غزة.. أسرار الصمود والثبات
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
سالم البادي (أبو معن)
بعد يومين من وقف إطلاق النَّار في غزة، تتباين المشاعر بين الفرح بإنهاء حرب ضروس طويلة الأمد، والخوف من عودة استمرار الحرب الصهيونية على قطاع غزة، ويترقب سكان القطاع استكمال مراحل الاتفاق بحذر بالغ، مع أمل في استمرار حالة الهدوء الذي ساد القطاع.
لا شك أنَّ اتفاق وقف إطلاق النَّار جاء بعد الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني العظيم ومقاومته الباسلة في قطاع غزة، على مدار أكثر من خمسة عشر شهرا.
وامتدت يد الإرهاب الصهيوني المحتل لتنزِع الحياة من أنفس بريئة كل ما يعنيها في الحياة أن تحيا ببساطة وفي سلام، وترفع قلوبها نحو السماء لتذكر اسم الله. فهل هناك جريمة أبشع وأقذر من جرائم الإرهاب الصهيوني؟
ما جرى في قطاع غزة من أحداث وأهوال، ليست مجرد حرب واعتداء وجرائم صهيونية ضد الشعب الفلسطيني الشقيق، وإن كان هذا أمرًا عظيمًا وحدثًا فارقًا، لذا لا أكون مبالغًا إن قلت إنَّ "طوفان الأقصى" جاء ليكشف ويُسقط الأقنعة الزائفة المخادعة في عالمنا المعاصر، جاء ليظهر ويكشف حقيقة الصهيونية الكاذبة التي كانت تسوق لنفسها بأنها "حمامة سلام".
أظهرت هذه "الحرب الضروس" ثبات ورباط وقوة إيمان الفئة المؤمنة الصادقة المُخلصة المدافعة عن حريتها وكرامتها ودينها وعرضها وأرضها، وأثبتت للعالم بصمودها أنها لن تتخلى عن وطنها وستدافع بكل ما أوتيت من قوة ولآخر نفس فيها، قال تعالى: " وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ "(الأنفال: 60).
أمة ضربت أروع معاني الصمود والثبات والكفاح والمقاومة والجهاد فكانت مع الله وكان الله معها، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الأنفال: 45).
لقد حولت المقاومة الفلسطينية مسار التاريخ، وأعطت دروسًا في التصدي للمحتل ولقنته درسا لن ينساه ولن تنساه الشعوب الحُرَّة.
وما جرى على أرض غزة هو نموذج نضالي وملحمة كبرى تجلت فيها كل معالم الإيمان، وارتسمت فيها صورة الإسلام الحقيقية، في الرضا والصبر والثبات والرباط، والعزة والأنفة، والإباء واليقين، وتجسدت فيها كل معاني العقيدة الإيمانية.
إن أرض غزة صارت اليوم محط أنظار شعوب العالم بثبات أهلها وصمودهم، فقد قدمت فصائل المقاومة الفلسطينية للعالم مثالًا حيًا في الإيمان الصادق، والأخلاق الإنسانية وأدب المعاملة، يرمقه العالم من بعيد بإكبار وإجلال، وجعل الرامقين في حالة ذهول وشرود ذهني سلبهم عقولهم.
أحداث غزة جعلت العالم كله من أقصاه إلى أقصاه ينظرون لهذه المشاهد وهم في حالة من الدهشة والذهول والإعجاب وهم يتساءلون: ما هذا الشعب العجيب؟ هل هؤلاء بشر مثلنا؟ وما هذه القوة الإيمانية التي يحملونها في صدورهم من صغار وكبار ونساء وشيوخ؟ وما الدافع أو السر الذي جعلهم يتحملون ويصبرون على كل هذا الكم الهائل من القتل والدمار والحرق والتعذيب والمجازر؟ ما السر في رفع معنوياتهم النفسية أثناء الحرب، رغم عظم الفقد وكبر الرزء ووحشة الحياة؟ ما سر صمود هؤلاء المقاومين المجاهدين المرابطين في ثغورهم؟ كيف استطاعوا أن يقفوا أمام أقوى وأعظم وأشرس الجيوش في العالم؟ هل هذا هو الشعب الذي كانوا يعُده الغرب وأمريكا والصهاينة إرهابيا قبل السابع من أكتوبر؟ هل هؤلاء الفلسطينيين إرهابيون كما يزعم الصهاينة؟
إنَّ ما رآه العالم في قطاع غزة من صبر وثبات، وقوة وبأس، وإيمان ويقين، وصمود وتحد، لا يمكن أبدًا أن يصدر عن إرهاب ولا من مخربين كما يزعم الصهاينة المحتلون! وإنما يصدر عن شعب استثنائي في تاريخنا المعاصر، ولا يمكن أن يصدر هذا عن شعب مجرد من كل مقومات الحياة، بل لابد من وجود سبب آخر وباعث مختلف ودافع آخر. إنه سر الإسلام وباعث الإيمان!
خلال هذه الحرب الضروس أخذت شعوب العالم تبحث عن سر هذا الإيمان، ويقرؤون عن ديننا الإسلامي.. أي دين هذا؟ هل يمكن لهذا الدين أن يوجه الناس لهذه السلوكيات، ويفضي بهم إلى هذا الطريق في الحياة؟
وبفضل الله العظيم قد شاهدنا العشرات والمئات؛ بل الآلاف من الناس من جميع بقاع الأرض يدخلون في الإسلام بما رأوه من رضا رغم الفقد، ومن ثبات رغم الفزع، ومن صبر رغم الجزع، ومن إيمان رغم وجود ما يؤدي للإلحاد!
إن ما جرى أمام العالم من حسن معاملة المقاومة الراقية الأخلاقية والإنسانية لأسرى العدو الصهيوني ليُمثل صورة إنسانية سامية باهرة مبهرة من أخلاق وسمات ديننا الإسلامي الحنيف الذي استمدت منه فصائل المقاومة الفلسطينية هذه الأخلاق العالية، وتلك الصورة الراقية في التعامل من خلال أوامر وتعاليم الإسلام العظيم، واتباعاً لسيرة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فتجسد واقعا عمليا في خلق فصائل المقاومة المجاهدين، مما كان له تداعيات إيجابية انعكست على هؤلاء الأسرى أنفسهم، وعلى من يتابعون هذه المشاهد في العالم.
كما كان له تأثير واضح في المجتمع الصهيوني المُحتل نفسه، مما جعل حكومة العدو تُستفَز منه وتُنكره؛ بل وتمنع الأسرى من تصريحاتهم أمام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها رغم ذاك نسفت صور أخلاقيات المقاومة الفلسطينية عبر الإعلام كل أكاذيبه الإعلامية القذرة.
وأخيرًا.. إنَّ معركة "طوفان الأقصى" أبرزت وأعادت ملف القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد، وأحيته في نفوس الأجيال الجديدة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
محافظة صنعاء تُحيي ذكرى يومي الصمود الوطني والقدس العالمي
الثورة نت/..
نظمّت السلطة المحلية بمحافظة صنعاء بالتنسيق مع التعبئة، فعالية خطابية بمناسبة اليوم الوطني للصمود ويوم القدس العالمي، وتأييد قرارات وخيارات القيادة وإعلان الجهوزية واستمرار التعبئة وحملة “طوفان الأقصى” في مرحلتها الخامسة.
وفي الفعالية أشار المحافظ عبدالباسط الهادي، إلى أهمية إحياء مناسبات، يومي الصمود اليمني والقدس، لاستذكار مظلومية الشعبين اليمني والفلسطيني إزاء ما ارتكبته قوى الهيمنة والاستكبار العالمي بقيادة أمريكا وإسرائيل وأدواتها من جرائم بحق اليمنيين والفلسطينيين.
وقال “إن الصمود يحتاج إلى تضحيات، والإسلام شجرة تظمأ ولا ترتوي وتؤتي ثمارها بدماء العظماء”، لافتًا إلى أن من الدروس التي قدمها الشهيد القائد حسين بدر الدين، المشروع القرآني الذي تعزّز أثره في يوم الصمود اليمني.
وأشار المحافظ الهادي إلى أن ثمرة الشكر لله عز وجل، يتمثل في العمل الميداني والتذكير المستمر للناس، لجعلهم واعين أمام جميع مؤامرات الأعداء .. مضيفًا “نشكر الله أننا في اليمن بقيادة السيد عبدالملك الحوثي، نعيش مواقف قرآنية يرضاها الله تعالى ويقبلها رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتجسّد التولي الصحيح لآل بيت رسول الله عليهم السلام”.
بدوره استعرض وكيل أول المحافظة حميد عاصم، صورا من الأحداث التي مرّت بها الأمة خاصة، الشعب اليمني منذ اليوم الأول للعدوان في مثل هذا اليوم قبل عشرة أعوام.
وتطرق إلى تضحيات أبناء اليمنيين وصمودهم في وجه العدوان الأمريكي، السعودي والإماراتي، منوهًا بما قدمه الشعب من عشرات الآلاف من الشهداء، ومئات الآلاف من الجرحى والآلاف من الأسرى والمفقودين، قدمت محافظة صنعاء بمفردها أكثر من 11 ألف شهيد، وعدد من الجرحى والمفقودين وتدمير البنية التحتية.
وأوضح الوكيل عاصم، أن العدوان والحصار، قابله صمود وثبات غير مسبوق لليمنيين، مبينًا أن العدوان لم ينال من عزيمة الشعب اليمني، وقيادته.
وأكد أن العدوان الأمريكي على اليمن، بسبب موقفه المناصر للشعب الفلسطيني، سيبوء بالفشل الذريع وسيتحطم على صخرة صمود اليمنيين، داعيًا أبناء المحافظة إلى الحضور المشرف في يوم القدس العالمي الجمعة المقبلة.
فيما أشار أمين عام رابطة علماء اليمن العلامة طه الحاضري، والأمين العام المساعد للرابطة العلامة خالد موسى، إلى أهمية إحياء ذكرى يوم الصمود ويوم القدس العالمي للتذكير بجرائم اليهود الصهاينة والمنافقين بحق أبناء شعوب الأمة الإسلامية، وتعزيز صمود اليمنيين.
وحثا على نبذ الخلافات والفرقة وتعزيز التلاحم الوطني والتماسك والالتفاف حول كتاب الله الكريم والعمل بما جاء به سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم لمحاربة الأعداء والحفاظ على الهوية الإيمانية.
وأكد الحاضري وموسى، أن الحفاظ على المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها الأقصى الشريف، مسؤولية تقع على عاتق كل أبناء الأمة العربية والإسلامية، ولا يتأتى ذلك إلا بوحدة الكلمة الموقف والعمل، وتوجيه بوصلة العداء لليهود الصهاينة المعتدين الغاصبين.
تخلل الفعالية الذي حضره وكلاء المحافظة عبدالملك الغربي وفارس الكهالي والمهندس صالح المنتصر ومسول التعبئة بالمحافظة فايز الحنمي وعدد من مديري المكاتب التنفيذية والمديريات قصيدتان للشاعرين حمزة المغربي وحبش شدليق.