حين تحلُّ سلطنة عُمان غدًا ضيف شرف على معرض القاهرة الدولي للكتاب فإنها لا تأتي محمَّلة بالكتب والمخطوطات فقط، بل تحمل على أجنحة الحرف تاريخًا متجذّرًا في الأصالة، وثقافة عبرت البحار والصحاري لتترك بصمتها في الشرق والغرب. إنها لحظة تلاق بين حضارتين عريقتين، تُعيدان اكتشاف بعضهما البعض في ضوء الكلمة المكتوبة، والذاكرة الممتدة، والتاريخ المشترك الذي لم ينقطع رغم تبدل الأزمنة ورغم تحولات السياسة وإرهاصاتها في العالم العربي.

إن أهم دلالة يمكن أن نقرأها في احتفاء معرض القاهرة الدولي للكتاب بسلطنة عُمان تتمثل في عمق الجذور الثقافية التي تربط بين مسقط والقاهرة، بين ضفاف النيل وسواحل عمان، حيث كان البحر رسول المعرفة والتجارة، وكانت القوافل التي تعبر الصحاري ذهابًا وإيابًا تحمل في متونها إلى جوار البضائع القصص والأشعار والأفكار التي صاغت الوجدان العربي على مدى قرون.

لم تكن عُمان صاحبة التاريخ العريق رغم ما يحيط بها من جبال شامخة وبحار مضطربة في معزل عن محيطها، كانت ساحة انتاج فكري وحضاري ومهدا لحضارة قامت على التسامح والانفتاح على الثقافات؛ ولذلك فإن عُمان تحضر في هذا المحفل الثقافي لتؤكد أن الثقافة كانت وما زالت جسرًا نحو المستقبل، وهي التي تعيد تشكيل الوعي في لحظة يبدو فيها العالم العربي في حاجة ماسة لبناء وعي جديد، وهي تسهم في بناء إنسان أكثر إدراكًا لجذوره وأكثر استعدادًا لمواجهة التحديات التي تفرضها العولمة وتحولاتها.

ستقدم عُمان في هذا المعرض إرثها الأدبي والثقافي الذي تميّز بالتوازن بين الأصالة والمعاصرة، حيث المخطوطات النادرة التي توثّق فكر العلماء والأدباء العمانيين، وحيث الأدب الحديث الذي يعكس تطلعات الجيل الجديد من الكُتّاب والشعراء. وسيكون للزائر فرصة الاطلاع على نتاج روائي متفرّد، وشعر متدفق، ودراسات عميقة توثق مسيرة الفكر العماني في مختلف المراحل.

لكن الحضور العماني في القاهرة لن يكون مقتصرًا على الكتب فقط، بل سيكون حوارًا حضاريًا مفتوحًا، تُطرح فيه قضايا الهوية، ومستقبل الأدب العربي، وأهمية حماية اللغة من التهميش في ظل ثورة التكنولوجيا، وكلها موضوعات تتقاطع فيها الرؤى بين عُمان ومصر، في محاولة جادّة لوضع أرضية لما يمكن أن يكون إرهاصات لمشروع ثقافي عربي متكامل.

ورغم أن العلاقات العمانية المصرية متجذرة عبر التاريخ في أبعادها السياسية والاقتصادية وليست في حاجة إلى ترميم إلا أن تعزيز الأبعاد الثقافية والفكرية من شأنه أن يقوي الروابط بين الشعوب أكثر مما تفعل الاتفاقيات الرسمية؛ ذلك أن الثقافة، حين تكون نابعة من روح الأمة، تُصبح قوة ناعمة لا تُنافسها السياسة، بل تُكملها، وتُعمّق حضورها في الوجدان الإنساني.

إن وجود سلطنة عُمان بكل هذا الزخم الحضاري والثقافي في معرض القاهرة للكتاب من شأنه أن يقول بصوات واضح ومسموع: إن الأمة العمانية ما زالت تحافظ على ثقافتها وتصون منجزها الفكري وتحتفي بمبدعيها وأمة بهذا المعنى وبهذا الفعل قادرة على أن تكون فاعلة في مسيرة التاريخ.

وإذا كان كبار مثقفي العالم العربي وصناع الثقافة والكتاب يحضرون كلهم معرض القاهرة للكتاب فإنهم جميعا يشاركون الاحتفاء بالمنجز الثقافي العماني الذي تحتفي به القاهرة باسم العرب جميعا، إنها لحظة مهمة للثقافة العمانية، حيث تُعيد فيها تقديم نفسها للعالم العربي، لا بوصفها، هذه المرة دولة الأمن والأمان ورمز الاتزان السياسي والتصالح، ولكن بوصفها مركزًا ثقافيًا عربيًا ومقرًا لواحدة من أهم الحضارات الإنسانية.

حين تفتح القاهرة أبواب معرضها السنوي للكتاب صباح الغد فإنها لا تفتحها لدور النشر والكُتّاب فحسب، بل تفتحها للتاريخ كي يتكلم، وللمعرفة كي تتدفق، وللأمم كي تتحاور.. وعُمان، بحضورها الثري، لن تكون مجرد ضيف، بل ستكون ركنًا أصيلًا في هذه المساحة من النور الضاح وستقول بملء فيها وفي مثقفيها أن الثقافة ليست ترفا بل هي قدرُ الشعوب التي تصرّ على أن تكتب مستقبلها بأقلامها، لا بأقلام غيرها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: معرض القاهرة

إقرأ أيضاً:

تكريم 150 طالباً متفوقاً من مدارس جيل القرآن بريمة

الثورة نت/..
نظمت التعبئة وقطاع الإرشاد بمحافظة ريمة أمس الثلاثاء، حفلًا تكريميًا لـ150 طالباً من المتميزين والمتفوقين والمعلمين من مدارس جيل القرآن على مستوى مديريات المحافظة.
وفي التكريم بحضور وكلاء المحافظة محمد مراد وحافظ الواحدي وفهد الحارسي، بارك وكيل المحافظة يعيش الضبيبي، تفوق الطلاب ممن نهلوا من القرآن وفيض العلم، وتوّجوا بالمراكز الأولى للعام الدراسي 1446ه‍.
وأشاد بمخرجات مدارس جيل القرآن ودورها في تسليح الأجيال بالقرآن والوعي والثقافة والإيمان .. مؤكدًا أهمية استمرار تنظيم الأنشطة الداعمة والمساندة للشعب الفلسطيني وتعزيز الصمود لمواجهة التحديات الراهنة.
فيما أشاد مساعد قائد المنطقة الخامسة صالح حمزة، بمخرجات مدارس جيل القرآن، لافتاً إلى أهمية دفع الأبناء إلى مدارس جيل القرآن لتحصينهم وتعزيز التربية الإيمانية الجهادية في أوساطهم.
بدوره أوضح مسؤول قطاع الإرشاد بالمحافظة رضوان الحديدي، أن عدد الطلاب المتفوقين والملتحقين في مدارس جيل القرآن 2700 طالب في أكثر من 100 مدرسة على مستوى مديريات المحافظة.
وأكد أهمية الالتحاق بالمدارس لتلقي العلم النافع وتحصين النشء من مخاطر الثقافات المغلوطة والتسلح بالهوية الإيمانية والثقافة القرآنية.
تخلل الحفل بحضور مدراء مكاتب تنفيذية ومديريات ومسؤولي التعبئة وقيادات تربوية وكوادر تعليمية وعلماء، كلمة عن الخريجين وأوبريت إنشادي وقصيدة شعرية.

مقالات مشابهة

  • تكريم 150 طالباً متفوقاً من مدارس جيل القرآن بريمة
  • وزارة الثقافة تُعلن القائمة القصيرة لجائزة الدولة للمبدع الصغير 2025
  • بالأسماء.. الثقافة تُعلن القائمة القصيرة لجائزة الدولة للمبدع الصغير 2025
  • جهل واسع في بريطانيا بحجم تورطها في العبودية
  • معرض فيصل الثالث عشر للكتاب يختتم فعالياته الثقافية والفنية
  • بنك عمان العربي ينظم "معرض العيد" لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • «نحو أمومة سعيدة وآمنة».. ندوة في معرض فيصل الثالث عشر للكتاب
  • ماذا وراء تصريحات مبعوث ترامب للشرق الأوسط التي قال فيها إن مصر مفلسة والنظام مهدد بالسقوط؟
  • شائعات حول iPhone 17 Air مشكلة Apple مع Siri
  • سفير الصومال في القاهرة يؤكد أهمية الدور الذي تلعبه جامعة الدول العربية