلاثة أيام فقط، تحولت تلك (الجوهرة) الفاخرة الباذخة إلى كوم رماد، يبدو من الأعلى مجرد بقعة سوداء، بسبب الإعصار الناري الذي التهم كل شيء فيها، ما عدا بيتاً واحداً فقط. فتسبب في أكثر حركة نزوح تشهدها أمريكا خلال تاريخها، إذ قيل حسب الإحصائيات الأخيرة إن أكثر من (400) ألف شخص أصبحوا في العراء، دون ماء أو كهرباء أو خدمات من أي نوع؛ ليس هذا فحسب، بل اضطرت السلطات لإخلاء المستشفيات من المرضى بصرف النظر عن خطورة حالة بعضهم الصحية.

وبجانب هذا كله، خلَّف الإعصار الناري الغاضب، الذي كان يلتهم مساحة تعادل مساحة خمسة ملاعب كرة قدم في الدقيقة الواحدة، خسائر قُدِّرَت بـ (275) مليار دولار، وفق آخر الإحصائيات، إضافة إلى (16) قتيلاً، كما تجاوزت مساحة المناطق التي دمرها الإعصار، عشرين ألف فدان، إضافة إلى آلاف المباني التي تم تدميرها تماماً، بما فيها المائة متحف، والكنيس اليهودي العريق الذي تم بناؤه قبل ثمانين عاماً، فاتشحت مدينة لوس أنجلوس، عاصمة الإبداع في العالم، التي أراد لها أهلها تحويلها إلى مدينة ذكية بحلول عام 2028م بالسواد، وتحولت إلى مدينة منسية.

وصحيح، شرَّق المحللون وغرَّبوا في تفسير أسباب هذا الإعصار الناري الغاضب السريع، غير أنني أجزم أن الأمر لم يكن صدفة محضة بأي حال من الأحوال. وقد استوقفتني فيه بعض أشياء، لا بد أن تكون قد لفتت انتباه كثيرين ممن تابعوا أحداث ذلك الحريق الفريد في نوعه وطريقته وحتى توقيته، أوجزها في الآتي:

• أتى الإعصار الغاضب على بيوت مدينة لوس أنجلوس كلها، فحولها إلى أثر بعد عين، إذ أصبحت رماداً، ما عدا بيت واحد فقط، مع أن ألسنة اللهب كانت تحيط به من كل جانب، قيل إنه لأمريكي مسلم من أصل عراقي، وقيل إنه لداعية مسلم يدعى محمد جاكو، وقيل إنه للمصارع الشهير جون سينا. وعلى كل حال، أيَّاً يكن صاحب البيت الوحيد الذي نجا من غضب ذلك الإعصار الناري القوي السريع، أحسب أن الأمر لم يكن صدفة مطلقاً، إذ ثمَّة سرٍّ وراء هذا.

• ظهر شخص وسط الأحداث ينتحب بحرقة على بيته الذي التهمته النيران فيما التهمت، قيل إنه ظهر من قبل في فيديو وهو يتمنى أن تُحْرَق غزَّة كلها، ولا يبقى فيها حتى و لو بيت واحد.. جاهلاً أو قل متجاهلاً، أنه كما يَدِين، لا بد أن يُدَان.

• تشبيه ترامب، الذي توعد بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم، لحرائق لوس أنجلوس بـ (ضربة نووية) من شدَّته وكمية الدمار الهائل الذي خلَّفه.

• ظهر أكثر من شخص وهو يتوسل لرجال الإطفاء وسط ألسنة اللهب لإنقاذ قطته أو كلبه، وعندما يأتوه به، يضمه إليه بشدة، ويضع خده على خد حيوانه، ثم يبكي بحرقة مواسياً له، وفرحاً بإنقاذه. وإن كان أولئك يشكرون على كل حال، مع ما أظهروه من مبالغة باحتفائهم بحيواناتهم، التي أمرنا ديننا بالرفق بها، إذ يؤكد نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أن (في كل ذات كبد رطبة أجر)، غير أن كثيراً من أولئك أنفسهم، قد سبق أن خرجوا في مظاهرات حاشدة يؤيدون (حق) دولة الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسها، حتى إن وصل الأمر إلى دك بيوت الأشقاء الفلسطينيين على رؤوس أطفالهم ونسائهم ومرضاهم في المستشفيات، وحتى حيواناتهم في حظائرها.
• ظهور أعداد هائلة من الغربان تجتاح مناطق الحريق.
• عجز أمريكا مع كل ما تملكه من علم وتقنية وآليات ومعدات وتجهيزات وكفاءات بشرية، عن محاربة نيران ذلك الإعصار المخيف، بل سقطت بعض الطائرات التي شاركت في عملية الإطفاء، مما زاد الطين بلة.

وبعد:
تلك هي أمريكا التي استكبرت قائلة: (من أشد منَّا قوة)، فسلط الله عليها حريقاً أشبه ما يكون بجهنم، لتعجز بكل ما تملك من إمكانات عن إخماده، حتى أتى على المدينة كلها، فحولها إلى خراب ينعق فيه الغراب، إضافة إلى دمار مساحات شاسعة من الأراضي، وتشريد مئات آلاف السكان. وأنا أكتب هذا قيل إن الإعصار الناري انتقل إلى غابات في مقاطعة فينتورا جنوبي ولاية فلوريدا، وإن ضباباً كثيفاً برائحة غريبة غطى سماء عدة مدن في أمريكا وامتدت آثاره حتى كندا ولندن.
وبالطبع، بجانب ما خلَّفه هذا الإعصار الذي اجتاح ولاية كاليفورنيا من دمار وخراب، ستظل الأدخنة السامة التي تصاعدت نتيجة له، كأول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكربون وغيرهما من أدخنة سامة، تشكل تهديداً صحياً خطيراً على سكان تلك المناطق التي اجتاحها الإعصار.

وأخيراً:
إن كنت لا أنتظر خيراً من شعبوية أمريكا واستبدادها، إلا أنني أتمنى صادقاً أن يستيقظ صوت العقل لدى عقلائها، إن كان فيها ثمَّة عقلاء، لإدراك الحقائق والعودة إلى الصواب في النظر إلى الآخرين والتعامل معهم بآدمية، على أساس أنهم بشر أيضاً يستحقون أن ينعموا بحياة هادئة هانئة. كما أتمنى أن يكون في هذا الحدث التاريخي الذي هزَّ عنجهية أمريكا فأسقط عنها ورقة التوت، حافزاً لحدوث طلاق بائن بين أولئك الأثرياء، أصحاب الشركات العابرة للقارات من سكان هولييود، الذين اتحدوا مع السلطة في البيت (الأسود) لامتصاص دماء الشعوب، من خلال افتعال الأزمات، وإشعال فتيل الحروب الأهلية، وإثارة الفزع، عن طريق استحداث جراثيم وميكروبات خطيرة تهدد حياتهم، لتدفع أولئك البسطاء لشراء الأدوية واللقاحات؛ كما حدث في موضوع كورونا عام 2021، ويشاع أنهم يحضرون لإطلاق نسخة جديدة من فيروس آخر هذا الموسم؛ إضافة إلى شراء الأبحاث التي قيل إنها توصلت إلى تصنيع أدوية لعلاج الأمراض المزمنة والمستعصية بشكل نهائي كارتفاع ضغط الدم، مرض السكري والسرطان بمختلف أنواعه، حمانا الله وإياكم، من أصحابها لحجبها، لكي تظل شركاتهم تبيع أدوية تلك الأمراض التي لا يستغني عنها المرضى طيلة حياتهم، لاسيَّما أن تلك الأمراض تصيب اليوم أعداداً كبيرة من الناس في مختلف بلدان العالم.. فتنتفخ جيوب أولئك السماسرة وكروشهم، فيبنون بيوتاً بعشرات ملايين الدولارات في هولييود، بل وصلت قيمة بيوت بعضهم إلى أكثر من مائتي مليون دولار؛ ومع هذا ذهبت اليوم أدراج الرياح.
والحقيقة، لا أجد أفضل ما يمكنني أن أختم به مقالي هذا، من قول الحق عزَّ و جلَّ في الآية (42) من سورة الكهف: (وأُحِيطَ بثمره فأصبح يُقَلِّبُ كفَّيه على مآ أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أُشْرِك بربي أحداً).

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: ولایة کالیفورنیا مدینة لوس أنجلوس إضافة إلى فی أمریکا فی العالم ت أمریکا قیل إنه قیل إن غیر أن

إقرأ أيضاً:

أحمد المسلماني: نعيش في عالم متقلب مع تولي ترامب رئاسة أمريكا

رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني:

- الرئيس السيسي عبّر عن رؤية مصر في قضية غزة منذ بداية الحرب

- النزاع المباشر بين الصين وأمريكا سيشكل خطرًا على العالم

-  إيلون ماسك عبقري لكنه عبثي في أفكاره

- نعمل على ترجمة مسلسلات مصرية إلى اللغات الأفريقية

- مصر تمتلك قوة ناعمة تفوق أي دولة أخرى في العالم

استضافت القاعة الرئيسية في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين لقاء للكاتب الكبير أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام بعنوان "حالة المعرفة في عالم متغير"، وأدارت اللقاء الإعلامية ريهام الديب، بحضور الدكتور أحمد بهي الدين رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب.

في البداية تحدث الدكتور أحمد المسلماني عن تطور النظام العالمي الذي بدأ منذ تاريخ 1492 وما بعده، حيث كان ذلك تاريخ وصول كريستوفر كولومبوس إلى أمريكا، والذي أدى إلى إبادة ملايين من السكان الأصليين في قارة أمريكا، وهو ما ساهم في التغيير الجذري الذي نعيش فيه اليوم. بعدها خرج المسلمون من الأندلس، وانتهى العصر الإسلامي في إسبانيا والبرتغال، ليتم اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام 1498، وكان هذا الاكتشاف يشكل تحولًا في الفكر الجغرافي حيث كان الاعتقاد أن السفن التي تعبر من خلاله ستغرق في الفضاء."

وتابع المسلماني: "مصر كانت الأكثر ازدهارًا في ذلك الوقت، لكن مركزها الاستراتيجي تراجع ما أدى لدخول العثمانيين إليها، وفي عام 1648 حدثت حرب كاثوليكية بين الكاثوليك والبروتستانت، وهي الحرب التي عُرفت بحرب الثلاثين عامًا وانتهت بمعاهدة أسست للدولة الوطنية الحديثة التي تأسست على الحدود، والشرطة، والقضاء. أما في مصر، فقد كانت في حالة سائبة جغرافيا."

وأضاف المسلماني: "في عام 1815، اكتسح نابليون أوروبا بعد أن عانت القارة من العديد من الحروب، وانتهت بمعاهدة سميت معاهدة السلام الذي أنهى كل الحروب، وعاشت أوروبا في سلام نسبي حتى الحرب العالمية الأولى والثانية. كان هناك مقهى في فيينا حيث كان يجتمع المثقفون والمشاهير، وكان من بين هؤلاء فرويد، وجوزيف ستالين، وجوزيف تيتو، وأدولف هتلر، وصحفي يبحث عن مشروع لليهود هو هرتزل."

وأشار إلى أن "الثقافة هي المحرك الرئيسي للتاريخ كما يرى أنطونيو جرامشي. وقد بدأت الحرب العالمية الثانية وازدهرت الشيوعية، وشارك فيها سبعون مليون إنسان قتلوا، ثم تبعتها الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، واليوم نعيش في عالم متقلب مع تولي دونالد ترامب الرئاسة."

واستعرض المسلماني تطور القوة العالمية قائلاً: "عام 1900 كانت أمريكا هي الأكثر تعليمًا، وعام 1920 كانت أقوى دولة في العالم، ومن عام 2020 فصاعدًا، سيكون القرن المقبل صراعًا بين أمريكا والصين. 

وفي هذا السياق يرى مؤرخو العلم أن القرن التاسع عشر كان عصر الهندسة المعمارية، والعشرون كان عصر الهندسة الكهربائية، والحادي والعشرون هو عصر الاتصالات."

وتابع المسلماني بالحديث عن صعود الصين كقوة نووية، وأوضح أن هناك جدلاً كبيرًا حول قدراتها النووية، حيث تقول الصين إنها لم تتجاوز بضع رؤوس نووية بينما تؤكد أمريكا أن الصين لديها آلاف الصواريخ النووية. 

وأضاف: "الصين استعادت هونغ كونغ وماكاو، وهي ترى تايوان جزءًا منها، وتسعى لاستعادتها، مستفيدة من استراتيجية الصبر الاستراتيجي بعيد المدى."

كما تحدث عن المشروع الاقتصادي الصيني "الحزام والطريق"، الذي يهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر بنية تحتية ضخمة، مشيرًا إلى أن الهند تحاول منافسة الصين في هذا المجال.

وأضاف: "الصين تحيي ثقافتها القديمة وتراثها، وقد عملت على إعادة إحياء كونفوشيوس من جديد من خلال وسائل الإعلام والسينما، حيث أصبح التراث مكونًا رئيسيًا في الثقافة الصينية، وإذا وصل الصراع بين الصين وأمريكا إلى مرحلة من النزاع المباشر، فإن ذلك سيشكل خطرًا على العالم أجمع."

وتحدث عن التحديات التي تواجهها روسيا، قائلاً: "روسيا تواجه تحديًا تاريخيًا، إذ أن لديها تاريخًا إمبراطوريًا من الإمبراطورية الروسية القيصرية، مرورًا بالاتحاد السوفيتي، وصولًا إلى روسيا الاتحادية، هي دولة لا يمكن أن تعود إلى الوراء، ولهذا تسعى لتوسيع مجالها الجغرافي."

وأشار إلى الهند قائلًا: "الهند أصبحت قوة اقتصادية مهمة بفضل التعليم المنتظم والبحث العلمي الدقيق، حيث يعد المعهد الهندي للتكنولوجيا من أبرز المعاهد العلمية في العالم. كما أن كوريا الجنوبية صعدت بفضل الاستثمار في التعليم والبحث العلمي."

وتطرق المسلماني أيضًا إلى التحديات التي تواجهها أوروبا، قائلاً: "أوروبا لو استمرت في هذه السلبيات الليبرالية، فإن مستقبلها سيكون مجهولًا، حيث أن المسيحية في أوروبا أصبحت في تراجع مستمر، وهو ما يعكس تأثير الثورة الفرنسية وانتشار الإلحاد. 

وأضاف: أظهرت إحصائيات في بريطانيا أنها لم تعد دولة مسيحية، حيث أصبح المسيحيون أقل من 50%. كما يتوقع أن المسيحيين في أمريكا سيشكلون أقل من 30% بحلول عام 2070."

وأشار المسلماني إلى أن العالم يعيش في حالة من "اللا يقين" أكثر من اليقين، وأن الرؤية أصبحت صعبة في ظل التطورات الحالية. وقال: "إيلون ماسك عبقري لكنه عبثي في أفكاره."

وتحدث عن السياسة العالمية، قائلاً: "النظام العالمي لا يبالي، والسياسيون الكبار لا يستشيرون في قراراتهم، وعندما غزت أمريكا العراق، قالوا إنهم يبحثون عن أسلحة دمار شامل، لكن اتضح لاحقًا أن ذلك كان خطأ، وتم الاعتذار. وكذلك في فيتنام، حيث مات 4 ملايين مواطن، وانتهى الأمر باعتذار بعد كل تلك الأرواح."

وفيما يتعلق بمستقبل الإعلام في مصر، قال المسلماني: "الرئيس عبدالفتاح السيسي عبّر عن رؤية مصر في قضية غزة منذ بداية الحرب، وكان الشعب المصري واضحًا في موقفه تجاه القضية الفلسطينية، مصر أعلنت تأييدها للحق الفلسطيني بوضوح."

وأوضح المسلماني أن مصر تمتلك قوة ناعمة تفوق أي دولة أخرى في العالم، وأنها من بين أفضل 10 دول في العالم من حيث ترتيب القوة الناعمة، حيث تحتل مصر المركز السابع عالميًا.

وأشار المسلماني إلى أن الهيئة الوطنية للإعلام تسعى لإعادة "ماسبيرو" إلى مكانته المرموقة، وقال: "هدفنا هو إعادة ماسبيرو إلى مستواه العالي، ونحن في مفارقة بين مطالب اقتصادية واجتماعية في المبنى ومطالب الشعب، لذلك نتطلع إلى تحقيق توازن في هذا الأمر."

وأوضح المسلماني أن الهيئة الوطنية للإعلام تولي اهتمامًا خاصًا بالقارة الافريقية، حيث أكد أن مصر لم تكن موجودة بما فيه الكفاية في مجال الدراما والبرامج هناك. 

وأضاف: "نعمل على ترجمة مسلسلات مصرية إلى اللغات الأفريقية، مثل مسلسل "أم كلثوم"، و"ليالي الحلمية"، و"الإمام الليث بن سعد"، ونهدف إلى تقديم مصر بتراثها الثقافي والحضاري إلى العالم."

وختامًا، أكد المسلماني أن مصر تسعى إلى تعزيز قوتها الناعمة على الساحة العالمية، مشيرًا إلى أن الإعلام المصري سيعزز من ثقافته عبر زيادة اهتمامه بالثقافة والتاريخ، وسيعمل على رفع كفاءة برامج الأطفال مع تطوير قناة ماسبيرو الثقافية.

مقالات مشابهة

  • 3 أسابيع من الحرائق.. أمريكا تعلن رسميا احتواء حرائق الغابات في لوس أنجلوس
  • بالفيديو.. مسؤولون: الهليكوبتر التي تحطمت كانت ضمن وحدة استعداد في حالة هجوم على أمريكا
  • أحمد المسلماني: نعيش في عالم متقلب مع تولي ترامب رئاسة أمريكا
  • عاجل.. انفجار هائل في سماء أمريكا و100 ألف توقيع لعزل ترامب وأحداث
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
  • ما الصلاة التي يجوز فيها ترك القبلة؟ عالم أزهري: في هذه «الصلوات فقط»
  • الإعصار والحب رواية للكاتبة إلهام عبد العال.. تجربة فريدة في الأدب العربي الحديث
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • ‎أمريكا تعثر على الصندوقين الأسودين للطائرة التي تحطمت في واشنطن
  • بعد ليلة بكى فيها الكوماندوز في زغرب.. استقبال رسمي لأبطال منتخب مصر لكرة اليد بمطار القاهرة