ممر وادي برقين.. من هنا نزح أهالي مخيم جنين
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
على طول ألف متر مشى أحمد حواشين برفقة مجموعة من العائلات من مخيم جنين شمالي الضفة الغربية باتجاه دوار العودة في المدخل الغربي للمخيم بعد تهديد الاحتلال باقتحامه وإجبارهم على إخلاء منازلهم.
وعلى محيط دوار العودة والمنطقة المعروفة باسم "وادي برقين" تجمع الأهالي استعدادا لنقلهم إلى القرى الغربية لمدينة جنين، في رحلة نزوح لا يعلم أي منهم موعد نهايتها.
تحدث أحمد حواشين للجزيرة نت عن الطريقة التي أجبرت بها قوات الاحتلال أهالي المخيم على الإخلاء عبر ممر مرورا بوادي برقين إلى دوار العودة.
وقال "عند بداية العملية أطبق الاحتلال الحصار على مخيم جنين وأغلق كافة المداخل إليه، خاصة المدخل المؤدي إلى شارع مستشفى ابن سينا وصولا لمركز المدنية، وكل من حاول الخروج منه أطلق عليه الرصاص، مما أدى إلى استشهاد هذا العدد الكبير من المواطنين في أول يوم من الاقتحام".
ومع اشتداد الحصار على الناس واقتراب الجرافات المجنزة إلى المداخل، ومع نقص المياه منذ العملية الأمنية الفلسطينية حاول الأهالي التجمع في مواقع محددة، لكن جيش الاحتلال أجبرهم على ترك منازلهم عبر مكبرات الصوت في شارع مهيوب وأحياء أخرى من المخيم، وأخبرهم أن طريق الخروج سيكون عبر وادي برقين فقط.
"تجمّعنا أولا في حارة الحواشين، ثم انتقلنا إلى حارة جورة الذهب، ومع اشتداد الخطر قررنا الخروج من المخيم، كانت الطائرة المسيّرة تحلق فوقنا وبدأت بالاقتراب حين تحركنا، ظلت ترافقنا طوال مدة النزوح، كانت تتحدث بجمل وتكررها لكننا لم نفهم ما تقول"، يقول حواشين.
إعلانويضيف "فتحوا ممرا واحدا للخروج، وفي منتصفه زرعوا جهازا يرصد بصمة الوجه، وكل من يشتبه به يجري اعتقاله".
قرابة 100 شخص أُجبروا على المرور بطريق ذي اتجاه واحد إلى خارج المخيم والمدينة، بينهم الكثير من الأطفال وعدد من المسنين، ويقول الشبان إنهم اضطروا إلى حمل عدد من الرجال على الكراسي طوال الطريق لأنهم يعانون من أمراض ولا يستطيعون المشي.
مراقبة وتهديدويقول الأهالي النازحون إن هذه المرة الأولى التي يتم تركيب أجهزة تفحص بصمات الوجوه ويجبَر الناس على المرور من أمامها، كما أنها المرة الأولى التي يجري فيها اعتقال الشبان خلال مرورهم من أمام الكاميرات الإلكترونية.
وتابع أحمد حواشين "قسمونا لمجموعات، كل واحدة مكونة من 5 أفراد وأخذوا بصمات وجوهنا، وكل من يتم الاشتباه به يجري اعتقاله، في البداية ضربونا ثم ألبسونا لباسا أبيض، ما حدث معنا يشبه ما حدث للنازحين من شمال غزة ومستشفياتها".
وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تناقل المواطنون الرسائل عن طريقة الخروج والتعليمات التي وُجهت إليهم، واشتركت أغلبية الرسائل بفكرة تشابه ما يحدث بما جرى في غزة.
ولم تحظَ بقية العائلات بالفرصة نفسها، إذ منع الاحتلال خروجهم بعد الساعة الخامسة مساء وأعادهم مرة أخرى إلى المخيم.
وتحدث الضابط المسؤول في الوحدة -التي راقبت عملية النزوح عبر ممر وادي برقين- للناس وأعطاهم تعليمات بأن فترة السماح للخروج في صباح اليوم التالي ستكون من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء.
داخل مخيم جنين كانت المسيّرات تجول في الشوارع وتطالب الناس بعدم إدخال السلاح إلى المنازل، تزامنا مع إلقاء مناشير جاء فيها "الخيار بين أيديكم، إما التوجه نحو المستقبل والرخاء الاقتصادي، أو السماح للمجرمين بالتحكم في مستقبلكم".
Voir cette publication sur InstagramUne publication partagée par الجزيرة (@aljazeera)
وضع طارئوصباح اليوم الأربعاء، كانت بلدية جنين تستعد للوضع الطارئ في المدينة والمخيم، مئات العالقين داخل مستشفى جنين الحكومي سُمح لهم بالخروج، وعشرات العائلات تضطر إلى ترك منازلها في المخيم.
إعلانوتحدث رئيس بلدية جنين محمد جرار للجزيرة نت عن خطتهم لتأمين الناس، وقال "تواصلنا مع البلديات في خط القرى الغربي لجنين، وطلبنا منها توفير حافلات لنقل الناس الواصلين إلى دوار العودة واستيعابهم وتأمين أماكن للسكن لهم في هذه الفترة".
وتابع جرار "نحاول تلبية الاحتياجات الطارئة لهم بشكل فوري، وعلى الرغم من منع الاحتلال طواقم البلدية من العمل في الشارع تواصلنا مع عدد من المؤسسات الأجنبية لتأمين ما يحتاجه الناس".
من جانبه، قال رئيس بلدية برقين محمد صباح للجزيرة نت إن البلدية فتحت أكثر من مكان لاستقبال أهالي المخيم النازحين.
وبخصوص ما يُعرف بـ"الديوان" -وهو قاعات كبيرة مخصصة باسم العائلات في القرى والبلدات الفلسطينية وعددها 5 في برقين- فإنه يجري تجهيزه وفرشه لاستقبال النساء والأطفال ممن خرجوا من مخيم جنين وتأمين احتياجاتهم من الطعام والماء والأغطية إلى حين انتهاء الأزمة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
كيف استقبل نازحو مخيم جنين شهر رمضان؟
"هذا أصعب رمضان يمر علينا، كل لحظة فيه صعبة، كل تفاصيل هذا اليوم صعبة"، هكذا تقول الفلسطينية أم معتصم، وهي شابة عشرينية نزحت قبل ٤٠ يومًا من منزلها في مخيم جنين بعد بدء إسرائيل هجمة عسكرية واسعة سمتها عملية "السور الحديدي" في مخيمات شمال الضفة الغربية.
في البيت الذي استقرت فيه أخيرًا بعد نزوح متكرر في قرى محافظة جنين، وهو عبارة عن سكن مخصص لطلاب الجامعة العربية الأميركية، كانت أم معتصم تنتهي من صلاة التراويح في اليوم الأول من شهر رمضان، وتحاول تحضير القليل من الحلويات لطفليها، علّها تشعرهما بدخول الشهر الفضيل.
تحدثت أم معتصم للجزيرة نت عن تفاصيل هذا اليوم كنازحة من مخيم جنين، وقالت إن الشعور مختلف وموجع، ولا يشبه إحساس اليوم الأول من الشهر الفضيل خلال السنوات الماضية؛ "كل شيء صعب، أدق التفاصيل وأصغرها صعبة، كنّا نفرح بقدوم الشهر، ونتهيأ نفسيا له، عدا التحضيرات والاستعداد الذي يسبق دخوله بأيام"، كما تقول.
ويعيش عدد كبير من نازحي مخيم جنين في بنايات معدّة لسكن الطلبة غربي مدينة جنين بعد تكفّل لجنة خدمات المخيم باستئجارها للنازحين وإسكانهم فيها.
إعلانيقضي هؤلاء النازحون رمضان في ظروف عصيبة بعد هدم جرافات الاحتلال منازلهم في المخيم وتشريدهم منها، وإجبارهم على تركها منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الإسرائيلية، قبل أكثر من شهر، من دون أن يسمح لهم بأخذ ملابسهم ومستلزماتهم اليومية.
تقول أم معتصم "نزحت في البداية عند أقاربي في قرية بير الباشا جنوب جنين، لكننا بعد مرور أيام أحسسنا أننا نقيد حرية العائلة التي استقبلتنا وأننا نثقل عليهم، فقررنا المغادرة، وبحثت عن سكن يناسب حالتي كأم لطفلين ومن دون زوجي، وبعد محاولات عرفت أن لجنة الخدمات وفرت لأهل المخيم هذه السكنات".
من دون طقوستشرح السيدة كيف تغير الحال بين رمضان هذا العام ورمضان في منزلها بالمخيم، "كنت أبدأ إفطار اليوم الأول بتحضير طبق أبيض أو أخضر، كي يستمر الشهر بالخير واليسر، هذه عادة توارثناها عن أجدادنا، اليوم لم أدخل المطبخ أصلا ولم أفكر في مائدة الإفطار ولا تحضيرها".
وقبل أذان المغرب قرع الباب، وتلقت العائلة النازحة وجبات جاهزة من إحدى التكيات التي تقدمها للنازحين. وقد بدا على الأم وأطفالها استصعاب فكرة النزوح المربوطة بالعوز وقلة الحيلة.
"حتى الأطفال افتقدوا طقوس رمضان هذا العام، في المخيم كانوا يبتهجون لتزيين المنزل وشراء أغراض رمضان، وقبل الإفطار كانوا يلعبون مع أطفال الحي، ويذهبون لصلاة التراويح مع والدهم، كل ذلك حرموا منه هذا العام بسبب تهجيرنا من منازلنا"، كما تقول الأم.
ولا تقف صعوبات أم معتصم عند تهجيرها من منزلها، فزوجها لا يستطيع الوصول إليهم في سكن الجامعة خوفا من ملاحقة الجيش الإسرائيلي، لاعتقاله في أوقات سابقة أكثر من مرة.
الحنين إلى المخيمفي مقر "جمعية الكفيف" وسط مدينة جنين، كانت العائلات النازحة تجتمع قبيل الإفطار في انتظار أذان المغرب. ويقولون إن جمعتهم هذه هي الشيء الوحيد الذي خفف عنهم النزوح والبعد عن منازلهم وأقاربهم.
إعلانورغم محاولات الجمعية تقديم كل ما يلزم للنازحين، وإيجاد مساحة لأطفالهم للعب والتفريغ، فإن الأهالي لا يتقبلون قضاء رمضان بعيدًا عن المخيم.
هنا تتحدث سلسبيل، وهي نازحة من حارة الدمج في مخيم جنين، عن أجواء شهر رمضان في المخيم، والتي تفتقدها مع عائلتها. وتقول إن رائحة المخيم مختلفة، وإنها تعيش الآن في غرفة مشتركة مع قريباتها وإن خصوصيتها محدودة، ومهما حاولت فلن يكون الوضع في غرفة النزوح كمنزلها.
تضيف سلسلبيل "في الجمعية مطبخ مشترك متاح للكل، لكن وفق ساعات محددة، وبالطبع الإفطار محدد كل يوم، ولا نستطيع تحضير ما يخطر في بالنا، لأننا خرجنا من منازلنا من دون أن نحمل معنا شيئا، والرجال لا يعملون ومصادر الدخل محدودة جدا إن لم تكن معدومة".
وتضيف "يوم أمس بكيت كثيرا قبل موعد الإفطار، تذكرت منزلي ومطبخي وقوائم الطعام التي كنت أعدّها، تذكرت أهلي وجمعات رمضان، تذكرت كل الطقوس التي كنا نقيمها في منازلنا، وحارات المخيم المزينة وأصوات الشباب في الشارع. كل ذلك أصبح ذكريات ولا يمكن أن يعود".
ويقول الأهالي إن مخيم جنين كان مميزًا في استقباله لشهر رمضان، لأن العائلات كانت تنظف مداخل المنازل والشوارع قبيل رمضان، ويعلقون الزينة، كما عرف المخيم بتجمع شبابه بعد صلاة التراويح، وبانتشار بسطات الحلويات في الشوارع. وتضيف سلسبيل "لم يكن المخيم يعرف النوم في رمضان، اليوم ننام بعد صلاة العشاء مباشرة".
وتذكر أن التكافل بين أبناء المخيم كان علامة مميزة، فلا يمكن أن تفطر عائلة في المخيم وحدها، ولا بد من وجود ضيف على الأقل على سفرة الإفطار يوميا.
وعُرف المخيم بوجود المسحراتي في رمضان، والذي كان في الغالب واحدا أو أكثر من شباب المخيم الذين يحملون الطبل ويجوبون الشوارع ويقفون على أبواب عائلات الشهداء يدعون لهم ويواسون عائلاتهم، ويذكرون مآثر كل شهيد.
إعلانويعيش في جمعية الكفيف، وهي جمعية تعنى في الأساس بالذين يعانون من إعاقة بصرية، قرابة ٢٢ عائلة نازحة تضم ٨٥ شخصا يتوزعون على ١٣ غرفة.
التراويح في الخيامورغم فقدان أهالي المخيم منازلهم ومساجدهم، فإن الغالبية اجتمعوا في اليوم الأول من رمضان في خيام أنشؤوها خصيصا لإقامة صلاة التراويح بشكل جماعي.
يقول أحد النازحين في جمعية الكفيف "هذا أصعب شهر يأتي علينا، واليوم الأول منه كان أطول يوم خلال الأيام الأربعين لنزوحنا، لأننا بعيدون عن منازلنا وعن الشوارع التي كبرنا فيها والمساجد التي كنا نصلي فيها. المفروض أن يكون رمضان شهر التراحم والتجمع وصلة الأرحام ولكنه يحل علينا ونحن مهجّرون؛ كل واحد من أشقائي في قرية".
ويضيف أنه رغم مضايقات الاحتلال واقتحاماته المتكررة في الأعوام السابقة، فإن كل ما حدث لا يوازي تهجيرهم من المخيم ودخول رمضان عليهم وهم نازحون.
وبحسب محافظ جنين، فقد هجّر الاحتلال قرابة ٢٠ ألفا من أهالي مخيم جنين، ونسف وهدم نحو ١٢٠ منزلا بالكامل وعشرات المباني بشكل جزئي "بهدف تغيير معالم المخيم تمهيدا لإفراغه".