حرائق أمريكا.. هل من مُدَّكِر؟!
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
طالعت بالتزامن مع اندلاع إعصار كاليفورنيا الناري الذي نشب في التاسع من رجب 1446، الموافق للتاسع من يناير 2025، تعليقاً لأخي العزيز الغالي الدكتور تركي الفيصل الرشيد، تم نشره في صحيفة (الواشنطن بوست) بعنوان (الشعبوية والاستبداد: تحديات جديدة في السياسة العالمية).. تلك الشعبوية العمياء، وذلك الاستبداد الفج الذي حرم أفراداً كثر في العالم من الحصول على أبسط حقوقهم الضرورية الإنسانية الأساسية، حسبما جاء في التعليق، وهو صحيح بالطبع.
ولأن التعليق تم نشره بعد يوم واحد فقط من اندلاع ذلك الإعصار الناري المدمر في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، لا بد أن تكون كتابته ومن ثم إرساله إلى الصحيفة سابق لحدوث الإعصار؛ مما جعلني أتساءل: هل هو إلهام، حاسة سادسة، أم أنها مجرد صدفة تلك هي التي دفعت أخي الدكتور تركي الفيصل الرشيد لكتابة تعليقه ذاك؟!.
وصحيح، ركَّز التعليق على شعبوية ترامب واستبداده، غير أن شعبوية أمريكا ترامب وغيره واستبدادها، لم يبدأ مع ترامب، وإن كنت أتمنى أن ينتهي الأمر معه. فقد نصَّبت أمريكا نفسها شرطياً على العالم منذ زمن طويل، وللأسف الشديد، خضع العالم كله تقريباً لها؛ ومن ثم درجت على إشعال الحرائق هنا وهنالك لإحداث فوضى (خلاقة) كما أطلقوا عليها، من خلال الانقلابات والانقلابات المضادة، التي اشتعلت نيرانها في دول كثيرة، لاسيَّما في منطقة الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، بهدف إشغال الشعوب بالحصول على الخبز والماء والكهرباء والدواء، عن تحقيق أي تطلعات أخرى؛ لتبقى تلك الدول مخزوناً إستراتيجياً للمواد الخام، يلبي احتياجات أمريكا، وسوقاً رائجة لمنتجاتها، خاصة السلاح الذي تغذي به النعرات القبلية لإشعال جذوة الحروب الأهلية مستغلة جهل أولئك الشعوب، أو قل تجهيلهم الذي كانت أمريكا نفسها سبباً جوهرياً فيه.
وما يجري في دولة السودان الشقيق اليوم، وما حدث قبله في تونس، ليبيا، سوريا، لبنان، العراق، اليمن، الصومال، أفغانستان وغيرها من دول أمريكا اللاتينية كفنزويلا وبنما وتشيلي، بل ما حدث أيضاً من حرب ضروس ورَّطت فيها أمريكا أوكرانيا مع روسيا.. وغير هذا كثير من دول كثيرة دفع مواطنوها ثمن التدخلات الأمريكية في شؤونهم الداخلية، فقراً مدقعاً، ومرضاً عضالاً وجهلاً مركَّباً، جعلهم يهدمون بيوتهم بأيديهم، ويقتلون بعضهم بعضاً، ويدمرون تراثهم وإرثهم الحضاري الثقافي لطمس هويتهم بمحض إرادتهم.
وقد عبَّر كثير من الأمريكيين، بينهم سياسيون وأكاديميون مرموقون، عن نواياهم الخبيثة تلك. وأعجبني الحقيقة كثيراً رد أحد الأمريكيين المعتدلين عندما سُئِل: (لماذا لم تحدث ثورة في أمريكا منذ توحيدها إثر الحرب الأهلية؟). فكانت إجابته التي جاءت مباشرة دونما أدنى تفكير، مما يؤكد صدقها: (لأن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا توجد فيها سفارة أمريكية). كناية عن أنه حيثما حلَّت أمريكا، حطَّ الخراب والدمار رحاله. بالطبع هذا غير دعمها الأعمى للكيان الصهيوني، وتزويده بكل ما يحتاج من سلاح ورجال وخبرات وغيرها، لكي يبسط هيمنته على أصحاب الأرض الحقيقيين، بل على المنطقة كلها. والدفاع عنه في الأمم (غير المتحدة) ومجلس (الظلم والاستبداد) كما أراه، بل كما يراه كثيرون في هذا العالم؛ وبالتالي منح الكيان الصهيوني صك براءة ليفعل كل ما يريد في الأشقاء الفلسطينيين، من قتل واعتقالات وتشريد وتجريف للبيوت وتدمير للزراعة وتسميم للمياه وحصار خانق… إلخ.
والحقيقة، دفعني إلى كتابة هذا أمران مهمان، لهما علاقة وثيقة بتعليق أخي الدكتور تركي الفيصل الرشيد الذي أشرت إليه آنفاً:
الأول: تصريح ترامب، وتهديده الاستبدادي السادي، متوعداً بحرق منطقة الشرق الأوسط وتحويلها إلى جحيم، عندما يتولى منصبه بعد بضعة أيام.
الثاني: سخرية نكي قلاسر، الممثلة الأمريكية الكوميدية في أثناء حفل توزيع جوائز (غولدن غلوب) السنوي الثاني والثمانين في هولييود مساء يوم الأحد الخامس من رجب 1446، الموافق للخامس من يناير هذا 2025، في حي هولييود الشهير بمدينة لوس أنجلوس.
وإن كان لا بد لكل صاحب فطرة سليمة أن تشمئز نفسه من تعليقات تلك الممثلة الأمريكية الساخرة، التي أربأ بنفسي عن ذكرها هنا، إلا أن أكثر مشهد موجع تمثَّل في شعبوية الحاضرين وتهكمهم وضحكاتهم الصاخبة، منساقين بالعقل الجمعي الذي أصَّل تلك الشعبوية العمياء في نفوسهم.. وصحيح، لم أكن أنتظر أن يعترض أحدهم على تعديها للخطوط الحمراء وتجاوزها الفج، غير أنني لم أكن أتوقع أن يكون تجاوبهم معها بتلك الصورة القميئة، لكنها على كل حال شعبوية أمريكا التي لا تدرك قول الحق عزَّ و جلَّ في الآية (38) من سورة هود: (إن تسخروا منَّا فإنَّا نسخر منكم كما تسخرون).
ولما طفح كيل تلك الشعبوية العمياء، وذلك الاستبداد البغيض، كان لا بد من تعليق الجرس في الرقاب، إشعاراً بإنذار خطير. فهبَّت تلك العاصفة النارية بعد أربعة وعشرين ساعة فقط، من حديث نكي قلاسر، لتحدث أسوأ حريق تشهده ولاية كاليفورنيا عبر تاريخها، بل لتشكل أسوأ كارثة طبيعية تشهدها أمريكا على الإطلاق.
وخلال ثلاثة أيام فقط، تحولت مدينة لوس أنجلوس العريقة التي تأسست عام 1781م، وتعد أكبر مدن ولاية كاليفورنيا، كما تمثل أحد أهم المراكز الثقافية، الاقتصادية، العلمية، الفنية والتاريخية في أمريكا والعالم كله، إذ يوجد بها مائة متحف. ولهذا أطلق عليها كثيرون (جوهرة كاليفورنيا) و (عاصمة الإبداع في العالم) لأن واحداً من بين كل ستة أشخاص من سكانها، يعمل بالصناعات الإبداعية، إضافة إلى أنها تعد أغلى منطقة عقارية في أمريكا؛ يسكنها الأثرياء من رجال المال والأعمال، إضافة إلى ما يوجد فيها من كُتَّاب، فنانون، صناع أفلام، عازفون، راقصون وغيرهم من مشاهير، يعيشون فيها ويعملون، أكثر مما يوجد في أي مدينة أخرى في العالم على مر التاريخ، ونتيجة هذا التنوع المذهل، يتحدث سكانها (224) لغة.. أقول، خلال ثلاثة أيام فقط، تحولت تلك (الجوهرة) الفاخرة الباذخة إلى كوم رماد، يبدو من الأعلى مجرد بقعة سوداء، بسبب الإعصار الناري الذي التهم كل شيء فيها، ما عدا بيتاً واحداً فقط. فتسبب في أكثر حركة نزوح تشهدها أمريكا خلال تاريخها، إذ قيل حسب الإحصائيات الأخيرة إن أكثر من (400) ألف شخص أصبحوا في العراء، دون ماء أو كهرباء أو خدمات من أي نوع؛ ليس هذا فحسب، بل اضطرت السلطات لإخلاء المستشفيات من المرضى بصرف النظر عن خطورة حالة بعضهم الصحية.
وبجانب هذا كله، خلَّف الإعصار الناري الغاضب، الذي كان يلتهم مساحة تعادل مساحة خمسة ملاعب كرة قدم في الدقيقة الواحدة، خسائر قُدِّرَت بـ (275) مليار دولار، وفق آخر الإحصائيات، إضافة إلى (16) قتيلاً، كما تجاوزت مساحة المناطق التي دمرها الإعصار، عشرين ألف فدان، إضافة إلى آلاف المباني التي تم تدميرها تماماً، بما فيها المائة متحف، والكنيس اليهودي العريق الذي تم بناؤه قبل ثمانين عاماً، فاتشحت مدينة لوس أنجلوس، عاصمة الإبداع في العالم، التي أراد لها أهلها تحويلها إلى مدينة ذكية بحلول عام 2028م بالسواد، وتحولت إلى مدينة منسية.
وصحيح، شرَّق المحللون وغرَّبوا في تفسير أسباب هذا الإعصار الناري الغاضب السريع، غير أنني أجزم أن الأمر لم يكن صدفة محضة بأي حال من الأحوال. وقد استوقفتني فيه بعض أشياء، لا بد أن تكون قد لفتت انتباه كثيرين ممن تابعوا أحداث ذلك الحريق الفريد في نوعه وطريقته وحتى توقيته، أوجزها في الآتي:
• أتى الإعصار الغاضب على بيوت مدينة لوس أنجلوس كلها، فحولها إلى أثر بعد عين، إذ أصبحت رماداً، ما عدا بيت واحد فقط، مع أن ألسنة اللهب كانت تحيط به من كل جانب، قيل إنه لأمريكي مسلم من أصل عراقي، وقيل إنه لداعية مسلم يدعى محمد جاكو، وقيل إنه للمصارع الشهير جون سينا. وعلى كل حال، أيَّاً يكن صاحب البيت الوحيد الذي نجا من غضب ذلك الإعصار الناري القوي السريع، أحسب أن الأمر لم يكن صدفة مطلقاً، إذ ثمَّة سرٍّ وراء هذا.
• ظهر شخص وسط الأحداث ينتحب بحرقة على بيته الذي التهمته النيران فيما التهمت، قيل إنه ظهر من قبل في فيديو وهو يتمنى أن تُحْرَق غزَّة كلها، ولا يبقى فيها حتى و لو بيت واحد.. جاهلاً أو قل متجاهلاً، أنه كما يَدِين، لا بد أن يُدَان.
• تشبيه ترامب، الذي توعد بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم، لحرائق لوس أنجلوس بـ (ضربة نووية) من شدَّته وكمية الدمار الهائل الذي خلَّفه.
• ظهر أكثر من شخص وهو يتوسل لرجال الإطفاء وسط ألسنة اللهب لإنقاذ قطته أو كلبه، وعندما يأتوه به، يضمه إليه بشدة، ويضع خده على خد حيوانه، ثم يبكي بحرقة مواسياً له، وفرحاً بإنقاذه. وإن كان أولئك يشكرون على كل حال، مع ما أظهروه من مبالغة باحتفائهم بحيواناتهم، التي أمرنا ديننا بالرفق بها، إذ يؤكد نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أن (في كل ذات كبد رطبة أجر)، غير أن كثيراً من أولئك أنفسهم، قد سبق أن خرجوا في مظاهرات حاشدة يؤيدون (حق) دولة الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسها، حتى إن وصل الأمر إلى دك بيوت الأشقاء الفلسطينيين على رؤوس أطفالهم ونسائهم ومرضاهم في المستشفيات، وحتى حيواناتهم في حظائرها.
• ظهور أعداد هائلة من الغربان تجتاح مناطق الحريق.
• عجز أمريكا مع كل ما تملكه من علم وتقنية وآليات ومعدات وتجهيزات وكفاءات بشرية، عن محاربة نيران ذلك الإعصار المخيف، بل سقطت بعض الطائرات التي شاركت في عملية الإطفاء، مما زاد الطين بلة.
وبعد:
تلك هي أمريكا التي استكبرت قائلة: (من أشد منَّا قوة)، فسلط الله عليها حريقاً أشبه ما يكون بجهنم، لتعجز بكل ما تملك من إمكانات عن إخماده، حتى أتى على المدينة كلها، فحولها إلى خراب ينعق فيه الغراب، إضافة إلى دمار مساحات شاسعة من الأراضي، وتشريد مئات آلاف السكان. وأنا أكتب هذا قيل إن الإعصار الناري انتقل إلى غابات في مقاطعة فينتورا جنوبي ولاية فلوريدا، وإن ضباباً كثيفاً برائحة غريبة غطى سماء عدة مدن في أمريكا وامتدت آثاره حتى كندا ولندن.
وبالطبع، بجانب ما خلَّفه هذا الإعصار الذي اجتاح ولاية كاليفورنيا من دمار وخراب، ستظل الأدخنة السامة التي تصاعدت نتيجة له، كأول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكربون وغيرهما من أدخنة سامة، تشكل تهديداً صحياً خطيراً على سكان تلك المناطق التي اجتاحها الإعصار.
وأخيراً:
إن كنت لا أنتظر خيراً من شعبوية أمريكا واستبدادها، إلا أنني أتمنى صادقاً أن يستيقظ صوت العقل لدى عقلائها، إن كان فيها ثمَّة عقلاء، لإدراك الحقائق والعودة إلى الصواب في النظر إلى الآخرين والتعامل معهم بآدمية، على أساس أنهم بشر أيضاً يستحقون أن ينعموا بحياة هادئة هانئة. كما أتمنى أن يكون في هذا الحدث التاريخي الذي هزَّ عنجهية أمريكا فأسقط عنها ورقة التوت، حافزاً لحدوث طلاق بائن بين أولئك الأثرياء، أصحاب الشركات العابرة للقارات من سكان هولييود، الذين اتحدوا مع السلطة في البيت (الأسود) لامتصاص دماء الشعوب، من خلال افتعال الأزمات، وإشعال فتيل الحروب الأهلية، وإثارة الفزع، عن طريق استحداث جراثيم وميكروبات خطيرة تهدد حياتهم، لتدفع أولئك البسطاء لشراء الأدوية واللقاحات؛ كما حدث في موضوع كورونا عام 2021، ويشاع أنهم يحضرون لإطلاق نسخة جديدة من فيروس آخر هذا الموسم؛ إضافة إلى شراء الأبحاث التي قيل إنها توصلت إلى تصنيع أدوية لعلاج الأمراض المزمنة والمستعصية بشكل نهائي كارتفاع ضغط الدم، مرض السكري والسرطان بمختلف أنواعه، حمانا الله وإياكم، من أصحابها لحجبها، لكي تظل شركاتهم تبيع أدوية تلك الأمراض التي لا يستغني عنها المرضى طيلة حياتهم، لاسيَّما أن تلك الأمراض تصيب اليوم أعداداً كبيرة من الناس في مختلف بلدان العالم.. فتنتفخ جيوب أولئك السماسرة وكروشهم، فيبنون بيوتاً بعشرات ملايين الدولارات في هولييود، بل وصلت قيمة بيوت بعضهم إلى أكثر من مائتي مليون دولار؛ ومع هذا ذهبت اليوم أدراج الرياح.
والحقيقة، لا أجد أفضل ما يمكنني أن أختم به مقالي هذا، من قول الحق عزَّ و جلَّ في الآية (42) من سورة الكهف: (وأُحِيطَ بثمره فأصبح يُقَلِّبُ كفَّيه على مآ أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أُشْرِك بربي أحداً).
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: ولایة کالیفورنیا مدینة لوس أنجلوس إضافة إلى فی أمریکا فی العالم ت أمریکا قیل إنه قیل إن غیر أن
إقرأ أيضاً:
حقوقيون: أمريكا وحلفاؤها الأكثر انتهاكًا للقوانين والمواثيق الدولية في العالم
يمانيون../
يتوهم العدو الأمريكي أن إمعانه في ارتكاب المجازر الجماعية بحق المدنيين اليمنيين سيسهم في تحقيق أهدافه التي عجز عن تحقيقها عسكريًّا. غير أن إرادة الشعب اليمني وصبره وإيمانه وثباته على الموقف الإيماني والأخلاقي المناصر لغزة كفيلٌ بإفشال مساعي العدوان وإحباطها.
ففي مجزرة ميناء رأس عيسى المروعة التي ارتكبها العدو الأمريكي في السابع عشر من الشهر الجاري، والتي راح ضحيتها 245 شهيدًا ومصابًا، ظهر العدو الأمريكي متبجحًا ومفاخرًا بجريمته الشنعاء، زاعمًا أن الهدف من تلك الغارة قطع الإمداد عن القوات المسلحة اليمنية. غير أن مشاهد الأشلاء والدماء المتناثرة لموظفي الميناء تقول خلاف ذلك، وتعكس حجم الحقد الأمريكي على الشعب اليمني بلا استثناء.
لم يمضِ سوى يومين فقط من تلك الحادثة المروعة حتى أقدم العدو الأمريكي على ارتكاب مجزرة أخرى أبشع من سابقتها، حيث استهدف سوق فروة الشعبي بأمانة العاصمة صنعاء، ما أدى إلى استشهاد وإصابة 42 مدنيًّا، غالبيتهم أطفال ونساء.
ويعمد العدو الأمريكي إلى التغطية على جرائمه الوحشية من خلال تبريرها وإلقاء اللوم على خصومه، وذلك كنهج دأب عليه الأمريكان منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اللحظة.
وأمام السجل الدموي لأمريكا، تلزم المنظمات والمؤسسات الدولية والحقوقية الصمتَ المريبَ إزاء كل جريمة تقدم عليها أمريكا أو أي من حلفائها، الأمر الذي يثبت زيف تلك المنظمات ويكشف عن شعاراتها الرنانة.
وفي الوقت الذي تدَّعي الولايات المتحدة الأمريكية رعايتها للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحماية الطفولة والمرأة وغيرها من الشعارات الإنسانية، تجعل أمريكا المنشآت الخدمية والحيوية والأحياء السكنية المكتظة بالمدنيين هدفًا استراتيجيًّا لها تقدم على تنفيذه في كل حروبها التي خاضتها وتخوضها عبر المراحل التاريخية.
أمريكا تزعزع الأمن العالمي
وفق محللين ونشطاء حقوقيين، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها هم الأكثر انتهاكًا للقوانين والمواثيق والعهود الدولية، ما يعكس النزعة الإجرامية لتلك الدول ورغبتها الكبيرة في خلخلة الأمن والسلم الدوليين وإرباك العالم.
ويؤكد مدير مركز عين الإنسانية للحقوق الإنسانية أحمد أبو حمراء أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية تاريخًا أسودَ ممتلئًا بالدماء والخراب، مستدلًّا بسجلها الدامي في أمريكا الجنوبية والعراق وفيتنام ونيجار واليابان.
ويوضح أبو حمراء في حديث خاص لموقع “أنصار الله” أن أمريكا وحلفاءها لا يراعون القوانين الدولية والمنظمات والأمم المتحدة ولا يلقون لها أي اهتمام، مؤكدًا أن الأمريكان ودول الغرب يسعون دائمًا لتوظيف تلك المؤسسات والمنظمات الدولية وفق ما يتلاءم مع مصالحهم الخاصة.
ويشير إلى أن جريمة ميناء رأس عيسى وجريمة سوق فروة الشعبي تمثل جريمة حرب مكتملة الأركان؛ وذلك لاستهدافه المنشآت الخدمية والحيوية والأماكن المكتظة بالسكان، رغم إدراكه أن تلك الأهداف مدنية ولا يوجد فيها أي من الأنشطة العسكرية، مؤكدًا أن تلك الجرائم انتهاك صارخ للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية.
ويلفت إلى أن تعمُّد العدو الأمريكي لارتكاب المجازر الوحشية بحق المدنيين يعكس هشاشة وضعف الأمم المتحدة ويكشف تواطؤها الدائم مع الجلاد.
وينوّه إلى أن أمريكا دائمًا تنظر للمقاتلين والمدنيين بعيون واحدة ولا تفرق بينهم أبدًا، مؤكدًا أن سفك الدماء وتحقيق الدمار سلوكٌ أمريكي وعقيدة تعوَّدت عليها منذ عقود طويلة.
ويشدد بأن الأمريكان يُضلِّلون العالم ويمارسون التظليل أمام كل مجزرة يقدمون عليها، وهو ما يحتم علينا العمل المكثف على مختلف الأصعدة لفضح الأمريكان وكشف سلوكهم الإجرامي وتعريتهم عالميًّا.
غارات العدوان لن تثني اليمنيين عن نصرة غزة
وحول هذا السياق، يؤكد الناشط الحقوقي سند الصيادي في حديث خاص لموقع “أنصار الله” أن الأمريكان لا يعترفون بالقوانين الدولية وأن الولايات المتحدة الأمريكية انصدمت بالقدرات العسكرية لليمنيين وتفاجأت بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة التي مثلت تحديًا كبيرًا للقدرات العسكرية الأمريكية.
ويبيِّن الصيادي أن العدو الأمريكي يعمد إلى استهداف الأحياء المدنية وقتل المدنيين بهدف التغطية على فشله الذريع وهزيمته المدوية التي مُني بها على أيدي القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.
ويشير إلى أن الكونغرس الأمريكي منزعج جدًّا من أداء القوات الأمريكية إزاء فشلها الذريع في الحد من القدرات العسكرية اليمنية ومنع العمليات العسكرية اليمنية.
ويلفت إلى أن وسائل إعلام أمريكية تحدثت مرارًا وتكرارًا عن فشل القوات الأمريكية في اليمن واستهلاكها مبالغ مالية دون تحقيق أي نتيجة تذكر.
ويسعى العدو الأمريكي من خلال استهدافه المدنيين اليمنيين إلى الضغط على الشعب اليمني ومحاولة ثنيه عن موقفه الإيماني والأخلاقي التاريخي المساند لغزة. غير أن مشاهد الجموع الغفيرة المتجمهرة في الساحات، وتصريحات المصابين وذوي الشهداء الذين استهدفتهم غارات العدوان الأمريكي، تقول خلاف ذلك. فالشعب اليمني اتخذ قراره بقناعة تامة وإيمان عميق وعقيدة شديدة لا يمكن التبديل عنها مهما بلغت التضحيات.
وتمثل الإرادة الشعبية في الثبات على الموقف المؤازر لغزة صدمة إضافية للعدو الأمريكي وعملائه، إذ أنها تفشل العدو في آخر أوراقه.
وحول هذه الجزئية يقول الناشط الحقوقي الصيادي “كلما صعد العدو الأمريكي في عدوانه على اليمن، زاد تصعيد الشعب اليمني والتفافه حول القيادة السياسية والثورية”.
ويضيف “التحديات الأمريكية والتصعيد الأمريكي يقودنا نحو تطوير المزيد من القدرات العسكرية اليمنية وجعلها مواكبة للتحديات الراهنة”.
ويشير إلى أن الشعب اليمني يعتبر الجرائم الأمريكية بحق المدنيين وقودا للاندفاع بشكل أكبر في الساحات ومواجهة التصعيد بالتصعيد، مستدلا بالحضور الشعبي الكبير في الساحات في جمعة “ثابتون مع غزة، مستمرون في مواجهة العدو الأمريكي والإسرائيلي”.
ويقودنا التصعيد الأمريكي في استهدافه المدنيين وتعمده قصف الأحياء السكنية والأعيان المدنية وأماكن التجمعات السكانية إلى استشعار الرعاية الإلهية والألطاف الإلهية التي تحضر أمام كل جريمة يقدم العدو الأمريكي على ارتكابها؛ آخرها جريمة فروة، فبالرغم من سقوط الغارات وسط سوق شعبي مكتظ بالناس يحيطه منازل شعبية مبنية من اللبن، إلا أن حجم الضحايا والتدمير كان خلاف ما توقعه المعتدون، وهو ما يعكس الحضور الإلهي بتلك الحادثة.
وفي المقابل تؤكد القوات المسلحة اليمنية مواصلتها العمليات العسكرية ضد العدو الصهيوني إسناداً لغزة، وكذا التصدي للعدوان الأمريكي وإحباطه. وما تبديل حاملات الطائرات حاملة تلو أخرى، والتي وصلت إلى الخامسة، إلا شاهد من شواهد الانتصار اليمني والإخفاق الأمريكي.
موقع أنصار الله – محمد المطري