احتفالية الشارقة بمئوية مكتباتها تؤكد أننا أمة «اقرأ»
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
الشارقة: عثمان حسن وجاكاتي الشيخ
تفاعل عدد من الكتّاب والمثقفين الإماراتيين مع احتفاء الشارقة بمئوية مكتباتها العامة بوصفها احتفالية تعيد الاعتبار لهذا الإرث العريق الذي تمثله المكتبة، وتؤكد بحق أننا أمة «اقرأ»، فضلاً عن دور المكتبة المركزي في المشروع الثقافي والحضاري للشارقة، وأكدوا على أهمية المكتبات العامة كمعلم دالٍ على الحضارة والمعرفة، فعلى مدار هذه السنوات المئة، شكلت وعي إنسان هذا المكان، وكان لها الفضل في إضاءة العقول وإنجاز مقومات البناء والتطور، الذي تشهده الإمارة اليوم.
يرى الروائي علي أبو الريش أن المكتبة بشكل عام هي كتاب مفتوح يستقي منه الإنسان معارفه، لأن المعرفة من أهم أسس قيام الحضارات، وتطور الشعوب وترسيخ ثقافاتها، ولذلك فإن مكتبة الشارقة تُعدُّ من أهم المعالم الثقافية بدولة الإمارات، فقد رفدت ثقافة البلاد بما لا يمكن حصره من الفوائد، وهذا يعود إلى اهتمام حكام الشارقة بالثقافة عبر مرور الزمن، وخاصة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حيث كان لسموه دورٌ كبيرٌ في تعزيز مكانة هذه المكتبة، بالإضافة إلى جعل الإمارة تنبض بالثقافة من خلال العديد من الفعاليات التي تحرّك الساحة الثقافية المحلية.
ويضيف: الإنسان من دون ثقافة يصبح شجرة جرداء، والبلدان التي لا تهتم بها تظل في ذيل الأمم، بينما تصبح البلدان التي تهتم بها في مصاف الدول، وهذا ما نعيشه في ساحتنا الثقافية بفضل تأثير مؤسساتنا العريقة مثل هذه المكتبة.
ويوضح أنه زار هذه المكتبة مراراً، حيث اطلع من خلالها على إنتاج أوائل الكتاب والمثقفين الإماراتيين، وحتى العالميين، بل يذكر وجود بعض أعماله الشخصية فيها، وهذا ما يؤكد أهميتها، لأن الاستثمار في الثقافة من أهم ما يمكن أن تبذل فيه الجهود، وهو ما يجعله يشعر بالفرح لمثل هذه الاحتفاليات، التي تفي مثل هذا الصرح حقّه.
ويعتبر أن مكتبة الشارقة قد لعبت دوراً ثقافياً كبيراً، بوصفها ظلّت ملجأً معرفياً للعديد من مثقفي هذا البلد، وأن الاعتماد على صرح مثلها في الشارقة يجعلنا نمسك بزمام الحاضر ونستلهم المستقبل، لأن الثقافة خالدة، خاصة في قلعة مثل الشارقة ترويها وتستثمر فيها، وسنظل دائماً بحاجة إلى تعاون وانسجام ورعاية ثقافية كالتي نحصل عليها في الشارقة، التي تعتبر مكتبتها قبلة للمتعطشين إلى المعين المعرفي مثل غيرها من مكتبات الدولة.
نقطة نور
الشاعرة شيخة المطيري، قالت: «منذ وثائقنا الأولى وذكرياتنا الراسخة تجلى الاهتمام بالكتب والقراءة والمعرفة في الشارقة، فلم تكن هذه الأرض مجرد مساحة جغرافية يرصدها معجم البلدان في ما يرصد، ولم تكن محطة عبور عابرة، أو مشهداً بشرياً عادياً، بل كانت مدينة واعية تتحدث أيامها فكراً، ويستلهم أبناؤها منها الثقافة والأدب والنور».
وتابعت: «التفت الإنسان الشارقي منذ البدايات إلى أهمية العلم، فجاءت المجالس العلمية والحلقات النقاشية لتحدث الفارق اليومي في الحياة، ثم كان وجود الكتب وتأسيس المكتبات الخاصة والعامة التي حفظت التاريخ والوثائق والمخطوطات وما جاء على نوادر الكتب من ملاحظات وتعليقات.
ويدرك القارئ في تاريخ المكتبات في الإمارات عموماً والشارقة خصوصاً أن مكتبة الشارقة التي انطلقت عام 1925م على يد مؤسسها الشيخ سلطان بن صقر القاسمي –حاكم الشارقة في ذلك الوقت– والتي أسماها المكتبة القاسمية، كانت هذه المكتبة هي الرسالة الرسمية للمجتمع بأهمية القراءة وتفعيل دور الثقافة». ولفتت: علينا أن ندرك المسارات التي كانت تسير فيها المكتبة من تزويد المكان بما يحتاجه القراء وبالنظر في القوانين المتعلقة بالمطالعة والاستفادة وما إلى ذلك، قد ظهرت أبحاث كثيرة تناولت تاريخ المكتبة ورصد الحركة التطويرية التي مرت بها، منها على سبيل المثال الدراسات التي قدمها الباحث والمؤرخ علي المطروشي، علينا أيضاً أن نلتفت لأولئك الذين عملوا في المكتبة والذين حافظوا على إرثها.
وأضافت: أما اليوم فإننا نقف أمام الممارسات الحديثة التي تقدمها المكتبة في مجال خدمة الباحثين على اختلاف الشرائح والفئات العمرية، والاهتمام الرائد بنوادر المكتبة من المخطوطات والمطبوعات التي تستقبل الزائرين. إضافة إلى المشاركات العالمية للمكتبة في المحافل الدولية والتي يحضر فيها جناح المكتبة مستقبلاً المتخصصين في قطاع المكتبات من العاملين المهنيين والدارسين.
النسيج الثقافي
الروائية فاطمة المزروعي، قالت: «تُعتبر مكتبات الشارقة جزءاً أساسياً من النسيج الثقافي والمعرفي في الإمارات حيث تحتفل هذه المكتبات بمئويتها، مما يعكس تاريخاً حافلاً من العطاء والإسهام في تطوير الثقافة والمجتمع منذ تأسيسها، لعبت المكتبات في الشارقة دوراً محورياً في تعزيز القراءة والمعرفة، وإثراء الحياة الثقافية في الإمارة».
وأضافت: تأسست مكتبات الشارقة منذ مئة عام، وكان الهدف منها هو توفير مصادر المعرفة للجمهور وتعزيز الثقافة المحلية، منذ ذلك الحين، شهدت المكتبات تطوراً ملحوظاً، حيث تم إنشاء العديد من المكتبات العامة والمتخصصة التي تلبي احتياجات مختلف فئات المجتمع. تُعتبر مكتبة الشارقة العامة واحدة من أبرز هذه المكتبات، حيث تقدم مجموعة واسعة من الكتب والمصادر الإلكترونية، تستضيف فعاليات ثقافية وفنية متنوعة.
ولفتت إلى الدور الكبير الذي لعبته مكتبات الشارقة العامة في تعزيز الثقافة من خلال توفير بيئة ملائمة للقراءة والتعلم، فهي ليست مجرد أماكن لتخزين الكتب، بل هي مراكز ثقافية حيوية تحتضن الفعاليات الأدبية والفنية، مثل الأمسيات الشعرية، وورش العمل، والمعارض الفنية، هذه الأنشطة تعزز من التواصل بين المثقفين والقراء، وتسهم في نشر الوعي الثقافي والفني.
علاوة على ذلك، تركز مكتبات الشارقة على دعم التعليم والبحث العلمي، فهي توفر للطلاب والباحثين مصادر معلومات متجددة، ما يسهم في تطوير مهاراتهم الأكاديمية، كما تُنظم المكتبات برامج تعليمية للأطفال والشباب، مما يزرع فيهم حب القراءة والمعرفة منذ سن مبكرة».
وختمت بتأكيدها على أن المكتبات العامة تعتبر منصة لنشر الثقافة الإماراتية والعربية، من خلال استضافة المؤلفين المحليين وتوزيع الكتب التي تتناول التاريخ والتراث الإماراتي، كما تسهم هذه المكتبات في تعزيز الهوية الوطنية، وتُعنى بتوفير الكتب والمراجع الأدبية والعلمية والثقافية بلغات مختلفة، مما يعكس التنوع الثقافي في الإمارات، ويعزز من التفاهم بين مختلف الجنسيات.
دفء المكان
أما القاص والناشر محسن سليمان فقال: «المكتبة صرح علمي كبير بمثابة الجامعة فهي مؤسسة ثقافية تعليمية فكرية تثقيفية شاملة تحتوي تحت قبتها جميع قارات العالم ولغاتها، كما أنها حافظة التراث الثقافي والإنساني، ميزتها أنها لا تقتصر على سن معينة ولا على جنس معين أو عرق، بل هي في خدمة الجميع ممتدة إلى أزمان بعيدة ضاربة في القدم، ومكتبات الشارقة أخذت من ذلك الامتداد في نشأة مكتباتها وتطورها حتى أصبحت تحتفل بعيد نشأتها المئوي».
وتابع: «لقد مثلت مكتبات الشارقة حجر الأساس لبناء نهضتها منذ أوائل المؤسسين والأفراد الذين شكلوا النواة الأولى لنظام المكتبة وهيئته المعروفة وطريقة اصطفاف الكتب وترتيبها، مروراً بالمكتبات النظامية ثم الاستفادة من الأنظمة العالمية، وقد أولت إمارة الشارقة للمكتبة العامة دوراً كبيراً، ونشرت نموذجها في كثير من الدوائر والمراكز الثقافية في الشارقة، ومن ذلك المكتبة العامة في قاعة إفريقيا، ومكتبة المركز الثقافي في الشارقة، وغيرهما الكثير، حتى أصبح في كل بلدة وضاحية مكتبة عامة وزاوية كتب، ترجع فكرتهما إلى ذلك الزمان، وأصبحنا أمة القراءة.
وتحدث عن ذكريات خاصة مع المكتبات العامة ويقول: لي ذكريات أثيرة منذ دراستي الابتدائية في المكتبات العامة، كما أسترجع ذكريات أمين المكتبة وطريقة استعارة الكتاب، وبطاقة الاستعارة، واليوم يدعونا الفضول إلى قراءة تلك الأزمنة، ومدى أهمية ذلك الكتاب وتلك القصة، فضلاً عن مشاكسات الطفولة بين أرفف الكتب، كل ذلك يشكل الذاكرة الأولى لدفء المكان الذي يفوح برائحة الكتب، والشارقة إذ تحتفل بهذا الامتداد فهي ترسخ مكانتها كوجهة ثقافية تؤمن بالرسالة السماوية الأولى على نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بكلمة (اقرأ).
واحة للمعرفة
بدوره قال الشاعر ناصر البكر الزعابي: «لم تعد المكتبات مجرد بيت للكتب، بل هي علم من علوم المعرفة الحديثة، ومصدر ثري للمعلومات لكل قارئ ودارس وباحث ومحب ومثقف، بل إنها أحد أهم مصادر التعلم في منظومة التعليم قديماً وحديثاً، ومن المكتبات بدأت رحلة العلم والأدب ولا تزال تشكل الطريق الإبداعي الحضاري الأول، واحتفال إمارة الشارقة بمئوية المكتبة حدث سار، حيث تُعد الشارقة واحة للمعرفة، ومنارة الثقافة، وملاذ المثقفين العرب والعالميين، وهي رافد حيوي حقيقي للحراك الثقافي».
وتابع: «لا يمكن اختزال دور المكتبات الفعّال في كلماتٍ موجزة، وفي الشارقة يتجلّى الفكر الإنساني الهادف، واليوم يأتي هذا الاحتفال والاحتفاء بالإرث العريق لمكتبة الشارقة العامة، مواكباً للنهضة الفكرية والثقافية، كما أنها لحظة تاريخية فارقة لهذا الأرشيف الثقافي المتكامل لتكون أحد أهم وأجمل معالم إمارة الشارقة على الإطلاق».
حفاوة مستحقة
الشاعر إبراهيم الهاشمي، قال: «إن عمر هذه المكتبة الممتد إلى مئة عام يؤكد أن اهتمام الشارقة بالثقافة لم يكن وليد الصدفة، ولم يكن حديثاً، فهي إمارة قامت على الثقافة، ووجود هذه المكتبة يدل على وعي سكان هذه الإمارة بدور الثقافة منذ قيامها، ولا شك أن صاحب السمو حاكم الشارقة له دور كبير في تنمية هذا الحراك، وتنمية هذه المكتبة التي لا تقتصر على قلب الإمارة، حيث توجد لها فروع في أغلب مناطق الإمارة الأخرى، بالإضافة إلى تنوع المواد الموجودة فيها من كتب ومعارف».
وتابع: كانت المكتبة العامة في الشارقة موئل طلاب المعرفة، وكانت مقصد ضالتهم في كل شأن ثقافي، حيث كان هناك تعاون كبير بين هذه المكتبة وروّادها، ليس بسبب ما تحتويه من كتب ومعارف فقط، بل لأن القائمين عليها كانوا يستجلبون الكتب التي يطلبها هؤلاء الروّاد والمطالعون، الذين كانوا يقضون جلّ وقت قراءتهم بها».
ويرى أنه مع الأجيال الجديدة، واكبت هذه المكتبة العصر، حيث تقدّم خدمات أفضل على جميع الصُّعد، سواء في ما تحتويه من مراجع، أو في سهولة الوصول لها، أو في مساعدة الطلاب في التعامل مع التقنيات الحديثة، فالجانب التكنولوجي في هذه المكتبة متطور جداً، حتى إن بإمكان القراء الحصول على خدماتها عن طريق شبكة الإنترنت، التي يمكن الدخول من خلالها إلى محتويات المكتبة، بالتنسيق مع القائمين عليها وبلطف وتعاون تامّين.
تسهيل المعرفة
أما الكاتب جمال الشحي فيعتبر أن مئوية مكتبات الشارقة هي امتداد لدور هذه الإمارة الثقافي والمعرفي في دولة الإمارات والمنطقة، وأكبر دليل على ذلك هو حصولها على العديد من الألقاب، مثل عاصمة الثقافة العربية، وعاصمة الثقافة الإسلامية، وغيرها، ولكن مئوية المكتبات ستكون من أهم الألقاب التي تُضاف إليها، فخلال مئة سنة استطاعت الشارقة أن تجعل من المكتبات ركناً أساسياً لتسهيل المعرفة للجميع، ولهذا الاحتفال أهمية خاصة، حتى يعلم الجميع أن الحدث الثقافي في إمارة الشارقة ليس وليداً، بل هو فعل مستمر ومتعمق، وله جذور طويلة في دولة الإمارات.
وذكر أن مكتبة الشارقة في الثمانينيات كانت جزءاً من ذاكرة الطلبة، حيث كانوا يلجؤون إليها للقراءة واللقاءات الثقافية، وحتى أنها لعبت دوراً كبيراً في تشكيله شخصياً، حيث صار اليوم يعمل في مجال الكتب والنشر، وذلك لأن جزءاً من تكوينه كان بفضل ترعرعه في مكتبات الشارقة، ومعارضها ومشهدها الثقافي، ولذلك يدين بالكثير من الفضل لمكتبة الشارقة بشكل خاص.
ازدهار
وبدوره يؤكد الشاعر حسن النجار أن للمكتبة دوراً حضارياً مهماً في بناء المدن وازدهارها، ولا يخفى على الجميع أن الشارقة رافقتها مكتبتها منذ قرن، في جميع مراحل تطورها، حتى بلغت ما تشهده الآن، رغم بساطة الناس في ذلك العصر، وهو دليل على استشعار من يديرون شؤون الشارقة بأهمية المعرفة منذ أمَد بعيد، ويشير إلى أن رؤية الشارقة الثقافية أصيلة وممتدة مع الزمن، فهي تربط الماضي بالحاضر من خلال التأكيد على أهمية وجود المكتبة ودورها وفاعليتها بين أبناء المجتمع.
ويعتبر أن مكتبة الشارقة ظلّت رئة تمد أبناءها بكل ما تجود به أفكار الإنسان من معارف، ليس محلياً فقط بل من كل أنحاء العالم، حيث نعلم جميعاً أن المكتبة كانت هي صلة الوصل بالعالم الخارجي، خاصة في الفترة التي تأسست فيها هذه المكتبة، إذ لم تكن هناك وسائل إعلام أخرى.
ويضيف: كان الكتاب هو منفذ الإنسان الوحيد للاطلاع على ما يرغب فيه من كل ما هو جديد، ولكن رغم انتشار ما نشهده من وسائل، ستظل المدن شامخة ما دامت المعرفة، والمكتبة تُمنح الأولوية والاهتمام مثل ما نشهده في هذا الاحتفاء المئوي بمكتبات الشارقة، والذي يدل على تعزيز مكانة المكتبة وأنها باقية، وأثرها لا يزول، ولا بد أن تبقى مرتبطة بالمكان، كما أن هذا الاحتفاء بمثابة رسالة للأجيال بألا يتركوا المكتبة وحيدة.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الشارقة الإمارات المکتبات العامة مکتبات الشارقة إمارة الشارقة هذه المکتبة الثقافة من فی الشارقة ت الشارقة فی تعزیز من خلال التی ت من أهم
إقرأ أيضاً:
افتتاح النسخة المغربية من معرض "الخراريف برؤية جديدة" في المكتبة الوطنية بالرباط
افتتحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، النسخة المغربية من معرض « الخراريف برؤية جديدة »، الذي ينظّمه المجلس الإماراتي لكتب اليافعين بالتعاون مع المجلس المغربي لكتب اليافعين، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، وذلك ضمن البرنامج الثقافي للشارقة ضيف شرف الدورة الـ30 من المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط.
ويجمع المعرض خمسة فنانين إماراتيين وخمسة فنانين مغاربة، أعاد كلٌ منهم تخيّل حكايات شعبية من ثقافة الآخر بأسلوب بصري معاصر، يمزج بين التراث والحداثة، ويمنح الجيل الجديد فرصة التعرّف إلى شخصيات وأساطير شعبية شكّلت جزءاً من الهوية الثقافية في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية. وقد جاء هذا التبادل الفني الإبداعي ثمرة بحث معمّق من قبل المشاركين في مفردات الحكايات الشعبية للبلد الآخر، ليمثّل كل عمل قراءة شخصية جديدة لحكاية متوارثة من جيل إلى آخر.
وقالت مروة العقروبي، رئيسة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين: « منذ انطلاق المشروع على هامش معرض بولونيا لكتاب الطفل عام 2022، ونحن نطمح إلى أن يتجاوز المفهوم حدود المعرض، ليصبح حركة ثقافية متكاملة تسافر بالحكايات الشعبية من بلد إلى آخر.
وأضافت العقروبي: « نعمل على تحويل مشروع الخراريف برؤية جديدة إلى منصّة دائمة تُتيح لفناني كل بلد فرصة التعرّف إلى حكايات البلد الآخر، والغوص في رموزها، وفهم سياقها المجتمعي، وبهذا نعيد للحكاية دورها التربوي والمعرفي، ونحوّلها إلى لغة عالمية للتقارب الثقافي ».
وتُعد هذه النسخة السادسة من المشروع الفني المتنقّل، بعد نسخ نُظّمت سابقاً في كل من إيطاليا والمكسيك وكوريا الجنوبية واليونان وروسيا، حيث نجح المعرض في مدّ جسور فنية وثقافية بين الشعوب، عبر إعادة تقديم القصص الشعبية برؤية جديدة تحتفي بالاختلاف والتشابه الإنساني في آنٍ معاً.
وضمت النسخة المغربية من المعرض أعمالاً فنية مبتكرة قدّمها عشرة فنانين من الإمارات والمغرب، أعاد كلٌّ منهم رسم حكاية تراثية تنتمي إلى ثقافة البلد الآخر، بأسلوب بصري معاصر يعكس روحه الشخصية وتصوراته الفنية.
فمن الجانب الإماراتي، أعادت آمنة الكتبي تقديم حكاية « حديدان الحريمي » التي تدور حول فتى ذكي هو الناجي الوحيد من بين إخوته بعد أن ابتكرت له والدته بيتاً من الحديد يحميه من « أم الغولة ».
أما خالد الخوار، فاختار قصة « بنت الدرّاز »، التي تحكي عن فتاة كفيفة تعيل والدها وتواجه مصيراً غير متوقّع بعد أن تتوه في الغابة وتبدأ حياة جديدة تنتهي باستعادة بصرها والزواج من ابن المرأة العجوز التي آوتها.
وتناولت ريم أحمد أسطورة « عائشة قنديشة »، وهي واحدة من أكثر الشخصيات حضوراً في الموروث المغربي، وتجمع بين الغموض والأسطورة والمقاومة. تظهر فيها البطلة ككائن يجمع بين الفتنة والخطر، حيث تُسرد عنها روايات متناقضة تصوّرها إما مقاومة للاحتلال أو روحاً خبيثة تصطاد الرجال ليلاً. في حين قدّمت دلال الجابري رؤيتها لحكاية « هاينة والغول »، التي تدور حول فتاة تواجه الغول، وتضطر إلى التنكر والتخفي والهرب، قبل أن تنقذ خطيبها بمساعدة الطيور السحرية.
واستعرضت رفيعة النصار حكاية « وحش الغابة »، وهي قصة قصيرة لكنها مكثّفة في رموزها، وتحكي عن فتى ينجو من وحش شرس بفضل ذكائه، ويحوّل الخطر إلى نصر.
أما الفنانون المغاربة، فقد استلهموا أعمالهم من أشهر « الخراريف » الإماراتية، فقدّم محمد حيتي تصوراً بصرياً لحكاية « الهامة »، ذلك الكائن الخرافي الذي يُجسّد الجشع المفرط والجوع الذي لا يُروى. واختارت صوفيا علمي قصة « أم رخيش »، وهي طائر ضخم ومخيف، يُعدّ نذير شؤم، تعيش في أطراف المدن وتهاجم الموتى والضعفاء.
وأعادت هند خريفي تشكيل صورة « بو سولع »، الكائن الذي يشبه الذئب بعنق طويل وعيون حمراء، ويُمثّل الخوف من المجهول والظلام.
وقدّمت لمياء حميدوت عملاً فنياً مستلهماً من حكاية « جنّي الرقّاص »، مدفع الشارقة الذي لا يعمل إلا بالموسيقى والفرح.
تجدر الإشارة إلى أن مشروع « الخراريف برؤية جديدة » أطلقه المجلس الإماراتي لكتب اليافعين عام 2019 خلال برنامج « الشارقة عاصمة عالمية للكتاب »، بهدف تقديم الحكايات الشعبية من ثقافات مختلفة عبر التعاون بين الفنانين، بما يعزّز قيم التفاهم الثقافي والحوار الإبداعي المشترك، ويُعيد الاعتبار لسرديات المجتمعات في قالب بصري جديد. وقد جال المعرض في عدة دول، منها إيطاليا، والمكسيك، وكوريا الجنوبية، واليونان، وروسيا، إلى جانب أبوظبي والشارقة، ولاقى ترحيباً واسعاً من الزوار.
كلمات دلالية الشارقة، المعرض الدولي للكتاب